في رحم الخواء

11 1 0
                                    

أن ندرك أخيرًا ما كنا عليه
أن ندرك بلاغه الجروح وقيح الخدوش، أن ندرك ما ترك في الخلف وما فقد منا، أن ندرك أخيرًا وبعد كل تلك المسافات الشاسعات من الركض إستحالة الوصول، أن ندرك أنه وبعد كل تلك المحاولات للحفاظ على شمعدانٍ في خضم العواصف أننا من طُفئنا ومن الجلاء غُربنا

باتت الحياة لي أكثر صمتٍ، أكثر هدوءٍ مما سبق، بدت فارغةً مهيبة، حتى الروح بين الترائب بدت في حالةٍ طارفه من الركود، كنت فزعًا ومترقبًا، كنت وكأنني في حالةٍ من الإستعداد المستمر، في حالةٍ من عدم البيان والجهل ولكني ورغمًا عن ذلك كنت أعي حقًا كم أن الركض نحو الفناء أفترني، كم أن المحاولات باتت أثقل مما يمكنني تحمله .

مضت أيامي بمظنه سقامها، مضت بي أيامٌ عديدةً لم أعشها وظللت كما مختلسٍ من خلف النوافذ يستشف حياةً لم تكن له، لم يكن هناك شيءً في واقع الأمر لي منذ البداية؛ فلطالما شيد سعيي للحصول على ما لا أملك لا على الإقرار بما لدي، وكأنني خلقت في رحم الخواء وبين حجر الفراغ ترعرعت، لا أمتلك شيءً ولا يودني أمرٌ كذلك

ومجددًا فكم كان يعزوني محاولات لوك واقعي
كم كان يخدشني صحون حصصي الشجبا
كم يوحشني سير العمر بما لا يمكنني أن أعيه

كانت أيامي دهماء مُقفرة، كنت أستيقظ في أوقاتٍ لا أعيها وفي أيامٍ لم أعد أعدها، أستيقظ في كل حينٍ برغبةٍ واحده وهي الهلاك، اللا استمرارية، دوافع الإضمحلال والفناء، كنت أجسني زهدٌ في الحياة بمهابةٍ؛ ظللت أنام لوقتٍ طويل حدما شعرت بالكرى يثقل جفناي في كل مرةٍ أفتح بها عيناي، وبالأرق قد حمل أمتعته تاركًا جانبي

أستيقظ في إحدى أيامي بثقل أفتر كاهلي ليس وكأنما نومي المديد كان كافيًا ليطرحه، ظللت فوق فراشي أبصر عبثية الأرجاء، ستائري المغلقة يتسللها ضوء النهار بخفوتٍ، زجاجات الماء الخالية كذهني، ملابسي والتي لم أنزعها بعد منذ آخر لقاءٍ

دحرجت قدماي واستطعت آن وقوفي أن أستمع لشكوى مفاصلي، فذهبت بشيخوخة العظم فيّ أغسل بدني لعلي أعود لصبوتي، ثم عند الإنتهاء ذهبت حيث نوافذي أفتحها رغم كرهي لتسلل ضوء الشمس ولكن عيناي سقمت الظلمة، وقابلني في حينها منظر الأراضي المبتلة بالغيث والذي لم أشهده أو أحسه به حتى

ذهبت أرتدي ملبسي بأناةٍ ثم رحت أمسك هاتفي لأعرف أي وقتٍ ويوم أكون به لكنه كان فراغٌ من البطارية، خرجت حيث مطبخي أحضر كوب قهوةٍ ثم سرت أحتسيه أمام شرفتي والتي بللها الغيث تمامًا وعندما أنهيت رحت أتفقد هاتفي والذي كان خاليًا عدى من رسالةٍ في بريدي والذي ملأ محتواها فكري.

في عشيّة يومي، كنت أقف حيث خزانتي أمسك بأحدى المعاطف أفكر بأي شيءٍ قد يتماشى مع بنِّ لونه، وأنتهى المطاف بأختيار قميص وبنطال بذات اللون، سرحت شعري، وضعت قفازات كفاي، رششت العطر ثم انتعلت حذائي قبل رحيلي

سكُون حيث تعيش القصص. اكتشف الآن