الفصل الثاني عشر

4 3 0
                                    

أغلقت الهاتف وزفرت بهدوء ثم قالت: "لقد استدعاني العمّ ديفد لمساعدة جاكلين ريثما يعود"
ضحكت لارا وقالت: "وهل يخاف جاكلين من أن يبقى في المشفى لوحده؟"
ضربتها أليس على رأسها بخفة: "ألم تفهمي بعد؟ لقد أخذوه للمنزل ويلزمُه الرّعاية الى حين عودة والده من العمل"
ابتسمت لها أنجيلا بضحكة زينت ثغرها: "هكذا تماما..."
ثم تغيرت ملامحها للحُزن قليلاً عندما تذكّرت آخر لقاء جمعها مع جاكلين وكيف انتهى الأمر بما لا يحمد عقباه...
ثم قالت بنبرة من الجدية: "سأذهب الآن... واتمنى أن لا تتعاركوا مجددا مع كريستن حتى أعود على الأقل وأغقلوا الأبواب جيدا فور خروجي"
: "أيُّ أوامر أخرى؟" قالت أليس بمزاح
ضحكت أنجيلا: "هذه فقط"
ثم قبلتهما واتجهت للأعلى وغيرت ملابسها الى فستان أسود طويل مع حذاء أسود وتركت المجال لشعرها البني لينسدل على كتفيها وارتدت حقيبتها السوداء أيضا ثم ضحكت بخفوت وقالت: "المالك الحزين"
مشت بشموخ وهي تتخيل نفسها كعارضات الأزياء حتى كادت أن تقع،  وقالت: "هذا حذاء عادي ووقعت هكذا... ماذا سيحصل اذن لو ارتديته بكعب عالي...
خرجت من غرفتها وذهبت لكريستن فسلمت عليها ثم خرجت... وعند وصولها للباب الخارجي قالت بصوت عالٍ نسبيا:" أنا خارجة أغلقوا الباب ورائي"...
                            ***
كان العمّ ديفد يُحضر القهوة لجاكلين كما طلبها حتى رنَّ جرس المنزل... فعلم أن أنجيلا وصلت وذهب متجها لفتح الباب فقاطعه جاكلين وهو مستلقٍ على الأريكة: "هل تنتظر أحداً ما؟" فأجابه دايفد وهو على وشك فتح الباب: "نعم انها أنجيلا استدعيتها لتُقدّم لك المساعدة ريثما أعود"
فرفع حاجبيه متعجبا وهو يحدث نفسه لم يخبرني؟... ثم زفر بضيق وتذكر ماذا حدث في المشفى...
قاطع تفكيره صوتها الهادىء وهي تلقي التحية على والده: "مساء الخير أتمنى أن لا أكون قد تأخرت"
ضحك العم ديفد وقال: "في الموعد تماما هيا تفضلي"
دخلت الى غرفة الاستقبال وهناك وجدت جاكلين مستلقٍ...قالت له بصوت بالكاد أخرجته من حُنجرتها: "كيف حالك!"
بقي صامتا للحضة ثم قال: "بخير"
قطع العمّ ديفد حاجر الشُّحنات السلبية بينهما وقال: "اجلسي ابنتي" جلست أنجيلا في الأريكة المجاورة لجاكلين... وذهب ديفد لبرهة ثم عاد مع القهوة والبيسكويت ووضعها على الطاولة التي تتوسط الأرائك الثلاث وقال: "تفضلي" حملت أنجيلا فنجان القهوة وقالت: "شكرا لك..."
تنحنح العم ديفد ثم قال بجدية: "أنا سأذهب الآن قضية اليوم لا يمكن تأجيلها" ثم أكمل: "أنجيلا هلا رافقتني الى الباب رجاءا؟"
نهضت من مكانها وقالت: "بالطبع" ثم اتجهت معه الى الباب حيث تكون قد ابتعدت نسبيا عن غرفة الاستقبال..
ارتدى ديفد حذاءه ونظر لأنجيلا بعمق وقال: "ابنتي أنا أعلم أن العلاقة بينكما متوترة قليلا... لكن اعلمي أن جاكلين يريد كل الخير لكِ ولو على حسابه، ولا أقول هذا لأنه ابني" ثم فتح الباب وقال: "اعتنوا ببعضكما ريثما أعود وان ازعجكِ أخاكِ فاضربيه على يده" ثم ضحك وقال: "السّليمة طبعا"
ابتسمت له أنجيلا وأغلقت الباب... ثم عادت بخطوات سريعة نحو غرفة الاستقبال وجلست وهي تعبث بالهاتف حتى لا تراه...
نظر لها جاكلين ببرود متصنع وقال: "عن ماذا كنتما تتحدثان؟؟"
انزلت أنجيلا الهاتف من على وجهها وقالت: "لاشيء فقط أوصاني بك"
رفع احدى حاجبيه وقال: "أوصاكِ بي!... ماذا قال؟ "
ابتسمت أنجيلا بخبث وقال: "قال ان أزعجكِ أخاكِ فاضربيه"
لم يعلق جاكلين على ما قالته، وكان يُحَدث نفسه ... ماذا إخوة؟ ألم يجد غير هذا المصطلح اللّعين ليصف به علاقتنا!...
كانت شاردة في الهاتف وتعد السّاعات ثم فاجئها..: "أنجيلا"
نظرت له بتعجب: "ماذا؟"
لم يستطع التكلم فأحسّ بنخز في قلبه، فأغمض عينيه بألم وقال: "مازلتُ تحت تأثير الصدمة حقا... لا أصدق ماحدث وكيف انخطفت الجدّة من بين أعيننا هكذا دون سابق انذار..." زفر بقوة كأنما يريد اخراج ماعلق داخل صدره وأكمل: "لكنّ أكثر شيء آلمني هو اخفاءك للأمر عني..ضننت أن لا أسرار بيننا.."
لم تحتمل أنجيلا لوْمه عليها وفورَ ما ذكر جدّته انفجرت بالبكاء... وقالت تحت شهقاتها: "لم لم أستطع خفت أن أخسرك أنت أيضا..."
تفاجأ بدموعها المنهمرة أمامه ولعن نفسه على كلامه الجارح مرة أُخرى...
كان مستلقيا فجلس وتقدّم منها: "لا تبكِ أرجوك... أنا آسف حقا"
لم يقوى حتى على الاعتذار... ثم اغرورقت عيناه بالدموع... أمسك بيدها وقال: "أرجوك توقفي لا أحتمل أن أراكِ هكذا"
نظرت له بعيون حمراء: "حسنا"
ابتسم لها بحنو وبقي يراقبها حتى هدأت أنفاسها وقال: "اذهبي واغسلي وجهك وتعالي سأخبرك بشيء ما" فهو يعلم كم هي فضولية...
ذهبت بسرعة للحمام وانتبه لملابسها السوداء فضحك لتفكيرها فهي تريد أن تغيضه كأن الجلوس معه بمثابة جنازة...
غسلت وجهها وعادت بابتسامة بريئة تزين وجهها: "لقد عدت"
مدحها قائلا: "لقد أزهر وجهكِ من جديد"
ابتسمت بخجل وأرجعت خصلة من شعرها للوراء وقالت بسرعة: "اذن ماهو الشيء المهم الذي تريد أن تقوله لي"
نظر الى الحائط وبالتحديد الى الساعة المُعلّقة ثم قال بتملل: "في الحقيقة أنا جائع وأريد تذوق طبخكِ ان لم تمانعي"
حملقت به في ذهول وقالت "ماذا؟ لكنني لا أجيد الطبخ وتعلم هذا!"
ضحك لصراحتها وقال: "أعلم"  ثم اصطنع الحزن: "اذن سترفضين طلبي؟"
تنفست الصعداء وقالت بقلة حيلة: "حسنا لكن ماذا سأطبخ؟"
ابتسم بطفولية وقال: "أريد تناول المعكرونة مثل التي تعدها أُمي"
عبس وجهها وهي تتذكر تلك الذكريات الأليمة وقت وفاة أمه وحالة الاكتئاب التي لازمته لسنوات...
لاحظ تكشر وجهها فقال: "ان لم تريدي الطبخ لن اغضب حقا"
نفت برأسها وقالت: "لالا بالطبخ سأطبخ... فأنا مدينة لك باعتذار" ثم أكملت: "لكنك ستدخل معي الى المطبخ!.."
ابتسم وقال بقلة حيلة: "حاضر سيدتي هيا بنا.."
دخلوا المطبخ ووضعوا المكونات على الرخامة الزجاجية وشرعت باعداد صوص المعكرونة وأمرت جاكلين بغلي المعكرونة في الماء...
كان يحاول حمل القدر فلم يستطع وتوّلت أنجيلا كلا المهمتين معاً... فجلس على احدى كراسي الطاولة وهو يتأملها كيف تطهو بدقة كأنها صاحبة خبرة فضحك بخفوت كي لا تسمعه...
: "أتعلم!.. الطبخ ليس سيّئا كما اعتقدت" قالت أنجيلا وهي تتذوق الصلصة التي تُعدها...
ثم أكملت: "مممم ولذيذة أيضا"

ما بعد الهدوء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن