تقف تلك الجميلة ذات الشعر الغامق السواد و المسرح على كتفيها كأنه قطعة حرير من أجود الأنواع تناظر عائلتها با العيون التي تبدو كأن المرود قد مسها بالكحل، بينما جفونها تبدو سوداء من غير كحل , و تضع يدها على بطنها الذي بدأ با البروز .
نائلة:
لازلت أتذكر ذلك اليوم الذي بدأ اليأس يتغلغل في قلبي , بمجرد أن كان الموت يقترب مني كنت دائما أتمسك بحبال الحياة , كلما أنقطعت تمسكت با الجزء المتبقى , غرس اليأس في جسدي كا السكين الحاد و لكنني استطعت أن أقاوم , أن أتماسك , أن أحاربه بكل ما تبقى لي من قوة , كانت هذه اللحظات تشحن لي طاقتي كلما فقدتها , لحظات الفرح بعد رؤية أمي و ابتسامتها , عودت أخي الينا و رؤيته بيننا , لقائي با رامي و زواجي منه , و حملي با طفلي , طفلي الذي أقسمت على أن أربيه وسط عائلة سعيدة تحبه و ترعاه .
السيدة فاتن تحدث مهند و مؤنس و رامي يلعبون الورق وهي تناظرهم بابتسامة كأنهم أحد انتصاراتها , في حربها التي خاضتها أمام هذه الحياة, لتكمل حديثها مع نفسها:
الأن عرفت ماهو الكنز الذي كانت تحدثني عنه جدتي عندما كنت طفلة صغيرة , أنه هذه العائلة الصغيرة في دفئهم و ضحكاتهم الصاخبة , و في شجاراتهم المستمرة , حقا أنهم نعم من نعيم الدنيا , يشعرون بألم بعضهم كأنهم روح واحد في أكثر من جسد, حتى لو حاولوا عدم أظهار ذلك لبعضهم .
أنتبه رامي لشرودها فشرد هوا الأخر في ملامحها قائلا في نفسه:
كنت قد يأست من هذه الحياة , حاولت مرارا و مرارا أن أنهيها و كنت أتوقع ان معاناتي ستنتهي معها , و لكنني لم أستطع لازلت أتمسك بها , و مازاد تمسكي بها و شغفي لها ,( نائلة) , تلك الليلة التي وجدتها فيها و رأيتها و هي نائمة في سرير تلك الغرفة , شعرت كأن قلبي قد سرق مني ما أن لمحتها, طولها المتوسط , اسنانها المرتبة و ناصعة البياض, عيون واسعة كعيون الغزال , بشرتها البيضاء المختلطة مع القليل من السمار كا كوب قهوة مع الحليب , شعرها الأسود اللامع الذي يصل طوله الى منتصف ظهرها , الأنف الصغير ذو المقدمة المرفوعة إلى الأعلى بعض الشيء ,أصابع اليدين النحيلة والممشوقة والطويلة , شفاهها الممتلئة مع اتساعها , حاولت كثيرا أن أبتعد عنها , أن أشغل نفسي كي لا أفكر فيها , و لكنني لم أجد نفسي الا أن وقعت لها , و بشدة , أنها عائلتي , أمي وأبي و أخي و كل ما خسرت , استطاعت أن تعوضني اياهم .
مهند بعد أن لاحظ نظراتهم , و عيونهم التي علقت ببعضهم :
لطالما كانت أمنيتي أن يكون لدي أخ كبير , يشاركني همي , يرشدني الى الطريق الصحيح اذا ضللت , كنت أحارب وحدي في الحياة , كنت الأب و الأخ لعائلتي , لم أعتقد يوما أن الأمنية سوف تتحقق في يوم و تتضاعف , بدلا من الأخ بات عندي ثلاثة , نعم ثلاثة و لكل منهم شخصيته التي تميزه عن الأخر و التي أحبه بها , سامي في وفاءه و تفائله رغم صعوبة مهمته , رامي اخلاصه لنائلة أولا و لعائلتها و التي أصبح فردا منها ثانيا و قوته و جرأته في الدفاع عنها , و أخيرا أخي مؤنس صاحب القلب الطيب , رغم كل ما قاساه من ألم و معاناة الا أن قلبه لم تشبه شائبة , أشعر و كأنني أجلس بجانب أبي , فهو يشبهه كثيرا , رغم أنني لا أتذكره و لكن قلبي يخبرني بذلك.
مؤنس محادثا نفسه:
خطفت و أنا ابن الثانية عشرة , عذبت , ضربت حتى سال الدم مني , حرمت من الطعام و الشراب لأيام , حتى أنني يئست من هذه الحياة, كنت دائما أسأل نفسي ما الذنب الذي اقترفته حتى أعاقب هكذا , و لا أجد اجابة , فأنا حقا لم أفعل شيئا , أعتقدت أنهم اختطفوني ليقايضوني با المال و لكي يبتزوا أهلي بي , و لكن هذا لم يحدث , مع مرور الأيام يوم بيوم و شهر با شهر , عاما بعد عام , أيقنت أن هلاكي هناك في ذلك المكان , اما على يديهم او أن انهي حياتي وحدي , حاولت و لم أستطع , كنت ألوم نفسي على جبني و خوفي , حتى أتى ذلك اليوم الذي رأيت فيك ملاكي المنقذ , نعم انه سامي , عندما رأيته أعتقدت بأنه أحد أولائك المجرمين , و قد أتاني لينهي عمله معي مبكرا , حتى سألني بصوته عن حالي فا علمت أنه ليس منهم , ذب الأمل في قلبي مجددا , شعرت كأن روحي عادت الى جسدي , انني حقا أدين له بحياتي , أعلم بأن مهند وراء كل هذا , لاحظت أنه قد كبر كثيرا , تفكيره يسبق سنه بسنوات , يتحدث كا رجل على حافة الأربعين من عمره , و هوا لازال في الثامنة عشر فقط, أنه أخي و سندي الوحيد في هذه الحياة .
السيدة فاتن و هي تتأملهم بحب:
دائما ما كنت أحاول حمايتهم بكل الطرق من ضرب أو اساءة أحد لهم , حاولت أن أحميهم من أصغر أنواع المعناة الى أكبرها , ربيتهم على حب بعضهم و أن يحمي أحدهم الأخر , لم أكن أعتقد أن الحياة ستجعلهم يكبرون بسرعة , ينضجون قبل أقرانهم من هم في نفس عمرهم , تركني عمر وحدي أحارب هذه الحياة لأجلهم و أحارب مجرما يدعي أنه والدهم, حاول كثيرا جعلي أنسى و أفقد ذاكرتي و لكن مالا يعلمه أنني لم أفقد ذاكرتي من الأساس , كنت أمثل عليه ذلك للأمن شره عن أطفالي, و لكن غياب نائلة و تعذيبه لها و محاولة قتلها , اختطاف مؤنس وتعذيبه لسنوات , تلك هيا القشة التي قسمة ظهر البيعر حقا, من الأن سوف أخرج من صمتي .
أنت تقرأ
سلسلة حياتي
Literatura Faktuسوف نتقابل مجددا يا مهند , و في تلك اللحظة سأسألك عن سبب فعلتك تلك.