في القاعدة

14 1 0
                                    

*
غادرتْهم وقد تركت سحابة من الريبة تسبح في الأرجاء.
القائد ممدد على الأرض تحيطه بركة من الدماء يتسع قطرها شيئا فشيئا.
إقترب عاصم من جسد القائد الذي يقاوم الموت بصعوبة وأمسكه من شعره البني ليرفعه كاشفا عن وجه شوّه بلكمات حورية العنيفة الغاضبة فما راعه إلاّ صرخة مدوية من ميراندا . فالتفت لها في دهشة بينما يده تواصل القبض على شعر الرجل .
_ما الذي حل بك ؟ هل جننتِ؟
_ إنه ..إنّه... هو...!
_تعرفينه إذن ! دعيني أحزر ! جاسوس؟
_جيف من أعتى رجال المنظمه. خضع لتدريبات تجعله الأمثل لكسب ثقة العدو .لم أعتقد أنهم قد يرسلونه إلى حتفه بتلك السرعة.
_لا أعلم متى تكفّين عن اللهو وتسكبين دلوك بما فيه لعلنا نظمك لصفنا ؟ ألا تهمك ثقتنا ؟أتظنين الأمر سهلا ؟ أم أنك ستعتمدين أساليبك المقززة كي نعفو عنك؟
_عاصم . إختر ألفاظك رجاءً
_ماذا ؟هل جرحت مشاعرك ؟ مسكينة ! منذ متى تملكين مشاعر أساسا. أتحسبينني كنت أدافع عنك توا هيهات خيالك جامح عزيزتي .
_عاصم أنت الآن غاضب .إهدأ رجاء
_أترتعشين؟ هل أنت خائفة ؟ ههه ...لم تري شيئا بعد!
ترك الأخير رأس الجاسوس وأخذ يقترب من ميراندا حتى كاد يمسك رقبتها هامّا بخنقها حين حوصرت بالجدار ولم يعد يفصلهما إلا بعض السنتيمترات حيث شعرت بأنفاسه الغاضبة و نظراته التي تملؤها شرارة من الحقد تحرق وجهها الشاحب من أثر الخوف والألم النفسي.كانت ستفقد الوعي لو لا أن حورية أمسكته عن ذلك فإستدار مبعدا إياها متجها نحو منعطف ما من النفق المسمى قاعدة.
_أشكريني لاحقا إن أصبحنا صديقتان
مغرورة تمتمت ميراندا في سرها وهي عائدة لشبه الجثة الممددة عل الأرض.
_وجب التخلص منها.
_ألا يزال حيا؟
_ربما.لا بجوز أن ندفنه حيا أليس كذلك
_من يدري ؟
_لازال يتنفس . لننتظر حتى يموت أولا .
_لا خيار غير ذلك . لا نريد أن يتعقبنا في كوابيسنا القادمة ظله المشؤوم.
***قبل صراخ ميراندا***
ألم ترتكبي إثما في حياتك؟
كانت الجملة قاسية رغم بساطتها لأنها تعني لحورية الكثير. هي الآثمة التي يئست التوبة.
والقاتلة التي لم تعد تشعر بشيئ حيال الدم بين أصابعها.كانت طفلة حين ودّعت البراءة .وهاهي شابة تودع الإطمئنان مادام الإثم يجلس على كتفيها كما يركب فارس صهوة حصانه. وتحمله عن رضا مختلط بلا مبالاة كما يحمل المسافر شواله بعد أن ترك منزله خلفه بإرادته و غير راغب في ذلك.تناقض في تناقض. هي عالقة في الماضي لا أحد يعلم سرها على الأقل هكذا تظن .ولندعها تظن فهي ليست قادرة على تحمل المزيد.موت حبقة أفقدها الأمل حين أبصرت حوى تمسك القلاده دمعة يتيمة تأبى الإستكان في محجرها ودّعته مخفّفة بعض من الحِمل...في الواقع حورية قد ازاحت سابقا بعضا من الهم قبل أن تعلم بموت اختها حين زل لسانها وأخبرت عقيق ولكنها تثق به بل تحبه ولذلك هي مطمئنة لسرها عنده..
***الآن***
قررت كلتاهما إنتظار موت جيف أوحدوث معجزة ما و إستيقاظ حوى .فجلستا جنبا إلى جنب.
حورية لا تعلم الكثير عن ميراندا ولا ميراندا تعرف شيئا عن حورية لكنّهما تشعران أن شيئا ما مشتركا بينهما كلتاهما تصارع أمرا ما.أمرا تخشى ذكره كخشية طفل للظلام وكخشية البحار للعواصف.
حورية الآن حقا تتعاطف معها خصيصا بعد أن هدأ غضبها وعلمت أن ذنبها لا يقل شيئا عن ما إرتكبته تلك الشقراء .ربما تكون المقارنة خاطئة لإختلاف الظروف التي ولدتا بها ولكن كلتاهما تسحب العار كظلها.
_لا أعلم مالذي حدث بينك وبين عاصم سابقا . ولكن الفضول يقتلني.
_لا أعلم حقا إن كان عليّ الإفصاح بذلك.
_كان على عاصم فعلها.
_لا أعتقد أنه قادر على ذلك خصيصا بعد زواجه هو لن يفتح الجرح بتلك البساطة.
_شوقتني.
_لو أفصحت عن الأمر فأنا في عداد الموتى .
_وليكن.
_لم لم تفصحي أنت أيضا؟
_بماذا؟
_حورية أنا أعلم أنك تخفين شيئا وسأكتشفه عاجلا أم آجلا .
_أفصحي أولا.
سردت ميراندا تفاصيل حياتها القاسية بين القصور والسجون على حورية حتى وصلت لذاك اليوم...
***
كان الحال فجرا .حزمت أمتعتي وهممت بالهروب للتل أين عاصم. ولكن أخواتي كن لي بالمرصاد فدخلن عليّ وكتفنني في كرسي ما ..
_أتعتقدين أن إبن خالتك وخالتنا المحترم ينتظرك الآن؟ تتوهمين ياعزيزتي .لقد تم ترحيله قبل سويعات.
_لا لا يمكن! عاصم لا يفعلها! لا يتركني هنا!
_حبيبتي . ليس كل شيئ في هذه الحياة يجري بإرادتكِ.
أخذن يفككن قيدي وهن يقهقهن بأصوات كأنها الرعد حدة وكسخرية القدر إجهاضا للأمل.
كنت قد أصبحت جثة تتنفس لم أعد أعي شيئا من حولي بينما هن يغيّرن ملابسي ويجلسنني ثانية ثم ينصرفن.
_أنا حقا أشتم رائحة كارثة ما هنا. قالت حورية مقاطعة سرد الأحداث.
_حاسة شمك صادقه .الكل يعلم وظيفة الأنثى في منظمة عرق الذهب.
_لكنك هنا لم تبلغي الثانية عشر حتى!
_وما الفرق؟ لا فرق عندهم بتاتا .دخل حينها رجل ضحم الجثة حاد الملامح وحدث ما حدث.قبل أن يطرق عاصم الباب مع الظهيرة فأفتح له وأعجز عن الشرح.
_وماذا كنت ستشرحين حينها؟ أنه قد تم إغتصا*بك
ومن قادر على شرح ذلك؟ حتما لا أحد سيفعل.
_لقد عانيت الكثير ولكنني إخترت الإستسلام
_تتحدثين عن قبل الحادثة أم بعدها
_وما الفرق المهم الآن أني جاسوسة لصالح منظمة قذرة وأقوم لأجل ذلك بأعمال أقذر. ولعاصم الحق في أن ينفر مني وأن يتزوج ويعيش حياته وبل وأن يمقطني إن شاء.
وهنا سرحت حورية في أفكارها هل حقا هي قادرة على أن تواجه ذلك اليوم؟ يوم تنفر منها أختاها وتمقطانها؟ هل هي قادرة على العيش على هذا المنوال. وهل كانت حبقة قادرة على مسامحتها وحينها رفعت رأسها وقد تبادر لذهنها سؤال لم تفكر كثيرا قبل توجيهه لميراندا .
_إذن كيف حالك الآن؟
لم تكن الإجابة سوى أن رفعت رأسها وابتسمت تدريجيا فيما يشبه السخرية . ثم أنزلت رأسها نحو الأسفل و قالت بصوت يخلو من الروح .
_مثل حال قاتل عن غير عمد بعد التنفيذ الجريمة يا حورية !
حينها غطت غشاءة سوداء أعينها وما إنزاحت إلا وقد ظهرت صورة والدها جلية أمام ناظريها. لقد تعبت حقا لم تعد تحتمل هذا العبئ أرادت أن تشارك سرها مع أحد ولاكنها على مدار الخمس سنين الماضية ومنذ أن قتلت سعد لم يكن بإمكانها البوح لأحد فهن حقا لن يعين يغفرن ذلك مهما كانت معزتها لديهن خصيصا بعد أن تظاهرت بالصدمة حين علمن بوفاته لن يصدقن أن الدموع التي ذرفتها معهن كانت صادقه .لن يصدقن أنها كانت تنوي الدفاع عنه ربما هي تتوقع الأسوأ ولكن في ظرفها هذا لا مجال لتبقى وحيده على الأقل فلتنفذ ما طلب منها ولتحقق وصية أبيها وتجلس أختها من أمها على العرش. ثم فلتعصف بها صاعقة من السماء هي لا تبالي ستعيش آخر أيامها تلك كما تريد وكما تحب ومع من تحب . أيقظها صوت ميراندا من ذهولها
_دعينا من هذا الآن. كيف وأين أمسكت بجيف وما الذي حل معك منذ حللت مكانك يومها .
_تلك حقا قصة طويلة!
_ آمرك أن تسرديها كاملة إذن.
ومع ذلك الصوت ولجت بإطلالة غير إعتيادية .هي حقا ملكة الآن قولا وفعلا فكرا ومظهرا قلبا وقالبا تخلت عن بساطتها لأجل الثأر وهاهي في فستان فيروزي بذيل طويل تخطو كالطاؤوس في إتجاههما بابتسامة ماكرة يسير على يمينها دماء وورائهما حارسان ملثمان ضخمان تفوح منهما رائحة الخطر.
_زمرده..أقصد جلالتك ألم يأتي عقيق معك بعد ؟
إقتربت منها وهمست لها بابتسامة مشرقة
_ أولا لازلت زمردة ثانيا..وأضافت بأعلى صوتها
تمت بعض التغيرات في مسار الخطة .
وعلى إثر قولها ظهر عاصم من المنعطف جادا يخفي كل إنفعاللته السابقة.
_عاصم ألا تظن أن علينا تعليق بعض الستائر لمنحك وزوجك بعض الخصوصية .
_زمرده ...ياعزيزتي أنا حقا غاضبة . أريد عقيق في أسرع وقت أريد الزواج منه سيدتي قبل أن أفصل جسده عن رأسه لأحتفظ بخلايا دماغه إن كانت موجودة حشوة لوسادتي وأعلق باقي جثته النتنه ستارة للحمام.ارجوك ماذا حل به؟
_ستكون رائعة ستارة الحمام عقيق ببدلة قائد الجيوش الحربية سيدتي .أردف عاصم ساخرا.
_أجل أجل ههه ...وتغيرت حسنتها تماما منذرة بجدية ما ستقول فأنصتا لها بإهتمام بينما ميراندا قد ذهبت تسكت الرضيع وتخفف عن نفسها وطأة الحرج من موقفها هنا.
_وصلتني برقية مفادها أن عقيق قد إكتشف الخائن عدى ميراندا وأرسله معك ياحورية فإتجهت حيث مكاننا الآن .ولهذا أريد مزيدا من تفاصيل الواقعة علما وان عقيق حاليا متوجه للقاعدة الثانية في أرض العدو وهو بصحة جيدة نسبيا .
_هاان؟!...حسنا حسنا لا ترفعي لي حاجبك بإستنكار هاكذا. يكفيني أن رأسه في مكانه الطبيعي. لن أسأل عن أمر آخر سأسرد وأمري لله...
*** ( بعد سردها ما جرى)
_إذن ما يمكن إستخلاصه أن أولا حورية أحسنت صنعا أرهقت العدو وفهمت إشارة النار من عقيق دون تفسير رغم كونك مختطفه ثانيا حورية أنت حقا غبية متهورة كيف تحاولين الهرب قبل الأوان...
_ إن هو حقا...
_أعلم ماذا جرى لك وأعلم أنك واجهت الكثير ولكن..
_بحق الله ماذا تقولين ليس هذا ماقصدته فليفعلو ما شاؤوا لا أهتم ولن أشتكي ولكنني أردت الهرب من النافذة لأفتعل الحريق إلى جوار عقيق لأن ذلك بدأ لي أكثر إمتاعا من الإنتظار والهرب.
_ألم تسجني في القبو؟ من أين لهم بالنوافذ؟
_تصميم القصر كان فضيعا كانت تلك القذارة تستند على سهل ما بحيث توجد أماكن سرية تحيط بالسجون من كل جانب أغلبها حدائق مخفية محجوبة عن نور الشمس. لايمتلك ذاك المدعو رافايلو أي ذوق . سأصف ما رأيته لأحد الجنود المكلفين برسم المخططات لإضافة بعض التعديلات عن النموذج الأولي لقصر العدو لقد أغمضوا عينيّ بينما أنا في طريقي نحو السجن ولكني رأيت القليل أثناء الهرب .
_عمر كان مفيدا في هذا هو يحفظ تفاصيله عن ظهر قلب.لقد جاء من ذاك المكان ولكنك اكثر عاما بالسجون .
_لا نعلم الكثير عنه صحيح .
_لقد قدم معلومات شخصية كافية لنا لا نحتاج أكثر منها. الآن علينا بالراحة مازال أمامنا الكثير من العمل
_ أففف ...أخيرا سأغير هذه الثياب لا أصدق أنني بها منذ الإختطاف هذه جريمة بحق الجمال .
غادرت حورية بينما إقتربت إمراردو من موقع البقية.
_ ميراندا بسرعة هاتي حبيب خالته هاتيه.
_حاضر .لكن إحذري سيدتي لقد نام للتو.
_ما أجمله!! بنت؟! لم أكن أعلم .عاصم ماذا ستسميها؟
_وهل أجرأ وأمها في غيبوبة.
_أجل صحيح كيف كانت الولادة وهي على هذه الحال.
_كلمة صعبة قليلة في حقها لو أن هذه الحرباء كانت تنوي الهرب وغيرت رأيها لتساعد لما نجا أحد منهما.
_ميراندا انا أشكرك ليس كملكة بل كأخت حوى شكرا جزيلا.
_لا تشكريني لان صوت حوى المستغيث أنقذني.
_أولا لم توجه صوت الاستغاثة لك بالذات وثانيا ليس من مصلحتك العودة .ميراندا ليكن بعلمك أنت تحت المراقبة دائما وأبدا .
_أجل أجل راقبها عاصم أترك لك الأمر لقد عرفت الكثير وعليها أن تدلي بأكثر مما عرفت قبل أن نطلق سراحها. والأهم من أين أتت هذه الجثة بحق الرب؟
إبتسم كلاهما بمكر ونظرا لأعين بعض نظرة خاطفة وأجاباها في آن واحد.
_إسألي حورية .

نبض الزمرد/ Emerald Pulse حيث تعيش القصص. اكتشف الآن