( هكذا نأتي ... ثم نذهب ... كأننا لم نكن يوما)
كانت هذه أخر جملة كتبتها قبل أن أغادر باب ذلك الفندق ... أنتظر الفرج من أي جانب ... محاولا مراجعة جميع الأحداث التي حدثت خلال هذه الفترة القصيرة ... التي لم تتعدى عاما كاملا ... كانت كفيلة بجعل روحي تتلاشى ... و كل أحلامي تأخذ مجرى الرياح ... أسير في الفراغ بلا هدف غير مستوعب ما جرى ... تقودني قدماي حيث اللامكان ... مشاعر من الحزن و الغضب تتخبط داخلي ... لائم نفسي على كل ما وصلت به .
لأجد نفسي أمام باب ضخم على مقدمته قضيب حديدي صدأ مغلق با قفل ضخم ... أدرت ظهري راجعا أدراجي حتى وقعت عيني على أثر قديم حديث ... تعجبت في بداية الأمر لكن سرعان ما عدت أدراجي محاولا اقناع نفسي بعدم التدخل في أمر أخر ... لم تكن لدي طاقة لتحمل خسارة أخرى ... يكفيني ما خسرت حتى هذه اللحظة ... أكملت محادثا نفسي با العودة و استكشاف ذلك المكان بدون الدخول اليه ... عدت بسرعة الى حيث كنت لأصعد على صخرة كانت قد استقررت على أحد الجدران الأمامية لذلك السرداب .
لعلي استكشف ما في داخله و أنظر من نافذته ... كانت الساعة في ذلك الوقت قد تعدت الثانية عشر بعد منتصف الليل ...الشوارع فارغة و البيوت قد انطفئ أضواءها معلنتا استعداد أهلها للنوم ... وصلت الى قمتها بصعوبة نظرت بحذر عبر تلك الفتحة متأكدا من خلو المكان من أحد ... و كما قلت سابقا لن أخسر شيئا اذا ألقيت نظرة سريعة أطمأن بها قلبي ... لم أعلم أن فضولي قد يؤدي بحياتي الى الهاوية أو ربما الموت ... بينما أنا أنظر الى الداخل شعر بقدمي تسحب للأسفل كأن أحدا ما يسحبني اليه ... سقطت على الأرض و صدري يعلو و يهبط من الخوف ... ليأتي الضرب من جميع الجهات .
وقعت فاقدا للوعي بعد تعنيفي بذلك القضيب الحديدي على رأسي... لم أستطع رؤية وجوههم كل ما أتذكره هوا صوت القضيب على جسدي ... و جر أحدهم لي الى داخل السرداب قبل أن أغمض عيني و أنام في سبات دام لأيام
في اليوم السابع من سباتي استيقظت على صوت سلاسل قرب أذني و صوت شخص يحاول ايقاظي... نهضت من نومي بفزع و أنا أحاول ادراك ما يحدث حولي ( أين أنا!!!؟) ... وضع الرجل يده على كتفي الأيمن في محاولة منه لتهدأتي ... أخذت نفسا عميقا معلقا ناضري في ذلك المكبل با السلاسل و الأصفاد ... بينما تخرج ابتسامة من فمه رغم ما لاحظته على جسده المنهك من كثرة التعذيب ... (يبدو أنك هنا منذ زمن طويل) سألته مترقبا ايجابته قاطعا حاجز الصمت الذي لاذ بنا لفترة بعد ايقاظه لي .
اكتفى بهز رأسه ايجابا ثم قال ( ماهي قصتك يا فتى !!!؟ كيف أتيت الى هنا!!!؟ ) تنهدت قليلا ثم بدأت أقص عليه ما حدث منذ عودتي الى المدينة و حتى قدومي الى هذا المكان ... هز رأسا متأسفا عما حدث معي ثم قال ( اسمع يا بني طالما أنك دخلت الى هذا المكان فيجب عليك ألا تخبرهم بأي شيئ عنك مهما كان صغيرا ... انهم مجموعة مجرمون سيبحثون عما يضعفك لجعلك تحت أمرتهم ... سيحاولون تعذيبك بجميع الطرق ظنا منهم أنك جاسوس قد تهتك بهم في أي لحظة ).
صمتت قليلا أفكر في كل كلمة قالها الرجل ... و هل هوا مسجون فعلا مثلي أم أنه فرد من أولائك الخاطفين ... ثم أدركت صدق حديثه بعد أن أمعنت النظر في عينيه و رأيت الصدق فيهما قائلا( ما اسمك يا عم ؟) ... ابتسم الي قائلا (عمر ... اسمي هوا عمر ) (و أنت !!!؟) أجبته بسرعة قائلا (أسمي أنور ) ... ابتسم بعد أن لاحظت غمازة في أحد وجنتيه زادته لطافة رغم هيئته المتعبة .
كانت أيامنا في ذلك السرداب متشابهة لم تختلف في أي شيئ ... حتى أنني فقد الاحساس با الوقت مع فقداني الأمل في خروجي من هناك ... كنت أنظر بشرود الى ذلك المكبل الذي لم تتغير ملامحه الحادة و الثابتة عن أول مرة رأيته فيها ... حتى أنني بدأت أشك أنه مسجون مثلي و أنه ثم اختطافه .
لاحظ العم عمر عيناي الشاردة فيه فابتسم الي قائلا(يبدو أن هناك ما يشغل بالك )... اجبته با تعلثم قائلا(لم أنت هنا يا عم ؟و منذ متى؟) ... صمت و قد طال صمته قبل أن يجيبني بكل هدوء قائلا (هل تصدقني اذا أخبرتك بأنني لا أعلم سبب وجودي هنا !!!) ... انتفض قلبي و زادت أنفاسي في سرعتها ما ان سمعته ... فكرت بأنها النهاية و أنني لن أستطيع الخروج من هنا طالما أنهم لديهم سبب قوي لاحتجازي ... لألوم نفسي على غبائي الذي قادني الى هذه الورطة .
اعتدنا دخول أحد ألائك الخاطفين صباح كل يوم يرمون لنا فتات خبز يابس قبل خروجهم ... و يدخل الينا أخر قبل غروب الشمس بسوطه الجلدي السميك الذي يرسم لوحته الفنية على أجسادنا بكل احترافية ... مع مرور الأيام لم أعد أشعر بجسدي من كثرة ما مر به في أيامنا الأولى ... حتى أنني حاولت خنق نفسي با السلسة المربوطة حول معصمي ... و لكنني كنت في كل مرة أفشل و كان العم عمر يمنعني من ذلك قائلا جملته التي حفظتها عن ظهر قلب (لا تفقد الأمل يا بني ... و لا تجعل هما واحدا ينسيك ألفا من النعم ... لا زالت الحياة أمامك و سوف تأتيك أيام تنسيك ما عشته ).
كنت في كل مرة أسمعه يكرر هذه الجملة أصمت متعجبا من مدى ثباته ... حتى عندما يضرب لا يرى منه شيئا يدل على ضعفه رغم جسده المتألم ... أحيانا أخجل من نفسي المتشائمة و المحبة للحياة حتى لو حاولت اثبات عكس ذلك ... فا مدة حجزي لا تقارن بمدة عيشه في ذلك السرداب... كنت أنام جزء من الليل و أسهر ما تبقى منه خوفا من غدر أحد بنا و نحن نائمون ... حتى أستطاع التعب و قلة النوم السيطرة على جسدي ... مع مرور الوقت أصبح سمعي أضعف ثم تبعه تشويش في الرؤية حتى أنه أصبح من الصعب علي تمييز ما يدور حولي ... بقايا جسد بلا روح هكذا صار حالي ... أهلوس كل ليلة بأشياء وهمية ... صار بيني و بين الجنون مسافة انشات قليلة .