لا أعرف لما كل من ينظر إلي للوهلة الأولى يعتقد بأنه يعرفني بشكل تام، و يضع أحكامه عني بناء على تلك النظرة القصيرة و يصدقها ،لكنه لا يعرف من أنا أو من أكون أنا الحقيقي الذي يختبئ خلف غلاف القوة و الصلابة هذا! صلابة قاسية على كل من يراها و لينة على كل من يشعر بها .
أنا الشخص الذي يفضل الانعزال بنفسه بعيدا عن وجوه الناس و أحاديثهم المملة والتي يراها بدون فائدة ترجى منها لعله با هذه العزلة يعيد ما أفقدته السنين و بينما يستحوذ الخوف على قلبه أحيانا كثيرة ، كأي شخص طبيعي في هذه الحياة و لكنه لا يحب اظهار ذلك لأحد ليس لشيء فقط لأجل كل من يستمد القوة منه و يراه ذلك الجبل الصامد الذي يمكنه الاختباء خلفه و الاحتماء به من كل عاصفة و إعصار عات ، و حتى لا يشعرهم بالضعف و تنهار تلك القوة التي يرونها و يستمدونها منه .
هكذا اعتدت و عودت نفسي أن أعيش و أتنفس السلام و الهدوء داخلي ، حتى أتى ذلك الاعصار الذي قلب كل الموازين ليقلب حياتي كلها في لحظة حتى وجدت نفسي خاضعا له و غير قادر على مقاومته لينهار ذلك الجبل في لحظة أمامه ، إعصار دمر كل ما في داخلي من قوة لأصبح شخصا لا أعرفه شخصا ضعيفا و هش غارق في أوهامه و كأنه سحب مني كل طاقتي و مقاومتي و قدرتي على التفكير .
أصبح كل شيء باردا و لا يطاق منذ ذلك اليوم الذي رحلت فيه و اختفت و لم نجد لها أثر كا ورقة طافية على نهر جاري حتى أنني لم أعد أشعر بالوقت الذي يمضي بي و لا بعمري الذي يمضي معه كانت ليلة واحدة كفيلة لقلب كل ذلك الانتظار إلى مناحة و بكاء لا ينقطع لتترك فجوة يصعب سدها وإصلاحها قد جفت الدموع و ذبلت القلوب من بعدك يا نائلة .
لا زلت أشعر بوجود شيء ناقص في هذه القصة أن يأتي رجل غريب و يطرق بابنا بعدما تعد الوقت منتصف الليل بحجة طرد لا نعلم مصدره بينما مكتب البريد و كل المكاتب في المدينة و حولها يغلق أبوابه قبل غروب الشمس با ساعة ثم من هذا الذي يكمل عمله حتى بعد انتهاءه ، ماذا بعد هذا كله ؟ ما الذي يريدونه منا ؟ ألا يكفينا ما مررنا به حتى الآن !!! يبدو انهم لن يكتفوا با حيلهم الرخيصة هذه فقط و سوف يلجئون لغيرها .
من أرسل ذلك الصندوق إلى هنا كان يريد من أمي أن تستلمه بشكل مباشر حتى يتأكد من نجاح ما كان يرمي إليه فالاحتمالات واردة في هذا و كلها تدور حول شخص واحد و أمل أن أكون مخطأ فيما أفكر فيه .
استقمت من مكاني لأقف أمام الخزانة بعدما سحبت قميصا منها بينما أنظر الى صورتي المنعكسة على مرآتها المعلقة في أحد ذرفها كأنني أرى نفسي لأول مرة فيها حتى سمعت صوتها قادما من الباب قائلة:
هل تود الاختفاء مجددا ؟ اذا كانت لك نية في هذا فأخبرني على الأقل حتى أكون جاهزة .
رفعت رأسي لمصدر الصوت حتى وجدتها أمي واقفة بجانب الباب بينما تمسك بذلك الطرد السخيف بين ذراعيها حتى أمسكت جبيني بينما ابتسامة ساخرة علة وجهي قائلا :