الفصل الواحد والثلاثون

8 2 2
                                    

كان جاكلين لا يزال يمكث في المستشفى والشرطة أيضا ينتظرون يلينا  تستفيق للادلال بشهادتها كونها حاضرة في مسرح الجريمة.
كانت والدة يلينا تعاني من ارهاق شديد فهي لم تأكل وتنم منذ البارحة لهذا قام جاكلين بأخذها لغرفة أخرى كي تستريح فيها وتأكل وتنام قيلا...
وعند عودته لغرفة يلينا وجدها شبه مستيقظة تفتح عينها بصعوبة ثم تغلقها، كانت تريد أن تنهض من فراشها لكنه أعادها وحالما استفاقت وعادت لوعيها نهضت مرعوبة واحتظنته وهي ترتعش وتقول بصوت مرتعب: "لا...لا تتركه يقلتني أرجوك!"
تجمّد في مكانه من الصدمة ولكنّه دفعها بهدوء بعيدا عن حضنه  محاولا النهوض من مكانه ليخبر الشرطة أنّها قد عادت لوعيها فقابلته عيون أنجيلا المعلقتين عليه هو ويلينا. كانت تناظره باشمئزاز وكأنها تقول لقد اكتفيت منكما...
التفّت لتخرج لكنّه أمسكها من معصمها وقال: "إلى أين!"
لم تجبه واكتفت بتحرير يديها وغادرت مسرعة ولحقتها أليس ، أراد اللحاق بها فقابلته كريستن بعبوس.
تنهد بغضب:"هذا ليس وقت عتابك، ابتعدي"
لكنّها لم تفعل وقالت: " أنت وصديقك تعديتما مرحلة الجرأة ودخلتما في مرحلة الوقاحة! يا أسفي عليكما! " ثم حولت نظرها ليلينا التي ضلت صامتة  "وأنتِ أيتها الأفعى عندما تخرجين من هنا سأحرص على تقطيع تلك اليدين اللّتان لم يسلم منهما أي رجل"
خافت يلينا وغطت رأسها لكي لا ترى عيونها المرعبة وقالت: "أنا لم أقصد أي شيء كنت خائفة من زوج أمي أن يعود"
قال جاكلين بهدوء: "لقد مات" 
ثم وضع يديه في سترته وخرج يمشي بتثاقل كأنما فاته القطار الوحيد الذي يؤدي الى منزله...
لم يحاول اللحاق بها أو تبرير ماحدث قبل قليل بل اكتفى بالسكوت... ربّما أحيانا علينا أن ندرك أنّنا لسنا مجبرين على تبرير أفعال ليست لنا القدرة على التحكم فيها أو تغييرها... بدلا من ذلك لنتعرف على أهميّة الثقة في الشريك الآخر!... فلو كانت الثقة موجودة سيكون هنالك تبرير لتلك الأفعال فليس كل مانراه حقيقة كاملة... لابد بوجود بعض التفاصيل الصغيرة الخفيّة التي لها تأثير كبير على تلك الحادثة.
                              ***
مرّ أسبوعان على تلك الحادثة انتلقت فيها يلينا مع والدتها الى مدينة أخرى، حيث تم بيع منزلهما الحالي وعاشت هي ووالدتها مع خالتها التي تعيش وحيدة... كما تم نقلها الى شركة أخرى بوصيّة من جاكلين، وقبل أن ترحل شكرته على كل شيء واعتذرت منه لكن لم تتسنّى لها الفرصة لتفعل ذلك مع أنجيلا...
نجحت كلّ من أنجيلا كريستن وأليس في الامتحانات الاستدراكية، وانتقلا للسنة الموالية بنقاط جيدة.
كما عادت المياه لمجاريها بين كريستن وأليكس وتم الاتفاق على تحديد موعد الخطوبة لوضع علاقة شرعية بينهما وتفادي المشاكل التي لا أضنها ستنتهي حتى بعد الزّواج!.
دعونا نترك أليس جانبا فهي الوحيدة التي تحظى براحة البال غارقة في عالمها الخاص بدون أي ازعاج بشري أو تدخل خارجي:)..
ولنتّجه لأبطالنا جاكلين وأنجيلا التي لا تزال العلاقة بينهما مشتعلة ولم يبادر أيّ منهما لحل هذا النّزاع... إنّها أطول مدّة يقضيانها وهما متخاصمان فدعونا نسميها بمرحلة الانفصال  فقد كانت أشبه بالجحيم لكليهما... حاول جاكلين فعل الأمر الروتيني الذي يأتي بعد الانفصال... محاولة النسيان، تجنب الاتصال، و ممارسة الأنشطة الترفيهية والرياضية...
أما أنجيلا فقد وجدت المسلسلات والأنمي والحلويات ملجأها الوحيد للنّسيان... ثم يأتي اللّيل منبّها عقلك وقلبك بأن هنالك أشياء عالقة بداخلنا يجب أن نتعامل معها بدلا من محاولة تناسي الأمر فكلما تغاضينا عن الأمر زادت كتلة تلك الأشياء داخلنا...لتخبرنا أن التناسي والتغابي ليس حلّا فأنا هنا مازلت موجود داخلك...
وهل يمكن لهذه الأشياء التافهة أن تجعلك تنسى محبوبك! ولو كانت كذلك لما وجدنا عيادات الطب النفسي ومصحة الأمراض العقلية منتشرة في شتى المدن!... النسيان نعمة حقا... وهو ليس متاحا للجميع...

كانت أنجيلا تحوم في أرجاء غرفتها ذهابا وايابا كأنها تنتظر شخصا ما... وبالفعل هو كذلك، فقد كان جاكلين كل ليلة يأتي لحيّها ويراقب منزلها من بعيد حتى منتصف اللّيل ثم يغادر مشيا...خوفا من حدوث شيء ما فحكاية السفاح لا تزال مفتوحة... ولا يمكنه التغاضي عن هذا الأمر لأنهما فقط متخاصمان... صحيح أنه كان يريد رؤيتها لمرة ليطمئن قلبه ويرتاح عقله لكنه لم يحظ بتلك الفرصة.
لم يكن يعلم أنّها كانت تطفىء أضواء غرفتها حتى لا يرى خيالها وتضل هي أيضا تراقبه بشغف وتشبع عيونها حتى برؤية خياله هكذا طيلة الأسبوعين...
لكن في تلك الليلة تجاوز الوقت منتصف الليل وطيف جاكلين لم يظهر بعد، أحسّت بثقل في صدرها فتنهدت بهدوء وذهبت لسريرها لتنام، وبينما هي كذلك بدأ هاتفها يهتز فحملته بسرعة وكان ديفد والد جاكلين المتّصل.
استغربت لاتصاله المفاجئ وفي هذا الوقت ثم أجابت: "مرحبا!"
ديفد: " مساء الخير ابنتي!، آسف لاتصالي في هذا الوقت المتأخر فقد أنهيت العمل قبل قليل "
أنجيلا: "لا بأس عمي فأنا لم أنم بعد" ثم أضافت :" هل هناك شيء؟"
ديفد: "لا اطلاقا، لكنّني سأمرّ عليكِ غدا مساءا برفقة ضيف"
استغربت أنجيلا ثم استطردت مبتسمة: "مرحبا بك وبالضيف الذي معك ياعمّي"
أغلقت الخط وضلّ بالها مشغولا بالمكالمة:" ترى من هو الضيف؟ هل هو جاكلين؟، لالا أضن فلو كان كذلك لقال العم ديفد فهو بطبعه يكره الألغاز... إذن من هو! اووووف رأسي يؤلمني"
استلقت على السّرير ونامت بعد وهلة...
في الصّباح الباكر استيقظتْ على صوت كريستن وهي تفتح الباب ثم النافذة لتدخل أشعة الشّمس الدافئة: "صباح الأنوار... هيا استيقظي لدينا الكثير من الأعمال اليوم"

ما بعد الهدوء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن