أُقيمت جنازةُ الجدّة في منزل جاكلين وذلك بسبب تدخل الشرطة العلمية والتقنية بعدم الدخول لمسرح الجريمة لأخذ كل العينات والدّلائل الموجودة التي من شأنها تحديد هوية القاتل، حيث أُخذث جثة الجدة لمصلحة حفظ الجثث من أجل التشريح ومعرفة سبب وطريقة الموت الشنيعة هذه!!...
وقد تمّ أخذ أنجيلا والفتيات للتحقيق معهن والإدلاء بما يعرفونه، لأنهم وبنظر الشرطة قد تنبأوا بوقوع الجريمة أي أنّ أحدا ما قد أخبرهم...
في المساء...
لحقهم جاكلين مع والده الضابط وكم تمنّى أن يتواجد معهم أَثناء التحقيق ففكرة أن يتم تعنيف نفسية أَنجيلا تُرهقه وتقتُله حقاً!
جاكلين بقلق: "هيا أَبي أسرع قليلا…"
دافيد وهو مركز على الطريق: "لم يتبقى الكثير، ولعلمك لايسمح لك بالدخول، لاتتعبني هناك أكثر ان أردت سلامتها فعليك أن تلتزم الصمت وتنتظر"
جاكلين بحنق: "حسنا المهم أن أكون معها"
ثم استطرد قائلاً:"أقصد أن نكون معهم"...
في غرفة التحقيق جالس كهل في مكتبه في الخمسين من عمره ببذله رسمية وفي يده سيجارة الكترونية يبدو أنه المحقق الموكل بالقضية، ينظر للفتيات في صمت قاتل، بعد دقائق كُسر حاجزُ الصمت هذا وقال المحقق ببرود
"من منكم أنجيلا؟ "
رفعت أنجيلا يدها بشرود وتكاسل، ولم تكن خائفة عكس كريستن ولارا فهي شاردة تائهة في عالمها الخاص لاتقوى حتى على الكلام..
نزل المحقق (توم) من مكتبه ووضع يديه وراء ظهره ووقف باستقامة وقال: " أنا أعرف أن نفسيتكم محطمة الآن ومازلتم عاجزين عن استيعاب الأمر، لكن ليس لديكم الوقت للإنهيار أَنتم مُجبرون على الوقوف" ثم جعل يمشي بخطى بطيئة وثابتة أمام المكتب وقال: "كيف عرفتم بشأن مقتل الجدة؟"
ساد الصمت مجدداً ونظر الفتية الى بعضهم البعض، ثم تابع توم: "لا تخَفْن فالحوار الذي سَيدور بيننا لن يسمع به أحد، هيا أنا أعلم أن لديكم ماتَقُلنه، بضع ساعات وتذهب كل واحدة منكم الى بيتها وسنحل القضية اذا تعاونتم معنا"
تجرّعت كريستن بعضاً من الأمل من كلامه بينما أنجيلا كانت شبه غائبة عن الوعي كأنها خارج الغرفة أما لارا فالتزمت الصمت
قالت كريسن مندفعة:"في الحقيقة... "
نظرت لها لارا بصدمة ممزوجة بالغضب بينما ضلّ المحقق محدقا بوجهها كمن يستنبط الاجابة
فجأة طُرِق الباب ودخل ديفيد ووقف أمام المحقق وعينيه مركزة على أنجيلا: "سيد توم لديّ ما أُخبرك به"
المحقق توم بتمعن: "بالطبع ديفد تكلم"
أَخذ ديفد نفسا ثم قال: "لقد كشفت الشرطة العلمية بوجود قطعة قماش بيضاء في يد الضحية وتعود الى امرأة، في انتظار نتائج التشريح لنتأكد من كيفية حدوث الجريمة"
اتسعت عينا أنجيلا في صدمة وخرّت ساقطة فجأة على المقعد المطاطي الذي كانوا جالسين عليه"
هرع ديفد والفتيات لها وضنوا أنها قد فقدت الوعي لكنها كانت واعية وبدأت بالبكاء لأول مرة منذ وقوع الحادثة المشؤومة، كأن ذكر جدتها على مسامعها أيقضها من عالم اللاوعي الذي كانت فيه..
"أنجيلا ابنتي تمالكي نفسك" قال ديفد وهو جالس أمامها، ثم نهض وقال للمحقق: "سيد توم كما ترى نفسية الفتاة محطّمة ولو بقيت قليلا في هذه الأجواء ستنهار مرة أخرى لذا سأٓخذها مع الفِتية أيضا"
المحقق متفهما: "حسنا لكن أُريد أن تضل كريسن هنا لدقائق فقط لدي بعض الأسئلة"
ديفد بتفهم: "حسنا نحن بالخارج"
خرج هو ولارا يقود أنجيلا من ذراعها برفق، وعندما وصلت لارا للباب نظرت بغضب وتحذير لكريستن ثم أغلقت الباب..
في الخارج فور خروجهم هرْول جاكلين مسرعا وقال وهو يتفحص ملامح أنجيلا
: "أَنتِ بخير؟"
نظرت له بعيون حمراء من أثر البكاء: " أُريد العودة للمنزل الآن"
جاكلين: "بالتأكيد هيا بنا" أجابته لارا: " اذهبوا أنتم سأنتظر كريستن ريثما تخرج ونعود"
ديفد:" حسنا لكن انتبها جيدا سأوصي السائق ليُشرفَ على اِيصالكماَ للمنزل، وداعا اِذن"
أومئت له لارا بابتسام: "شكرا"
بعد ما ذهبوا ثلاثتهم ضلّت لارا تمشي ذهابا وإيابا تنتظر كريستن والذّعر يتغلغل في عروقها فكريستن ثرثارة لحد ما وكلمة منها للمحقق ستؤدي بهم لكارثة ليس لها نهاية…
قطع حبل أفكارها خروج كريستن من الغرفة المُظلمة ورأسها مُطأطأ، تمشي بخطوات بطيئة، تفحصتها لارا بعيون خائفة كأنها تريد إستنباط الإجابة من عينيها أمسكت لارا بيديها وقادتها بسرعة للخارج ثم قالت مندفعة: "ماذا حدث في الداخل! لم تخبريه بما حدث صحيح؟"
نظرت لها كريستن بعيون باكية وظلت صامتة
لارا بغضب: "تكلللمي ماذااا حدث!!"
كريستن بصمت: "لا لم أُخبره..."
تنهدت لارا بارتياح: "الحمدلله"
تابعت كريستن: "لكن لماذا؟ هلاكنا قريب ولن يتركنا هذا السفاح بسلام لماذا لا نخبر الشرطة ليقبضوا عليه؟.."
تأففت لارا: "مابال عقلك هاذا ألا تفهمين؟ لو أخبرنا الشرطة عن تلك الرسائل سنلقى حدفنا حتما تحت يديه! ألم تري ماذا فعل عندما إتجهنا الى سجل الكاميرات!!"
كريستن بخوف: "اذن ماذا سنفعل سننتظر الى أن نُقتل!"
ربتت لارا على كتف كريستن: "سنجد حلا لاتقلقي…"
ركبوا مع السائق واتجهوا لمنزل جاكلين كما فعل الآخرون...
عندما طرقوا الباب فتح لهم جاكلين ورحّب بهم ودخلوا لقاعة الاستقبال ووجدوا هناك ديفد وأنجيلا جالسين على الكنبة فجلسوا على الكنبة المقابلة ثم ساد الصمت
قطع حاجز الصمت السيد ديفد وقال: "عفوا نسيت أن أُضيفكم ماذا تشربون؟ريثما تأتي طلبية العشاء"
ردت عليه كريستن: " شكرا سيد ديفد لا نريد أن نقلقكم"
ابتسم ديفد وقال: "سأُحضّر الشاي وأعود"
***
بعد ربع ساعة جالسين يشربون الشاي، ارتشفت أنجيلا القليل ثم قالت موجهة سؤالها لجاكلين: "هل خرجت الشرطة العلمية من المنزل؟"
أجابها جاكلين مستغربا: "نعم وقد نظّفوا ما بقي هناك ثم رحلو منذ ساعة تقريبا"
أنجيلا: "جيد سأعود للمنزل"
تفاجأ الجميع وقال جاكلين مندفعا: "مستحيل.. ستبقين هنا حتى تتعافى نفسيتك والى ذلك الحين ستنتقلُ معك إحدى الفتيات لن تبقي وحدك..."
أنجيلا: "_____"
أجابها ديفد مؤكدا: "ابنتي معه حق.. ذلك المنزل لم يعد آمناً لك ستبقين هنا وان لم تفعلي ستبقين في منزل احدى صديقاتك حسنا!..."
أنجيلا: "أُريد أن أبقى وحدي أرجوكم"
نظر لها جاكلين بخضراواتيه بغضب: "طلبُكِ مرفوض اذن"
فجأة رمت كأس الشاي أرضا بغضب فكُسر الى أشلاء صغيرة... حملقوا بها في صمت... رمقتهم بنظرات غاضبة وقالت بصوت مرتعد: "هل ترون هذا الحطام!!!... انه لا يختلف عن حطام قلبي ... إلا أن الجماد لا ينزف دما..."
احتضنها العم ديفد بهدوء حتى انتظمت أنفاسها...
هنا وقفت كريستن من مكانها وقالت وهي تبتسم بمرح: "أستسمحكم عذرا.. لدي اقتراح سيرضي جميع الأطراف"
نظر لها الجميع وقالت لارا: "ماهو اذن؟"
نظرت كريستن للعم ديفد وقالت: "أن نبقى أنا ولارا مع أنجيلا في منزلها ريثما تهدأ الأحوال ونتوصل لحل جذري.."
إبتسم العم ديفد بارتياح وقال: "شكرا على الاقتراح.. انه الأمثل!.. مارأيكم؟"
ابتسم الجميع في رضا ماعدا أنجيلا التي طأطأت رأسها فلم يعد لها مقدور أن تقرر ماذا تفعل، أو مالذي يجب أن تفعل أين الصواب من الخطأ؟!.. فالحزن قد غطى على كل أوصالها ولم تعد تأبه بأحد.. فالحرب الوحيدة التي لا يراها أحد هي حربك داخل نفسك فقط،ولهذا فهي تفضل وبشدة الجلوس وحدها والابتعاد عن ضجيج الحياة...
قال ديفد مغيّرا مجرى الحديث: "العشاء جاهز فلْتتفضَّلوا من فضلكم.."
بعد وجبة العشاء قام جاكلين بإيصال البنات لمنزل أنجيلا، وعند وصولهم للمنزل طلب جاكلين التّحدث مع لارا على انفراد
دخلت أنجيلا وكريستن للداخل تبعهما جاكلين بعينيه، ثم تنحنح وقال: "لارا أنتِ فتاة واعية وذكية"
احمرّت وجنتاها خجلا: "اه شكرا لك"
ثم تابع: "أتمنى أن لاتتركي أنجيلا وحدها خاصة في اللّيل"
ثم ربّت على ذراعها: "أعتمد عليك"
أومأت لارا بإبتسام واتجهت نحو المنزل...
مرّت هذه الليلة بهدوء على الجميع سوى أنجيلا... ضلّت تتقلب في فراشها تارةً وتتقلب مع أفكارها تارة أخرى ضاربة النعاس والتعب عِرض الحائط فقد هزمها الأرقُ شرَّ هزيمة.!!
قطع حبل أفكارها المشوشة صوت جوهري يدب الطمأنينة في القلوب، وهل يوجد أعذب من صوت ذكر اللّه..!
انه الآذان..، قامت أنجيلا من فراشها بوهن وعزمت على تأدية الصلاة بكل حماس، اتجهت نحو الحمام الملتصق بغرفتها وتوضأت وأدت صلاتها، وتعمَّدت ايطال السجود وهي تدعو الله أن يرحم جدّتها ويصبرها على فراقها.. كما دعت الله أن تكشف الحقائق وينتهي هذا الكابوس المظلم الذي طال وجوده...ثم استلقت على السجادة ونامت لبعض الوقت
***
بعد مدة استيقضت لتقابلها أشعة الشّمس التي تسلَّلت بخفة من نافذتها.. ابتسمت بوهن: "لقد حلَّ الصباح بالفعل.."
غطت نافذتها بالستار الحريري واتجهت نحو السرير للنوم فقد أحست بالراحة بعد الصلاة... ومن لا يرتاح عند مقابلة ربّ العباد!!
ثم غطَّت في نوم عمييق....
في الصباح استيقظت لارا لتجد المنبه يشير الى الساعة السابعة واتجهت بنظرها نحو كريستن لتجدها نائمة بطريقة مضحكة، رأسها على رأس السرير وقدميها وسط الوسادة الزهرية..
كتمت ضحكتها وبدأت تحرك كريستن للنهوض
: "كريييس هنا انهضي انها العااااشرة"
كريستن بنعاس: "هفففف ولتكن حتى مساءاا أتركيني أناام"
لارا بغضب: "هيا استيقضي لنعد الفطار ونجلس مع أنجيلا، ربما هي مستيقظة الآن بينما نحن نثرثر هنا"
قامت كريستن من مكانها وكأن هناك من وخزها بإبرة الواقع المرير:"صباح الخير، لقد قمت"
لارا بابتسام: "صباح النور"
و كمعظم البنات اتجهت يد كريستن نحو الهاتف الموضوع تحت الوسادة ثم فتحت عينيها وصرخت: "عااااا ماذااا؟؟؟"
جفّ حلق لارا من الخوف ضنا منها أن ذلك السفاح قد راسلهم مجدداً: "ممم ماذا ماذا هناك!!"
كريستن بغضب: "انها الساابعة لماذا كذبتي علي!
حتى أمي لم تفعل شيئا كهذااا، ثلاث ساعات كاملة!"
نهضت لارا بغضب ووامسكت وسادتها وضلّت تضربها على رأسها: " ستقتلينني ذات يوم وتمشين في جنازتي كالبلهااااء"
كريستن بضحك: "وسأقول كاانت المرحومة كعسكري توقِضنا بالمااء الباارد"
نهضت لارا وكتمت ضحكتها وقالت: "هيا استيقضي ورتبي الغرفة وافتحي النوافذ سأذهب أنا لاشتري بعض الفطائر الساخنة أنجيلا تحبها مع الشاي الساخن"
أخرجت كريستن لسانها بتلذذ: "كلنا نحبها"
... بعد ساعة نظّم الفتاتين المنزل وحضّرا الفطار منتظرين أنجيلا، نهضت أنجيلا واتجهت للأسفل فوجدتهم صامتين
: "صباح الخير"
انتبها لها وردا التحية بابتسامة: "صباح النووور هيا الفطار جاهز"
جلسوا على الطاولة واكملا فطارهما وهم يتكلمون تارة ويسكتون تارة وكلما رأوا أنجيلا شاردة قطعا حبل أفكارها...
بعد الفطار اتجه الفتيات لغرفة الجدة وبعد مرّات من المحاولة قبلت أنجيلا على اعطاء ملابسها لعجوز فقيرة تقطن في الحي المقابل ونضّفت الفتاتان أي شيء يخص الجدة قد يؤلم بقلب صديقتهما في حين أنجيلا احتفظت بمحرمة رأسها و سجادتها وسلستها الفضية التي لازمتها في رقبتها حتى وفاتها...
![](https://img.wattpad.com/cover/357404437-288-k514131.jpg)
أنت تقرأ
ما بعد الهدوء
Mystery / Thrillerأرادت أن تتكلّم لكن الدموع التي تجمّعت في مقلتيها منعتها من ذلك، صمتت قليلا ثم قالت باندفاع : "اتضنني لم أرك تخرج بعد منتصف الليل من منزلك وتتجه الى المقبرة؟.. بل أحيانا تبقى الى الشّروق أمام قبر والدتك؟" صدم جاكلين من تصريحها: "ماذا!... كيف عرفتِ؟...