كان يوم الفرح يوما غريبا، لم يقترب من حجرتها احد ليوقظها.. الدوار يضج بالاصوات ولكن لا أحد اقترب منها، بقيت في الفراش وشدت الغطاء حولها، تسربت دمعة من عينها دون أن تشعر، جالت عينيها في الحجرة لتتوقف عند ثوب زفافها الذي كان رمادياً وتحول إلى ابيض، و الطرحة تحتضن الثوب برقة.. نعم كان نفسه الثوب الرمادي الذي اشترته والدتها لها لتحضر به حفل زفاف علي.. ماذا جرى؟ الايام تجري بسرعة، منذ ايام وصلت من السفر، منذ ايام كتب كتابها على شاب يكبرها بأربعة أعوام.. لم يسألها والدها موافقة ام لا.. لم يقل لها تقدم لخطبتك فلان.. إجلسي معه.. صلي إستخاره عليه وفكري.. هل ترغبين بالتحدث معه مرة أخرى؟
منذ أيام حضرت إلى هنا لتحضر زفاف إبن عمها، وها هي ستكون عروساً في نفس اليوم لرجل لم يجلس معها إلا مرة واحدة، نعم لم يسعى أن يطلب الجلوس معها مرة ثانية منذ ليلة كتب الكتاب، أجل بقيا وحدهما ساعة كاملة حدثها عن دراسته للهندسة المعمارية، وعن تجارته الصغيرة(المتاجرة ببعض مواد البناء)، كانت مها منبهرة بكلماته واحلامه، ومحرجة في نفس الوقت من امساكه بكلتا يديها بين يديه وكأنه يثبتها حتى لاتهرب، وكأن تلامس أيديهما أشعل خديها بحمرة جعلته يقطع حديثه عن نفسه ليقول لها وعيناه تجولان في وجهها، كان يقول كلماته بسرعة وتلقائية وبدون ترابط بين الجمل احيانا، وكأنه يريد أن يتحدث قبل أن يدخل أحد عليهم :- تعرفي إن دي أول مرة أبصلك كويس وعيني في عينك، كل مرة تكوني باصة للأرض أو ماشية بسرعة من جنبي، هو وشك أحمر كدة ليه؟ مش مهم ما تجاوبيش ، أنا عارف إنك مكسوفة مني، اللون الأخضر حلو عليكي، والحزام عامل عمايله.
مها بدون فهم :- قصدك ايه؟
مروان بمكر ممازحا وعيناه على الباب :- إبقي إلبسيلي احزمة سلاسل كتير لما نتجوز أنا بحبهم.
وهنا إقتحم الجميع مجلسهم، ومنذ تلك الليلة أصرت هناء المبيت معها كل ليلة حتى يوم الفرح، ورحبت والدتها بذلك، وكأنها لا ترغب في أن تقضي مها ليلة واحدة بمفردها، لقد شعرت أن الجميع تكاتف عليها لكي لا تجلس وحدها لثواني، وفي الايام التالية غرقت بمعنى الكلمة في التجهيز لفرحها، حيث كانت تخرج يوميا هي وامها وعمتها ووالدها لشراء الجهاز، خرج والدها معهم مرتين فقط لشراء الذهب وشعر بالتعب، أما عمتها وأمها فكانتا في قمة سعادتهما، كانتا تتنقلان في الأسواق وهما تسحبان مها من محل لآخر، هما يختاران القطع والألوان، ويستخدمنها كمانيكان لتجربة الأطقم والفساتين فقط، كان أحيانا يرافقهم مروان كيوم الشبكة ويوم شراء أوضة النوم ويقضي الوقت وهو يتسارر مع عمته حيناً ومع والدتها حيناً آخر، وكم من مرة إختلست النظرات إليه لتجده ينظر إليها فتخجل ويحمر وجهها فتخفض رأسها بسرعة، لم يجلس بجوارها، لم يسمعها كلمات غزل كما تسمع من قريباتها عما يفعله الخطيب، لا تراه إلا وهو يجري ويتحدث بسرعة، واحياناً بعصبية وهو يتجادل في إضافات فرحهم، و إضافة معازيمه، لازالت متذكرة عصبيته يوم تركيب أوضة النوم، فقد سافر لدعوة أصدقاء له في القاهرة ليومين و اخبرهم انه سيعود قبل ليلة الحنة، وقد عاد ليجد ان الأوضة لم تحضر بعد؛ ليبداء بالتحدث مع معرض الاثاث بعصبية وصراخ لينهي معهم المكالمة وهو يهدد ويتوعد اذا لم تحضر الأوضة حالا (لانه كان قد اتفق معهم ان يحضروا الأوضة ثاني يوم لسفره)، وبالفعل خلال اقل من ساعة وصلت أوضة النوم وتم تركيبها، وكانت هي قد دخلت مع امها وعمتها من الخارج وبيدهم الكثير من الأكياس الكبيرة، وكان صوت مروان قد وصل من الدور العلوي الى صحن الدوار، لان المعرض أخطأ في نوعية المرتبة؛ فغادر العمال لإحضار المرتبة المطلوبة الليلة ومعهم سعد اخو مروان، لان اليوم التالي هي ليلة الحناء ولا مجال للتأخير، وشاهد مها وامها وعمته يقفن وبيدهن الأكياس، فهبط بسرعة وهو يحاول ان يبتسم و يرحب قائلا لمها :- جيتي بوچتك.
سحبها من يدها وصعد بسرعة للأعلى لغرفتهما وهو يردف :- ها؟ ايه رأيك بالاوضة وهي متركبة؟ النهاردة تنچلوا الهدوم كلاتها، والستاير متركبة اهي، الناحية دي من الدولاب حطي هدومي وباچي الدولاب ليكي.
بدأ يهدأ من عصبيته ويتبسم بمكر، فرد باب الحجرة بقدمه قليلاً، بينما هي تنظر لدولاب بتركيز وتفكر بطريقة ترتيبه ، احتضن خصرها بيده؛ فأنتفضت مها صارخة فزعا فقد ظنته قد خرج من الحجرة؛ فصدم وعاد للخلف خطوة وهو يرفع يديه للأعلى لتبدأ دموعها بالتجمع، وصلت صرختها لأمها وعمتها اللتان كانتا تصعدان خلفها ببطء متعمد، فسرعتا خطواتهما لتجدا مروان يرفع يديه للأعلى والدهشة و الانفعال بادٍ عليه، فسارعت بالإمساك بأمها وهي تنتفض فتسألت عمتها:- واه.. مالك يا بتي؟ حُصل ايه؟
لتنفجر مها بالبكاء دون سبب واضح، لتزيد صدمته من تصرفها، فأخفض يديه مع حضور اخويه محمد ومصطفى الصغير على صرختها وهم يتساؤلون، فاستوعبت رحمة وعفاف من حركة يده المرتفعة ما قد يكون حصل بالتقريب فتداركت العمة الموضوع بقول:- العرسان اتخانچوا(اتخانقوا)(وسألت لتتوه الموقف) لسا امكم في شُچة(شقة) علي؟
محمد :- اه لساتهم بينچلوا(بينقلوا)جهاز ماجدة ومعاهم هناء وفاطمة كمان، چالولنا خليكم في البيت يمكن حد يحتاجكم
عفاف:- روحوا اچعدوا في المندرة مع ابوك وعمك لحد ما نحتاجك.
خرجا فقال باندفاع:-ما عملتش حاجة، دي مرتي وكنت بكلمها عادي، و... دي بتتجلع...
العمة متبسمة:- واه خليها تتجلع، اذا مها ماتجلعتش عليك وانتوا مخطوبين، اومال ميتا تتجلع؟
قالتها تضاحكه وتمسح على خده بحنو :- روچ يا ولدي هي مكسوفة هبابة، وده طبعها بس انت راجلها ولازم تتحملها (بهمس وصل لأُذنها) اللي مرت فيه اليومين دول بعمرها كله، ده أحنا نفسنا مش مصدچين.
نظر نحوها ليجدها تمسك بيد امها وقد هدأت قليلاً، فهدأ قليلاً هو الاخر وقال:- معلش يا بنت عمي، رعبتك(قالها وكان عقله يفكر بأشياء أخرى،ثم قال مغيرا الموضوع)لچيتوا فستان الفرح؟
عفاف :- ماعجبناش شي في سوهاج، ومافيش وچت نسافر مصر، بس مرات عمك حلت المشكلة.
نظر باستفهام لزوجة عمه التي قالت :- كل الفساتين اللي شفتها مش بجمال اللي جبته معايا، خدناه للمحل وغيرنا البطانة..هو لونه فضي وبطانته رمادي، ودلوقتي بقت البطانة بيضا
مروان :- هو حضرتك...
قاطعته رحمة :- ماعرفش ليه انا اشتريت فستان ينفع لخطوبة علشان تلبسه بفرح ابن عمها، (تمسح على وجه ابنتها وهي تتبسم بحنو) بس كنت عايزاها تبان زي العرايس حتى لو مش فرحها، بس ربنا رايد ليها حاجة تانية ، هو لونه فضي ومشغول حلو، لما غيرنا البطانة بقى أجمل فستان فرح.
وصلت فايزة وأخواتها لمساعدة مها لنقل جهازها داخل الدواليب ووصلت المرتبة وانشغلن الفتيات بالترتيب، و ساعدهم بنقل الأكياس كل من محمد وسعد ومصطفى الصغير، بينما ذهب مروان و عفاف ورحمة لصالون الحريم وعقدوا جلسة سرية بباب مغلق لعدة ساعات حتى انتهين الفتيات من جميع الجهاز، تمنت مها لو سألت امها عن سبب هذا الاجتماع الغريب، ولكنها خجلت، حتى والدتها كانت تشيح بوجهها عنها كلما تلاقت عيناهما(بتخبي عني ايه يا ماما).
في اليوم التالي امتلىء المنزل بالسيدات، حيث كانت ليلة الحنا للعروستين في منزل التيجاني، وفي الخارج حفلة الحنا للرجال وكانت حفلة تقليدية بكل معنى الكلمة، وبعد إنصراف الأغراب بقيت نساء ورجال العيلة،
وسألت أم رحيم :- هو شبكة مها كام يا أم علي.
أم علي:- شبكة مها ودهبها 15 الف زي ماجدة.
أم ماجدة عروسة علي:- إحنا إلتهينا بشوار بنتي وماشفناش شوار مها.
ردت رحمة:- شوار بتي دهب، واللي مجهزينه في بيتنا في السعودية هانشحنه بس نرجع.
لاحظت أم علي ان ماجدة وامها وقريباتها يتبادلون النظرات، فقد كان جهاز ماجدة كبيراً مقارنة بجهاز مها، بينما جهاز مها كان اغلبه ذهب من والدها، لذا هو أقيم، وقد قامت ام مها بشراء كردان لام علي وجعلت مها تلبسه لحماتها كهدية في ليلة الحنا، وقلقت ام علي من الغيرة بين السلفات فقامت وجلست بين العروستين وإحتضنتهما وقالت:- مها و ماجدة غوالي على چلبي، وبنفس المحبة ، اوعوا تفكروا علشان مها جابت دهب ان ماجدة مش غالية،ولا علشان شوار ماجدة ملى الشچة ان مها اچل، لع التنين غلاتهم وحدة ماجدة عين ومها عين، ربنا يقدرني واكون امكم،والكلام ده اچوله چدام امهاتكم والموجودين، وربنا شاهد عليا.
واحتضنت الفتاتين وقبلتهما ، وقدرت الحماه الحكيمة ان تنزع فتيل الغيرة من قلب ماجدة وأهلها إن وجدت، ثم توجهن النسوة لسطح المنزل لمشاهدة الاحتفال الرجالي والشباب يستعرضون مهارتهم في التحطيب، عندما دخل علي و مروان وهما يمتطيان الخيل ويرقصانهما على المزمار، وينظران نحو النسوة حتى يريا عروستيهما مهاراتهما، وللحق ان استعراض الرجلين قد بهر العروستان لتنهال الزغاريد من النسوه حولهم، لتنهال الكلمات و التعليقات المحرجة من عن ليلة الدخلة وبدأت احداهن بتوجة النصائح المحرجة للعروستين، لتقول رحمة بضيق:-كفياكم حديت مالوش لازمة، ماحبش بتي تسمع الكلام ده.
عيشة:- وآه يامرات عمي، ماهي لازمن تعرف، مروان صعيدي مش بندري، الصعايدة خلچهم حامي ومش بيصبروا.
رحمة وهي تلاحظ اصفرار وجه مها:- بكفياك عاد.
همست عيشة لأختها :-هو انا چولت ايه غيير الحچ(الحق) ؟.
في تلك الليلة لم تنم هناء بجوار مها وكأنها تركتها لهواجسها، حتى عندما تسلل النوم لعينيها لم تسلم ليلتها من الكوابيس، فرأت نفسها عروس لنادر وترتدي له الثوب الأبيض وهو يأخذها لحجرته في بيتهم، ووالدته بخيتة تضحك بصوت عالي وتزغرد وهي تنظر لوالديها بإنتصار ثم.. يفترساها كما حاول منذ سنوات؛ فقامت فزعة وهي تبكي، فاستعاذت بالله من الشيطان ووسواسه وعادت للنوم، ورأت منام اخر.. رأت نفسها تزف لمروان ويأخذها لحجرتهما، وبعد أن اقترب منها برقة وقبلها.. هجم بوحشية وافترسها وعندما رفع راسه لينظر لها، تبسم وبدأت ملامحه تتغير ليصبح نادر.. قامت فزعة وبدأت تبكي بحرقة (هو انت مش راضي تطلع من دماغي ليه يا نادر؟ يا رب ريحني).. خرجت بحذر تتسحب للحمام وهي تمسح صحن الدار بعينيها، لتجد الهدوء يطغى على المكان.. لا أحد مستيقظ غيرها غسلت وجهها المرهق من قلة النوم وتوضأت وعادت لحجرتها، صلت ركعتين لله وهي تسأله ان يختار الأصلح لها، وجلست تنتظر صلاة الفجر، سمعت الاذان فأدت صلاتها واستلقت بالفراش منتظرة قدوم امها لتوقظها كعادتها، وهي عازمة ان تتكلم مع امها انها متضايقة خائفة مضغوطة وستقول كلام كتير هي عايزة تقوله من زمان، سترتب أفكارها هذه آخر فرصة( ماما انا محتجاكي انت وبابا.. أنا مش عايزة اجوز، مش عايزة اي راجل يقرب مني، انا بخاف منهم.. أنا راضية بيكي انتي وبابا، مش عايزة حد يلمسني ، يقرب مني، دول.. دول مش زي بابا حنينين، وكمان ولكن.. لم تأتي رحمة ولا غيرها.. لم يأتي أحد ليوقظها، لا تدري كيف غفت ولا متى ولكن نومها كان بدون كوابيس هذه المرة، وعندما فتحت عينيها كانت الساعة قد تعدت التاسعة صباحاً وبدأت دموعها بالانهمار عندما فُتِحَ الباب ودخلت بنات عمها وعمتها وهن يزغردن وبيدهم صينية الفطور وبدأن يطعمنها ويجهزنها للذهاب للكوافيرة،ولم تظهر رحمة، وتركت تجهيز ابنتها للفتيات، ومر الوقت بسرعة رهيبة، وشعرت انها في حلم مروان وعلي وهي وماجدة.. زفة سيارات .. كوشة، معازيم.. زفة علي وعروسه لشقتهم.. وزفة مروان ومها لحجرتهم، بدأت أعصاب مها تتوتر ومروان يمسك بيدها بقوة ليصعدها للأعلى لحجرتهما، وكانت امها أمامها وعمتها خلفها حتى وصلوا لباب الاوضة، وكان صوت دقات قلب مها تضغىٰ على صوت غناء النسوة وزغاريدهن، واصبحت أنفاسها عالية وجسدها ينتفض، وكانت تشعر ان النسوة يراقبنها، وقف مروان أمام مها وهو ينظر لها بغموض، وفتح الباب وسحبها من يدها إلى الداخل وعيناه لا تفارق وجهها الأصفر، و شفتيها المرتعشتين وعيناها متعلقة بعينيه بذعر، دفعها بيدية نحو امها وعمتها وهو يقول :- جهزوها بسرعة....
يتبع...هذة القصيدة قديمة، قيلت في عصر الامويين ولم يُعرف من الشاعر... رغم ان القصيدة غنيت منذ عدة سنوات.. الا إنني سمعتها لأول مرة في كافيه في اسكندرية..
اعترف أن الكلمات خطفت قلبي وأنفاسي،
اعترف انها سحبتني إلى عالم آخر.. إلى مشاعر وأحاسيس لم أشعر بها من سنوات.. لازلت أحلق عاليا كلما سمعتها.
الشاعر مجهول...
والملحن مجهول...
اما المطرب فإسمه عبد الرحمن محمد سعودي الجنسية من المدينة المنورة.أصابك عشق أم رميت بأسهم
فما هذه إلا سجية مغرم
ألا فاسقيني كاسات وغني لي
بذكر سليمة والكمان ونغميأيا داعيا بذكر العامرية أنني
أغار عليها من فم المتكلم
أغار عليها من ثيابها
إذا لبستها فوق جسم منعم
ليل ياليل ليل الليل يااا ليل يا ليل يا ليل..أغار عليها من أبيها وأمها
إذا حدثاها بالكلام المغمغم
وأحسد كاسات تقبلن ثغرها
إذا وضعتها موضع اللثم في الفم
ليل ياااااا ليل يااااااااا ليل يااااااااا ليل..إذا أردت التحليق عالياً في عالم الخيال فاستمع لهذة الأغنية، فلا أعلم اسحرها في كلماتها ام لحنها ام صوت عبد الرحمن محمد.. ام اتحدت العناصر الثلاثة لتلقي سحراً على قلوبنا...
https://youtu.be/nXoJDHUC63I
الأغنية على اليوتيوب 💖
أنت تقرأ
ظله الرمادي
Romance.. كلما اقترب منها اختفت ملامح وجهه ولا ترى سوى ظله الرمادي. .. ليست واحدة ولا اثنتان بل ثلاث ينجبن باستمرار وهي وعاء معطوب لا يقدر على الانجاب. .. قالت لا فائدة مني، طلقني. قال انت السكينة لي التي ذكرها الله في القرأٓن. .. لم تبدأ حكاية مها بمشكل...