التاسع والثلاثون

4.6K 189 20
                                    

ازيكم عاملين ايه
جاهزين ؟؟
يلا نبدأ


_ مين جيه يا أمير؟!
قالتها الفتاة التي كانت معه، وهي تخطو خطوات نحو الباب لترى من الطارق، لتنصدم جومانة للمرة المليون وذلك بعدما رأتها، وردت في صوت خفيض:
_ سوري يا سها، أنا اللي جيت وسببتلكم ازعاج
_ دي حقيقة فعلا انتي سببتي ازعاج، حد يجي لحد في وقت زي ده؟!
قالتها وعقدت ذراعيها أمام صدرها ووجهت حديثها إلى أمير:
_ هو فيه تصوير النهاردة ولا إيه يا أمير؟!
_ ادخلي جوا دلوقتي يا سها لو سمحتي
_ بس يا أمير...
_ لو سمحتي، بليز
_ اوكيه

أكدت بتلك الكلمة وذهبت، وما إن ذهبت حتى تحدث هو:
_ جومانة أنا..

قبل أن يكمل، قاطعته بصفعة على وجهه بقوة يدها وتحدثت في نبرة صوت حادة:
_ اخرس، أنا مش عايزة أسمع صوتك حتى ولا عايزة أشوف صورتك متجسدة تاني قدامي ولو عن طريق الصدفة

قالتها وذهبت مغاضبة تسير أمامه متصنعة القوى وداخلها الهزيمة تكتب حروفها وتتشكل داخل روحها، يتبع أثرها وما إن اختفت عن عيناه، حتى غلق الباب.. سمعت الباب يغلق، فلم تستطع أن تتظاهر بالقوى أكثر، لذلك أسندت ظهرها إلى الحائط واضعة يدها على فمها تكتم صرخاتها حتى لا تنهار، ومن هول الصدمة عليها و من عجزها حتى في التعبير عن النيران التي أضحت تأكل قلبها، ارتمت على الأرض فاقدة الوعي..
             ******
وقبل مشرق الشمس بنصف ساعة على الأقل، كانت منة تجلس على سريرها ممسكة بصورة أحدهم، تحدث الصورة كما لو كان صاحبها يجلس أمامها ويستمع لكلماتها:
_ عارفة إنك هتتفاجيء أما تعرف إنك العريس، بس لازم تعرف إني حبيتك بجد، أنا مش قادرة أعرفك المفاجأة دي دلوقتي لأسباب خاصة، واتمنى تسامحني لأني هفاجأك بحاجة زي كده، وفي نفس الوقت اتمنى تدرك وقتها أنا اد إيه بقى بحبك وعملت إيه علشان خاطرك..

قالتها و احتضنت الصورة وتابعت:
_ أخيرا الحياة الهادية اللي كنت بحلم بيها جاية، أخيرا هعيش حياة كنت بتمناها من سنين، عارف... أنا صبرت كتير وده اتعلمته منك، عمري ما كنت أعرف اصبر كده على حاجة نفسي فيها، بس اتعلمت إني لازم اصبر علشان أوصل لأعلى مكان في القمة مش للقمة بس....
تمهلت برهة وهي تنظر إلى الصورة فقط لمدة دقائق معدودة ثم واصلت حديثها:
_ هو انت امتى هتحس بقلبي؟!
            ******
ومع اقتراب الساعة العاشرة صباحًا، كان وليد يجلس على كرسي مكتبه واضعًا أمامه كتبه واقلامه، يذاكر لأن موعد الامتحانات قد اقترب، وبينما هو مندمج في المذاكرة، استيقظت شاهستا من نومها وأخذت تفرك جانب عيناها وما إن استيقظت حتى أخذت تبحث عنه جوارها، فلم تجده، خرجت في خوف وقلق من الغرفة، لتجده جالسًا ممسكًا الهاتف يسجل رسالة صوتية يقول فيها:
_ بصي يا منار هي الدكتور قالت كده بالظبط، إننا لو لقينا الحرف ده يبقى هيتغير فعلا انتي صح، التحويل للكلمة كاملة مش في الحالة دي هو ماطلبش منك تحولي الكلمة
أنهى كلامه في المسجل وأرسله، وما إن أرسله حتى سمع نبرة صوت تحمل في طياتها الاعتراض:
_ لا والله، مين منار دي يا شيخ وليد ؟!

التفت إليها في سرعة يشوبها خضة ورد:
_ يا شيخة خضتيني
_ آه طبعا ما لازم تتخض، مانت كنت قاعد بتكلم منار
قالتها وهي تقترب منه في سرعة
_ يا بنتي اهدي كده، دي بنت معايا في الدفعة ومحتارة في الإجابة وأنا عارفها قلت اساعدها واقولها بس كده
_ تساعدها وتقولها؟!
_ آه، إيه الغلط طيب؟!

اقتربت منه أكثر وجلست على حجره، ينظر إليها لا يفهم ما تفعله، أخذت منه الهاتف، واسندت رأسها إلى صدره، واردفت وهي تنظر إلى شاشة هاتفه:
_ أما نشوف منار دي عايزة إيه كده
قالتها وأخذت تقلب في الهاتف حتى تعثر على غرفة الدردشة الخاصة بمنار، رد في برود:
_ مش هتلاقي شات بيني وبينها اصلا يا عسل، أنا كنت برد عليها على جروب الدفعة عادي
_ بجد؟!
_ بجد
_ نشوف كده جروب الدفعة ده
قالتها ودخلت المجموعة الخاصة بالدفعة، لتجد سؤال منار ورد زوجها، وما إن وجدت ذلك، حتى أخذ منها الهاتف وتحدث:
_ شكلك وحش أوي، محاولة فاشلة يا حبيبي، أنا واحد بلا أخطاء
_ ومين قالك إني كنت شاكة فيك يا قلبي؟!
_ اومال ده إيه؟! محبة؟!
_ أنا مش بثق في البنات خالص لأني اتقرصت قبل كده وأنا جوزي قمور ووسيم وأخلاقي ومفيش منه اتنين أصلا على وجه الأرض
تقول ذلك وهي تلمس بأطرافها لحيته وتتابع:
_ والبنات مش سهلة وأنا كبنت أعرف ازاي باقي البنات بتفكر، ممكن انت حبيبي تكون بتتعامل بحسن نية لأن انت أصلا ديما نيتك حسنة وسليمة وهي تكون بنت مهزأة وقليلة أدب، علشان كده قلت اطمن من ناحيتها
هي علشان جو ساعدني في دي ومش عارفه إيه حركات قرعة بتاعت البنات اللي مش كويسة
_ واطمنتي؟!
_ اممم
_ طب الحمدلله، قومي من هنا بقى عايز اذاكر
_ لا، أنا عاجبني المكان ده وهكمل فيه نوم
_ يا بنتي ما السرير طويل عريض جوا روحي نامي عليه
_ لا أنا عاجبني هنا
_ هو انتي مش وراكي مذاكرة؟!
_ ورايا، بس هذاكر بليل علشان مش بعرف اذاكر وأنا صايمة
_ طب أنا مش هعرف اذاكر بليل
_ مليش دعوه

قالتها وأسندت رأسها مرة أخرى إلى صدره واغمضت عيناها متصنعة النوم، ينظر إليها في برود، ولم يعلق بل أمسك بالأوراق وأخذ يتابع مذاكرته، كان من الصعب عليه أن يذاكر ويركز وهي تجلس على حجره وتمسك بعنقه وتسند رأسها إلى صدره، حيث كان يشعر بالتقييد بعض الشيء، ولكنه كان يحاول جاهدًا، كانت تبتسم داخل حضنه فهي لم تنم ولا تريد أن تنام حتى، فقط ترغب في أن تظل معه طوال الوقت، وبعد مرور وقت ليس بقصير ولا بطويل، سمعته يتمتم:
_ نونة صغيرة ياربي مرتبطة بأبوها ومش عايزة تنام غير في حضنه!! نفسي اذاكر من غير ما تعطليني مرة وتيجي تقعديلي على حجري، امنيتي بسيطة..

كانت تكتم ضحكاتها، تعلم جيدًا أنه قد مل ولكنها لا تبالي..
             *****
_ مانا مش قادرة أفهم ولا استوعب البرود اللي انت فيه ده يا علي بجد، يعني أنا عمالة أقولك وانت هو ده ردة فعلك اللي ربنا قدرك عليه؟!
هتفت ريناد وهي تسير جهة اليمين تارة وجهة اليسار تارة أخرى في توتر وضيق، تحدث زوجها الجالس على الأريكة يستمع إليها فقط في البداية حتى طفح الكيل لذلك رد بعدما زفر في ضيق:
_ يا ريناد يا ريناد افهمي، أنا مش غبي ومش هقف قصاد سعادة بنتي قدام عنيها علشان ابينلها بكل وضوح إننا السبب في تعاستها، بنتك بتحبه وأحنا لازم نقدر مشاعرها دي لأن للأسف مشاعر الحب والكره والمسائل العاطفية دي كلها مش بتيجي بإرادة حد، فتصرفك مع بنتك غلط، هجومك عليها طول الوقت غلط، لأنها هتكرهنا، وهتفضله هو وفعلا مش بعيد تأذي نفسها وأنا أكيد مش حابب اخسر بنتي علشان واحد ملوش لازمه زي ده، بمعنى أصح هو مصدر سعادة بنتي خلاص أنا مش ضده، أنا مش عايز بنتي تعيش نفس الانتكاسة اللي عاشتها قبل أما خسرت عمر، أنا مش عايز كل شوية أشوفها مدمرة وهي لسه بنت عشرينية كده، فبدل ما تبقى ضحكتها مالية البيت والدنيا، تفضل دموعها على خدها وقهرة قلبها ملازماها؟! طب أي أسرة تفرح لما تشوف ولادها في الحال ده؟!
_ أنا مليش دعوه يا علي بكل ده، أنا من حقي اجوز بنتي لواحد من عيلة كبيرة ومن أصول راقية، أنا من حقي افتخر بعيلة اجواز بنوتاتي
_ صدقيني أنا كمان كان نفسي كده، ولكن لو ده مقابل تدمير بنتي فلا
_ طب والحل يعني الحل؟
صاحت
_ الحل تهدي وكده كده الحقيقة بتاعت شاهستا دي هتبان هتبان، عمر مش هيسكت، عمر عارف كل حاجة وبشكل أو بآخر هيبقى عايز يقول لوليد، بس كده خلي عمر منه لوليد ووليد منه لعمر، حتى يبقى قصاد شاهستا إنه اللي قال الحقيقة دي عمر مش احنا!! احنا هنبان إننا بندعمها جدا وهنفضل بعيد عن اللعب ده، بحيث لو الدنيا اتقلبت وسابت وليد ترجعلنا إحنا لأننا ملناش ذنب، مش تأذي نفسها.. فهمتي أقصد إيه؟
_ فهمت.. بس فرضنا بنتك ست الحسن والجمال اللي ماشية بمازجها حملت من الجربوع ده ساعتها إيه الحل؟!
_ هي مش بتاخد موانع؟!
_ لا، قالتها في وشي كده، "مش هتطلق وقريب هشيل ابنه في بطني" كده نستنتج إنها عايزة تحمل منه، خطة بنتك الجاية إنها تحمل منه علشان يبقى صعب عليه يسبها.. أنا اللي فاهمة دماغها أنا اكتر واحدة عارفة شاهستا بتفكر ازاي، تخيل بقى أنا مش طايقة البني آدم ده تقوم جيبالي منه طفل؟!

صمت برهة يرتب كلامها داخل عقله، ثم رد بنبرة صوت تحمل في طياتها شيء من الحيرة:
_ لا... مش.. مش عارف.. إن شاء الله ده مش تفكيرها..
             ******
اضطرت إلى أن تبدأ مذاكرة في الصباح وذلك لأنها لديها عدة أشياء يجب أن تفعلها في المساء، لذلك أخيرًا تركت وليد وشأنه لبعض الوقت وجلست على الطاولة التي تجاور مكتبه تذاكر هي الأخرى، ولم يمر الكثير من الوقت حتى زفرت في ضيق وهتفت موجهة حديثها له:
_ أوف يا وليد أوف مش عارفة أفهم الحتة دي خالص
توقف عن الحفظ والتفت إليها وهتف:
_ طب اسألي حد من على الجروب ولو حد فاهم هيشرحهالك
_ لا، مش عايزة أعمل كده، عايزاك انت اللي تشرحهالي
_ طب ازاي ده، هو أنا أفهم إيه في منهجك؟!
_ عادي الكلام عربي ومفهوم على فكرة يعني
_ طب ما تقولي لنفسك يا حلوة

نظرت إليه في ضيق وصمتت لمدة دقائق ثم واصلت حديثها:
_ ماهو يارتني كنت منار، كان زمانك دلوقتي بتشرحلي وبتفهمني، لكن هو انا منار علشان تشرحلي؟ ده أنا حيال لله مراتك، واحدة كده عايشة معاك وخلاص
وضع يده على رأسه وتمتم:
_ معلش يا وليد هي حالتها صعبة دلوقتي شكل الهرمونات ضربت في نفوخها وجاري تشغيل نظام المود
_ مطنشني يعني؟!
_ لا يا قلبي مقدرش
قالها وقام من مكانه مقتربًا منها واردف في ابتسامة:
_ هاتي يا حبيبي وريني الحتة اللي مش فهماها علشان افهمها واشرحهالك

ابتسمت وأشارت له عليها، أخذ الكتاب وأخذ يحاول أن يفهم، وهي تجلس مكانها تنظر إليه في ابتسامة عريضة تلف بعض من خصلات شعرها حول اصبعها، اردف بعد وقت طويل وهو يحاول أن يفهم:
_ تعالي يا ستي افهمك، هي بسيطة وسهلة
اقتربت منه وهتفت في رقة ودلع:
_ مش عارفه أركز من سحر عيونك هروح اكتبلهم في الامتحان وليد سقطني بنظراته

ابتسم واردف:
_ لا يا دلوعة احنا عايزينك تجيبي أعلى الدرجات وتبقي احسن حد، ركزي بقى في اللي بقوله
_ مش عارفه أركز أعمل إيه مش ذنبي
_ وبعدين معاكي بقى!! ركزي بقى يا بت انتي الله!! عندي مذاكرة ومراجعة للجزء وتحضير للدعاء
نظرت إليه بقليل من الأسف وابتعدت عنه وجلست وحدها على الأريكة، يراقب أفعالها وتحدث في ابتسامة:
_ انتي كده اتقمصتي يعني؟
لم ترد عليه، بل عقدت ذراعيها أمام صدرها ومطت شفتيها للأمام في اعتراض، اقترب منها وجلس جوارها واردف:
_ يا روحي أنا على القمر اللي زعلان يا روحي
_ كل الناس طلع معاها حق
_ ناس مين؟
ردت وهي تهز ساقها:
_ اللي قالوا هو أول الجواز بس اللي دلع، كل الناس قالت في الأول بس دلع وهنا وحب وبعد كده خلاص، وأنا قلت لا كله إلا وليد هيدلعني علطول بس طلع كل الرجالة واحد
_ أنا مش بدلعك؟
_ أيوه ومبقتش تحبني زي الأول، ولا بقيت تقولي كلام حلو زي الأول ولا بقيت حابب تبقى معايا زي الأول بقى همك كل حاجة إلا أنا آخر اهتماماتك أصلا، تشوف مذاكرتك والقرآن والعبادة وانا آخر حاجة بقى بعد كل دول
_ أنا؟؟؟
_ أيوة، ولا بقى فيه اهتمام ولا حب، كل أما تشوفني تبقى عايز تهرب وتروح تشغل نفسك في أي حاجة، قول إنك مش طايقني اصلا قول إنه تم استبدالي

أدرك أن حالتها الهرمونية قد وصلت إلى ذروتها الآن لذلك لم يرد بل وضع يده على خده وأخذ يستمع ما تقوله في هدوء، تتابع مصدقة ما تقول:
_ عندك وقت عادي لدفعتك تجاوب منار واشباها وتكلم أسر بليل وتسهر معاه، أما أنا أقولك اشرح لي الحتة دي، لا أنا مشغول وعندي مذاكرة، اخلصي بقى أنا مش فاضي، وكل الكلام ده..
قالتها وتوقفت عن الكلام برهة، أردف متعجبًا:
_ خلصتي الدراما ولا لسه؟!
_ لسه
_ تمام خدي راحتك أنا قاعد عمتا مش ورايا حاجة ، المايك معاكي
_ شكرا ليك
_ العفو على إيه
_المهم
_ اه خلينا في المهم
_ ترجع متأخر على وش الصبح أو على الساعة عشرة بليل وتسبني عادي كل ده قاعدة لوحدي
_ لا ثواني بعد اذنك، أنا كده برجع في أنهي وقت علشان توهت منك، يعني برجع الفجر وش الصبح ولا الساعة عشرة بعد صلاة العشا عادي؟! تفرق
_ ماتقاطعنيش بعد أذنك
_ تمام أنا آسف اتفضلي، كملي المسرح كله معاكي
_ المهم، لا بقى فيه وقت ليا ولا بقى فيه حب ولا بقى في دلع، حقيقي يعني فرحة بدايات أوي وحقيقي يعني أنا مصدومة كنت فاكرة إن دي علاقة طبيعية وكنت قاعدة باكل فراشات ومبسوطة بس في الآخر أدركت إني في وهم ولازم افوق
_ طب فوقتي ولا لسه؟!
_ بتاخدني على قد عقلي يعني؟! بتكلم طفلة انت صح؟ عمال تجاريني وخلاص؟!
ضحك بصوت عالي من طريقة تحدثها، لتضرب بيديها على فخذيها في غيظ وتتحدث في ضيق وهي تخرج الأحرف من بين أسنانها: يا وليد ماتتريقش عليا بقى هعيط والله، انت عمال تضحك عليا صح؟!

يهز رأسه نافيًا وهو يكد ينفجر من الضحك، ضربته على ساقه في غيظ وعقدت ذراعيها أمام صدرها واردفت:
_ قوم يلا أبعد عني متقعدش جمبي
_ تؤ ماقدرش أبعد عنك اموت
قالها وهو يبتسم
_ لا قوم يلا روح شوف منار وجاوبها على الأسئلة كلها
_ ياختاي ولا هنخلص في سنينا من منار خلاص
_ أنا أصلا هشتكيك لربنا
_ ليه ليه كده بس يا دلوعة؟! والله خفت، هتشتكيني ليه؟!
_ هقوله يارب جوزي ده راجل مش بيدلعني ولا بيقعد يحب فيا وحرمني منه طول الوقت

ضغط على أنفها في خفة بإصبعه ورد:
_ وأنا هقوله يارب دي كدابة وهو شايف وعادل وعالم بكل حاجة
_ ماشي ماشي، حتى الرسالة اللي كنت بتسبهالي كل يوم الصبح بطلتها و...
قبل أن تكمل وضع يده على فمها وتحدث:
_ بس بس افصلي خلاص، أنا آسف حقك على راسي وهاتي رأسك ابوسها
قالها وقبل جبينها وتابع:
_ هدلعك وهقولك كلام حب كل تلات دقايق لحد أما ازهقك بس الصبر، وهرجع اكتبلك رسايل وهمشي أبوس فيكي واحضنك في الشقة ومش هرجع الساعة عشرة تاني وهعمل كل اللي انتي عايزاه بس ارجوكي بطلي زن

أبعدت يده عن فمها وردت:
_ ومش بس كده، تذاكرلي
_ حاضر
_ وتقعدني على حجرك علطول
_ حاضر.. على أساس إنك مش بتقعدي يعني..
هتف في سخرية
_ وترجع تقولي يا شاهستتي، ووقتك كله يبقى معايا
_ حاضر، حاضر افصلي بقى افصلي
_ عايز تقهرني وتكتم صوتي؟! عايز تخلي صوتك انت المسموع بس، عايز..
قبل أن تكمل احتضنها وأخذ يلمس بأطرافه شعرها واكتافها وهو يكرر:
_ بسم الله عليكِ بسم الله عليكِ امشي يا عفريت امشي يا عفريت، اهدي يا ماما اهدي بس..بس

ضحكت وهي بين ذراعيه وضمته إليها في قوة وتمتمت:
_ والله ما بحب حد قدك
            *****
_ اتفضل يا فايز
هتف مصطفى وهو يرحب بفايز داخل ڤيلته وبالأخص داخل غرفة استقبال الضيوف، ابتسم فايز وشكره لذوقه وسار معه حتى أن دخل الغرفة وجلس على الأريكة، وتمهل حتى جلس مصطفى وانتبه إليه بكل حواسه واردف:
_ أنا تقريبا عملت بحث شامل كامل عن منة وحللت بنسبة كبيرة كل شيء حصل معاها، استنادًا على كلام حضرتك وكلام عمر وكلام آية وشاهستا وأخيرا منة نفسها
_ سامعك يا فايز
_ أولا أحب أأكد على مقولة أنه في العيادة النفسية لا يأتينا المرضى الحقيقيون بل ضحاياهم.. ندخل في الموضوع، في بداية الموضوع عايز أوضح إن شاهستا شخصية مغرورة وانانية، في حين إنها شخصية قوية انتقامية متسلطة، فيها بعض من صفات الشخص النرجسي، ده أنا استنتجته من خلال كلامي معاها
_ شفت، مش أنا قولتلك إن هي اللي مرضت بنتي، مش أنا قولتلك إنها السبب في كل معاناة منة!
_ براحة علشان في جزء من كلامك مش صح، أولا أحب أبين إنه الشخص اللي بيحمل صفات الشخصية النرجسية هو شخص مؤذي ولكن وأؤكد على  السبب في اهتزاز شخصية منة وضعفها الرئيسي، يؤسفني أقولك انها (والدتها).. والدتها اللي قارنتها بشاهستا، والدتها اللي كانت عايزة تخليها نسخة من شاهستا تقلدها وتكون زيها في كل شيء، كانت موريالها إن شاهستا رمز القوى والشطارة والذكاء والتمييز ولازم انتي يا منة تكوني زيها، بقصد أو بدون قصد مدام صفا هي أول حد أذى منة وده اعتراف من منة نفسها أما قالت وقت وفاتها " كويس إنها ماتت على الأقل مش هعيش في وهم إن ليا أم تاني" جملة قوية وصعبة لأبعد حد من إن تقولها مراهقة وقت وفاة والدتها وده معناها استيعاب عقلها إنها كانت موهومة بوجود أم أو شبيه للاقب ده، منة تجاوزت بنفسها موت والدتها وماكنتش بالنسبة ليها صدمة كبيرة على قد من إنها كانت راحة، وده أكبر دليل على مدى أذية مامتها ليها أثناء حياتها، ارتاحت من إن خلاص مفيش مقارنة تانية ارتاحت من كتر التدوير على والدتها اللي ديما مش لقياها، ولكن يبقى الأثر داخلها، ألا وهو أنا كان نفسي يبقى عندي أم، كان نفسي في حنان الأم، شعور مضاد ولكن اتخزن في العقل الباطني واتنسى بالنسبة للعقل الواعي ولكن الموقف نفسه بيحضر وقت التذكر، أو ربما شكّل أبعاده وأثره عليها وآذاها واختفى. نستنتج من ده أما شخصية مهزوزة ملغية زي شخصية منة، تقابل شخصية قوية واثقة من نفسها نرجسية زي شاهستا، يبقى اللي حصل ده كان طبيعي جدا، منة عايزة تبين لمرة واحدة إنها احسن من شاهستا هي ممكن كانت بتقولها انتي مش لايق عليكي البلوزة دي مثلا علشان شاهستا تسكت أو تقولها جايز أو تتهز ثقتها في نفسها زي ما منة طول الوقت ثقتها في نفسها مهزوزة، ولكن اللي كانت بتشوفه عكس، كانت بتسمع كلام من واحدة شايفة إنها الاجمل والاشطر بالأدلة وده نقلا عن شاهستا نفسها.
_ هي قالتلك كده ؟!
_ آه، وذكرت إن مفهوم إنه مفيش منها ده اتعلمته من صغرها بفضل والدها وإن لما كبرت حست بخطورة المفهوم من اللي حواليها وابتدت تقلل من إنها تعتقد لو هي مش موجوده وسط مجموعة فمش لازم بالضرورة أن ماينفعش حد فيهم ينجح غيرها، شاهستا اتغذت على مفهوم خاطئ جدا، آه أولادنا محتاجين دعم ومحتاجين إننا ديما نخليهم يثقوا في نفسهم ولكن مش بالطريقة دي اطلاقا، طريقة إني أفهم طفلي إنه ملوش زي وإنه واحد بس لازم لازم يطلع لي شخص اناني بيحب ذاته ومش شايف غير نفسه وممكن جدا يدوس على الآخرين

تمهل مصطفى قليلًا يوازن كلام فايز داخل عقله ورد:
_ يعني تقصد إنه لو منة كانت حد واثق في نفسه وماكنتش بتتأثر بآراء اللي حواليها حول نفسها وشخصيتها، شخصية نرجسية زي شاهستا عمرها ما كانت هتأثر عليها صح؟!
_ آه، لأن طول ما إحنا عايشين هنقابل مرضى نفسيين كتير، هنقابل شخصيات كتير وكلنا مرضى نفسيين بدرجات متفاوتة، فالشخص السوي أو الواثق في نفسه ومقدر ذاته كويس وباني شخصية قوية جوا نفسه أولا ثم للأخرين ثانيا، نسبة تأثره بالبيئة المحيطة به من شخصيات متنوعة هتكون قليلة جدا، أما شخصية ملغية ضعيفة مهزوزة تتساب لمجتمع مريض زي ده لازم هتتأذي أوي
_ متفق معاك في كل ده، بس شاهستا السبب الكبير في آخر انتكاسة اتعرضت لها بنتي بعد موت رامي وعلشان كده هي بتكرهها حتى الآن
_ منة بتكره شاهستا بسبب تراكمات اتملت ووصلت لذروتها جواها بعد موت رامي، كل الكره اللي جوه منة ده تجاه شاهستا عمره ما هيكون من موقف واحد، شاهستا من الواضح جدا إنها فعلا ماحولتش تفرق بين رامي ومنة، ده فعلا رامي هو اللي كان بيحاول يتقرب منها وده استنتجته من كلام آية أما قالتلي إن هي شافت بنفسها معاملة رامي القذرة مع شاهستا وأما أكدت لي ازاي شاهستا دخلت في صدمة عصبية صعبة بعد ما عمر سابها يبقى فعلا هي ماكنتش عايزة غير عمر، منة عمرها ما هتصدق إن رامي هو اللي خاين وإن رامي هو اللي كان بيبص لشاهستا وبيحاول يتقرب منها وده لأسباب كتيرة، أولهم إن شخصية زي منة عايزة تبين إنها كانت مرغوبة جدا ومحبوبة وأن صاحبتها هي السبب في أن حبيبها يسبها، دي عندها أهون من إنها تصدق إن رامي خانها فعقلها عمره عمره ما هيقتنع، ثانيا منة عايزة تبعد الذنب اللي هي حاسة بيه طول الوقت ألا وهو إنها السبب في موت حبيبها الوحيد، الراجل الوحيد اللي حبها، وده للأسف لأنه مات بعد خناقة بينها وبينه ومن ساعتها وهي دخلت في أزمة نفسية ، عقلها تلقائي هيدور على شماعة يعلق عليها الخطأ ده علشان تهرب هي من الحقيقة اللي حاسة بيها وإنها قتلت حبيبها، في الحقيقة محدش قتل رامي لا هي ولا شاهستا بس للأسف احيانا بعضنا بيحب ديما يلقي اللوم على نفسه أو على الآخرين على حاجات اصلا مُقدّرة والقدر لوحده اللي له دخل فيها. منة بعد موت رامي قررت تبقى حد تاني حد قوي حد واثق من نفسه على أساس إن مفيش قوة تانية قادرة تهدها وبالفعل أول حاجة عملتها هي إنها انتقمت من الحد اللي شايفة إنه سبب كل اللي هي فيه واخدت عمر بالفعل من شاهستا، ويؤسفني أقولك إنها كانت ممكن تبقى أفضل بعد ما انتقمت بس حصلها انتكاسة تانية بسبب وليد
_ ازاي ؟ أنا أصلا نفسي أفهم الشاب ده ازاي أثر على بنتي وليه هي مصرة عليه كده!
_ منة هيئت لنفسها إنها هتعيش قصة حب مع شاب تاني دافع عنها قصاد ابن عمها، واحد تاني حسسها بالأمان وإنها مرغوبة، ودورت عليه وأما لقته هو عنفها وقالها ابعدي عني، ونظرا إلى إنها أخدت عهد على نفسها بعدم الضعف مرة تانية استخدمت معاه اسلوب حاد ماجبش نتيجة مع شاب سوي متدين زيه، فكرهها، في حين إنها ماكنتش قصدها أنه تخليه يكرهها، ولكن الحيل الدفاعية اللي جواها واللي بقى كلها عنف وقوة هيمنت عليها وخلتها تتعامل معاه على إنه هيكون معاها بالقوة وغصبن عنه وإلا هتستخدم معاه قوتها والوسطة اللي عندها، وأما الجزء الناضج السوي اللي جواها ابتدى يبين لها إنه وليد مش نافع وإنه شيخ وإنه مختلف عنها، عقلها الرافض لأي رفض أو خذلان هيأ لها إن وليد شبيه رامي وإنها أخيرا لقت رامي ولازم يكون معاه رغم إنه وليد لا يمت لرامي بصلة اللهم إلا نفس لون العين تقريبا، بردو لازم اذكر إن كل ده كان هيكون بشكل مؤقت، كانت هتفضل تجري ورى وليد شوية لحد أما تزهق أو تلاقي إنه مفيش فايدة أو ممكن حد تاني كان يدخل في حياتها يديها الحنان والحب اللي هي محتجاه وخلاص، ولكن تيجي عدوتها تاخده منها وتتجوزه هي، لا ده بقى اللي رفضته منة بشدة، منة أقسمت إنها مش هتسيب شاهستا سعيدة وبالأخص مع شخص هي بقى عايزاه لأنه بقى رامي جدا قدمها دلوقتي. آخر حاجة شاكك فيها ولسه هأجري عليها ابحاثي وهي إن عقل منة عايز يبقى شاهستا، عايز يعيش حياة الشخصية الجميلة القوية دي اللي الكل قارنه بيها طبعا ده شعور لا واعي جوا منة عايزة تجرب حياة شاهستا الشخصية المبهرة اللي الكل بيقرب منها، وبالفعل بتحاول تبقى حد قوي واثق من نفسه ماحدش قده، الفترة الجاية هتاخد منة خطوة إنها تسرق حياة شاهستا ( جوزها وبيتها وشخصيتها)
_ بس.. بس أنا شايف إن منة بقت شخص تاني بقلها فترة، انا حتى حسيت إنها اتحسنت
_ لا انا بقى مش حاسس، لأن مفيش حاجة اتعملت علشان نحس بده والدليل على إني مش مرتاح لمنة واني حاسس إنها بتعمل حاجة هو انها بتقولي أنا هتخطب بعد العيد، طب لمين مش راضية تقول طب اسمه إيه مش راضية تقول
_ إيه هتتخطب ازاي يعني ؟
_ هو حضرتك معندكش علم؟
_ خالص، هي قالتلك كده امتى؟
_ من فترة ولسه فاتحين الموضوع أول امبارح تقريبا

صمت مصطفى يستوعب ما يقال، ثم تحدث في صوت خفيض:
_ مش عارف...ربنا يستر..
              ******
كان وليد يجلس على كرسي السفرة ممسكًا بالكتاب المقدس ( المصحف) يتلو في صوت خفيض، وبينما هو مندمج، أتت زوجته وجلست أمامه واردفت:
_ ليدو
توقف عن التلاوة وانتبه إليها هاتفًا:
_ نعم
_ هو بما إنه رمضان قرب يمشي خلاص، تحب تعلمني فيه إيه؟! تحب تشوفني ازاي؟
ابتسم ورد:
_ أحب اكون أنا وانتي من العتقاء من النار، احب نكون شركة ومع بعض في الجنة، أحب اشوفك واشوفني أب وأم صالحين وزوجين متحابين، أما بالنسبة لهعلمك إيه.. عايزك تتعلمي ازاي تثقي في ربنا أوي ويكون جواكي يقين أنه مهما حصل، هتفرج.. مهما اشتدت هتلين، مهما اتعسرت هتتيسر، مهما اتعقدت هتتحل، اليقين بالله هو الإيمان الحقيقي بوجوده إنك واثقة في حد مش شيفاه، ولله المثل الأعلى طبعا، بس الثقة بالله دي من أعلى درجات المسلم المؤمن حقيقي، المتيقن إن له إله قادر على كل شيء، فأي موقف صعب يحصل معاكي، اصبري واحتسبي وطمني نفسك " أليس الله على كل شيء قدير"، قبل ما رمضان يمشي لازم تعرفي إنك ممكن بنسبة كبيرة ماتعشيش لرمضان اللي بعده ماحدش ضامن عمره، علشان كده أوي تضيعي الفرصة الذهبية دي من ايدك، اوعي تتكاسلي في العبادة أو تأجيلها لأن رمضان ده فرصة من ربنا علشان تضيع كل ذنوب السنة وتبدأي من جديد، فرصة تتغيري للأحسن فرصة تقوي إيمانك اكتر وتمحي سيئاتك وتزيد من حسناتك، ماتقوليش إن شاء الله ربنا يهديني قريب، لا اقربي انتي واهتدي وابداي، لأنه عسى القريب ده يكون معادك في القبر، اللي عايز يتهتدي ويبدأ فرصة جديدة يبدأ بسرعة مفيش وقت الدنيا رحلة وماحدش عارف دوره امتى ويسبها.. من حسن حظنا أننا عندنا إله رحيم ورؤوف بيحبنا وقالنا إنه بيغفر الذنوب جميعا، وإنه قريب مجيب وإنه تواب ويحب التوابين، فالإنسان مهما أخطأ معندوش حجة إنه مايرجعش تاني لربه وإنه يكمل في طريق الشيطان، صدقيني يا شاهستا عذاب النار ده محدش يستحمله اطلاقا، تخيلي انتي بتتلسعي من حلة سخنه شوفي ازاي بتصوتي ومش بتقدري تستحملي!!

ارتعبت وشعرت بارتجاف أصابعها لأنها تعلم جيدًا كم ما ارتكبت من ذنوب، وردت في خوف:
_ يعني..يعني ربنا بيغفر أي حاجة صح؟
_ أي حاجة، أنه يغفر الذنوب جميعا، مانتي مارتكبتيش كبيرة من الكبائر يعني فامتخا فيش؛ بإذن الله أي ذنب مغفور، بس انتي افضلي لحي في الدعاء وفي طلب المغفرة لحي كتير ربنا بيحب العبد اللحوح
_ وانت خليك معايا يا وليد، أنا إيماني بيبقى أقوى أما بتكون معايا وبحس إني هفضل أبقى أقوى
_ أنا معاكي يا قلبي وفي أي حاجة انتي عايزاها أنا موجود
_ طب على فكرة العصر أذن مش يلا نصلي؟
ابتسم ورد:
_ يلا يا حبيبي

ركضت وارتدت عباءتها وحجابها ووضعت سجادة الصلاة ووقفت في الخلف، وقف في المقدمة وصلى بها، وفي سجودها كانت تدعو الله كثيرًا حتى يتقبلها ويرضى عنها ويغفر لها ما قد سلف، وتشكره لأنه أعطاها فرصة أخرى عندما رزقها بوليد حتى يقودها نحو الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وبعد الانتهاء من الصلاة والتسبيح، تحدثت مستفسرة:
_ وليد
_ عيوني
_ من شوية كنت بقرأ سورة الضحى وجالي فضول افهم ليه نزلت أو إيه معنى بعض من آياتها، تعرف؟!
_ آه كنت قرأت مرة، هقولك اللي أعرفه يا دلوعة، إنها من أجمل القصص الملهمة في حياة النبي واللي بتخليني دايماً عندى أمل في بكرة ويقين في ربنا هي نزول سورة الضحى؛ لأنه بعد ما الوحى إنقطع عن النبي فترة
المشركين فضلوا يقولوا " قلاك ربك " يعني إلهك سابك يا محمد وقتها النبي كان حزين
وفجأة و بدون أي مقدمات نزلت سورة الضحى وما أجملها من مواساة ربانيه في الآية اللي ربنا قال فيها
" مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ"
مش بس كدة لا ربنا قاله كمان
" وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ"
عشان كلنا  نعرف ان انقطاع الخير لبعض الوقت هو مجرد تهيئة لفيضان خير جديد وان خزائن الله لا تنفذ و كرمه ملوش حدود رغم أنف كل واحد شمتان فيك أو منتظر انك متنجحش في حياتك
_ الله بجد! يعني حتى النبي كان بيمر بحاجات صعبة زينا؟
_ طبعا، الانبياء مروا بكل الصعب والاحباطات اللي ممكن تقابل أي حد وكانوا بييأسوا وبيحزنوا، عندك سيدنا يونس اللي قرر يسيب الدعوة ويهرب ولما ساهم في القرعة طلع اسمه هو ورموه في البحر وعرف خطأه واستغفر في بطن الحوت وردد" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وسيدنا موسى قتل عن طريق الخطأ وهرب من مكانه وفضل مترقب لحد يقتله واستغفر وكان بييأس كتير من أفعال بني إسرائيل اللي كل شوية يخيبوا ظنه بالأخص أما سابهم مع هارون أخوه ورجع لقى إنه قومه اتفتنوا بعجل له خوار بسبب السامري هو موسي وقتها ألقى الألواح واضايق جدا ده غير صبره على قومه، صبره على فرعون واتباعه وصبر أمه على فقده وهو طفل رضيع ، وداوود أما ظن أنه فُتن خر راكعًا واناب، وصبر زكريا على الابتلاء لأن زوجته كانت عاقر يعني مش بتخلف وهو اشتغل الرأس منه شيبا، يعني بقى راجل كبير في السن ومع ذلك عمره ما فقد الأمل في إنه يدعي ربنا يرزقه بطفل وربنا رزقه بيحيى، ولما أعطاه يحيى ماكنش مصدق لأن هو راجل كبير في السن ومراته عاقر، ويوسف اللي اخوته رموه في البئر وصبر على الظلم واتسجن سنين واتهموه بالتعدي على زوجة الملك مُربيِه رغم الأدلة وهو الشاهد من أهلها على كذبها، وصبر يعقوب على فقد يوسف وإيمانه وثقته بالله اللي ملهمش حدود إنه هيلاقيه، والمعجزة اللي اتولد بيها عيسى وهو إنه يكلم الناس في المهد، والامتحان الصعب اللي اتحطت فيه أمه السيدة مريم اللي حملته دون أن يمسسها بشر والناس اتهموها بشرفها وقالولها يا مريم ما كان أبوكِ أمرأ سوء وما كانت أمكِ بغيا يعني أمك ماكنتش ست مش كويسة وابوكي كان راجل كويس ازاي انتي تعملي كده وتحملي في طفل دون زواج!! ومريم نفسها وهي بتولد نبي الله عيسى كانت بتتمنى تكون نسيا منسيا يعني لا شيء يذكر لأنها ماكنتش قادرة تواجه العالم وتقولهم ده ابني من غير أب علشان ماحدش هيصدقها ولكن إيمانها وثقتها في ربنا كانت كبيرة، ونوح اللي فضل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين ولم يستجب له سوى القليل شوفي كم اليأس!! وأما فضل يصنع السفينة اتريقوا عليه وسخروا منه ، ونيجي للأصعب بقى ابنه مرضيش يآمن به وسابوه وفضل مع الكفار وغرق قصاد عينه ومات على كفر وزوجته كانت من أهل النار كامرأة لوط تماما
وغيرهم كتير من الأنبياء اللي اتحملوا وصبروا من أجل الدعوة رغم إنهم ماكنوش فاهمين حكمة ربنا زي مثلا ما سيدنا إبراهيم شاف في الرؤيا أنه يذبح إسماعيل وكان قايم يحقق الرؤيا مع انه صعب عليه جدا قتل ابنه وابنه رد قاله يا ابتي افعل ما تؤمر. نيجي بقى على خاتم النبيين والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم، ونشوف كم الامتحانات اللي اتوضع فيها، أبوه مات وهو عمره شهرين في بطن أمه، أمه ماتت وهو في السادسة من عمره، وجده مات وعمه مات على كفر مرضيش يؤمن به وزوجته السيدة خديجة حبيبة قلبه ماتت في نفس العام اللي مات فيه عمه علشان كده اتسمى عام الحزن، غير صبره على أذى قومه له ، وصبره على وفاة كل الصبية له، محمد لم يعش له فتيان أولاد صبيان يعني، صبره على مهجره من موطنه الحبيب "مكة"، وغيره وغيره لو فضلنا نذكر قد ايه الانبياء عانوا مش هنخلص، وتخيلي دول أحباب الله والمصطفين الأخيار، الإنسان مش مخلوق لينعم ويعيش في رخاء اسمها دنيا، اتخلقنا لنشقى ونصبر ونحتسب ونضعف وتذل أقدامنا ونحارب أنفسنا ونقوى ونحاول ونجاهد ونخطئ ونتوب.. هذا هو الإنسان...
              *****
_ مالك يا بنتي مسهمة كده ليه؟
هتفت تهاني وهي تضع الأرز داخل الباذنجان، تجلس على كرسي السفرة في المطبخ تتحدث مع عاليا ابنتها، التي ردت:
_ ماما.. ماما انا كان بقالي فترة مش قادرة أقولك، بس لازم اتكلم بقى كفاية كده
_ خضتيني يا بنتي في إيه؟
_ أنا مش هتجوز رأفت
صاحت وهي تنهض مرة واحدة من مكانها:
_ نعم يا روح امك؟ بت انتي هو انتي كل شوية تطلعيلي بحوار؟؟
_ يا ماما يا ماما ده حشاش تاجر مخدرات، عايزاني اتجوز تاجر مخدرات ؟
_ مش مهم، المهم تتجوزي، وبعدين تعالي هنا، عرفتي منين ياختي إنه تاجر مخدرات ؟ أي تلاكيك وخلاص يا بت انتي صح؟؟
_ سألت طليقته و..
_ سألتي مين؟؟ هو انتي فاكرة إنها هتقولك الحقيقة ؟ كدابة طبعا غيرانة ومش عايزة واحدة غيرها تاخده راجل غني ومصيرها ترجعله تاني تيجي انتي وتاخديه منها ليه ؟
ردت صارخة، وعليه أتت رضوى بعدما سمعت كل ذلك الذي يحدث وتحدثت:
_ في إيه يا ماما بتزعقي ليه؟؟
_ البت اختك دي اللي عايزة تشلني قال طلعالي بحجة جديدة وتقولي مش هتجوز رأفت، ده بعونك ده بعونك سامعة

نهضت عاليا في ضيق وغضب وصاحت:
_ يا ماما بقولك تاجر مخدرات يا ماما، يا ماما حرام عليكي
_ حرمت عليكي عيشتك إن شاء الله، محدش غيرك هيتجوز رأفت
_ مش هتجوزه يا ماما
_ هتتجوزيه ورجلك فوق رقبتك
_ طب مش هتجوزه، ده راجل سمعته زبالة وكل الناس في الشارع بتاعه أكدوا على ده حرام عليكي بقى والله إيه الرمية دي؟!!
_ والله العظيم ماحد متجوز رأفت ده غيرك
_ والله ما هتجوزه يا ماما

تعصبت وهجمت عليها جاذبة إياها من شعرها في غل وهي تصرخ:
_ انتي بتحلفي عليا يا بت انتي ها! بتحلفي عليا! انا هربيكي يا قليلة الرباية
_ سيبي شعري يا ماما سيبي حرام عليكي
تصرخ عاليا
_ أما نشوف ازاي مش هتتجوزيه انتي، محدش غيرك وحياة صيامي ده ماهيتجوزه حد غيرك، هو انا مواريش إلا انتي ولا إيه يا بت انتي!!
_ سيبي شعري طيب سيبي
تصرخ عاليا وهي تحاول أن تُخلص خصلات شعرها من أصابع والدتها المتشبثة بها
_ خلاص يا ماما سبيها بقى يا ماما علشان خاطري
صاحت رضوى في ترجي
تركتها تهاني وهي تلقيها بعيدًا خارج المطبخ صارخة:
_ غوري بره من وشي، اما نشوف مش هتتجوزيه ازاي

جن جنون عاليا الشاعرة بالظلم وأخذت تقفز قفزات متتالية وهي تصرخ في قهر:
_ مش هتجوزه ورحمة ابويا ما هتجوزه
_ يا بنت ال...
صرخت أمها وركضت حتى تضربها تارة أخرى لتمنعها رضوى في سرعة وهي تصرخ موجهة وجهها جهة عاليا:
_ امشي من وشها يا عاليا بقى أمشي
_ اوعي سبيني اربيها
_ خلاص يا ماما بقى علشان خاطري أنا، روحي شوفي المحشي المغرب قرب
_ كلمي اخوكي سيد يا بت وقوليله يحدد معاد كتب الكتاب بسرعة أما نشوف ناقصة الرباية دي هتعمل إيه..
صمتت برهة وصاحت بنبرة صوت أعلى:
_ يلا..
               ******
_ حمدلله على سلامتك
هتفت الممرضة، وذلك بعدما وجدتها تفتح عيناها عقب مرور وقت
صمتت برهة تستوعب اين هي وماذا حدث لها وردت في صوت خفيض:
_ أنا فين؟
_ انتي هنا في المستشفى متخافيش إدارة الفندق لقيتك واقعة على الأرض وجابتك هنا فورا، لا تقلقي انتي والبيبي في أمان و كويسين خالص
_ادارة الفندق !!
هتفت في سخرية
_ أيوة يا مدام، حافظة أي رقم نكلمه علشان يجي؟
هزت رأسها رافضة ثم تحدثت:
_ أنا اللي هتكفل بالحساب كامل مش عايزة حد
_ تمام زي ما تحبي، وأحب اطمنك إنك كويسة ومفيش اي خطورة على الجنين مرة تانية
قالتها وذهبت، تتبع أثرها جومانة في قهر وتعزية لروحها المتألمة..
              ******
_ يا وليد اصبر انت بتجري على السلالم وسايبني ورا كده ليه؟
هتفت شاهستا وهي تركض على سلالم المنزل تحاول أن تلحق بوليد ذلك الذي طار تقريبًا

رد في صوت عالي حتى تسمعه:
_ وريا صلاة والعشاء هتأذن والهانم قاعدة قصاد المرايا عشر ساعات بتلف الطرحة
_ خلاص استنى بقى أنا خلصت وجاية أهو، حد يسيب المدام بتاعته ويجري كده!!
_ لو مدام لكعة يبقى اه من حقي اسبها عادي
نزلا كل منهما وسارا بجانب بعضهما البعض في الشارع في خطوات سريعة، تحاول شاهستا أن تلحق خطوات قدمه السريعة لذلك تحدثت في ضجر:
_ براحة شوية يا كابتن انت بدل ما اقعدلك على الرصيف ده
_ قادرة وتعمليها، مدي يا بنتي العشا أذنت باقي الإقامة وأنا لازم اكون هناك أنا الإمام

وبينما هو يسير كان يرفع يده في وضع إلقاء التحية:
_ اهلا يا حاج سامح كل سنة وانت طيب يا حبيبي... حاج محمود وحشني والله... أبو راشد ازيك يا غالي
_ إيه كل الناس، انت عارف مصر كلها؟!
_ دول أقل حاجة، جوزك عنده فانز كتير
_ آه أنا ملاحظة فعلا ده..
_ شيخ وليد كيفك يا مولانا
هتف أحدهم في صوت عالي، ليرد عليه وليد:
_ أبو كارم اتفضل يا غالي اتفضل
_ ربنا يزود حابيبك كمان وكمان يا حبيبي
هتفت في ابتسامة
_ أمين يا حبيبي وإياكِ، يلا هدخل الجامع.
_ ماشي وأنا كمان
قالتها وذهبا كل منهما إلى طريقه..
             ****
_ كلمت اهو رمضان وشعبان وتهاني وعزمتهم
هتف محرم وهو يحدث زوجته سعاد التي سرعان ما ردت:
_ ينوروا، هيجوا امتى كده؟!
_ بعد بكرة بإذن الله، وكمان تهاني لسه قيلالي إنها عايزة تحدد معاد كتب كتاب البت بنتها عاليا فبالمرة بقى نقعد بعد الفطار نحدد
_ ربنا يتمم لها على خير، بس انت نسيت إن شعبان مش طايق جاسر ابنك وهتبقى مشكلة!!
_ هحاول اصالحهم..
          ******
_ النهاردة هنتكلم يا جميلات عن درس صغنون ألا وهو المسح على الجوارب
هتفت المعلمة محدثة الفتيات داخل المسجد، تحمست شاهستا لأنها كانت تبحث عن طريقة شرح مبسطة للمسح على الجوارب، تابعت المعلمة حديثها:
_شروط المسح على الجوارب "الشراب"
1- حاجة تكون ملبوسة على طهارة كاملة
2- تكون بتاعتك مش سارقاها مثلا أو واخداها عافية من حد وهو مش مسامح
3- تكون ساترة محل الفرض إلى الكعبين الي هو العضمايتين البارزين اللي في جنبين الرجل
4- تكون مش واصفة للرجل يعني مثلا في شرابات حريمي بتكون شفافة اوي لدرجة تشوفي رجلك من تحتها
بس النقطة مؤخرا في علماء أجازوا المسح من غيرها زي شيخ الإسلام ابن تيمية
5- أن يكون الشراب ثابت يعني مثلا مش نجيب شراب قصير ومش ساتر لمحل الفرض وتفضلي تشدي فيه لفوق علشان يستره وبعدها يرجع مكانه تاني وتشديه تاني وهكذا
6- بالنسبة بقى للمسح على الحذاء فهو سنة ويجوز طلاما لابساه على وضوء والشروط الي فاتت أنه يستر محل الفرض الي هو الكعبين لو مش ساتر ما ينفعش..
وبس كده يلا علشان أقاموا الصلاة

ابتسمت شاهستا وذلك بعدما دونت كل ما قد قيل في مذكرة هاتفها، ابتسمت لأنها تتعلم وتتعمق في الدين أكثر حتى تشبه زوجها وتصبح مثيلته..
           *****
_ ألو
هتف عمر في صوت خفيض وهو مستلقي على السرير ويبدو أنه استيقظ من نومه للتو
_ إيه يا عمر وحشتني
ردت تلك التي تحدثه عبر الهاتف
_ كويس يا نور، وانتي إيه الأخبار؟
_ تمام علشان سمعت صوتك.، عمر أنزل قابلني ضروري
_ اشمعنى؟
_ عايزاك
_ مش قادر اتحرك من مكاني فاقد الشغف وبقالي اسبوع نايم تقريبا
_ خلاص هجيلك أنا، انت في شقتك الخاصة ولا الڤيلا؟
_ لا، في شقتي
_ تمام جيالك
_ اوكيه... باي
قالها وانهى المكالمة وتحدث ساخرًا:
_ مش عارف انتي عايزة إيه يا نور انتي..
ثم توقف عن الحديث برهة ونهض جالسًا وأمسك بهاتفه تارة أخرى وتحدث:
_ أما نشوف الآنسة الحلوة عملت إيه أطلقت ولا لسه!!

قالها وطلب الرقم ووضع الهاتف على أذنه وأخذ ينتظر الرد...
كانت شاهستا تسير بجانب وليد عائدان إلى الحي عقب الانتهاء من الصلاة، سمعت صوت هاتفها يصدح، أخرجته من الحقيبة وما إن رأت أنه عمر، حتى توترت للغاية ولم تستقبل المكالمة
_ ما تردي
_ دي...دي آية وقلت أرد عليها فوق بقى أما اطلع الشقة
_ آه..ماشي.. اطلعي انتي وأنا جاي وراكي
_ ليه؟
_ هعمل حاجة بس

ازدادت دقات قلبها فهي لم تفهم ماذا يريد ولماذا يفضل الجلوس، وردت في سرعة بنبرة صوت تحمل في طياتها التوتر:
_ ليه بردو ليه؟؟
ابتسم ورد وهو يشير بعينه إلى الأولاد:
_ هلعب مع العيال دي

ضحكت وتحدثت:
_ ياعم خضتني، عايز تلعب يا صغنن؟
_ بت، بطلي تريقة، وحشني أضرب صواريخ وأمسك الفانوس مع الاولاد دي، اطلعي انتي بقى
_ ماشي يا بيبي هطلع
قالتها في ابتسامة عريضة

صعدت شاهستا في سرعة إلى الأعلى ودخلت شقتها وفتحت البلكون وأخذت تنظر إلى ما يفعل وليد في فرحة عارمة وابتسامة واسعة، كان هو يقف مع أولاد الحارة الصبيان يضرب معهم الصاروخ ويضحك، وهم يضحكون لأن الشيخ وليد يشاركهم بنفسه الضحك واللعب بعدما صلوا خلفه في المسجد، أخذ فانوس أحدهم وأخذ يغني في صوت عالي مما جعل الباقي يلتف حوله وهم يحملون فوانيسهم ويقلدونه:
بدأ في الغناء: رمضان كريم فتح يا عليم 30 يوم فيه هنا وسعادة
ردد الصبية: الله الله الله الله
تابع وليد: قعدة رمضان حلوة يا جدعان شهر الاحسان كله عبادة
رددوا: الله الله الله الله الله
تابع وليد وهو يلف الفانوس لفات متتالية: والناس بتقول ملناش غيره بيهل علينا كده بخيره
ردد الصبية: والناس بتقول ملناش غيره بيهل علينا كده بخيره
تابع وهو يضع يده على أكتاف بعضهم: ده كريم والله وبركاته أغلى رزقه على الله، قالوا زيادة
ردد الجميع وبما فيهم وليد:
رمضان كريم فتح يا عليم 30 يوم فيه هنا وسعادة قعدة رمضان حلوه يا جدعان شهر الاحسان كله عبادة
تابع وليد: وحوي يا وحوي
ردد الصبية: اليوحة
رد وليد:وكمان وحوي
ردد الصبية:رمضان كريم
تابع الغناء: هل هلاله رمضان كريم اه يا جمله رمضان كريم
فوانيس ولعه
رددوا:  رمضان كريم
تابع: لمبه و شمعه
رددوا: رمضان كريم
تابع: رمضان كريم زي العاده و من دا على دا، وكل يوم عندنا في جديد، رمضان كريم والله يوماتى و خدى و هاتى و كل ايد بتناول ايد....
رددوا خلفه واكملوا بقية المقاطع حتى وصلوا إلى المقطع الذي غناه وليد بكل حب: القهوة اللى في حارتنا بتفتح بعد الفطار و بياع الكنافه عنده زباين كتار و اسمع فى الراديو و اعلى توشيح النقشبندى، والناس قوام تطير
نتسحر بدرى بدرى و الحارة بحالها تجرى ع الجامع الكبير
يردد الصبية معه، وأخذوا يحتضونه ويقبلونه وهو الآخر كان يبادلهم القبلات..
وكانت شاهستا تقف في البلكون وهي تلتقط له بعض من الصور والفيديوهات وهو يغني ويلعب مع الصبية في حب ...
           *****
_ حاضر ثواني هفتح أهو
هتفت علا وهي تقترب من باب منزلها حتى تفتح، أمسكت بمقبض الباب واردفت:
_ مين؟
_ أنا عماد
_ حاضر ثواني..
قالتها وارتدت حجابها وفتحت له الباب ونظرًا إلى أنها لم ترتدي عباءة أو غيره، مدت رأسها فقط من الباب والذي لم تفتح منه إلا جزء صغير وتحدثت:
_ خير يا أبو محمود، هالة كويسة ؟!
_ آه هي الحمد لله كويسة ، هي بس كانت عايزة حبيتين طماطم لو عندك
_ آه عندي ثواني هدخل اجبها
قالتها وذهبت، كان يقف أمام الشقة ينتظر.. وفجأة وجد ابنها باسم سيسقط من فوق الأريكة، فتح الباب على مصراعيه وركض حتى يلحق الصبي، وبالفعل امسكه قبل أن يسقط أرضًا، خرجت هي من المطبخ وفي يدها حبات الطماطم، فوجدته أمام وجهها فزعت وتراجعت إلى الخلف ،هتف محاولًا أن يطمئنها:
_ أنا آسف بس أنا لقيت باسم هيقع ودخلت بسرعة ألحقه

قبل أن ترد وقبل اتخاذ أي موقف وجدت زوجها سيد وجد مرة واحدة خلف عماد، نظر عماد خلفه وذلك بعدما وجدها تنظر إلى خلفه محدقة، وما إن نظر حتى ناوله سيد لكمة في وجهه قد اوجعته، ثم ركله في ساقه أسقطه على الأرض، وهجم على زوجته تلك التي كانت تصرخ وتستنجد بالجيران ولكنه امسكها من شعرها وامطرها بوابل من الشتائم ولم يرحم أي ركن في وجهها من لكماته..
           ****
_ سلام عليكم إيه يا دلوعة ؟
هتف وليد وهو يحدث شاهستا عبر الهاتف
_ إيه يا وليد، انت فين؟ كنت آخر مرة شايفاك قاعد مع العيال يا دوب دخلت جوا وخرجت ابص تاني مش لقيتك، فين انت؟
_ لا تقلقي يا دلوعة، أنا في طريقي إلى أصدقائي، اتصلوا بيا وقالوا لي تعالى أقعد معانا شوية
تضايقت واطلقت زفيرًا طويلًا وهتفت:
_ يعني مش هتقعد معايا انا؟
_ يا قلبي ساعة واحدة وهتلاقيني عندك
_ لا ولا دقيقة انا عايزاك دلوقتي
_ يا حبيبي أنا مش بشفهم بقالي كتير بجد وحشوني
_ ماهو يا وليد بليل ده وقتنا احنا، يعني طول الصبح بيكون صيام
_ ساعة واحدة ساعة، احسبيها على التليفون
_ مليش دعوة، مش متخيلة إنك تختار صحابك عليا وعلى مفاجئتي
_ مفاجأة إيه ؟
صمتت برهة وردت في رقة ودلال:
_ البس الأسود ولا الأحمر ؟
ابتسم ورد:
_ الأحمر طبعا، بيبقى جامد عليكي
_ عُلم وينفذ يا باشا.. وعايز الروج لون إيه؟
_ اممم، نبيتي كده او أحمر غامق
_ اوكيه وشعري؟ عايز تسريحة إيه ؟
_ خليه straight 
_ حلو، ولون المانكير؟
_ نفس لون الروج يا مسكرة
_ ماشي يا مسكر، خمس دقايق مسافة سكتك وهيكون كل ده جاهز
_ طب واصحابي طيب؟
_ بعد كل ده ولسه بتقولي اصحابك ؟ خلاص خليك معاهم وأنا هنام أنا أصلا نعسانة.. وعلى فكرة أنا بعرف أرقص شرقي، أنا قولتلك لا زمان علشان كنت محرجة
_ لا لا خلاص فاكس صحابي، انا قلت عايز أقعد مع صحابي؟ اوعي تنامي بالله عليكي أنا مسافة السكة وهتلاقيني ادامك

ابتسمت ابتسامة انتصار وردت:
_ بسرعة علشان مش قادرة استنى اكتر.. سلام
_ سلام يا دلوعة..

قالها وانهى المكالمة وتحمس للغاية وابتسم ابتسامة عريضة، ثم طلب رقم أحدهم ووضع الهاتف على أذنه وأخذ ينتظر الرد.. استجاب أسر لمكالمته ورد:
_ إيه يا ويل وينك؟
_ مش جاي يا أسر للأسف حصل موقف كده طارئ في البيت ولازم أروح
_ موقف إيه ده يا وليد ؟!
_ موقف زي المواقف يعني
_ وليد انت بتكدب صح؟
_ صح
_ امم، يبقى قول بقى مروح ليه؟
_ شاهستا عايزاني
_ هي شاهستا دي اشترتك بكام؟ بجد من ساعة ما اتجوزتها واحنا مش بنشوفك
_ بتحبني يا عم الله!!
_ بتحبك؟!
_ اه متغاظ ليه انت؟!
_ أنا اللي هشيل خشبتك يا وليد مش هي
_ هعملها بعجل ولا الحوجة ليك
_ماشي، أبقى اكتبها في الوصية، قولهم ديك النهار قولتهم عايز خشبتي بعجل
_ إيه ديك النهار دي؟ أسر انت بقيت سوقي كده من امتى؟
_ سوق الجمعة ولا التلات! هاهاها
_ انت ورثت خفة الدم مني؟
_ أيوة أومال، المرء على دين خليله
_ طب اتكل على الله بقى يا أسر علشان مش طايقك
_ ماشي ماشي وخلي شاهستا بتاعتك دي تنفعك
_ أيوة هتنفعني، غير انت مني وولع
_ غور ياض، أنا هروح أقعد مع مراتي أنا كمان
_ أيوة كده، كل واحد يروح لمراته تلمه أحسن..
           *******
تجهزت شاهستا وانتهت من إعداد شعرها ولبسها ولم يبق سوى أن تضع أحمر الشفاه، وقفت أمام المرآة وأخذت تضعه وما إن انتهت، حتى ابتسمت لنظيرتها في المرآة في ثقة وطبعت قبلة صغيرة على زجاج المرآة حيث قبلت نظيرتها، ثم ابتسمت تارة أخرى وتحدثت:
_ إيه يا بنتي كل الحلاوة دي!! ماشفتش في جمالك والله

قالتها وابتعدت عن المرآة قليلًا وامسكت بالهاتف وطلبت أحدهم وأخذت تنتظر الرد..
_ ألو يا شاهستا؟
هتفت آية
_ ازيك يا آية عاملة إيه ؟
_ الحمدلله مش عارفين هنشوفك امتى يا ست شاهستا
_ خايفة يا آية خايفة أوي
_ من إيه بس؟
_ من إني اسيب وليد لحظة واحدة بعيد عن عيني، حاسة إن عمر هيعمل حاجة، أنا بقالي كتير مش برد عليه وقلقانة أوي، حساني عايزه أربط وليد من ايديه ورجليه وافضل مخلياه جمبي كده علشان اضمن إن محدش هيقوله حاجة
_ شاهستا انتي ماينفعش تفضلي عايشة في القلق ده، لازم تعترفي لوليد
_ اعمل إيه ؟ لا لا صعب أنا خايفة
_ شاهستا انتي ماعملتيش حاجة اه كدبتي ولكن انتي اتغيرتي ومفضلتيش مع عمر لحظة واحدة ووليد لو بيحبك لازم يسامحك
_ اقفلي اقفلي وليد جيه
_ طب يلا سلام زي ما قولتلك بقى باي
قالتها وانهت المكالمة
_ دلوعتي انتي فين؟
يهتف وهو يتجه نحو غرفة النوم، وما إن خطى خطوة واحدة نحو داخل الغرفة حتى وجدها تقف متهيأة له، أطلق صفيرًا عاليًا واقترب منها ممسكًا بيدها وأخذ يلفها مرة تلو الأخرى، تبتسم ويتطاير شعرها في شكل دائري وايضًا حواف الفستان، هتف وهو يرمقها من أعلى إلى أسفل:
_ إيه القمر ده كله؟ يا بت واحدة واحدة على قلبي وعقلي مش عارف يستوعب كل الجمال و الحلاوة دي
_ أقل حاجة عندي
_ بجد ؟
_ اممم
_  te quiero     يا دلوعة
_ يعني إيه؟
_ يعني بحبك بالإسبانية بقى مش كل شوية تنسي.. يلا يا حلوة أنا اللي هدير ليلة النهاردة
_ ديرها، أعمل كل اللي انت عايزه..
_ ارقصي الأول، خلينا نتحمس زيادة
_ هرقص على مولانا صلي ولا إيه ؟
_ لا على الطبلة ، أنا هطبلك، بتعرفي ترقصي على الطبلة ؟
_ أستاذة يا بيبي
_ الله أكبر عليكي بجد، فرجيني بسرعة
قالها وأحضر الطبلة وجلس على السرير ورفع أكمام قميصه ليستعد، واردف:
_ جاهزة ؟
_ أيوة يلا
أخذ يقرع الطبلة في حركات منظمة واحترافية، اخذت ترقص بشكل منظم يسير مع الإيقاع، تهز خصرها وترفع شعرها إلى الأعلى، وتتمايل عليه أثناء رقصها، يتابع قرع الطبلة وهو معلقًا بصره على حركات جسمها الفاتنة الجذابة...
               ******
_ خش يا أسر اتفضل يا حبيبي
هتفت هدى وهي تستقبل أسر داخل منزلها
_ ازيك يا طنط أخبارك إيه ؟
_ الحمدلله يا حبيبي، ادخل هناديلك زينة أهو
_ تمام
قالها ودخل الغرفة ينتظر مجيء زوجته.. دقائق دخلت زينة وهي تلقي عليه السلام ثم جلست، نظر إليها في تعجب واردف:
_ طب يا بت هاتي حضن طيب، إيه الاستقبال ده؟ بايت في حضنك أنا ؟
_ لا بتكسف
_ يا بت، استني هقوم علشان اعلمك ازاي ماتتكسفيش
_ يوه بردو بتكسف
قام من مكانه وأخذ يقترب منها، وأثناء اقترابه، نادت عليها أمها في صوت عالي، أبعدته زينة عنها وردت في ابتسامة ساخرة:
_ هروح اشوف أمي
قالتها وذهبت، يتبع أثرها وتمتم:
_ روحي ياختي شوفي أمك، جتك القرف..
عاد إلى مكانه مرة أخرى وسمع صوت هاتفها يصدح ( هاتف زينة) لم يهتم بالأمر ولكن الهاتف لم يتوقف، اقترب وألقى نظرة على شاشة الهاتف ليرى من يتصل، فوجدها أمه، استقبل المكالمة وهتف:
_ إيه يا ماما، عايزة إيه من مراتي ها؟
_ كنت بتصل بيك وانت مش بترد وأنا قلقت عليك، روحت قلت أكلم مراتك اشوفك عندها ولا لا
_ آه يا حبيبتي أنا هناك، باين بقى تليفوني فصل شحن، هشحنه
_ ماشي يا حبيبي ، أبقى سلملي على مراتك
_ هيوصل سلام
أنهى مكالمتها، وأمسك بالهاتف حتى يضعه مكانه تارة أخرى، ليتفاجأ برسالة قد رآها عن غير قصد من حنان مكتوب بها:
_ اتمنى بقى تنسي وليد وتفضلي مركزة مع جوزك زي ما اتفقنا، وآه أنا متفقة مع كل اللي قولتيه

هكذا كانت الرسالة التي قرأها.. جحظت عيناه، وانزل الشاشة حتى يرى ما أرسل ولكنه فشل في أن يجد الباقي، الهاتف مغلق ويطلب منه كتابة الرقم السر، جن جنونه، يود أن يفتح ذلك الهاتف الآن ليقرأ تلك الرسالة التي أثارت فضوله وإصابته بالصدمة والجنون، وبينما هو يحاول ويجرب وضع أرقام عشوائية لعل الهاتف يفتح، وجدها تدخل الغرفة وهي تحمل الصينية فوقها اطباق من الحلويات المختلفة، نظرت إليه وإلى هاتفها الذي كان في يده واردفت في توتر:
_ هو..هو.. هو فيه إيه ؟؟ مال وشك عامل كده ليه؟؟
               ******
بس كده متنساش تقول رايك وتوقعاتك واتفاعل، وافتكروا إن باقي فصل واحد وينتهي الجزء الاول من الرواية
دمتم بخير
سلمى خالد احمد

الجعة يشوبها الأخلاق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن