قد تؤذي احدهم من دون تفكير، فهل انت مستعد للقصاص؟ فالديون يجب ان ترد، وحين يأتي يوم السداد لن تفعل شيء غير الصمت و الندم.
فهل سيعجبك شعور ضحاياك؟!.
اقترب اخيرا موعد عيد ميلاد سهم الثالث عشر لم يكن متحمسا كالعادة ولكن هذا لم يمنع شاهين وبعض اصدقائه و أصدقاء مروان و غدق من تجهيز هداياهم، فبالرغم من بساطة العيش في القرية الساحلية كان الكبار يحاولون قدر استطاعتهم توفير الهدايا للصغار ومحاولة اسعادهم .
كانا يتسابقان جريا كعادتهما للوصول الى السيد عجرم ليأخذا القطيع للمرعى، وقف سهم ليلتقط انفاسه و هو يضحك بصعوبة وبعد لحظات وصل رامي الذي انحنى واضعا كفيه على ركبتيه ويتنفس بسرعه « اخبرتك اني سأسبق كالعادة يا رامي، انصحك ان تتوقف عن مسابقتي»
« لا... سأستمر بمسابقتك» ثم رفع راسه وهو لا يزال يلهث « هل تعلم لقد اصبحت اسرع من ذي قبل» واطلقا العنان للضحك « حسنا، قد ينفعك هذا التدريب بالهرب» واستمر بالضحك، ولكن رامي تجهم «تبا لك، يا سهم» وعاد سهم للضحك مجددا، ترك رامي صديقه يضحك واتجه صوب الحظيرة، فوجدها خالية من الاغنام وقف متحيرا «اين القطيع؟» حاول سهم السيطرة على ضحكه قليلا
«ماذا تعني؟ أليس في الحظيرة؟»
« كلا، الحظيرة فارغه»
«ماذا؟» واختفى الضحك ليحل محله القلق فتوجه بسرعه ليرى الحظيرة فارغه،اخذا يجولان بنظرهما في الحظيرة بحثا عن الاغنام قبل ان يقاطع حيرتهما صوت قادم من خلفهما
« لقد عهدت بالقطيع لولديّ يامن و ريكان،» كان صوت السيد عجرم «خذا هذا اليوم عطلة» وصل قريبا منهما فاستدار الاثنان نحو السيد عجرم «مرحبا سيدي»
«مرحبا سيدي»
« مرحبا ايها الفتيان،» ثم مال برأسه باتجاه سهم مع ابتسامة « كل عام وانت بخير، سهم»
«شكرا سيدي، رغم اني لا اكترث للامر» قالها بصوت منخفض كأنه يشعر بالخجل،
«لا تقل هذا» وانتصب بوقفته والقى بنظرة فاحصة سريعه على القرية « عليك استغلال كل فرصة مواتية للسعادة» ثم ركز بنظره على الطريق الوحيد الرابط بين القرية والمملكة « لا اعلم لكن اشعر ان هناك امور سيئة ستحدث» كان الاثنان يحدقان بالسيد عجرم بأستغراب وتسائل، نظر اليهما مجددا «على الجميع الاستعداد والحذر مما هو قادم»
«ولكن ماذا تعني سيدي؟» تسائل رامي، اطلق زفيرا قبل ان يجيب « انا لا اعرف، لكني كصياد اتبع حدسي دوما، وحدسي يخبرني هذه المرة ان هناك شيء سيء سيحصل» ثم ارتسم شبح ابتسامه على وجهه وهو ينظر لسهم « عليك ان تغتنم كل لحظة سعيدة، فقد تكون زادك يوما ما... هيا اذهب يا فتى العيد وامرح قدر ما تستطيع» و ربت بلطف على كتف سهم قبل ان يغادر. بقي سهم ورامي في حيرة مما قاله السيد عجرم،
« حسنا، اين سنذهب؟» قال رامي ثم التفت لسهم «يا فتى العيد» تجهم وجه سهم « فتى العيد! حسنا لنذهب الى الشاطئ أيها البطيء» ما ان انهى جملته حتى انطلق نحو الشاطئ، ليلحق به رامي سريعا.
كانت السيدة مها و بعض النسوة من صديقات «غدق» يجهزن بعض الاطعمة و يعلقن الزينه، في حين كان الجد شاهين وصديقه جهاد وبعض الرجال يجهزون كراسي اضافيه و ينهون بعض الاعمال التي تحتاج للقوة ، كان الجميع يتبادلون الاحاديث القصيرة ويستذكرون بعض ذكريات فتعلو اصواتهم بين فينه واخرى بالضحكات. في حين كان الصبية والفتيات يتراكضون هنا وهناك مستمتعين باللعب في المنارة التي قلما يدخلونها، ثم علت هتافات الصغار يعلنون عن وصول كعكة العيد التي اعدتها السيدة شادن ليعلو معها التصفيق وصيحات الفرح.
كان سهم يرمي بالحصى بطريقة تجعلها تتقافز على سطح الماء مكونة موجات صغيرة متحدة المركز تتداخل في ما بينها قبل ان تستقر تلك الحصيات في عمق الماء، بينما كان رامي يلتقط بعض الاصداف والمحار « ماذا تفعل؟»
« اجمع بعض الصدف»
«لأي غرض؟»
« لا شيء، لكنها تبدو مميزة عن الاخرى»
«ماذا؟ مميزة عن الاخرى كيف؟»
«اجل، فبعضها كبير جدا وبعضها لها شكل مختلف، انظر لهذه انها تبدو حمراء»
نظر سهم للقوقعه وكانت تبدو حمراء فعلا « انت مجنون يا رامي»
«ماذا؟ لماذا تظنني مجنون؟ انها جميلة فعلا »
«هذه الاشياء تستسيغها الفتيات فقط»
ثم انتبه سهم للامر فتوقف عن رمي الحصى واتسعت عيناه بتعجب وهو ينظر لرامي الذي بقي يتفحص تلك القوقعه « رامي، هل تحب فتاة؟»
«ماذا؟» واحمر وجهه خجلا « كلا كلا ماذا تقول يا سهم» قلص سهم عيناه وهو يحدق بصديقه المرتعد « اخبرني بالحقيقة يا رامي»
« لقد اسأت الفهم.. » بتوتر كبير « انها فقط،حسنا،» هدا قليلا قبل ان يكمل« انها لرولا، لقد كنا نجمعها في كل مرة نخرج فيها للشاطئ، مضى وقت طويل لم تخرج فيه للشاطئ، فأردت ان احضر لها هدية من الساحل » اختلطت مشاعر سهم فلم يعرف هل تفكير صديقه ينم عن المسؤولية ام الغباء؟، عاد ليواجه البحر ليكمل رمي الحصى لكنه توقف، طرأت على رأسه الكثير من الامور اجوان ، جده ، التجنيد، وما ستؤول اليه حاله بعد عامين، ثم تذكر كلام السيد عجرم « كصياد اتبع حدسي دوما، و حدسي هذه المرة يخبرني بشيء سيء سيحصل»
«ماذا تظن انه كان يعني؟» والتفت ناحية رامي « اعني السيد عجرم»
« انا لا اعرف لكن اظن انه يقصد التجنيد، فأنت تعرف ان الحرب لا تزال مستمرة» طأطأ سهم رأسه واطلق زفيرا طويلا « هل تعرف بأن والدي قد مات» بهت رامي واجاب بصوت متقطع« كيف... عرفت؟... من اخبرك.... بـ بهذا؟» رفع سهم رأسه ثم نظر لرامي الذي كان يحدق به « كنت تعلم؟»
« حسنا، تقريبا جميع اهل القرية يعلمون؟ لكن.. الجد شاهين طلب اليهم عدم اخبارك» ثم اكمل بقلق« هل انت غاضب مني؟» هدأ سهم «لا لست غاضبا.. ولكن واقع الامر اشعر بأني غبي، فلم يبقى احد بالقرية الا واخبرته بأن ابي سيعود، ولكن الجميع كان يعرف الحقيقة» اطلق بعض التنهيدات ثم قال « لقد اصر جدي على الاحتفال بعيد مولدي رغم اعتراضي الشديد» قالها بصوت خفيض« انا حقا لا اعرف ما المهم بعيد الميلاد»
« ليس مهما ان يكون هناك سبب ، لكن اعتقد انه من الرائع ان يحضى جدك بالرفقة وبعض المتعه، فهو لا يفارق المنارة ، وبالكاد يجتمع بأصدقائه، تخيل انها حفل لم شمل لجدك واصحابه و ليس من اجلك انت»
« حسنا، التفكير بهذه الطريقة يجعلني ارغب ان احتفل بمولدي كل اسبوع» وضحك الاثنان
« هذا سيجعلني اتناول الكثير من الكعك والحلويات « عندها سيزداد وزنك وستصبح ابطأ» قال ضاحكا
ثم رمى الحصيات من يده وتوجه خارج الماء ليلف ذراعه حول كتف صديقه و يسيرا جنبا لجنب متجهين للمنارة،
« حقا سهم.. لم انت سريع هكذا؟»
«لا اعلم.. لكن حين افكر بالامر أشعر كأنما والداي علما بأني سأكون الاسرع لذا سمياني سهم»
«انت تختلق هذا» ضحك سهم « هل ستأخذ كل هذه القواقع والاصداف؟»
«اجل، ستسعد بها رولا».
كان الجميع يغني و بعض الفتية والفتيات يتراقصون على انغام الالات الموسيقية وعزفها ثم احضروا كعكة الميلاد و علا التصفيق مع قطع سهم لاول قطعة ثم بدأت مرحلة تقديم الهدايا التي كانت معظمها اشغال يدوية تنم عن طيب قلب صانعيها لبذلهم الوقت والمجهود لصنعها، كانت الضحكات تعلو في انحاء المنارة، حتى، تقدمت أجوان وهي تحمل علبة مربعة متوسطة الحجم وسلمتها لسهم كهدية ميلاده، كان سهم مستغربا تلك الهدية فارسل بنظراته المستغربة لأجوان ثم لجده الذي بدا عليه الاستغراب ايضا لكنه اشار لسهم ليفتح العلبة وما ان فتحها حتى تجمد كأن تيارا كهربائيا مرّ من خلاله
كانت دميته الوحيدة التي صنعتها له والدته غدق وقد قطعت اطرافها ورأسها ووضعت بالعلبة بعبثية، رفع راسه بهدوء نحو أجوان وقد بدأت دموعه بالتجمع في عينيه وسرت رعشة في جسده وقال بصوت مرتجف متقطع «لـــماذا؟» نظرت اليه بأبتسامتها الخبيثه وقالت « ماذا؟ هل ستبكي لأجل هذه الدمية القذرة؟» ثم اطلقت ضحكات عالية وهي تشير بأصبعها لسهم الذي انحدرت دموعه على خديه « ظننته اصبح كبيرا على اللعب بالدمى» واكملت ضحكاتها الساخرة« لقد رميت جميع العابي وانا اصغر منك، اخبرني سهم، هل تحتضن هذه الدمية حين تنام؟» عندها ضحك بعض الفتية والفتيات على تعليقات أجوان، كان الكبار في حالة شبه الصدمه وهم يراقبون ما يحدث، في هذا الوقت تقدم شاهين نحو سهم ليرى حال الدمية المقطعه « سأصلحها لك» ما ان انهى شاهين جملته حتى ارتفعت ضحكات أجوان مجددا « نعم يا جدي،، ارجوك اصلحها فقد لا ينام سهم مجددا»» استمرت بالضحك الامر الذي جعل ضحكات الفتية يزداد « حسنا، حتى تنهي اصلاحها عليك ان تنام في غرفة سهم لانه قد يصحو ليلا فلا يجد دميته القذرة فيبدا بالبكاء» وارتفع صوت الضحكات اكثر، لكن الاهالي صاحوا بأبنائهم وامروهم بالتوقف، ثم تقدموا لشاهين واعتذروا له وبعضهم جدد امنياته بالسعادة لسهم وغادروا.
جلست أجوان على الكرسي قليلا لتلتقط انفاسها بعد ضحكها المتصنع ثم قالت « الآن عاد الهدوء للمنارة يمكنني ان انهي واجباتي بسلام» ثم نهضت وتوجهت نحو الاعلى، وقبل ان ترتقي السلم جاءها صوت سهم « لماذا؟» توقفت مكانها و لم تستدر « اجيبي لماذا؟» صرخ بقوة « ليس عليك ان تصرخ، كانت دمية قذرة و كان عليك التخلص منها منذ فترة طويلة، لقد اديت عنك هذه المهمة» ثم اكملت طريقها للأعلى، القى سهم العلبة وحاول مهاجمة أجوان وتلقينها درسا، لكن شاهين امسك به ومنعه بمساعدة رامي وبعد عدة محاولات لم يتمكن من المساس بها اخذ يصرخ بأعلى صوته « عليك اللعنة ايتها الشيطانة، اكرهك، انا اكرهك، موووتي موووتي»»
ثم سمعوا صرير باب غرفتها يغلق، اما سهم فلم يحتمل البقاء اكثر فخرج راكضا بسرعة كبيرة ودموعه تتقاطر من وجهه،
« رامي، بني الحق به» قال شاهين وهو يضع يده على صدره بعد ان اعياه محاولة الامساك بسهم
« حسنا يا جدي» وانطلق رامي خلف سهم.
بعد بضع دقائق استعاد شاهين انفاسه ووجه نظره نحو الاعلى حيث أجوان، كيف سيتعامل مع هذه الفتاة، بعد لحظات كان يقف داخل غرفتها و يراقبها وهي مشغولة بحل واجباتها، سار خطوات نحو سريرها ليجلس، اسند مرفقيه على ركبتيه، وقبل ان ينطق جلس معتدلا« ما هذا الذي فعلتيه، يا أجوان»
«ماذا؟» اجابت وهي لا تزال تكتب ولم تلتفت،«لم مزقتي دمية اخيك؟»
« أظنني اوضحت السبب»
«ليس من حقك ذلك» رفع صوته بقوة، توقفت عن الكتابه واستندت لكرسيها « هذا رائع! وماذا بعد هل ستضربني الآن؟» نهضت من مكانها وتحركت باتجاه النافذة المطلة على القرية وطريق المنارة « انه حقا فتى محظوظ، فهو محبوب من الجميع، من جده، ومن رفاقه، وربما من الحيوانات ايضا» شعر شاهين بغيرة أجوان
« وانا احبك كثيرا» رد عليها بسرعة
« تحبني!! هذا الأمر ممتع للغاية، حسنا جدي» ثم استدارت نحو جدها وارتسمت ابتسامة متصنعة على وجهها « لما اعطيت كتابي والدتي ورسومها لسهم و لم تمنحني شيء منها؟»
تلعثم شاهين ولم يجيب،
« كم كان عمر سهم حين أأتمنته على ما تبقى من ذكريات أمي؟» لم يرد مجددا واكتفى بالتحديق بوجهها الذي خلا من اية تعابير
« وأبي، لقد سمعت انه كان مولعا بالفراشات وكان يحتفظ ببعضها محنطة، انا متأكدة ان فراشات ابي بحوزة سهم ايضا»
« انت محقة سأحضر لك بعض من أشياء والديك» وهم بالنهوض محاولا استدراك الأمر، لكنها بادرته وهي تتجه مجددا لكرسيها
«لم أعد مهتمه، فليحتفظ بها جميعا» وامسكت بقلمها وعادت للكتابة، بقي شاهين ينظر اليها من مكانه، لقد بالغ بالاهتمام بسهم ونسي أجوان، تقدم خطوات بأتجاه الباب ليغادر الغرفه وما ان امسك بكوة الباب حتى سمع صوتها مجددا
« جدي، لا تدخل غرفتي مجددا دون استئذان» اتسعت عيناه والتفت اليها، ادارت جسدها جزئيا لتقع عيناها على جدها
« الست تستأذن من سهم قبل دخول غرفته؟» ثم عادت لتكمل ما تكتب متجاهلة الحالة التي وضعت بها جدها، اما شاهين فغادر دون كلمة واغلق الباب خلفه .
كان سهم ينطلق بسرعة غير منتبها الى اين تقوده اقدامه وصيحات رامي خلفه يطلب منه التوقف لكنه لم يعره أي أهتمام واستمر بالركض، حتى سمع رامي يصرخ « سهم.. توقف.. انتبه ايها الأحمق»
وقبل ان يفهم كلام رامي تعثر و تدحرج لم يتمكن من السيطرة على نفسه واستمر بالتدحرج حتى وقع في مياه الخليج.
أنت تقرأ
اسرار الظلام
Fantasyقد ترمي بك الاقدار في مغامرة لم تعد لها العدة، فماذا ستفعل هل ستواجه ام تخضع،؟ دائما ما كان يطل من نافذة غرفته على الغابة المظلمة وهو يتخيل عالما سعيدا هناك، ولكن، تحول حلمه الجميل الى كابوس مرعب حين اخبره شاهين ان الجيش الملكي عثر على جثث الصيادين...