الفصل الخامس والعشرون

4 3 0
                                    

رباه!!!!....
لقد تعبت و انهارت قوايا ، لقد تصدع جدار جسمي... و هو سقف الأمل فوق رأسي... فمتى تنزاح حجارته... أو أجد من يزيحها عني؟..
لقد تفنن العذاب في صقل و انتزاع كل شيء جميل في نفسي... حتى جعلني جثة بدون روح... متى سترتاح روحي ويرتاح قلبي وجسدي لقد أصبح الوضع لا يطاق والطاقة التي كانت تحملني قد انتهت هذه المرة حقا...
لقد كان مشهدا مؤلما بمعنى الكلمة... بينما كانوا فرحين ليلتقوا بصديقتهم اذ يلتقونها ولكن جثة هامدة لا روح فيها...
لم يقوى أحدهم على الكلام أو حتى التحرّك... كانت صدمة العمر حرفيا، وعندما تمّ أخذ جثتها الى سيارة الاسعافات بدأت كريستن بالصراخ بهستيريا دون توقف حتى وقعت أرضا مغمى عليها وتمّ اخذها الى المشفى...
أمّا حالة أنجيلا وأليس فلم تقل عن حالة كريستن... التفتت اليس لأنجيلا بعيون حمراء
: "لقد رحلت لارا يا أنجيلا.. لقد رحلت سندنا وشجاعتنا... أنا لا أصدق  هل تصدقين؟..."
ثم وضعت رأسها على ركبتيها وبكت في صمت...
و لم تجد أنجيلا شيئا تواسي به صديقتها ونفسها غير آهات تنطلق من صدرها و شلالات تتدفق من عينيها ...
بعد مرور دقائق بدأت تحس أنها تتنفس بصعوبة وترى المكان ينغلق تدريجيا وترى جثة لارا داخل كيس ابيض كبير يحملونها للتشريح...وهنا نهضت من مكانها وبدأت بالصراخ بأعلى صوتها: "هل ماتت حقا؟ لالالا.... لارااا أين أنتِ... اخبريهم أنّك حيّة تعالي أرجوك!!!"
ثم بدأت بالمشي نحو البحيرة تريد تأكيد ماقالته... وما كان من جاكلين الّا أن يمشي خلفها محاولا امساكها ولكن بدون جدوى...
أطلقت العنان للركض ودخلت البحيرة...
أمسكها جاكلين من رسغها وجذبها نحوه وقال بغضب: "مالذي تفعلينه!!!"
قالت وهي تحرر يدها من ذراعه: "لا شأن لك بي..."
ثم بدأت بالبكاء: "أمّي.. أبي...جدّتي. أنا مدللتكما العزيزة.. كيف تفعلان هذا بي ؟ كيف تتركاني يتيمة من جديد؟ و أنا في أمس الحاجة إليكما.. ليتني متّ في مكانكِ لارا.. ليتني غرقت أنا... خذوني معكم أرجوكم لا أريد البقاء أكثر.. "
لم يحتمل جاكلين كلامها فجذبها اليه واحتضنها والدموع تنهال بغزارة من عينيه...: "توقفي أنجيلا أرجوكِ... كلامكِ هذا يقتلني..."
حدقت في خضراواتيه بصمت وجرّها بلطف خارج البحيرة ومشت معه باستسلام لتلتحق بأليس وتجلس بجانبها التي كانت بجانب والديها في صمت...
حدقت بها أليس وأمسكت يديها كمن تستمد الأمان من صديقتها... ثم سألتها عن كيف حال كريستن..
هزّت أنجيلا رأسها وأخبرتها بأن ليس لها علم... فابتعد جاكلين قليلا وقام بالاتصال باليكس للاطمئنان عليها ثم أغلق الخط وعاد نحوهم..
: "لقد اتصلت باليكس وأخبرني أنها نائمة الآن بفعل المخدر..."
أومأت أنجيلا بايجاب وأغمضت عينيها بتعب...
بدأت الأمطار تتهاطل ببطئ في تلك الغابة المظلمة ثم بدأت تصبح غزيرة شيئا فشيئا...
كانوا مجتمعين تحت الأشجار ولكن غزارة الأمطار جعلت من قطرات الندى المتجمعة حول الوريقات الخضراء تسقط مرغمة عنها لتبلل أجسادهم المنهكة...
أنا الغريق فما خوفي من البلل؟؟... فلتغرقني هذه الأمطار ان أمكن فلا جسدي ولا روحي يباليان...
قطع صوت شرودهم خطوات جاكلين وهو ذاهب الى السيارة ومن ثم فتح الباب الأمامي وقال بهدوء عكس ملامح وجهه: "أنجيلا هيا اركبي قبل أن تصابي بنزلة برد" أومأت والدة اليس بايجاب موافقة على كلامه وقالت: "كلام الشّاب صحيح هيا لنذهب"... ثم أشارت لاليس التي كانت ترتعش اثر تبللها:" انظري كيف أصبح جسدكِ يرتعش من البرد"
نهضت اليس وهي ترتكز بجانب أنجيلا ثم توقفت أنجيلا، وقبل أن تركب طلبت من جاكلين أن يوصلها للمشفى لتطمئن على صديقتها...
انظمّت اليس أيضا لهما والتفتت لوالديها قبل أن تركب: "وأنتما عودا للمنزل لا تقلقا عليّ"
لم يريدوا أن يضغطوا على ابنتهم فودّعوها ورحلوا...
                               ***
شهر كامل قد مضى... شهر تفنن فيه الحزن باستئصال نيّاط قلوبهن الرّهيفة ورسم الألم على وجوههن وأجسادهن...
لقد حدثت تغيرات نسبية سأوافيكم بها الآن!
أنجيلا كريسن واليس عدن للاقامة مع بعضهن في منزل الجدة أي منزل أنجيلا.. وهذه المرّة زوّدوا الأمان ووضعوا كاميرات مراقبة في عدة اماكن  ووضعوا شرطيا مراقبا في الخارج لحين إشعار آخر، كما أن جاكلين والعم ديفيد بالاضافة الى عائلتي كريستن واليس كانوا يزورونهم باستمرار...
رسائل ذلك القاتل قد اختفت تماما بعد وفاة لارا، حتى أصبحوا يجزمون أنها آخر ضحاياه بل هي المستهدفة من البداية...
وكما يقال كل شيء مؤقت!!.. بدأت الفتيات يتفتحن للحياة ببطىء ويتعايشن مع الأوضاع رغم صعوبتها... فعاد كل منهن الى حياته الطبيعية تقريبا!.. محاولين وبشدة تجاهل الألم والحزن الذي ضل يزاورهن بين الفينة والأخرى وقررن الرضاء بقضاء الله وقدره فهذا هو الصّواب... فكما قلت سابقا أن كل شيء مؤقت... انها حياة زائلة وغير دائمة... فكل عليها فانِ ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والاكرام....
                              ***
عادت أنجيلا اليس وكريستن للجامعة بعد غياب طويل، ولسوء الحظ لم يكن النّجاح من نصيبهن ورسبوا في الإمتحانات... ممّا وجب عليهن دخول الإمتحانات الاستدراكية وتدارك نقاطهم للنجاح..
وهاهي الامتحانات على الأبواب مرّة أُخرى لتعطي فرصة للذين تهاونوا... تنتظر من سيتشبث بحبال النجاح والنجاة من مستنقع الفشل. لقد بدأت فترة المراجعة بالفعل! وعزمت الفتيات على النجاح هذه المرّة، حسنا لقد تهاونن بما يكفي وحان وقت التعويض...
كانوا يجلسن ثلاثتهن في غرفة الاستقبال محاطين بالطاولة الخشبية الكبيرة التي تتوسط المكان، كل منهن محاصرة من طرف الكراريس والأوراق منهمكة في دروسها فكما تعلمون ولنذكركم مرّة أخرى أنجيلا تدرس في كلية الهندسة، كريستن كلية الفنون أما أليس فكلّية علوم الطبيعية...
بينما كانوا يراجعون كانت أليس تختلس النظر للهاتف بين الفينة والأخرى وتبتسم، لاحضتها أنجيلا فغمزت لكريستن دون أن تلاحظ أليس لترى هذا المشهد الرّومانسي بنظرها... وبمأن كريستن همجية قليلا  فراحت تمسك هاتف أليس وقالت بخبث وهي تشير للهاتف بعينيها
: "لنر مالذي هنا ويشغلك عن دروسكِ!"
أفاقت اليس من شرودها وصرخت وهي ترفع يديها نحو الهاتف: "أعيديه اليّ الآن هاتيه!"
ثم تطوّرت الأحداث وبدأوا باللّحاق ببعضهن حول الطّاولة، ضحكت أنجيلا لشكل اليس وهي تركض وراء كريستن...
ابعتدت كريستن نسبيا عن اليس والقت نظرة للهاتف وتصنّعت الدّهشة...

ما بعد الهدوء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن