تجمدت مها مكانها، امعنت النظر بالاستاذ مجاهد غير مصدقة ما شاهدته داخل عينيه، كانت نظرته كلها عشق ووله، وهو يقول كلماته. فتذكرت نادر و نظراته المفزعة، ورغم اختلاف نظراتهما الا ان عقلها الباطن ربط بينهما مما ارعبها؛ فرفعت عينيها تنظر لوالدها لتجده يتحدث بصوت منخفض وعيناه تتجول بالغرفة كلها الا ناحيتها وقد عقد حاجبيه، فنهضت بسرعة وخرجت، هنا انهى والدها المكالمة وهو يقول :- خلاص يا حج تيجاني بإذن الله هاحجز بكرة وابلغك بيوم الوصول.
التفت فلم يجد مها ووجد الاستاذ مجاهد يبتسم بسعادة وهو يمسك الورق ومن ضمنه الورقة التي كتبتها مها بيدها ويضعهم في الملف أمامه، فظن الاب انه سعيد لانتهاء المقالات؛ بينما مجاهد سبب سعادته انه استطاع أخيراً أن يخبر مها بحقيقة مشاعره، وكله شوق وشغف لمعرفة حقيقة مشاعرها اتجاهه، فقد استشعر ان له مكانه عندها؛ فقد كان يشعر انها تسعى لارضائه بإرتدائها للالوان المفضلة لديه، وابتعادها عن ذلك اللون الذي أخبرها انه مش حلو عليها، لابد انها تكن له شيء داخلها وما خروجها بسرعة الا خجل بنات، يتسائل الاب :- هي مها فين؟
مجاهد :خلصنا كتابة واستئذنت ودخلت جوا، انا سمعتك بتتكلم عن حجز ووصول، في حاجة يا ولد العم؟
مصطفى بحيرة :- ده اخويا الحج التيجاني حلف عليا نحضر فرح ولده، حاولت اعتذر لكنه حلف ما يجوزه الا بوجودي مع عيلتي
مجاهد بصدمة :- يعني ايه؟ هتسافروا هناك تاني؟ انت مش خايف على المها؟
مصطفى بتشتت:- والله مانا عارف، من ناحية خايف عليها ومن ناحية تانية مش عايز ارد لاخوية طلب، هو تعهدلي انه مايخلي بخيتة وولدها يچربوا(يقربوا) من البت، ودي اول فرحته بجواز ولد.
مجاهد:- يعني هتسافروا؟!!
مصطفى :- مظطر 10 ايام بس و هنرجع.
مجاهد :-امان بنتك بعيد عن العيلة ، مش معاهم.
هز مصطفى رأسه موافقاً وقد لعب كلام مجاهد في عقله.
اخرج مجاهد من حقيبته المنتفخة كيس بلاستيكي فاخر و قدمه للأستاذ مصطفى وهو يقول :- دي هدية لمها بمناسبة اخر مقال(فتح مصطفى فمه بضيق ليعترض فاردف بسرعة مجاهد) والله مانت چايل(قايل) شي دي اخر هدية.
دفع الكيس دفعا فسقط من يده ليفتح وتخرج منه قطعة قماش فاخرة لونها أحمر قاني وعبوة عطر ثمينة، فيقول مصطفى :- احمر يا مجاهد؟!!!
ارتبك مجاهد وقال :- انا عجبتني قماشة حلوة بس سودة، وچلت للولد جيبلي لون غير الأسود چال ما يجيش غير الأسود والأحمر، قلت الاحمر انسب لسن بنتك.
الاستاذ مصطفى :وريحة(عطر/برفان) كمان؟
استاذ مجاهد :- لان المقال مسك الختام فالهدية مسك الختام، سايچ (سايق) عليك النبي تچبل(تقبل) من غير جدال، ده النبي قبل الهدية وما رد حد .
قالها وعيناه متعلقة بصديقه برجاء، هز رأسه وقبل الهدية ، وبعد انصراف الاستاذ مجاهد دخل مصطفى وبيده كيس الهديه وسأل عن مها لتقول له رحمة انها كانت تشعر بالصداع و رغبت بالنوم باكراً، فاستغلها فرصة عدم وجود مها وأخبر رحمة بالمكالمة وتناقشا كثيراً، واستقر رأيهما على صلاة الاستخارة واللي رايده ربنا هيكون، وذهب في صباح اليوم التالي لحجز التذاكر و هو متأكد انه قد لا يجد حجز قبل شهر، فقد بدأت اجازة الصيف والجميع يحجز التذاكر قبل السفر باشهر، وكانت المفاجئة في مكتب الطيران ان رجلا ألغى سفر عائلته أمامه، فأصبحت التذاكر متوفرة لعائلته ،فقال مصطفى للموظف :-سبحان الله، انا كنت جاي وشاكك اني الاقي قبل شهر.
الموظف :- ربنا اذن لك تنزل بلدك بعد 4 ايام، وعلامة اذنه التيسير.
في منزل الاستاذ مصطفى بعد خروج الاب لحجز التذاكر قدمت رحمة كيس الهدية وهي تمازح ابنتها(علها توقف عقلها عن التفكير بالبلد):- شوفي الاستاذ مجاهد جايبلك ايه المرة دي( نظرت للكيس بريبة) انتي خايفة كدا ليه؟ هو مش جايب تعبان علشان تخافي كده.
دفعت الكيس وهي تضحك، فتحته مها و هي مستغربة من ضحكات امها، قالت باستغراب وهي تنظر بتمعن للقماش :- ماما انا مش عايزة الهدية دي، رجعيهالوه.
ظنت رحمة انها قالت ذلك بسبب اللون، ولا تدري ان ابنتها قضت ليلة صعبة ممتلئة بالكوابيس، فقد دخلت حجرتها ليلأً وهي تشعر بأن جسدها ينتفض من كلماته ونظراته، و كعادتها عندما تخاف، تلحفت بالبطانية وهي تراقب الباب وصوته يتردد باذنها وهو يقول بيت الشعر :-
إلامَ الحب يا غزالي تعبر عنه عيناكي..
إلامَ أعيش محترقاً بشوقي دونَ لقياكي
عادت تراجع نفسها، اي حب عبرت عنه عيناها، ماذا فعلت ليتجراء عليها هكذا(لأ ماعملتش حاجة، وبابا كان موجود، لو عملت او قلت حاجة غلط كان نبهني، طب انا اصلا بقول له عمي الاستاذ مجاهد، هو كبير في المقام والعمر، ازاي يفكر فيه كدا؟ وسمعت كلامه لما قال اللون الأصفر مش حلو عليكي وبطلت البسه احتراما ليه، هم الرجالة اللي بيقربوا ليا بيخوفوني ليه، اشمعنى انا اللي بيبصولها بطمع وجوع، ده انا عادية مش جميلة زي باقي البنات، لا شعري اصفر ولا عينيا ملونة، ده انا بتكسف واسناني بتخبط ببعضيها لما حد يكلمني وما اعرفش ارد ) دمعت عيناها بحزن على حالها، وقد اقسمت على تجنبه، لم تعرف كيف نامت ولكنها لم تهنئ في نومتها فقد حلمت بنادر ومجاهد كلاهما يحاول الوصول إليها بطريقته، نادر بتهجمه، ومجاهد يحاصرها بأشعاره، وهاهو لم يكتفي بما فعله بالحلم لتستيقظ على هديته العجيبة فنادراً ما يهدي رجل غريب أنثى هدية بهذا اللون، فعادة اللون الأحمر يكون رمزاً لمشاعر قوية بين الرجل والمرأة، وردة حمراء، خاتم خطبة في علبة قطيفة حمراء، فستان احمر، قالت رحمة محاولة التبرير لمجاهد:- بصي الرجالة مش كلهم بيعرفو يهادوا، البارفان حلو، والقماش مش وحش بس اللون مش مناسب إن راجل يهاديه لست مش مراته، بس قال دا اللون الوحيد اللي كان قدامه.
مها:- مش عايزة هديته.
رحمة:- لأ عيب نرجع الهدية، ابوكي قبلها، خليها في الدولاب يمكن تجيها مناسبتها ولا نهديها لحد.
دخل مصطفى و بيده ظرف التذاكر، وضعت مها الكيس من يدها وجرت على والدها تحتضنه كعادتها، ولكنها كانت كمن تحتمي في حضن والدها، ليضحك والدها قائلا :- واه لدرجادي توحشتك؟
صدمت من لهجته الصعيدية، فقد كان يتكلم كأهل القاهرة او باللغة العربية الفصحى، لكنه لا يستخدم لهجته الصعيدية الا عندما يكون في سوهاج او يستعد للسفر، نظرت لعينيه بتسأل، فرفع التذاكر وتبادل النظرات مع زوجته وابنته وقال:- علامة الأذن التيسير.
تراجعت مها للخلف وملامحها مبهمة، وجلس الوالد وأخبر زوجته وابنته كل ما جرى معه و ختم حديثه بقول :- ابتدوا من دلوقتي جهزوا الشنط لسفرة سريعة، هم14 يوم اللي هنقعدهم ونرجع تاني هنا انا كلمت الحج التيجاني وبلغته بيوم وصولنا، واحنا هناك مافيش خروج من الدوار، و تاكلوا ولا تشربوا شي الا اللي يتعمل قدام عنيكم ومن يد الناس اللي نعرفهم بس، يعني اختي وبناتها اه، و ام علي وبناتها اه غيرهم لع،(امعن النظر في مها) فهماني يابنتي.
هزت مها رأسها بقوه وهي تشعر بقشعريرة تجتاحها فأردف والدها :- وهناخد التمر ومية زمزم ليكي يا مها.
.... يتبع...... امل حياتي...
الاجواء باردة في الخارج، لكني أشعر بالدفء بداخلي، فتحت نافذة علمي الخيالي، ورفرفت بجناحي.. وأنطلقت ارفرف باجنحتي الخيالية فوق المدينة التي بدأت تهداء وتنام.. تركت الهواء يداعب وجهي وشعري وجسدي.. حتى سمعت صوت كوكب الشرق يتسلل إلى اذني ضعيف.. تبعت الصوت إلى أن وجدتة يصدح من جرامفون عتيق.. ورجل وامرأته يجلسان يستمعان لأغنية امل حياتي، باستمتاع وانسجام... سرقت مقطع واحد من الأغنية وأحضرته معي لكم.. لن اتكلم عن الكاتب او الموسيقار.... فقط اسمعوا واستمتعوا...امل حياتي.. يا احلى غنوة.. غنوة..
سمعها قلبي ولا تتنسيش..
خد عمري كله بس النهاردة..
بس النهاردة خليني اعيش..
خليني جنبك خليني.. في حضن قلبك.. خليني.. وسيبني احلم سيبني احلم سيبني..ياريت زماني ياريت زماني مايصحنيش.. ياريت ياريت مايصحنيش..
املي.. حياتي.. عنيا..
يا اغلى مني عليا..
ياحبيب امبارح وحبيب دلوقتي..
ياحبيبي لبكرة ولاخر وقتي..
احكيلي.. قولي..
ايه من الاماني ناقصني تاني وانا بين اديك.. عمري مادقت ما دقت في حياتي حنان زي حنانك..
ولا حبيت يا حبيبي حياتي الا علشانك.. وقابلت اماني وقابلت الدنيا..
وقابلت الحب..
اول ما قابلتك واديتك قلبي ياحياة القلب.. اكتر من الفرح ده ماحلمش..
اكتر من اللي انا فيه ما اطلبش ..
بعد هنايا معاك يا حبيبي يا حبيبي..
لو راح عمري لو راح عمري انا ما اندمش...
أنت تقرأ
ظله الرمادي
Romance.. كلما اقترب منها اختفت ملامح وجهه ولا ترى سوى ظله الرمادي. .. ليست واحدة ولا اثنتان بل ثلاث ينجبن باستمرار وهي وعاء معطوب لا يقدر على الانجاب. .. قالت لا فائدة مني، طلقني. قال انت السكينة لي التي ذكرها الله في القرأٓن. .. لم تبدأ حكاية مها بمشكل...