(26)رجعة وعقد

99 4 23
                                    

وكأن بخيتة ضربت في مقتل (إجواز بناتي لع)
الشيخ :- اذا رايدة خراب بيت بناتك ابچي لصلاة الضهر.
بخيتة:- عايزين تعملوا فيا زي اللي عملتوه في ولدي.. هو بصحته وعافيته بس انا ست كبيرة ورايدة أموت في بيتي.
التيجاني :- طول ما مها في البلد مالكيش چعاد، واحمدي ربنا ان الحكم ماطالش بناتك، ومروان اصلا ناوي يچعد بالبندر،يعني طلعتك مش هطول
حمدون :- اعتبري نفسك اشتچتي لولدك ورايحة تچعدي حداه شهرين تلاتة
بخيتة بمسكنة :- انتوا بتعملوا معايا كده لية، ده أنا ارملة اخوكم، دي وصيته ليكم؟ ده چالكم حاجوا على مرتي وعيالي، ده وصاكم على نادر وانتوا طردتوه من البلد...
قاطعها ابو عاصم قائلا لأول مرة :- ما حد راعى ولدك چدهم، وعلى يدي سدوا ديونه بدل المرة مرتين، ولولا وچفة عمامه ولا الديانة كانوا خدوا مزرعته وداركم دي من زمان .
بخيتة بمسكنة:- طب اشوف بناتي واودعهم.
الشيخ :- هنبعت نجيبهم ليكي وانت بتلمي حاجتك.. ها.. چولتي ايه؟ سمعينا.
بخيتة بصوت مهزوز:- موافچة.
الشيخ :- هتيجي عربية مخصوص توچف على بابك بعد شوية، وأول ما تجهزي تمشي طوالي.
وبغضون ساعة حضرن بنات بخيتة وحدث ما أرادوا وتركت بخيتة البلد وسط زفرات راحة للبعض، وهمهمات استغراب من اخريين، وبكاء وحزن من بخيتة وبناتها ودعواتهم (منهم لله اللي كانوا السبب).
اما في دوار التيجاني فعاد الأخوة مع زوج العمة لتناول الفطور، وهم مطمئنين ان شيخ الجامع بنفسه سيتابع خروج بخيتة، وتم ارسال عبدالله ورضوان وسعد لمساعدة الشيخ، اما البائس مروان فقد كان يجلس مكانه في الدوار دون حراك، وعيناه تنظر باستعطاف نحو الجميع ويخص نظراته والده التيجاني وعمه الأفندي، الذي كان يتلذذ بتعذيب مروان وهو يمضغ الطعام ببطئ وحاول التيجاني تخفيف الضغط عن ولده :- تعال يا مروان كلك لچمة معانا
مروان:- مش جعان يابوي تتهنوا
التيجاني :- امك بتچول مادچتش(مادقتش) الزاد من امبارح.
مروان :- هابچى آكل لما يهدى بالي.
قالها بصوت مرتفع قليلا فكان الأفندي يرتشف الشاي مستمتعاً بنظرات العذاب التي يراها في عيني مروان وهي تتنقل بينهم وبين باب حجرة ابنته؛ التي لم تتحرك من حجرتها منذ الأمس، فقد ابلغته زوجته التي خرجت لرؤيته انها لا زالت نائمة وقد رفضت تناول الطعام ، فأنهى كوبه ونهض متوجها لحجرة مها وهو متأكداً ان عيني مروان متعلقة به.
دخل عليها وقد وجد امها تقرأ القرآن بجوارها ومها نائمة، مصطفى :- ازيها؟
رحمة :- كل حركة بوجع.
مصطفى :- خدت الدوا؟
رحمة :-خدته على معدة فاضية.
تأمل ابنته وكالعادة حركت رموشها كشفت انها إستيقظت رغم انها لم تفتح عينيها، جلس على طرف الفراش وهو يهمس في اذنها :- حبة الچلب.. جومي يابطتي الصغيرة.. يلا يا نعمة ربي ليا
فتحت عينيها، جلست في فراشها ونظرت لوالدها بحزن، لم يستطع مصطفى رؤيتها مكسورة هكذا، فضمها اليه لتنفجر بالبكاء وهي تحاول أن تختبئ داخل صدر والدها بشدة؛ فشدد على ضمها وهو يقول لها :- حاسس بيكي وفاهمك يا چلب ابوكي.. أنا ادبته وربيته ورحيم وعاصم ضربوه كمان...
همست بصوت ضعيف :- امتى نسافر؟
ابعدها عنه قليلا ونظر بحزن في عينيها مياشرة سائلاً اياها:- انتي رايدة تعودي ويانا؟
طارت الكلمات من بين شفتيها المرتجفتين، كانت تود الصراخ بما يعتمل في قلبها من وجع والم، ولكن رجفة شفتيها واصطكاك اسنانها اطارات الكلمات ليعلوا صوت نحيبها مع أنهمار دموعها، ضمها والدها محاولاً تهدئتها...
جالس هو عيناه معلقة باب حجرتها يحدوه الامل بخروج عمه وبيده حبيبته ليردها اليه، لكن.. صوت نحيبها وصل لمسامعه افزعه( طب اروح اعتزر لها واحب عا دماغها تسامحني، ولا ايه؟ ) مرت ساعة كاملة والجميع يتحرك من أمامه ذهاباً واياباً وهو جالس على كرسيه، ضاماً ركبتيه إلى صدره، وعيناه لا تتزحزحان قيد انملة عن باب حجرتها عندما فُتِحَ الباب وخرج عمه والبوس يغطي وجهه، فهب واقفاً وتلاقت عيناهما فتحولت عينا الأفندي لغضب رفع مروان يده مغلقا بها فمه بالعاً غصة كبيرة في حلقة، كانت عيناه تترجا وتتسائل ويده تضغط بقوة تمنع الكلام(عمي.. ياعمي بترجاك تردهالي.. طب ادخل اشوفها واطمن عليها.. هي بكت تاني ليه؟ هي كرهتني خلاص؟ مش ريداني؟ ) توجه الأفندي نحو المندرة متلافيا النظر نحو مروان وكأنه هواء، اغرورقت عينا مروان بالدموع وبقي حائراً هل يتبعه للمندرة ام يبقى مكانه، تعلم الا ينطق اي كلمة بالطريقة الصعبة.
دخلت ام عاصم الدوار فجرى عليها مروان ساحبا اياها نحو صالون الحريم قبل حتى ان تطرح السلام على أحد، بثها مخاوفه وهو يصارع دموعه، وترجاها ان تقف بجواره وتعيد اليه حبيبته، طبطبت على كتفه بحنان قائلة وهي تنهض خارجة من الحجرة :- اللي رايده ربنا هيحصل.
وغادرت متجهة للمندرة وقد سبقتها رحمة وام علي، وبعد مناقشات وجدال بصوت منخفض لم يستطع مروان ان يلتقط كلمة منه، خرجن النسوة الثلاث ونظرن لمروان الذي كان جالسا على كرسي مقابل باب المندرة، وتوجهت كل واحدة لوجهتها، ام علي للمطبخ ورحمة لحجرة ابنتها وام عاصم اتجهت لتأخذ بيد مروان لصالون الحريم من جديد وهي تحوقل وتستغفر، سار معها كالطفل الصغير بدون اي كلمة، اجلسته أمامها وعينيها تحمل الكثير من الكلام، ودخلت امه وبيدها صينية عليها بعض السندويشات وكوب كبير من العصير، فركز مروان مع عمته وهو يقول بنفاذ صبر :- ها ياعمة.. عمي چال ايه؟
ام علي :- كلك لچمة لول؟
مروان:- ماليش نفس...
قاطعته عمته:- امك بتچول ماكلتش حاجة من فطور امبارح.
مروان :- ومنين تيجي النفس للوكل وانا خربت بيتي بيدي.
ام عاصم :- كويس انك عرفت غلطتك.
مروان :- عارفها يما.
ام عاصم:- ورايد تصلحها.
مروان:- اكيد.
ام عاصم :- كل السوندشات دي لول
التقط الرغيف وبدأ بأكله، وتوقف فجأة لينظر استغراب لما في داخل الرغيف هو ينظر لأمه باستغراب:- لحمة يمة؟؟ وهبر كمان
ام علي :- ايوة انت بچالك يومين ما كلتش، ولزمن تتچوت للجاي..كُل.
مروان بقلق:- واه، چصدك ايه؟
ام عاصم :- چصدنا تتچوت علشان اللي في وشك يروح ونعرف نرجع مرتك ليك.
مروان:- هو.. عمي غير رأيه؟
ام عاصم :- لع، مها تعبانة.
هب مروان واقفا:- اروح اجيب الدكتورة.
ام علي :- اچعد وكمل وكلك هي مش موچفة بكا، وكل ما يحاول عمك يكلمها تفتح بالبكاء.
مروان:- يعني ايه؟ هي اللي مش ريداني؟!!.
ام عاصم :- اللي عملته مش چليل..
قاطعها مروان:- والله عارف غلطتي كبيرة ، بس والله ما كنت بوعيي، ده أنا بحبها لاه، انا بعشچها يا ناس.
ام على:- واه بسرعة دي يا خفيف اتچل، ده أنا كنت بچول عنيك أجمد إخواته
مروان :- اچولهالكوا انتوا بس.. أنا بعشچها من صغرها وكنت مانع نفسي افكر فيها وچولت مستحيل تبچى مرتي طول ما نادر وعاصم رايدينها، ولما جت الفرصة مسكت فيها.. ومش هضيعها من يدي تاني.. دبروني هـ اموت لو مارجعتليش.
ام عاصم:- اسمع الكلام اللي هنچولوه واعمله.
ركز مروان بكلام عمته وامه ودخلت رحمة وجلست معهم وتبادلت الكلام وخرجت من جديد؛ لتعود لحجرة ابنتها من جديد.
وجاء اليوم التالي ليخرج مروان باكراً لسوهاج رغم كدماته، وعاد وبيده عدة حقائب، وجلس ينتظر في صالون الحريم الذي أصبح مكان مقامه ومنامه،واخيراً جائت العمة ولم تدخل الا ورحمة وام علي معها، تناوبن بفتح الأكياس، وأبدين رأيهن بما احضر، تجرأ مروان وسأل زوجة عمه عنها، فأجابت :- خف بكاها شوية.
مروان :- اخشلها بالحاجة؟
رحمة :- لا، عمك لسة ما أزنش..
مروان:- طب كفاية ولا كمان.
رحمة:- كفاية الله يرضى عنيك.
لمعت عيناه بالدموع من كلماتها، لقد سامحته زوجة عمه، وهذه إشارة جيدة، لم يشعر مروان الا وهو يقبل يد زوجة عمة ورأسها وهو يقول بصوت ارتجف من السعادة :- انتي سامحتيني مش إكده ياما رحمة.
رحمة :- الله يسامحك ويسامحنا.
العمة:- لولا اتوكدنا انك مسحور ولا ماكانش حد سامحك. اخذت العمة أحد الأكياس وذهبت لحجرة مها، وبعدها بقليل تبعتها رحمة، ثم لحقتهم ام علي بكيس اخر، ورغم التحذيرات تسلل مروان مقتربا من حجرتها، ليستمع لبكائها وعمته تهدأها وامه تجبر بخاطرها بأجمل الكلمات، وزوجة عمه صامتة، ولكنها بعد كلمات السيدتين قالت بأسلوب حازم :- بكفياك بكى يا بتي وفكري بكلام الناس.. انت عروسة ماكملتي الشهر والناس هتلوك بسيرتك، عمتك ومرات عمك بيطبطبوا عليكي ومش عايزين يشدوا بالكلام، اللي خايفين منه اكتر عليكي من فراچ مروان ان الناس هنا مش هترحمك.. هيچولوا دي معيوبة وماچدرش يخليها على زمته اكتر من كده، وخصوصا ان انتوا دخلتوا برة البلد، اللي هتشمت وهتعبي البلد كلام هي مرات عمك، وبناتها، فكري يا بتي بمصلحتك وسمعتك وسمعة ابوكي اهم حاجة، دي مرات عمك هتعمل ليلة لله لو وصل لها الخبر... عارفة.. ابوكي وعمك لما راحولها شافوا جارة بيت عمك وياها، والست لما لمحتهم جامت مدارية وشها وماشية بسرعة، يعني اللي حصل وصل لبخيتة وكلها يومين ويتوكد خبر طلاچك، احنا هناخدك ونسافر، بس ابوكي حلف مايرجع البلد دي تاني.. خلاص ابوكي باع العيلة كلها بطلاچك، وحلف ما يدخل البلد تاني لو مش رايدة ترجعي لجوزك، فكري زين في مصلحة الكل وعندك للمسا تچرري، وانا وابوكي معاكي في چرارك، يلا يا ام علي يلا يام عاصم. ونهضن لتقول رحمة بهمس مسموع ( مين رايد الأرض الغربية چولتي؟) صدمت مها مما سيفعله والدها فسكتت عن البكا، وابتعد مروان مسرعا وخرجن النسوة الثلاثة واتجهن المندرة حيث يجلس التيجاني والافندي وتظاهر مروان انه لم يتحرك من صحن الدار قالت ام عاصم:- چاسيتي بالكلام عليها.
رحمة:- ما ينفعش مع مها غير كدة، لو تركتها هتفضل بالحزن وعمرها ماتعدي المشكلة دي، و افكرها ان مصلحة ابوها اهم من مصلحتها، بنتي عارفاها لازمن اوريها الطريچ وامشيها بيدي فيه.
دخلن المندرة دون التحدث مع مروان الذي توثق من اغلاقهم الباب ليتسلل الحجرة مها ويقف خلف الباب، لم يسمع لها صوت بكاء فطرق الباب دون فتحه وقال بصوت واضح ميال للهمس :- مها.. يا حبة الچلب.. أنا غلطان وغلطي كبير.. لكن والله ماهو بخاطري، دانتي عشچي وغرامي.. مادچت نعيم الجنة الا وياكي وانا دلوچتي حاسس بنار جهنم بتحرچ فيا، انا بموت ببعدي عنك، ولو بعدت اكتر چلبي هيچف.. انت دچات چلبي، وبدونك حياتي مالها طعم... لو رايداني اكسر يدي اللي اتمدت اكسرها.. چولي وانا اكسرها، بس ماتحرمنيش من الجنة.
سمع صوت شهقات مكتومة خلف الباب، فاردف:- مستني چرارك يا حبة الچلب الليلة... يا اموت او اعيش.
عاد مبتعداً إلى صحن الدوار تاركا مها كالغريقة بين أمواج أفكارها المتلاطمة، لا أحد يدري كم عانت وهي تفكر ترتجف وتثور، تخبط وتخبط وتخبط في القرارات، (طب اعمل ايه سابوني وحديا افكر، افكر في ايه؟ جوازاة اختروهالي وطلاق فرضوه عليا، ولا براجل عمري ما عرفته الا بالاسم، راجل وافق عليه بابا وقالي هيبقى جوزك امضي.. راجل بقالي عشرين يوم بيتقفل علينا باب واحد.. بالعافية اتعودت عليه وعلى كلامه ولمساته.. بالعافية استوعبت اني حلاله وملكه، غلط في حقي وزي ما دوقني الحب والدلع.. دوقني المر والوجع.... طب اتطلقت وهـ اخرج من البلد وارجع تاني مع بابا، هيسيبني بابا اعيش كدة؟ ماهو قال مسير كل بنت تتجوز ماهو مش هايعشلي العمر كله.. يعني راجل تاني ومين هياخد مطلقة الا راجل كبير أو واحد متجوز.. او ارمل.... او مجاهد) انتفضت واقفة من الفكرة واجتاحتها مجموعة خيالات عن حياتها مع مجاهد، لم تتحمل فكرة ملامسته لها كما يفعل مروان ( مستحيل اقبل وانا عارفة ان بابا ممكن يضغط عليا ويجبرني ... ساعتها هوافق لانه بابا) فرت بعض الدمعات تسابق احداهن الأخرى ( طب حتى لو قدرت أرفض مجاهد.. ماهو ممكن نادر يرجع تاني ويقول قابل فيها على طلاقها، بس ادهالي يا عمي... ياربي هو لوحصل وجه يتجوزني، الكل هيقول ده شهم لم لحم عمه وستر على بنته، دانا وانا صغيرة خفت وما كنتش فاهمة.. دلوقتي عارفه هو كان عايز ايه ومش هقدر امنعه لاني هاكون مراته حلاله، لأ لأ مستحيل اسمحله يلمسني تاني، ده وحش.. ده انا يدوب قبلت مروان وحسيت بالامان بحضنه)تنهدت بحرقة واطبقت على شفتيها لتمنع خروج المزيد من التنهدات (وبابا كمان انا اذيته مشاكلي، ده روحه متعلقة بالبلد وبعمامي طول عمره مدلعني واللي عايزاه بيجبهولي، وعمره ما قصر معايا وماحدش هيحبيني قده وهو ادب مروان على اللي عمله وتبقى جزاته اني اقطعه عن أهله.. اااه ياربي على الحيرة) واستمر حالها حتى جاء المساء ودخل الجميع عليها والداها وعمها التيجاني وزوجته وعمها حمدون وعمتها عفاف ام عاصم لتبلغهم بقرارها بالموافقة على العودة لمروان برضاها، فأحضر التيجاني مروان الذي قال له عمه الأفندي :- ردها لعصمتك.
التفت مروان لمها التي لم يرها منذ ليلتين ليشعر أنهما شهرين وليستا ليلتين وردها لعصمته، ليشهد دمعة تهرب من عينها بصمت، فلم يتمالك نفسه وسارع نحوها ليحتضنها لولا يد والده التي كانت تمسكه بقوة، فقال الأفندي هو يخرج من الحجرة :- يچعد وياها عشر دچايچ بس وباچي الكلام يتم زي ما چلت.
خرج الجميع ما عدا العمة كما طلب الأفندي ليجري مروان لمها ويحتضن ها بقوة متغافلا عن انتفاضتها الفزعة من لمساته لها بعد ضربها، وهو يعتذر باعذب الكلمات وهو يقبل رأسها ووجهها من جبينها لعينيها لخديها وشفتيها وحتى ذقنها، لم يتوانى عن تقبيل كل سانتي ميتر في وجهها وهو يعتذر مع كل قبلة، لم يمانع حتى من تقبيل أصابعها وكف يدها وظاهرها ورغم اشاحة وجهها الا ان حزنها كان جليا ولكنه لم يتوقف للحظة عن الاعتذار.
قدمت له عمته الكيس الذي بيدها، ففتحه مروان وأخرج فستان رقيق من الكتان الأبيض مزين بزهور الاقحوان الزرقاء

ظله الرماديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن