مرت 4 ايام متعبة لثلاثتهم وجلست أخيراً عائلة الأفندي على مقاعدهم في الطائرة؛ حيث بلّغ الافندي أخيه الحاج التيجاني بموعد حضورهم والذي قال:-يبچى الفرح بعد وصولك إن شاء الله بعشرة ايام.
مصطفى :الموعد زين لاني هنچعد حداكم 14 يوم في البلد بس.
أسندت مها رأسها واغمضت عينيها وهي تتذكر الضغط الذي عانته مع امها في التجهيز للسفر، فشراء الهدايا لازمة حتى لو كانت الاجازة قصيرة ، والحق يقال أن الأفندي شاركهم في كل التجهيزات، بدء من تحضير الشنط ورحلات التسوق وحتى شراء فستان سهرة مميز لمها وامها يناسب الزفاف حيث أصرت الام ان يكون فخماً فكان من التل الفضي المشكوك بالخرز وحبات الكرستال وخيوط القصب المفضض وكانت بطانته من الحرير الرمادي المائل للاسود ، حسناً كل شيء فعلته على مضض نعم فعلت كل ما أمرتها به امها، هي لا ترغب بالسفر، كان بودها الصراخ ( مش عايزة اسااافر) فعقلها مشتت بين مخاوفها من نادر و من مجاهد فكلاهما أشعراها بالرعب، ام تراها مرتعبة من فكرة إقتراب أي رجل منها؟!! لقد جمعت جميع هدايا مجاهد من كتب وعطور وضعتها مع هديته الاخيرة في الدولاب العلوي، وهي تمني نفسها بأنها بإغلاق باب الدولاب ستغلق موضوع مجاهد للأبد، سترفض مساعدته بأي مقالات في المستقبل، كانت تسمع جدال والديها وتسمع مخاوف امها، وكلمات والدها (احنا استخرنا ربنا وهو هيحفظهالنا، بس حطي التمر بتاعها بالشنط). أصر الاستاذ مجاهد على توصيلهم للمطار؛ ليتسنى له رؤيتها لآخر مرة، فكانت تشيح وجهها نحو النافذة فلم يفلح في ملئ عينيه منها كما كان يتمنى ، ولكنه وقف أمامها مناديا اياها عند نزولهم من السيارة ، وقال بصوت كله عشق وهيام:- حرّصّي على نفسك يا غزال المها وإرجعيلي بالسلامة.
رفعت عينيها اليه بدهشة من كلماته الصريحة،
لتشاهده بعين جديدة، نعم أتم الأربعين هذا العام، وهناك شعيرات بيضاء بدأت تغزو سالفيه ولكنه مهتم بنفسه، ملامحه صعيدية بحتة سمرة وانف عريض، مع بعض التجاعيد بدأت تظهر حول عينيه..فيه شبه من عمها حمدون، هذا يفسر سر راحتها في تعاملها السابق معاه، اما الان فلا، انها تخاف من نظرته العاشقة.
إلتفت إلى مصطفى وأخذه على جنب وقال له :كنت سألتني يا ولد العم ناوي أعمل إيه في حياتي.. أنا أستخرت ربنا ونويت أتجوز.
مصطفى :- هو مش وچته، بس انت متأكد من الخطوة دي؟
مجاهد :- هي من بيت طيب مأصلة ومتعلمة، واستخرت ربنا عليها، ولما ترجع من سفرك أبچى اطلبها.
نظر مصطفى وهو يشعر بقلق وقال :- ربك يسهلها ويكتبلك الخير.
كانت مها قد سمعت كلماته ( يارب ما يكون قصده عليا، لو طلبني إحتمال بابايا يوافق، هو بيحبه كتير وأنا مش هقدر أقول لأ لبابا، حتى لو إعترضت هيقولي بابا أنا أعرف اللي يناسبك أكتر منك).
كلما اقتربت السيارة من البلد؛ كلما شعرت مها أنها تساق للذبح، عقلها ينسج آلآف الاسئلة.. هل لازال نادر ينتظرها؟ أم تزوج؟ (يا رب تكون إتجوزت يا نادر) هل سيتجدد السحر الذي عُمل لها أم إنتهى (يارب احفظني بحفظك) هل وهل وهل...
إستقبلهم الاعمام والعمة بالحفاوة والفرحة على باب الدوار، ولمحته يقف بين أبناء أعمامها متبسماً ملتهماً إياها بعينيه ، فأخفضت رأسها ورمت نفسها دافنة وجهها في حضن عمتها وهي تنتفض، ولم تسلم على اي احد من أبناء عمومتها ، تنبه الأفندي مصطفى ما فعلته إبنته، وتضايق من رؤية نادر، وتأكد من مشاعرها إتجاه ابن عمها ؛ الذي سلم على عمه وعائلته وانسحب من التجمع كله بهدوء قبل أن ينتبه له أحد .
