الفصل التاسع والعشرون

4 2 0
                                    

فتحت يلينا الباب الخلفي وبدأت تركض باتجاه الغابة بشكل عشوائي ، لم تستطع الصراخ لطلب النجدة خوفا من أن يعرف مكانها..فقد كان هدفها هو الاختباء عن أنظاره...
ولكنّه كان خلفها ببضعة أمتار يركض ويصرخ من شدّة الألم الذي في رأسه ...كان ينزف ولكن هذا لم يمنعه من الرّكض والسعي للانتقام...
:"أيّتها السّاقطة ليس لكِ أي مهرب مني...توقّفي!!"
كان قلبها يدق بقوة من شدة كلامه المخيف فأكملت تركض بشكل يائس وتلهث لتملأ رئتيها الصغيرتين بالهواء، تحاول جاهدة البقاء على قيد الحياة والهرب من زوج أمها الذي يطاردها .ولكنها اصطدمت بجذع شجرة مكسور أعاق تحرّكها ووقعت أرضا...
:"ااه كاحلي!.."
حاوطها الألم فأخذت تصرخ وهي تضع كلتا يديها على فمها لايقاف صوتها حتى لا يسمعها. كانت الظلمة الحالكة عائقا لها ولم تستطع رؤية عمق الجرح فقط كانت تحس بألم قاتل في كاحلها...
زحفت ببطئ بين الاشجار واختبئت بينهم تراقب مروره...كان صوت أنفاسها عاليا وصدرُها يعلو ويهبط.
وبينما هي كذلك أحسّت بخيال يمر أمامها يتلفت يمينا ويسارا فوضعت كلتا يديها على أنفها وفمها لتمنع صوت أنفاسها العالي ...
وبعدما امتلكه اليأس بدأ بالصراخ مجدّدا :"هل تضنّين أنّك إن اختبأتِ مني ستنجين؟ لن تبقي هنا لمدة أطول من ساعتين ،ستخرجين وتتوسّلين لي حتى أغفر لك ولن أفعل ذلك... لن ينجيك أي مخلوق الآن من قبضتي!"
ثم بدأ بالضحك بسخرية بصوت أعلى مع الوقت...
حتى قطع صوت ضحكاته ضربة قوية أوقعته أرضاً فحبست أنفاسه وغروره للأبد، لم تصدّق يلينا مالذي يحدث أمامها وضلّت تناظر خلف الأشجار ذلك الشخص الملثم بالأسود الذي يحدق في الجثة المرمية بكل هدوء كأنه لم يحدث شيء...
وبحركة غير متوقّعة اقترب من يلينا  وحدّق فيها بعينيه الحادّتين ،بحثت بيديها المرتعدتين عن أي شيء للدفاع عن نفسها فلم تجد إلا غصنا صغير في هذه الظلمة، و لكنّ الشخص الملثّم غادر بعد ذلك بهدوء وسط الغابة الموحشة...
بعد نصف ساعة وصلت الشرطة الى الغابة وبدأت عملية البحث عن الفتاة حيث تم تقييم الوضع واتُخذت الإجراءات اللازمة لانقاذها بأسرع وقت ممكن.
سمعت يلينا أصوات سيّارات الشرطة فرحت وأخذت تصيح حتى يتم سماعها :"أنا هنااا..ساعدوني!"
ولكن صوتها كان ضعيفا بالكاد أخرجته من حنجرتها...ضلّت تنادي مرارا وتكرارا ولم تكف عن المحاولة حتى أجهدت ولم تستطع الاستمرار .
انتشرت الشرطة في جميع انحاء الغابة وبدأت تضيق دائرة البحث شيئا فشيئاً حيث كادوا أن يوقّفوا عملية البحث حتى طلوع الفجر... قال أحد أعوان الشرطة لزميله وهو يضع إحدى يديه على أذنه ليتأكد من سماع صوت ما :"اتسمع هذا!.. صوت أنين قريب من الأمام!"
صوّب زميله المصباح المحمول للأمام وقال :"لم أسمع شيئا! هل أنت متأكد؟! مع ذلك.."
لم يكد أن ينهي جملته حتى سمع صوت الأنين أيضا وهذه المرّة بصوت أعلى، أخرج كلاهما السّلاح والمصباح وصوّباهما نحو الأمام وبدآ بالتحرك حتى وجداها مستلقية بين الأشجار شبه فاقدة للوعي.. اتصل الشرطيان بالفريق وتم اعلامهم بالحالة العامة للفتاة حيث نقلتها الطوارئ للمستشفى وكذلك زوج أمها.
                             ***
على السّاعة السّابعة صباحا كان هاتف كريستن يرن للمرّة الثالثة دون ردّ، وفي المرّة الرّابعة أجابت بصوت ناعس وعيون مغمضة :"ماذا تريد؟"
أجاب الطرف الآخر :"أريدك أنت يا كريس.."
وكمن صبّ دلوا من الماء عليها استيقظت وجلست معتدلة بعيون مفتوحة لترى جيدا من المتصل فتجده اليكس :"اليكس هذا أنت! افزعتني"
رد بغضب :"أفزعتك؟ لماذا هل كنتِ تنتظرين اتصالا آخر وخيّبت أملكِ؟"
أجابته بفزع  :"لا لا أقصد هذا بل أحسسته تهديدا لانّك قلت أريدك أنتِ هل فهمت؟"
قال ببرود :"على كلّ حال أردت ايقاضكِ حتى لا تتأخري عن الإمتحانات، وبما أنكِ مستيقظة سأغلق الخط وداعا"
قالت كريستن بسرعة محاولة ارضاءه:" مهلا انتظر.!"

ابتسم ونهض يتجول في ارجاء غرفته ثم مثّل القلق وقال :"تفضّلي آنسة كريستن ماذا تريدين، ليس لديّ وقت؟"
كريستن بغضب :"ماذا ليس لديك وقتا لي اذن؟ لا تتصل بي مجددا هل فهمت!"
اراد اليكس التكلم :" انتظري! ليس الأمر كذلك كريس أنا.."
لكنّها أغلقت الخط ورمت الهاتف فوق السّرير وخرجت  من الغرفة وهي تتمتم بغضب... متجهة الى كل من غرف أنجيلا و أليس لايقاضهما ولكنّها لم تجدهما ، تسلل القلق لقلبها ونزلت للطابق السفلي لكنها وجدتهما هناك يجلسان حول طاولة الفطور وكل منهما مركزة مع كتابها قالت كريستن
:"صباح الامتحانات.. لمَ لم توضقنني؟"
انزلت أليس الكتاب بهدوء وقالت :"بلا  فعلت ذلك لكنكِ لم تستجيبي حتى مع رنين هاتفكِ المستمر"
قالت أنجيلا :"عدت لايقاضك فوجدتك قد استيقظتِ وتتكلمين"
تقدمت كريستن الى الطاولة وجلست على احدى الكراسي بغضب :"أسوء مكالمة تلقيتها هذا الصباح"
تبادلت أليس الأنظار مع أنجيلا ثم ضحكتا بصوت خافت ، تنحنحت أنجيلا وقالت محاولة تغيير الموضوع:" هيا لتنناول الفطور قبل أن يبرد"
                               ***
في غرفة أليكس كان يرتدي ملابسه ويتكلم مع نفسه :" هذه الفتاة ستجعلني أجن حقا... ضربني وبكى سبقني واشتكى..لن أتحدث معها لمدة سأجعلها تشتاق الي وتعرف معنى أن تتكبّر على رجل وسيم مثلي!"
وبينما هو يرتدي قميصه رنّ هاتفه فلم يكمل إرتداء قميصه وتركه معلقا في رقبته وسارع للردّ على الهاتف لكنّه خاب أمله عندما وجده جاكلين:"
صباح الخير ليس من عادتك أن تتصل في هذا الوقت!"
وبدون مقدمات قال جاكلين:" اذهب وأوصل الفتيات للجامعة لا أستطيع الذهاب أنا مشغول سأكلمك لاحقا وداعا"
ثم أغلق الخط ، استغرب أليكس عن الشيء المهم هذا ونهض يكمل ارتداء ملابسه بسرعة ، وعندما ركب سيارته تذكر أنه سيقابل كريستن بعد المكالمة الهاتفية اللّاسعة التي حدثت قبل قليل فقال محدثا نفسه :"سأتجاهلها حقا هذه المرّة "
وأدار المرآة الأمامية للسيارة محدّثا انعكاسه في المرآة :"وسيم مثلك يتم اغلاق الخط في وجهه! هذه جريمة في حقك يا رجل لنذهب ونجعلها تندم عن الجريمة التي ارتكبتها"

ما بعد الهدوء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن