( ترى العين ما يبصره القلب) Part 44

33 20 6
                                    

مرت الأيام تبعا و أنا لا أزال على حالي في ذلك الكوخ القديم ... دقائق حتى صارت ساعات ...  و ساعات حتى صارت أيام ... أيام حتى صارت أسابيع ... و أسابيع حتى صارت شهورا ... لم أرى فيها أحد و لم يراني أحد...  غير ذلك الغريب !!! ... يأتي الي مع بداية كل نهار و أخره ... يضع  فيها قطعة من الخبز و صحن صغيرا من الحساء .

كنت قد اعتدت زياراته التي لا تخلو من نظراته الغريبة ... حاولت التحدث معه  و لكنه في  كل مرة كان يكتفي با الصمت و التحديق ... با التأكيد لم يكن أصم أو أبكم ... فقد رأيته يتحدث الى أحد خارج الكوخ عندما كنت نائما .

مع نهاية اليوم دخل الى الكوخ لأحضار الطعام كما اعتاد فعله لشهرين متواصلين ... ما ان اقترب مني حتى وضعت قدمي أمامه ... ليقع مستلقيا على الأرض ... و يقع الطعام من يده و يختلط مع الأرض الخشبية ... صمت قليلا حتى نظر الي قائلا:

لما فعلت هذا!!!؟ 

توقف عقلي عن العمل للحظة ... كأنني أعيش أحد أحلامي ... نظرت اليه مطولا قبل أن أنطق قائلا:

 تستطيع التحدث !!!؟ ... لست أبكم أو أصم!!!؟

اكتفى با تنظيف المكان ثم هم في اتجاه الخارج ... سعادة احتلت قلبي و عقلي بعد سماع صوته ... عاد الى الأمل من جديد ... أمل نجاتي و خروجي من هذا المكان .

أغمضت عيني في تلك الليلة مستقبلا النوم با رضا تام ... بعد ابتعادي و تجنبي اياه طيلة الأيام الماضية ... كنت أعلم بأنه لكل شيئ ثمن ... و لكن ما لم أكن أعلمه هوا سرعة دفعي لذلك الثمن !!!

لم أتحدث معه في الأيام التالية لتلك الليلة ... بل أثرت إلتزام الصمت و عدم التعامل معه بأي شكل كان ... حتى يأتي و يتحدث معي من تلقاء نفسه ...  في البداية تعجب من التغيير السريع في معاملتي معه ...و هدوئي المفاجئ ... كأنه غير موجود
بجانبي .

 لم تختلف أيامي هناك كثيرا عن الأيام التي عشتها في المستودع ... غير تعذيبي الذي قل تدريجيا حتى أختفى ... مع مرور الوقت تغيرت معاملة ذلك الغريب معي ... حتى أنه أصبح يلقي التحية علي كل ما دخل عندي ... بينما كنت أقابله با الصمت .

في الليلة التالية لم أستطع النوم من كثرة التفكير ... و من الكوابيس التي داهمتني كلما أغلقت عيني... لأبقى مستيقظا ... ترتعش أطرافي خوفا مما هوا أتي ... قاربت الشمس على المغيب و أنا لا أزال مكاني ... مرهق  من كثرة التفكير ... من السهر ... من الخوف من المجهول .

بقيت جالسا في انتظار زائري المعتاد ... حتى غابت الشمس ... و لكنه لم يأتي ... مستحيل أن ينسى ... طيلة الأشهر الماضية لم يغب يوما عن تقديم الطعام أو الشراب ... بل لم يغب عن الكوخ مطلقا .

داهمني النعاس ... لأسقط في نومي العميق غير داري بما يحدث حولي ... استيقظت كا العادة و لم أجد أثر له ... نظرت الى الأرض غارقا في أفكاري ... مهلا !!! ما هذا ؟ 

نظرت مطولا اليه قبل أن ألتقطه با يدي ... تسارعت نبضات قلبي قبل أن أدخله في القفل في يدي ... سقط القفل  على الأرض ما ان أدرت المفتاح داخله ... وقفت من مكاني با صعوبة ... بينما تختلط مشاعري ... لا يدور في رأسي الا سؤال واحد :

كيف وصل الى هنا و من دون أن أشعر !!!؟

حركت جسدي المتصلب با صعوبة ... نتيجة عدم تحريكي له ما يزيد عن ستة أشهر ... فتحت باب الكوخ لأجده مفتوحا كما توقعت ... لقد وضع المفتاح أمامي عمدا و لكن لما !!!؟

واصلت سيري خارج الكوخ في اتجاه طريق صخري بين أشجار الغابة العالية ... التقطت عصا خشبية كنت وجدتها في طريقي ... أكملت سيري أتبع ذلك الطريق ... حتى أصبحت أشعر با استحالة انتهائه ... جلست تحت أحد الأشجار با جانب الطريق ... أحاول تنظيم نبضات قلبي المتسارعة ... تعامدت أشعة الشمس في منتصف السماء ... و أنا لا زلت في طريق حتى حلول الليل .

جلست تحت أحد الأشجار أريح جسدي ... لأسمع صوت حيوان يتحرك خلف بعض الشجيرات ... امسكت بعصاي بينما ترتعش يداي ... ما هي الا لحظات حتى قفز الحيوان خارجا ... و استقر فوقي ... فاتحا فكه يبرز أسنانه الحادة بقرب وجهي ... أغمضت عيناي بشدة في استقبال نهايتي .

حتى سمعت صوت ذوي نار ... ليقع من فوقي جثة هامدة ... زفرة الهواء براحة قبل أن أستقيم محاولا تهدئة نفسي... و لكن المر لم ينتهي هنا كما ظننت ... لأصبح أنا فريستهم القادمة ... أركض ف ظلام تلك الليلة أرتطم با الأشجار ... أسقط بين الفينة و الأخرى لأستقيم بسرعة مواصلا الركض ... كلما أشعر با اقترابهم ...  وأصوات كلابهم تعلوا لأمسك أذناي لعل ضجة داخلي تهدأ.

وقفت بجانب النهر بعد أن تأكدت من تضييعهم ... أمسك بركبتي محاولا التقاط أنفاسي ... شعرت بشيئ خلفي  و قبل أن أستدير ... لأقع على الأرض بينما امتلاء جسدي با دمائي ... لتصبح الرض كا لون غروب الشمس أسفلي. 

سلسلة حياتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن