لم أظن أن حياتي ستكون دائرة مغلقة من الهروب المستمر... حتى أن قدماي اعتادت على الركض ... أبتعد عن الواقع ... هذا الواقع الذي كان سدا منيعا بيني و بين كل ما أريد ... مع فشل محاولاتي في العيش بطبيعية.
أنا الذي كنت أشد من يقاتل من أجل تحقيق ما أعيش لأجله ... أنفض غبار اليأس و الاستسلام عن قلبي و أقوم من جديد ... لأتلقى ضربة أقوى من التي سبقتها ... كل من يتابع أيامي الماضية لا يرى مني الا الجانب الضعيف الذي أجبر على الخروج تبعا لما حدث .
لم يعد هناك وقت للبكاء و الضعف ... أصبح أمر انقاذهم مرهونا بسرعة تركي لهذا المكان ... لقد وضعوا ثقتهم الكاملة في ... و أنا لن أخون هذه الثقة ... حتى لو كان من الصعب علي اكماله بمفردي ... لن أستسلم ما دامت روحي لاتزال في جسدي.
في سابق عهدي استسلمت لذلك الواقع المؤلم و حاولت انهاءه با أضعف الطرق... حيث لم يعد لدي سبب لأقاتل من أجله بعد خسارتي لكل شيء بنيته في أحلامي ... و حاولت تحويله الى واقع ... شعرت أنه لم يكن هناك شيء يمكن اثباته أو تغييره في وجود لم أختره .
و لكني فهمت و علمت جيدا ذلك الشيء الناقص في ما أفكر فيه ... أني لم أعطي لنفسي ذلك الشأن العظيم الذي يساعدها على الاستمرار في ما تفعله با غض النظر عن العثرات و العقبات التي واجهتها .
أقاتل في أصعب الحروب لأثبت لذاتي أنني أستحق حياة أفضل ... أكون فيها شخصا قويا ما ان تعترضه عقبة يمر من فوقها كأنها لم تعترضه .
اقتربت من محطة القطار با نفاس متقطعة لركضي المستمر كل تلك المسافة ... و ابتسامة لا تفارق ثغري ... أخيرا وصلت الي هنا .
ما ان وضعت أول خطوة على أرضها حتى سمعت خطوات قريبة من خلفي ... استدرت في اتجاه الصوت ... ذهلت مما رأيت ...
انه هو !!!
الغريب من ليلة الغابة !!!
ما الذي جاء به الى هنا !!!؟ ... نظرت الى القطار الذي أوشك على الحركة و كلي أمل ألا يرحل من دوني ... حتى فاجأني صارخا :
خذ هذا و أعطه الى صديقك !!!
التقطت تلك الورقة الصفراء الملفوفة في يدي و كلي تفاجأ ... ما هذا الشيء!!!؟ ... كيف يعرف هويته!!!؟
أطلق القطار صافرته بقوة ... و أنا لا أزال هائما في أفكاري ... غير داري بما يحدث حولي ... اقترب مني بسرعة يهز كتفي حتى أستيقظ قائلا :
عد الى وعيك سوف تفوت القطار ... اما أن تذهب الان أو لن تذهب أبدا !!!
حركت جفناي بشكل متكرر ... أستوعب ما قاله ... حتى دفعني في اتجاه القطار و أغلق الباب خلفي بسرعة ... تحرك القطار و ابتعد عن المحطة و عيناي لا زالت معلقتا عليه حتى تلاشى في الأفق.
أخذت مكانا بجانب النافذة ... غير مدرك لما حدث قبل دقائق ... هل كان يساعدني أم أنه أراد رحيلي من هناك !!!؟
كيف علم برحيلي الى رامي !!!؟
أرخيت رأسي الى الخلف أستند على ظهر الكرسي ... أغمض عيني بينما أفكاري المضطربة .
لم يمضي الكثير من الوقت حتى أشرقت شمس اليوم التالي ... كان كل ما يشغلني أصدقائي و ما حدث معه في الليلة الماضية ... لا أريد استباق الأحداث و لكن كل ما أتمناه أن يكونا بخير حتى أصل الى رامي .
وصلت الى وجهتي مع انتصاف الشمس في السماء ... كنت أنتظر توقف القطار بلهفة حتى أنطلق مسرعا الى رامي ... ما ان توقف حتى ركضت مسرعا الى منتصف مدينتي ... با أمل يملئ قلبي فرحا .
شد انتباهي ركض الكثير من الناس في الاتجاه المعاكس لوجهتي ... لم ألقي بالا لذلك في بداية الأمر و بقيت مستمرا في ركضي الى هناك ... حتى طال ذلك الأمر مع ازدياد عدد الهاربين منها ... توقفت عن الركض أمسك با معصم طفل صغير حتى أسأله عن سبب ذك الركض ... أجابني قائلا :
لقد غضبت علينا هذه الأرض ... ان المدينة تحترق ... أضرمت النيران في كل مكان .
غضب الأرض !!؟ ... نيران مشتعلة !!!؟
سألت الطفل مجددا قائلا :
هل أحرقت النيران كل البيوت و الحانات أيضا !!!؟
أجابني با استغراب قائلا :
كلا ... لقد أضرمت في المحلات و بعض البيوت على جانبيها الشرقي و الشمالي فقط .
ثم تركني راكضا يتبع أصدقائه .
يحاولون الانتقام منا با افتعالهم للفساد على أرضنا ... بات ضعفهم واضحا من هذه الألاعيب الدنيئة ... يظنوننا سوف نستسلم اذا أهلكوا هذه الأرض .
يجب علي ألا أضيع المزيد من الوقت ... ركضت مجددا أجتاز حاجز الدخان الثقيل حولي ... حتى وصلت الى ذلك المكان ... حيث أعلنت أول خسائري أمامه ... انه بيتها !!!
مرت أمامي ذكرياتي بصور متقطعة ... تبعتها دمعة حارة نزلت على وجنتي ... أزلتها بعنف ثم دخلت بسرعة ... أطرق الباب بخفة ... تتصاعد نبضات قلبي مع كل طرقة... هذا اللقاء الوحيد الذي لم أتمناه أبدا .
ليفتح الباب ذلك الضخم ... ما ان راني حتى اندفع با اتجاهي بسرعة يغلق الباب خلفه ... أمسك با ياقتي و الغضب يتطاير من عينيه قائلا :
ما الذي جاء بك الى هنا مجددا !!!؟ ... يبدو أن ما حدث أخر مرة لم يؤدبك با الشكل الكافي !!! أعدك أنك سا تندم على تفكيرك في القدوم الى هنا !!! .
سحبني من ياقتي بعيدا عن بيته ... غير أبه لما يحدث حوله ... كانت الفوضى تعم كل مكان قربنا .
أنت تقرأ
سلسلة حياتي
Non-Fictionسوف نتقابل مجددا يا مهند , و في تلك اللحظة سأسألك عن سبب فعلتك تلك.