مالا يمكن البوح به

104 39 2
                                    

حياة واحدة للعيش مرة و للموت ألف مرة  ربما كان يجب علي أن أعيش ذلك الألم و الحزن الذي رافقني في ذلك الوقت حتى أستطيع الشعور بالسعادة و اعطاءها قيمتها التي تستحقها ولكي أستطيع الحفاظ عليها و عدم التفريط فيها .

 فتحت باب المنزل برفق و حذر شديدين  حتى لا أحدث ضجة و صوت صاخب يمكنه أن يوقظ رامي و يفزعه من نومه بعد أن تركت غرفتي لعدم رغبتي في قضاء تلك الليلة نائمة على السرير بعد محاولاتي الفاشلة في النوم  لأخرج للفناء الأمامي لبيتنا ،كانت تلك المرة الأولى التي أخرج فيها و أتجول وحدي حول المنزل  ومن دون أن يرافقني زوجي أو أن يكون معي، شعور غريب رافقني بينما يحتضنني الظلام من كل جانب ، لم أعلم سبب ذلك الشعور الغريب و في ذلك الوقت هل لأنني كنت وحدي وسط غابة حاصرها الظلام من كل جانب و في ساعات متأخرة من الليل ؟ أم هي المسافة الطويلة التي قطعتها بعيدا عن البيت و من دون أن أشعر بالتعب أو الإرهاق؟ أم غياب الخوف و عدم احساسي به ؟ في الوقت الذي كان من الطبيعي أن أشعر به ، ظلام لم يكسره الا ضوء مصباحي الصغير الذي يرتعش لهيب شمعته كلما قادتني قدماي بعيدا عن البيت أكثر.

 كانت ليلة هادئة غاب القمر عن سماءها مما زاد وحشتها  و سكونها بشكل مخيف ،صمت يجعلك تشعر بالاختناق كلما فكرة فيه أو حاولت كسره بينما كنت أشعر با عظامي تكاد تلتصق ببعضها و تنكسر من البرد لأتحدث بعدما نظرت الى الطريق  خلفي و بنبرة لائمة بينما أحتضن نفسي قائلة :

 البرد قارس هنا !كان يجب علي أن أرتدي شيئا ثقيلا .

جلست على صخرة تحت أحد الأشجار الكبيرة حجما و طولا بعد أن هدئت و نسيت البرد قليلا بينما أنظر الى الأرض بوجه سارح  متفكر عما سيحدث غدا عند لقائي بهم بعد كل هذه المدة التي قضيتها بعيدة عنهم، هل لازالوا يتذكرونني أم أني أصبحت بالنسبة لهم كذكرى عابرة لا يتذكرونها الا في المناسبات ؟ كيف سيشعرون عندما يرونني أقف أمامهم بعد أن فقدوا الأمل في رجوعي ؟.

بالتأكيد سيكونون سعيدين لرؤيتي فأمي لن تنساني أبدا و ستبقى تنتظر اللحظة التي تراني فيها أقف أمامها ، لن تفقد الأمل و لن أفقده بلا شك بعد كل ما مررت به و صبرت لأجله فقد كنت سأعود اليهم على أي حال حتى لو رفض رامي ذهابي و عودتي لخوفه من أن أصاب بأذى، شعرت بنسيم بارد يلاطف وجهي لأبتسم عندما باغتتني تلك الذكريات البعيدة و القريبة من قلبي كأنني أعيشها الآن و في هذه اللحظة ، مهند و ناهد و عراكنا الذي لا ينتهي كل صباح إلا عندما نعاقب بالاحتجاز في غرفنا لنبقى عند الباب حتى نتأكد من ابتعاد أمي و انشغالها عنا ثم نهرب من النافذة بينما نركض في الأزقة الضيقة و ضحكاتنا تعلوا بينما نلتفت خلفنا بين كل لحظة و أخرى كأن هناك من يلاحقنا في الوقت الذي كنا نعلم من أن أمي تعلم أننا سنهرب و أننا لن نبقى في البيت طويلا حتى تجدنا نركض في الشوارع و أصواتنا تعلوا ضاحكين .

سلسلة حياتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن