الفصل الثاني

30 10 1
                                    

في منزل آخر...
جلس جاكلين مع والده في غُرفة الضُّيوف يُشاهدون أخبار الرياضة، ويبدو عليهما الانتباه...
"كيف هي أُمور العمل يا أبي؟"  سأل جاكلين أباه وهو مركّز مع شاشة التلفاز المعلقة...
أجابه والده بابتسامة: "كما تعرف يا بني كل يوم جديد فأعمال المجرمين لا تكاد تنتهي.. "
ارتسمت علامات الجدّية على وجه جاكلين وقال: "كان الله في عونك يا أبي... "
صدرت من الأب تنهيدة طويلة وقال: "حفظك الله بني.."
ثم تابع بصوت هادىء بالكاد أخرجه: "لقد تمكّنت من كل القضايا المتبوعة اليّ الا أنّني فشلت في حل أهم قضية بالنسبة لي.."
تقدم جاكلين من والده وأمسك يداه:" أبي لا تقلق سنحل القضية " وتابع بألم... : "ونكشف ذلك المجرم الذي قتل أمي وأُقسم أنني سَأُحاسبه وسيأْخذ جزاتهُ أمام الكل"
انقلب المكان فجأة الى ساحة أحزان بمجرّد مرور تلك الذّكرى الأليمة على أذهانهم...
فيا ليتنا نستطيع أن ننسى... أن نمسح تلك الذّكرى...أن نحبس تلك الدّمعة التي تتسلّل خفية كل ليلة... أشياء كثيرة لا نستطيع التخلّص منها مهما حاولنا وجرّبنا ومهما فعلنا... فدائما تبقى تلك الذّكريات عالقة في الرّوح تعذّبنا باستمرار... 

انتفض جاكلين تلك الذكرى بعيدا محاولا تغيير الموضوع وقال: " سأحضر العاب الفيديو ونرى من يفوز في كرة القدم هل توافق؟ هذا تحدي... "
نظر له والده بمرح: "والخاسر؟"
جاكلين بابتسامة: "سيحضر فطور الصباح غدا"
قال ديفد بثقة وهو يعقد يديه على صدره: "حسنا ليكن هذا...اذن لا تنس ان تنام مبكراً لتُحضر الفَطور"
جاكلين: "سنرى"
ارتسمت الابتسامات وتهلّلت الأسارير على وجوههم... فكلّ منهم فرح بتغيير مزاج الآخر وسعيد بنفض تلك الذكرى القابعة بعقولهم حاليا...
أحضر جاكلين ألعاب الفيديو وبدأ بتركيبها بحماس…
في هذه الأثناء تلقى اتصالا وظهر على الشاشة الهاتف رقم جدة أنجيلا فتعجب قليلا فهي المرة الأولى التي تتصل به في هذا الوقت... غير ذلك فقد كان معهم قبل ساعة!..
قال:"غريب! "
ديفد:"من المتصل؟ "
جاكلين وقد بدت على ملامحه القلق: "انها الجدة.. لقد كنت هناك"
ديفد: "هيا اجب بسرعة"
أجاب: "الو نعم جدتي هل أنتما بخير!..." ثم صمت لوهله..
: "ماذاااا كيف حدث ذلك!!! أين أنتم الآن؟ حسنا أنا قادم لا تقلقي" ثم أغلق الخط وجلس على الأرضِ لوهلةٍ،  سألهُ والدهُ بقلق: "ماذا هناك ما الأمر؟"
جاكلين بخوف: "أنجيلا.. أغمي عليها وهي في المستشفى الآن أنا ذاهب أبي"
اكتست ملامح الدهشة وجه والده وقال : " لقد كنت معها قبل قليل هل كانت مريضة او اشتكت من شيء؟"
جاكلين بقلق: "لا لم تكن تشتكي من شيء هذا الذي أقلقني ماذا حدث بعد أن ذهبت!... "
ربّت الأب على كتف ابنه وقال بحنوّ: "ستكون بخير لا تقلق..انتظر سآتي معك"
نهض جاكلين من مكانه بسرعة : "هيا بنا لنسرع"
ذهبوا الى العنوان المنشود وسألوا الممرضة عن غرفة المريضة وفور وصولهم وجدوا الجدّة جالسة أمام النافذة الزجاجية للغرفة ووجهها غارق في الأحزان،  تقدم جاكلين منها: "جدتي ماذا حدث؟"  ثم تقدم نحو النافذة الزجاجية المطلّة على أنجيلا فرآها نائمة كالملاك تغطّ في نوم عميق فأحس بنخز في قلبه لحالها...
نهضت الجدة بصعوبة وتقدمت نحوه بخطوات بطيئة وقالت: "لا اعلم يا بني كنت أُشاهد التلفاز ثم سمِعتُ صوت ارتطام بالأرضية..ناديتُها فلم أجد اجابة، فذهبت الى غرفتها حتى وجدتها واقعة على الأرض بدون حراك والباقي أنت تعلمه... "
بعد لحظات خرج الطبيب من الغرفة متّجها نحوهم فركضوا نحوه أيضا وبادر والد جاكلين بالسؤال: "كيف حالها أيها الدكتور ماذا حدث لها؟"
صمت الطبيب لوهلة ثم أجاب وهو يناظرهم: "لقد تلقّت هبوط حادا للسُّكري نتيجة تعرّضها لصدمة"
صعق جاكلين ومن معه: "ماذا؟ صدمة!"
تساءل بينه وبين نفسه انها لم تخبره بشيء هذه الليلة فهي تقوم باخباره بكل تفاصيل يومها، ثم استنتج أن أمرا ما حدث قطعا...
أيقظته الجدة من حبل أفكاره وهي تسأل الطبيب: "وكيف حالها الآن هل يمكنني الدّخول؟"
أجاب الطبيب بتفهم: "بضع دقائق أخرى ويمكنكم الدخول، لقد وضعنا لها محاليل مغذية ستستعيد وعيها بعد قليل"
بعد مرور بضع الدقائق سمح لهم الطبيب بالدخول الى المريضة تقدمت الجدة الى أنجيلا واغرورقت عيناها بالدموع وقامت باحتضانها... بينما ضلّ جاكلين صامتًا ينظر الى ملامح وجهها المتعبة وعشرات الأسئلة تسيطر على عقله...
"الحمدلله على سلامتك ابنتي لقد اخفتنا" قالها والد جاكلين وهو ينظر اليها فهو يعتبرها كابنته ويكن لها كل التقدير فهو يُرجِع كل الفضل لها بأنها من أخرجتْ جاكلين من حالة الاكتئاب التي لازمته لشهور بعد وفاة والدته
أجابت أنجيلا بابتسامة خافتة: "شكرا يا عم ديفد انا بخير"
بعد دقائق قليلة تنحنح جاكلين ثم قال: "أيتها الجدة أريد ان أتكلم مع أنجيلا قليلا على انفراد هل تسمحين؟"
تبسمت الجدّة وتنحت من على السرير: "لا مشكلة بني أنا وأباك في الخارج ننتظركم اذن... "
خرج العم ديفيد والجدة وتبعهم جاكلين بعينيه ثم نهض وأغلق الباب خلفهم وحوّل نظره نحو أنجيلا بوجه حزين ممزوج بالقلق: "أيتها الغبية خفت عليك حقا... "
تسلّلت ابتسامة أنجيلا واعتلت من بين ملامح التعب على وجهها وقالت: "كان يمكن أن تعطي مصطلحا أقلّ فضاضة من الغباء كتعبيرٍ عن خوفك علي مثلا!"
تبسّم جاكلين قليلاً ثم تغيّرت ملامح وجهه الى الجدّية: "أنجيلا أخبريني ماذا حدث معك بالتفصيل! ما الشيء الذي جعلك ترتعبين لهذه الدرجة؟"
وفجأة كست ملامح الحزن وجهها وكانت الدمعة حبيسة أعينها وقالت بصوت مرتعب:"جاكلين أنا خائفة! "
في هذه اللحظة أراد جاكلين ان يحتضنها ويخبرها أنه معها وأنه لن يسمح بمكروه أي كان أن يصيبها... لكنه يعلم أن بينهم حدود و أي تهوّر منه سيُفسد صداقتهم البريئة هذه..
نظر لها بعمق وقال: "أنا معك لا تخافي هيا أخبريني بما حدث؟ "

في هذه اللحظة دخلت فتاتين تقريبا في نفس عمر أنجيلا وقامت واحدة فيهن بإحتضان أنجيلا بدون سابق انذار...
كريستن: "عزيزتي لقد خفت عليك حقا الحمدلله أنك بخير"
تقدمت الفتاة الاخرى ثم قالت: "تقومين بالسلامة ماذا حدث؟؟؟ "
أجابتها وقد تنحت كريستن جانبا لتمنحها بعض الراحة: "أنا بخير مجرد دوار بسيط لا تقلقي لارا"
لنعرّفكم على شخصياتنا الجدد...
كريسن ولارا هما صديقتا أنجيلا منذ الصغر وبينهم صداقة قوية
كريستن فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، ذات بشرة قمحية بشعر متوسط الطول وعيون بنية، ذات قوام ممتلىء قليلا ومتوسطة الطول.. صاحبة قلب حنون صريحة، متهورة قليلا، غبية وذكية في نفس الوقت.. تعيش مع والديها حياة طبيعية
أما لارا فأكبر منهما بسنة واحدة،سمراء البشرة بشعر طويل ينسدل الى ظهرها،  عيونها عسلية،  ذات قوام ممشوق ورشيقة وطويلة القامة... البعض ينعتها بالمغرورة لكنها عكس ذلك تماما، لاتحب الجميع الا أصدقائها المقرّبين .. تربّت في الميتم لسنوات بعد وفاة والديها ثم خرجت وورثت أموال أبيها  بصفتها الوريثة الوحيدة بعد وفاة أختها ...
                  لِنعد الى روايتنا
قام جاكلين من مكانه ليمنح فرصة للفتيات بالجلوس براحتهم واتجه خارجا تبعته لارا بنظرات جريئة...
وجهت لارا نظرها الى أنجيلا وقالت: "عما كنتم تتحدثون؟"
أجابتها أنجيلا ببعض من المرح: "لا شيء ندردش فقط"
لم ترد أن تخبر صديقاتها عم حدث معها، فلم تشأ أن تقلقهم حتى تتأكد من الموضوع...
ابتسمت لارا ثم قالت: "لم لا نمضي اليوم أمسية خاصة بالبنات فقط؟ أنتم معزومون اليوم لبيتي سنحتفل بمناسبة خروج أنجيلا من المستشفى"
ضحكت أنجيلا حتى أغلقت عينيها وقالت: "حسنا عزيزتي لكنني بخير لا داعي للحفلة لا تقلقا"
قالت لارا:" لا تشغلي بالك فالحفلة تخصّنا نحن الثلاثة فقط.. أنتِ تعلمين جيدا أنني لا أحب كثرة المعازيم... سأذهب أنا الآن لاشتري الحلويات ومستلزمات الحفلة سندخل في غيبوبة سكاكر "
ثم التفت وقال بجدية: "أنا في الخارج أنجيلا سأعود بعد قليل ونكمل حديثنا... "
ضحك الجميع ثم خرجت لارا وهنالك وجدت جاكلين جالس مع الجدة...
"كيف حالك جاكلين؟" سألته وهي تتفحص وجهه "
أجابها جاكلين دون أن ينظر نحوها: "أنا بخير شكرا"
تقدمت نحوه وقالت بهدوء:" سأذهب الآن لأشتري بعض الاشياء سأخذ أنجيلا و كريستن للمبيت عندي لم لا نتسوق معا؟ "
تفاجأ جاكلين ثم نظر لها بخضراواتيه: "ماذا؟ وهل لأنجيلا علم بالأمر!"
ابتسمت لارا وقالت: "نعم لقد تكلّمنا للتو، ماذا هل ستأتي أم لا؟ "
"آسف لا أستطيع" أجابها جاكلين ببرود..
احمر وجه لارا غضبا ونظرت له بحدة ثم خرجت مسرعة فقد أحسّت بالخجل من ردّه البارد.. جلس جاكلين يكلم نفسه فهو لم يرد أن تذهب أنجيلا اليوم فكما سبق وكانت ستقول له شيئا مهما حتى دخل البنات وانتهى الحديث قبض على يده بشدة حتى برزت عروقه وتمنى لو يستطيع ويذهب ويوقف هذه المهزلة...

ما بعد الهدوء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن