جزء2

17 2 0
                                    

رفعت رأسي أملته يمينا بضع درجات  ، لمست تلك الكف التي تلف عنقي عدة مرات ،  أداعب أناملها أتحقق ما إن كانت هذه الأظافر المتورمة المتآكلة حقيقية أو من صنع هذياني كما حل بي قبل وهلة مع معصمي الذي قطعته ولم يقطع !!!

بعدها صفعت خدي  حتى إنفلت من قبضة الحضن الصغير وقعت  على الأرض وقد إندثرت أتربتها على بنطالي الكحلي غدا لونه الأسود القاني ملوثا بغبار الحزن تماما كالعبوس الذي إرتسم على وجهي في ذهول ، إستندت على قارعة الطريق التي كانت تخلوا من المارة  فقد إنصرفوا إلي بيوتهم بعدما قرعت الساعة  الواحدة مساء ذلك القرع الذي يدوي من بعيد تفتعله  أجراس ضخمة تحرك كل إنقضاء ساعة .

رفعت جذعي العلوي عن الأرض بينما إستلقتا ساقاي في وضعية متناثرة كالمشلول الذي سقط من كرسيه المتحرك ولم يقوى على الحراك ، فما هو بالغ علو كرسيه ولا كرسيه يرأف لحاله ويسعفه مقتربا ليستند عليه ،وبينما كنت أمسح دموعي في عجالة وعلى إستحياء أوفق في طمرها   حينا وحينا تنهمر من بين أصابعي   فاضحة ضعفي....كنت أحاول توضيب ماتبقى لي من كبرياء لأنقلع إلى أبعد مكان قد وثبت عليه قدم  حتى ظهر ذلك الكف الصغير مجددا يمسح بقايا الدموع من لحيتي التي كانت تكتسيها  الفوضى كسكك قطر ملتوية بالية .
 

حدقت في تلك الملامح الصغيرة فمن كان يحضنني هو ذلك الفتى الذي تبنته عائلتي قبل شهران مضايا ، أتذكر أن لديه توأما مطابقا له شكلا حتى الشامة التي على عنقهما إحتلت نفس الموضع الحجم و حتى اللون،  تلك العيون الذابلة والحاجبان السميكان حالكا السواد يتنافيان تماما  مع لون الشعر الأشقر  ، سمرة إكتست البشرة وشفاه غليضة  ،أراهن أنهما لن يكونا بحاجة لمرآة فكل واحد ماهو إلا إنعكاس للآخر  لكني أستطيع التفرقة بينهما بسهولة فقط من الوصف الذي كان يتفنن في تدوينه أبي في الرسائل التي كانت تصلني أسبوعيا كان متحمسا تماما للإيشاد بالفتى الذي وصفه  بالهبة التي تكرمت بها السماء،   ذكر مرات لا تحصى عن عبقريته الميكانيكية ، بينما حملت تلك الأسطر فخرا إلا أن مابينها إن دل على شئ فسيكون التوجس... كما لو أنه يعد هذا الطفل قرينا له  ينازعه على عرش الإختراعات ويسلب منه الإمتنان والهتافات  فخمسون سنة من نصيب الوالد لم تكفي ليبلغ المعرفة التي بلغها هذا الطفل في عشر سنوات ، لا يمكنني إنكار كم أن الأمر مرعب كما لو أنك عشت حياتك باطلا بعد العدو لأميال سبقك رضيع بالحفاضة .

تجمدت أبصارنا  و بما أنها أول مرة نلتقي فيها كنت أتفحص كل ميول وإنسياب في ملامحه أدقق في التفاصيل لأنحت صورة له لاتشوبها شائبة في ذاكرتي ولابد أنه كان يفعل المثل  بالنظر إلى إتساع حدقتاه  و إرتفاع حاجباه وتلامسهما مع  إنثناءات جبينه مرت ثوان حتى بادرت سائلا في إستغراب أتقفى صحة إستنتاجي:

_أنت ...وقار .

_صدقت ،وأنت الأخ الاكبر ليل.

_لدي عذر لمعرفتك فرسائل أبي وصفتك من أول شعرة

في رأسك  تلوت في الهواء إلى أصغر إصبع في قدمك

وأنا متأكد أن والديا لم يذكرا أي وصف يخصني  فما هو

عذرك لمعرفتي .

_ليس لديك عذر أيضا كيف عرفت أني وقار بينما جهاد

نسخة عني أي أحد سيلمحنا لن يفرق بيننا.

قضمت شفتي السفلية في حيرة هذه عادتي حينما تخونني الأدلة وتكون الوقائع صادمة ومجحفة إستنكرت بغصة إلتهمت صوتي .

_هذا لأنني ذ...

_ذكي.

إنقض مجيبا قبل أن أكمل  حتى  ، عيونه أشبه بحمل وديع لكن ثقته التي تتدلى على قمم الغرور تعطي إنطباعا آخر تماما ،حك ذقنه وقد بدى عليه الإستمتاع ورد قائلا:

_بما أننا عرفنا كيف عرفتني دعني أخبرك كيف ميزتك عن غيرك .

_محقق ،أنيق ،في السابع والعشرين ،حكم على زوجته

بالإعدام ،كم شخصا هنا يفي هذه الصفات ويحاول

الإنتحار بخلافك .

لم أشعر بتهديد في حياتي كالذي سلطه علي هذا الطفل، كيف علم أن زوجتي محكوم عليها بالإعدام وقد صدر القرار قبل ساعة من الآن ! وبفرض أن برقية من المحكمة أرسلت إلى منزل والداي سيستغرق وصولها ثلاث أيام بالبريد السريع بعيدا  ، عن هذا كيف وصل إلى هنا من أخبره ومن أرسله بالتأكيد هذا لن يكون من تخطيطه!  ولن أنفي فرضية أن هناك من يوجهه بالتأكيد المسؤول عن هذا  يراقبه الآن فيستحيل أن يستغل طفلا في معاملاته القذرة دون أن يوجهه .
سألته ببحة إلتهمت صوتي :

_أين هو ؟

_من ؟

_الشخص الذي يراقبك و أرسلك ، إن كنت تتعرض لأي

ضغوط فقط حرك سبابتك ...ولا تخف أينما كان لن

يسمعنا فالشارع واسع ويستحيل لأحد أن يصله حديثنا

حتى إن كان في أحد المباني المجاورة  .

بدا على ملامحه الإستغراب ليست هذه هي ردة فعل من يتم تهديده بدا راضي تماما مع ملامح ثابتة هادئة ران علينا صمت قصير ثم نطق قائلا:

_فهمت، أنت تتحدث عن امنا في الواقع هي بعيدة عن هنا .

_ومن أمنا ؟

_الشخص الذي زعمت أنه يتحكم بي .

_ألا تشكل خطرا على حياتك ؟

_لا بل على حياتكم أجمعين ،لنعد إتفاقا أيها المحقق ليل  سأنقذ زوجتك في المقابل  ستصبح أحد خدم أمنا .









الخيال الذهبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن