مع هدوء الليل و قبل طلوع فجر يوم جديد , يجلس ذلك المكبل مسندا رأسه با العمود الضخم ينتظر انتهاء ليلة أخرى لا يعرف ماذا يحمل صباحها من أحداث لجسده المتعب, تتثاقل ستائره راغبة في أخذه الى عالمه الخاص , المكان الذي يحقق فيه كل ما لم يستطع تحقيقه في هذا العالم القاسي , و لكن عقله يأبى ذلك , يرفض سفره و ابتعاده عن حاضره خوفا من مصيره في ذلك المكان.
معلقا ناظريه على البوابة الصخرية , كأنه في انتظار تغيير واقعه , مع عدم طول مدة بقاءه هناك , و لكنها كانت كافية لكسر ما تبقى من روحه المحطمة .
أنور... ذلك الشاب الطموح الذي غاب عن وطنه سنوات لأجل حلمه , ليعود فا تنكسر روحه و يتغير كل ما كان يعيش لتحقيقه , كأن القدر يلعب ضده للمرة الثانية , المرة الأولى حين ماتت أمه و طرده والده من المنزل عندما كان في عمر الرابعة عشر ربيعا , و الثانية حين عاد و لم يجد حبيبته في انتظاره , فهل هذه نهايته ؟ أم أن القدر لازال يخبئ الأعظم له !!! و أن بدايته ستكون في هذا السرداب القديم؟
لم يغمض أنور عينيه لثلاثة ليالي متواصلة , و هوا لازال يراقب ذلك الباب , تشتت تركيزه و أصبح سمعه أضعف لشدة تعبه و ضعف سمعه .
كنت أقاوم ثقل جفناي خوفا من أن يغدر بي أحد ... بقيت على حالي هذا و خوفي المتواصل لثلاثة أيام متواصلة ... فارقت فيهم النوم و التعب لم يفارقني ... في الليلة الرابعة من انتظاري ... غلبني النعاس فأغلقت عيني لبرهة ... استيقظت على صوت أحد يدخل الينا ... فتحت عيني با صعوبة بالغة ... كل ما أتذكره هو ارتطام شيئ صلب في مؤخرة رأسي ... و شعور الألم من كل جانب في جسدي ... و صراخي الذي لم أستطع ايقافه ... فتحت عيني بعد ذلك لأرى شخص يسحبني من قدمي قبل أن أفقد وعيي بشكل كامل .
بقية فاقد لوعي يومين متواصلين ... و في اليوم الثالث استيقظت على صراخ أحد في وجهي ... لم أستطع اخراج الكلمات من حلقي الجاف ... أو تحريك أطرافي كأن عروقي جفت من الدماء ... استجمعت ما تبقى من قوتي لألقي بجسدي على الحائط الخشبي خلفي ... محاولا تهدئة قلبي المظطرب ... وقعت عيني على الواقع أمامي يناظرني بوجهه المتجهم ... معلقا سوداويتاه علي ... ارتعش أطرافي و عاد اضطراب قلبي مجددا ... حتى أصبح من الصعب علي التقاط أنفاسي ... و هوا لازال على حاله يناظرني بشرود كأنه يدرس حركاتي بدقة .
ماذا تريد !!!؟ قلتها بعد أن استجمعت القليل من القوة لتركيب جملة مفهومة و كاملة ... و لكن مازاد استغرابي و خوفي هو مغادرته المكان و بدون أن يتعب نفسه با الرد .
انظر إلى جسدي المنهك الذي أخذت الندوب و الجروح مكانها فيه ... جروح من شتى أنواعها ... لم أظن يوما بأن حالي سيكون هكذا ... ألا يكفيني عذاب قلبي و روحي حتى يعذب جسدي ... لا أعلم ماذا سيكون مصيري في هذا المكان ... و لكن ما أشعر و أؤمن به أنها لن تكون نهايتي هنا ... لازلت صغيرا على اليأس و الضعف ... رغم احباطي و حزني الكبير إلا أن شعلة الأمل في داخلي لم تنطفئ بعد.
في منتصف تلك الليلة فتحت جفناي على شخص يراقبني عن قرب ... تحركت من مكاني با فزع من قربه مني ... إنه هوا !!! إنه ذلك الشخص الذي رأيته في الصباح!!! و لكن لما ينظر لي هكذا و يشرد كثيرا في ملامحي؟ هل هوا مجنون أم أنه لا يفهم لغتي ؟!!! .
أكاد أجن هذا ماكان ينقصني... تجاهلت نظراته لي ثم عدت إلى وضعي السابق ... حاولت اغلاق عيني و النوم لكنني لم أستطع مع تلك العيون المعلقة بي بإستمرار ... استسلمت و بقيت مستيقظ أتأمل ضوء القمر ... حتى طلوع الفجر ... و قبل طلوع الشمس استقام ذلك المجنون من مكانه و غادر بدون أن يقول لي شيئا .
زفت الهواء با راحة ثم أغلقت جفناي أستقبل النوم بعد ليلة أخرى من السهر ... لم تدم راحتي إلا و دخل ذلك المجنون إلي مرة أخرى ... و لكن في هذه المرة لم أستطع السيطرة على نفسي ... أوشكت على الصراخ في وجهه و لكن أوقفتني ابتسامته لي بينما يحمل في أحد يديه طبق من الطعام ... لا أستطيع الكذب لقد كنت جائعا جدا... و لكنني تماسكت قائلا له:
( لا أريد شيئا منك ... أعده من حيث أتيت به).
با التأكيد لم يفهم كلمة مما قلت و لكنه فهم من ملامحي و حركات جسدي رفضي لما قدمه لي ... استقام و غادر تاركا الطعام مكانه بجانبي ... بقيت افكر للحظة لما هوا مصر على اطعامي هكذا !!؟
ربما يريد قتلي أو التخلص مني!!
أنت تقرأ
سلسلة حياتي
Non-Fictionسوف نتقابل مجددا يا مهند , و في تلك اللحظة سأسألك عن سبب فعلتك تلك.