في اليوم الأول تدفق أهالي البلد يسلمون على العائلة وتدفقت معهم هدايا الفرح تصل للدوار، وكان التيجاني و زوجته يستغربون تهنئة اهل البلد للأفندي وزوجته بعبارة (مبروك وعچبال ما تشيل عوضها)، وفي اليوم الثاني احضر نادر عجل من مزرعته ليضعه في زريبة الدوار وهو يقول ( العجل ده لزوم الفرح) مع ان أبناء عمه اخبروه ان لديهم عجلين للفرح ولكنه أصر وقال (ده يدوب يكفي معازيمي اللي من برة البلد) فاستغربوا تصرفه فليس من المعتاد ان يعزم ألاقارب معازيم غريبين عن العريس دون استأذان، الى أن جاء صباح اليوم الثالث حيث حضر الحاج حمدون و العمة ام عاصم إلى الدوار باكراً بعد صلاة الفجر بقليل ودخلوا المندرة، وهم في غاية التوتر والضيق وهم يطالبون بالاجتماع مع التيجاني وزوجته الأفندي وزوجته ليجتمعوا بهم ويبلغوهم ان اهل البلد بيهنوهم بفرح علي على بنت خاله وفرح نادر على مها،وأن فيه الخير اللي هيخودها وهي كبيرة، وكانت رحمة تذرف الدموع بصمت على ما تسمع وشاركتها العمة وزوجة العم بكاها، وبداء صوت مصطفى يعلو :- ايه الكلام الماسخ ده هو انا بنتي بايرة؟ ومين چالهم اني مستني نادر ياخدها، ولا بدلل على عريس ليها... اااه دلوچت فهمت ليه بيچولولي عچبال ما تشيل عوضها.. مين اللي طلع الكلام، مين اللي بلغكم بالكلام ده؟
العمة وهي تمسح دموعها:- سلفتي جاتني امبارح بالليل وبلغتني ان بخيتة لفت على أهل البلد بيت بيت وبلغتهم ان نادر هيتجوز مها السنادي بعد ما ربنا ما شافاها من مرضها اللي صابها، وانه ابن عمها وهو الوحيد اللي هيرضى بيها بعد مرضها.
زمجر مصطفى صارخا:- هي وصلت لدرجادي؟
كانت مها قد استيقظت على صوت صراخ والدها فارتدت حجابها وعبأتها وخرجت من حجرتها؛ لتجد جميع أبناء وبنات عمها مستيقظين ويبدو عليهم القلق وهم ينظرون لها بحزن لتسمع صوت زوجة عمها بخيتة تطرح السلام وهي تدخل الدوار بعنجهية وغرور، نظرت نحو مها وقالت:- الحمد لله على سلامتك يا مها..أزيك يا عروسة ولدي؟
تجمدت مها واتسعت عيناها، فقد تأكدت ان نادر وأمه لن يتركاها، وقف احد أبناء عمها أمام بخيتة قاطعاً تقدمها نحو مها قائلا:- مالكيش صالح فيها.
بخيتة بأستغراب :- واه.. بعّدْ يا ولد.
ابن العم بحزم:- لع.. على جثتي تچربي جارها.
نظرت له بغضب:- لك روچة يا ولد التيجاني، ابوك و اعمامك في المندرة؟
اتجهت نحو المندرة بدون أن تنتظر اجابة، ودخلت وهي ترسم ابتسامة صفراء، وتقول بعنجهية :- صباح الخير.. زين ان كلكم صاحيين
.. انا جاية نتكلم في مهر مها وشوارها، والفرح اهو متحدد مع فرح علي.
يتبع......... انا يا طير ضيعني نصيبي...
استيقظت في قصري الوردي على صوت كمان يعزف لحنا اسراً تبعت الصوت في ردهات القصر حتى واصلني لشجرة نخيل عراقية.. كلما عصفت بها الرياح صدحت بأغنية من التراث العراقي المميز.. استلقيت استمع للكلمات واللحن باستمتاع
اسمعوها بصوت عاصي الحلانيانا يا طير ضيعني نصيبي
حِرت لا أني لأهلي ولا أني لحبيبي
حِرت ما بين انسى وبين الاقيك
أحن مرة لهلي ومرات أحن ليك
واصير يوم الهوى لو يمر جاريك
وأضمك ماي أعطش حبيبي
انا يا طير ضيعني نصيبي
انا بقلبي الحنين يفيض نهرين
وألك اشتاق شوق العين للعين
ويا حبك يمر فرحه هلالين
حبيبي ايش ما تصد انت حبيبي
انا يا طير ضيعني نصيبي
مُر مرت حلم للروح يا هواي
انا بلياك وردة مفارقة الماي
وجهك قمر لو غيمت دنياي
تهل الفرحة وهلا هل حبيبي
انا يا طير ضيعني نصيبي
أنت تقرأ
ظله الرمادي
Romance.. كلما اقترب منها اختفت ملامح وجهه ولا ترى سوى ظله الرمادي. .. ليست واحدة ولا اثنتان بل ثلاث ينجبن باستمرار وهي وعاء معطوب لا يقدر على الانجاب. .. قالت لا فائدة مني، طلقني. قال انت السكينة لي التي ذكرها الله في القرأٓن. .. لم تبدأ حكاية مها بمشكل...