دومًا ما شعرت أنني أحمل متاهة في جوفي
وأنني شديد الشقيه حدما كان من الصعب للجميع أن يفهموا ما بي، ولذلك كنت دومًا مُغرّبًا عن الجميع، رغمًا عن كوني ولدت لا أعرف من البلدان عدى موطني، ولم تسمح لي الفرصة أن أحادث أحدٌ لا يملك لكنةً بخلاف خاصتيلكني كُنت أُرى دومًا من ذات منظور بيئتي الحاضنة الأولى، كُنت أرى في أعين الجميع تلك النظرة التي حملتها أعينهم قبلًا، أستمع من بين أحاديثهم تلك الرنه شديدة اللهجة في الرفض
كُنت أحاول دومًا أن أرتدي لباسًا يساير هيأتهم، وأن أتسق في أحاديثهم، وأن أنتعل مقاصدهم وأفكارهم، لكني لم أعي أن لا فرارًا من ما بُصمت به منذ صُغرك، وأنني سأظل رغمًا عن لباسهم وأتساقاتي معهم كمتاهه أن أقبل عليها أحدهم فلا رجوةً قد تدعي فهمه وخلاصه مني، وأن لاشيء في هذا الكون قد يُناسبني أو يشبهني، لم أجدني قبلًا ليتمكن من بعدي أحدهم
أشعر ومنذ ولادتي أنني أعيش كميتٌ، وكأنني الاشيء في حياتي وفي أيامي القليلة الراحلة فحسب قد حان مراسم دفني في سردابٍ بالٍ هكذا الذي كُنت به، وما جعل مني مُحطمًا بشدةٍ أنني لا أزال حيًا في واقع الأمر
أشهد بوضوحٍ على عزائي القائم وكل الحضور أجزاءٌ مني، كُل عقدتٍ بي قد عُقدت، كُل حُزنٍ مضنٍ عُلق بي، كل منامٍ حلمتُ به ثُم فزعت له، ويال الحزن البالغ؛ فأنني مازلت خائفًا وليست لي يدًا حانيه تمسد خوفي فيزول ولا حتى يدي كانت كافية
أكتُب -ولا أملك قلمًا قد أسرد به- عن مميتتي الخالدة هذه ومامن قارئ عداي يقرأ، ويال رغبتي المستمرة في أن أرتكن لمرةٍ فوق كتف أحدهم وعن سوء العُمر فوقه أشكو، وإن كتفًا في واقع أمري لا يكفي فأنني أود جبالًا شامخات لعلي أكتفي
فأي ثُقل كامدٌ هذا الذي يعويني؟ أي دمعٍ سيكفني؟ أي تنهيدة أو زفرة رجاءٍ ستحمل ما بي؟ وأي قلمٍ هذا الذي سيكتب كل مواضيع شكواي وأي قارئ سينصف معانيّ؟
شعرتُ بحركةٍ هادئة تقطع ضرام شجاي الواجم في أمسيتي لليلة، وظللتُ أضم قدماي حيث صدري مُحكمًا؛ فأنني لا أود الحراك فللتو وجدت وضعية لا أشعر بها بجروحي القائمة
"آكتفيت؟" حدقت أليه بهدوءٍ أجس البشاعة البالغة في رنه صوته، أبعدت بصري من عليه أحدق للجدار الذي كنت أشاركه الصمت بليغ الحديث قبلًا، حيثما كان الحديث معه يدور حول ما أنحطه في ذهني وعن أفكار خلدي البالية
أفكر بصدقٍ عن ما كنت قد أكتفيتُ حقًا؟ وأنني فعلت .. وكم سيبدو من الجارح أن أخبره عن ذلك، وكم من المخجل أن أفعل ولكني فعلت؛ فرؤياك أخي فحسب كانت تجرحني عميقًا وتنشأ بي لهيبًا لا يهدأ!