ثم خرجت ورائهم اليس وقبل أن تخرج قالت لجاكلين: "شكرا على المكسّرات!" أومأ جاكلين بالايجاب وهو يضحك على طريقة كلامها ثم اتّجهت نظراته نحو أنجيلا ليجدها تكتم ضحكتها أيضا... فضحك مرّة أخرى على ضحكتها، تنحنحت أنجيلا ثم قالت وهي تضع يديها على خصرها
: "أتضحك عليّ أم على اليس؟"
صمت برهة ثم قال: "على كلاكما... أضحكني كلامها وأضحكتني ضحكتكِ"
مثّلت أنجيلا الغضب فقالت: "لو لم تكن ستساعدني في حلّ المعادلة لأريتك معنى كلامك هذا!"
تنحنح جاكلين وقال: "بالمناسبة الوقت ليس بأيدينا لنسرع!"
استطرد كلّ منهما الأفكار والمشاعر جانبا وبدأوا في محاولة حلِّ هذه المعادلة المعقّدة...
حدّق جاكلين في الدّفتر لثوانٍ ثم حوّل نظره لأنجيلا وقال بهدوء...
: "منذ متى لم تحضري لمحاضراتك وخاصة الكهرباء؟"
وضعت عينيها في الدفتر وقالت بهدوء: "منذ شهر أنت تعلم..."
وهذا يعني منذ وفاة صديقتهم لارا... فبعد تلك الحادثة الموجعة انعزلت عن الحياة، عن الدّراسة، النّوم المتقطّع... حتى انّها اكتفت بوجبة رئيسية واحدة في اليوم حتى لا تموت فقط... وقد أثر هذا على صحتها ونقصت بأرطال...
ربّما هذا الشّيء من الأشياء النّادرة الذي يتفق فيه البشر... فعند الحزن يلجأون تلقائيا الى أذيّة أنفسهم...
زفر جاكلين بهدوء: "حسنا... القاء اللّوم على شيء لا تستطيع تغييره هو بمثابة تغطية الميّت ليدفأ من البرد!"
أومأت بايجاب فهي تفهم جيدًا مالذي يشير اليه...ابتسم ثم شرع بشرح الدّرس لها: "أنظري في التّمرين طُلب منّا اعطاؤه قيمة التيّار، المقاومة و الوشيعة...
قرّبت أنجيلا نظّارتها من عينيها وقالت:" حسنا ولكن كيف نقوم بايجاد قيمتها؟ "
شمّر على ساعديه وفتح عينيه الخضراواتين كأنّما يريد ادخال المعلومة برأسها بيديه
قال: "هل تعرفين قانون كيرشوف للجهد والتيّار؟"
قالت: "بالطّبع!، فهو ينصّ على أنّ مجموع الجهود الجبرية الدّاخلة في حلقة مغلقة يكون مساويًا للصّفر.."
ابتسم بارتياح ثم قال: "ممتاز!، اذن سهل... لنطبّق هذا على هذه الدّارة هيّا افعليها أنتِ أنجيلا!"
حملقت في الدّارة المرسومة لثوانٍ وضيّقت عينيها تحاول التّركيز فابتسم على حركتها هذه ثم قالت
: "وجدتها!.. هذا يعني أن مجموع المقاومة والوشيعة يساويان الصّفر"
صفّق لها بهدوء وقال: "أحسنتِ... بعدها عليكِ استخراج كلّ منهما ماذا تساوي وفي الأخير ستجدين قيمّة التيّار..."
ثمّ شرع بكتابة الطّريقة حتى فهمت كلّيا...
قالت أنجيلا: "كان شرحك أحسن من الأساتذة حتى... شكرا... لا اعرف كيف أرد لك جميلك هذا"
ابتسم جاكلين حتى ضهرت احدى غمازتيه وقال: "بالنّجاح!.. هذا كلّ ما اريده.."
أرجع كرسيه للوراء وأرجع ظهره بارتياح ثم نظر للسّاعة المعلّقة أمامه على الحائط، ليتفاجأ بأنّه منتصف اللّيل
قال:"لقد مرّ الوقت بسرعة!..عليٌ الذهاب الآن"
حمل سترته السوداء الموضوعة على طرف الكرسي وخرج...أرادت أنجيلا ايصاله للخارج لكنه منعها :"الى أين تضنين نفسك ذاهبة في هذا الوقت؟..هيا أدخلي سأغلق الباب ورائي"
تثاءبت أنجيلا وقالت بكسل :"حسنا...تصبح على خير"
***
في منزل خشبي دافئ يقع أمام الغابة كانت يلينا نائمة أمام أمام المدفأة الخشبية المنطفئة وفي يديها كتاب ما...يبدو أنها كانت مندمجة في قراءته حتى غفت ونامت هناك.
كان صوت المطر يطرق طرقا خفيفا على السطح ليعطي تهويدة تخدرك وتجعلك تغوص في أعماق الاحلام...
ومع هذا الهدوء المؤقت ،فُتح باب المنزل ودخل رجل أصلع في أواخر الخمسينات من عمره يدندن ويغني بصوته المبحوح ورائحة الخمر القذرة تفوح منه... كان يمشي ويترنح ذاهبا الى المطبخ حتى انتبه لشخص ينام في غرفةالمعيشة ، تجاهل ابنة زوجته وأكمل طريقه للمطبخ لاعداد القهوة لكنه لم يجد البن، اتجه للغرفة وهو يشتم وأشعل الانوار وبدأ بالصراخ على زوجته
:"هاي استيقظي يا عديمة الفائدة..!"
استيقظت مرعوبة كالعادة :"ماذا تريد؟"
أجابها بعنف:"اذهبي لتحظير القهوة حالا رأسي يؤلمني بشدة" ثم وضع كلتا سبابتيه على طرفي رأسه في منظر يوحي بأنه يتألم.
كان كرسّيها المتحرك بجانبها أرادت الجلوس عليه لكنّها وقعت أرضاً... تجهم وجهه من الغضب وبدأ يحركها بقوّة ويرغمها على التحرّك فبدأت بالبكاء..
كان كلّ هذا تحت أنظار يلينا فقد سمعت صراخه العالي واستيقظت ، لم تبكِ هذه المرّة ضلّت تتنفس بشراهة وترتعش من شدّة القهر والغضب وهي ترى أمّها تنهض وتسقط في نفس المكان محاولة الجلوس على الكرسي...
وقعت عينيها على النافذة وبالضبط على احدى المزهرتين الكبيرتين الموضوعتين على جانبيها، حملت واحدة منهما وتقدمت من زوج امها بدون تفكير وضربته على رأسه حتى انكسرت ووقع أرضاً...
أخذت تلهث من شدّة الخوف وحوّلت نظرها لأمها لتجدها بعيون جاحضة تنظر للجثة الواقعة أرضا..
لكنّها تراجعت للوراء حتى التصق جسمها بالحائط بعدما وجدته ينهض ويضع يده وراء رأسه بألم ثم يسحبها مليئة بالدم ..
قال وهو يغمض عينيه من الألم وينهض:" ايّتها السّاقطة لا أحد سينجيك من يدي الآن"
تسمرت مكانها من الرعب وصرخت أمها وهي لا تزال في الأرض :"أهربي يا ابنتي هيا سيقتلك !"
***
عاد جاكلين للمنزل وفتح الباب بهدوء حتى لا يوقض أباه ولكنه كان يجلس في غرفة المعيشة ينتظره ... فتح جاكلين النور وقال :"أبي لم أنت مستيقظ لهذا الوقت؟"
قال ديفيد :"أين كنت؟"
التمس الجفاء في كلام والده وقال:"في منزل أنجيلا" ثم تابعا مبرراً :"لديها امتحانات وكنت أساعدها"
قال ديفد :"لهذا الوقت من اللّيل؟"
قال جاكلين وعلامات الغضب والخجل على وجهه:"نعم وما في ذلك؟"
تنهد ديفد وطلب من ابنه الجلوس أمامه فانصاع جاكلين لذلك، نظر في عيني والده ينتظر منه الكلام فقال :"بني.. أنجيلا الآن لم تعد كالسابق"
قال جاكلين بعدم فهم:" كيف؟"
تابع ديفد :"جدتها الآن لم تعد موجودة رحمها الله، وهي تعيش الآن مع صديقاتها فقط ... ماذا لو رأوك الجيران تخرج من منزلها في منتصف الليل ماذا سيقولون عليك وعليها أولا؟"
كور جاكلين قبضته بغضب :"لو سمعت كلمة واحدة منهم لدفنتهم أحياءا دون تردد"
أمسك ديفد كتف ابنه بحنو وقال:" الكلام السيء والغيبة لن تسمعهم بل سيتداولونه فيما بينهم، لذا عليك أن تجتنب الشبهات ولا تجلب للفتاة السمعة السيئة "ثم تنحنح وقال بصوت عالٍ نسبيا :" انتظر حتى موعد عقد قرانكما وبعدها لن تسمع أي توبيخ مني "
نظر جاكلين لوالده بدهشة متصنعة لكن ابتسامته وغمازته البارزة فضحتاه :"ماذا عقد قران؟"
نهض ديفد من مكانه متجها للأعلى :"لا تستغفلني أعلم أنّك تحبُّها"
تنهد جاكلين بارتياح ثم استلقى على الأريكة وبقي يفكر في محبوبته حتى تمكّن منه النّوم...
أنت تقرأ
ما بعد الهدوء
Mistério / Suspenseأرادت أن تتكلّم لكن الدموع التي تجمّعت في مقلتيها منعتها من ذلك، صمتت قليلا ثم قالت باندفاع : "اتضنني لم أرك تخرج بعد منتصف الليل من منزلك وتتجه الى المقبرة؟.. بل أحيانا تبقى الى الشّروق أمام قبر والدتك؟" صدم جاكلين من تصريحها: "ماذا!... كيف عرفتِ؟...