الثأر

18 4 0
                                    

كانت صدمة شاهين برؤية اجوان لا توصف،  بينما بقيت هي مرتبكة لا تعرف ماذا تفعل او تقول ، كان مظهر شاهين في تلك اللحظة كافية ليشفي غليل داغر الذي ابتسم منتصرا، ويستعيد هدوئه وقال وهو يجلس « الان يا شاهين ليس لديك حل آخر غير ان تسلمني سهم»
«لا لن افعل»  وظهر الغضب الذي لم تشهده أجوان سابقا في حياتها ليندفع شاهين نحوها ويصفعها بقوة وقعت على الارض من شدة الضربة و قد طبعت اصابع شاهين على وجهها، تحركت لتنظر لجدها الذي اصبح شخصا اخر بالنسبة لها وهو يرمقها بغضب،«كنت مخطئا حينما دللتك يا أجوان، كان سهم محقا، انت شيطانة» ثم غادر الغرفة ليعود لسجنه، نهضت من مكانها وهي تبكي بمرارة وبدت وكأنها تفقد قوتها، وغادرت دونما حرف، دخل شاهين الغرفة وهو يستشيط غضبا، تجمع الرجال حوله وهم يتسائلون عن ماذا حدث جلس في مكانه وهو يعصر كفيه بقوة «كانت اجوان، هي من اخبر ذلك المرتزقة بأمر سهم» بغضب مكبوت وربما كان يتوعد أجوان بعد ان يفرج عنه،  صدم الجميع بما سمعوه، كيف تفعل شيئا كهذا؟
« لا تغضب يا شاهين،  لا تزال طفلة»
ليصرخ بغضب مستنكرا «طفلة!؟  هل تعي ما تقول حقا يا سنان؟؟»  اشار فواز لسنان ان يلتزم الصمت عاد شاهين لجلسته وقد اختلفت الافكار في رأسه بين انقاذ سهم ومعاقبة اجوان،
« احسنت يا هزيم، انت تحرز تقدما،  سيكون لك يوما ما دكانك الخاص»
« حقا يا خالي؟» اجاب هزيم بسعادة
« اجل»  اجاب أدهم بثقة « يوما ما ستكون اعظم حداد على الاطلاق و ستكون افضل صانع سيوف في المملكة كلها»
« اجل، وسأصنع الكثير من السيوف للجيش واحصل على نقود كثيرة، عندها لن تحتاج للعمل»
«ماذا؟»  استغرب أدهم « لن احتاج للعمل! ولكن ماذا سأفعل ان لم اعمل؟»
«تنام»  اجاب هزيم ببراءة
«انام؟»  رد أدهم مستغربا و ترك المطرقة من يده وهو ينظر بأستغراب لهزيم
« اجل لقد سمعت السيد منير يقول انك اصبحت بدينا»
«ماذا؟ انا بدين؟»
«اجل وسمعته يقول ان الوقت الوحيد الذي لا تأكل فيه هو عندما تكون نائما»
ليقهقه أدهم وهو يقول « اللعنة عليك يا منير»
أعاد هزيم من سرحانه بذكرياته مع ادهم صوت القرش وهو يسأله ان كان بخير، تنهد قبل ان يجيب «نعم، انا بخير» هز القرش رأسه وجلس لجانب هزيم «قل لي يا قرش»
«همم»
« ما قصة العرندس؟» نظر القرش اليه «ما هذا الفضول المفاجئ؟»
«لقد رأيته يغضب سابقا لكن ليس كغضبه حين تحدثنا عن مرتزقة الملك»
«حسنا يا صديقي، اسمع على الحدود جنوب المملكة كانت هناك قرى وهذه القرى الحدودية قرى ضعيفة وفقيرة لذا لا يهمهم مصدر رزقهم المهم انهم يأكلون،  وهذا ما سبب لهم البلاء»
«ماذا تعني؟»
«لقد كانوا يتاجرون مع القرى الاخرى، قرى (مملكة أمجر) لذا اتهمهم الملك بالخيانة»  سكت القرش قليلا ثم اردف «كانت مجزرة كبيرة تم تدمير خمس قرى ولم ينجو منها الا القلة»
«والعرندس؟»
«احد الناجين،كان في الحادية عشر من عمره حينما،  قتلت عائلته جميعها امام عينه، ولم يكتفوا بذلك بل  علقوا الجثث و اضرموا فيها النار كتحذير لباقي القرى » كان هزيم يراقب صديقه وهو لا يتصور وحشية المنظر،  ادار وجهه ليراقب الافق و سرت فيه رعشة الغضب،  عندها اومأ القرش لعطوة  الذي كان يضع مأزر المطبخ ويحمل بيده مغرفة كبيرة ويتحدث للبحارة « عطوة كان متزوجا ولديه ثلاثة بنات ولكنهم اخذوه للجيش، و في احدى المرات كان في مأمورية،  وكانت قريته على طريقهم، لذا اقترح الضابط ان يبيتوا تلك اليلة في القرية في بيت عطوة قبل ان يكملوا الطريق»  اطرق القرش رأسه وهو يضغط على قبضته بغضب «كانت ليلة مشؤومة لعطوة،  لم يتمكن من حماية عائلته، لذا طارد تلك الفرقة وقتلهم جميعا، وأرسل عائلته لمكان أخر ليبعدهم »  نظر القرش لهزيم « انه يرسل كل ما يجنيه لهن ويذهب سرا لينظر لهن من بعيد لكنه لا يجرأ ان يقف امامهن،  لا اعتقد ان اي رجل سيستطيع ان يضع عينه بعين عائلته بعد ان فشل في حمايتهم» تنهد القرش وصمت قليلا، حينها سمعوا صوت المراقب « ما قصة المراقب، انا معكم منذ سنتين ولم اعرف اسمه قط»
«لا أحد يعرف»
«ماذا تعني؟»
« لم يقل اسمه ابدا، أظن انها طريقته لمعاقبة نفسه بان يصبح، لا أحد»
« لم افهم!» تنهد القرش وقال
« المراقب كبقية افراد الطاقم،  ضحايا جرائم فرق الحرس الملكي، حسبما سمعت من القبطان انه تم تعذيب والديه امامه بابشع الطرق وهو لم يفعل شيء لشدة خوفه، وجده القبطان في زريبة الاغنام، وقد واجه صعوبة كبيرة في البداية لإخراجه من هناك، لان الخوف كان مسيطرا عليه تماما لدرجة انه رفض الهرب، لكن القبطان افقده وعيه واخذه بالقوه، وبعد عام عاد به لقريته، ساعدناه في قتل تلك الفرقة، لقد قتل ثلاثة بنفسه»  ثم اشار القرش لعنقه وهو يقول « لقد ذبحهم بخنجر وهو يصرخ ويبكي كان مشهدا مؤلما لنا جميعا، أظن انه تذكر كيف ذبح والداه، أحتضنه القبطان بقوة وبقي يخبره انه انتقم لوالديه،  منذ ذلك الوقت وهو معنا ولكنه يرفض ان يقول اسمه» 
بعد سماع هزيم تلك القصص، تبادر له سؤال
«قرش، لماذا لم تخبروني بقصصكم من قبل هل كنتم تشكون بي»
«لا اخفيك سرا، اجل، ولكن لا تفهم الامر خطأ انهم يحبونك لكن لم يكونوا يثقون بك»
«لماذا؟»
«لانك ربما لن تفهم دوافعنا» اجاب عطوة من خلفهم واقترب وجلس معهم « لكن دعني اقول لك نحن اسفون»  ونظر لهزيم « لقد وثقت بنا وكان هذا واضحا حين قلت انك ستقتل الضابط، اي رجل اخر ماكان ليقول هذا امام اناس لا يثق بهم،  لكنك وثقت بنا ونحن لا،  لذا نحن اسفون»  ابتسم هزيم بوجه عطوة وربت على كتفه « لا بأس، لست غاضبا منكم»
«اخبرني يا عطوة» قال القرش« هل كنت تسترق النظر لهزيم عندما كان يطبخ؟ طعامك اصبح افضل»  «تبا لك ايها الصعلوك» ليضحك هزيم والقرش بينما  بان الغضب على عطوة ونهض ليذهب قبل ان يكمل « اجل، كنت استرق النظر »،
في نيموبا استيقظ الاهالي على صراخ وبكاء بعد ان عُثر على جثة كنان في بيت جهاد، كانتا زوجته وابنته ريحان لتنظم لهن باقي النسوة في البكاء والنحيب ورغم فورة الغضب و السخط المسيط على الاهالي الا انهم لم يكونوا ليواجهوا تلك العصبة المجرمة فاكتفوا بمراسم الدفن والعزاء، و انتشر الجنود في القرية استعدادا لمواجهة اي عصيان،  اجتمع الاهالي في بيت جهاد وهم يتسائلون عن اسباب قتل الضابط كنان، عندها نهضت السيدة جهينة والغضب يقدح في عينيها وهي تمسح دموعها بقوة،تقدمت نحو الباب لينهض الجميع ويسالها احدهم «الى اين يا سيدتي؟»
« الى ذلك الكلب اريد معرفة اسباب قتل زوجي»
توجه الاهالي معها لمقر الحرس اصطف الجنود وهم على استعداد للمواجهة، وقفت السيدة جهينة بقوة وصرخت « اخرج،اخرج الان يا قائد داغر»
كان داغر يراقب الاجواء غير ابه لما يحصل،فخرج بكل هدوء ووقف امامهم وهو يتظاهر بالنعاس
«ما الأمر؟ لما انتم مجتمعون هنا؟»
«ما الامر؟!» ردت السيدة جهينة باستغراب «لقد قتل زوجي كنان وانت تقول ما الأمر!؟»
«اه، اجل، تعازيّ لك، لا تقلقي،لقد قبضت على القتلة» واشار بكفه ليرحلوا و هم بالدخول، لتصرخ السيدة جهينة به مجددا
«هل انت احمق؟ اقول لك قتل زوجي وتتصرف امامي ببرود هكذا؟»غضب القائد داغر واحمر وجهه ولكنه سيطر على نفسه ليرد عليها « اسمعيني يا سيدة،انا اقدر موقفك وحالك ولكن لا تتمادي، مفهوم؟ فلا زال لديك من تخشين عليه» واشار لطفلها الذي تمسك بثوبها «لقد قبضنا على الرجال الذين قتلوه وسيعدمون جراء تلك الجريمة وانتهت القصة » ورمق الجميع بنظرة غضب وعاد الى الداخل، ليقف نائبه مضر ويكمل عن سيده « ان خسارة الضابط كنان خسارة مؤلمة وفادحة ولكننا نعدكم بأننا سنحقق العدالة له»
«و من قتله؟» صاح احد القرويين
« شاهين وجهاد وفواز وصفوان وعجرم لقد اشتركوا جميعا في قتله  » ليصرخ الجميع «هذا كذب انهم اقرب اصحابه» غضب النائب لكنه تمالك نفسه وقال «نعم اعرف،اعرف،وهذا ما يجعلها جريمة بشعة،لكن ربما كانوا سكارى نحن نحقق بالجريمة»
«لكنهم غير مدمنين ولا يشربون الخمور!؟ » نادى اخر،ليمتعض النائب اكثر وصاح « قلت اننا نحقق بالجريمة والان انصرفوا لاعمالكم» وما ان صرخ حتى قدم الجنود حرابهم باتجاه الاهالي،  تقدم احد الرجال للسيدة جهينة «دعينا نعود فبقائنا هنا لن يكون نافعا» عادت السيدة جهينه ويتبعها باقي اهالي القرية،في تلك اللحظات كان يامن و ريكان يراقبان عن بعد وفي الوقت الذي انهى القائد داغر كلامه ودخل للبيت انسحب الاخوين بهدوء وما ان ابتعدا حتى انطلقا نحو الجبال يبحثان عن سهم و نائل، وفي عقبيهما انطلق شخصان آخران خلفهما واحدا بعد اخر،
في الكهف كان سهم ونائل ينتظران وقد بدا القلق يسيطر عليهم فكان يجب ان يلتقيان بالسيد كنان بالامس لكنه لم يحظر،
«نائل انا قلق»
«وانا ايضا يا سهم»
«ما رأيك ان نذهب لنستطلع الاخبار؟»
«فكرة جيدة ولكن عليك البقاء هنا وساذهب انا» نظر نائل لسهم وخشي انه سيتبعه لذا قال« انهم يبحثون عنك يجب ان لا يجدوك هذا ما قاله السيد كنان» وافق سهم مجبرا، وخرج نائل من الكهف و لكنه عاد سريعا ومعه ريكان و يامن،ما ان رأهما سهم حتى عانقهما وهو يسأل عن حالهما « الحال ليست بخير يا سهم» اجاب يامن ونظر لاخيه ليكمل ريكان « لقد قتل السيد كنان»
«ماذا؟» صاح الاثنان بصدمة كبيرة،
«ليس هذا فقط،»نظر ريكان بحيرة لا يعرف كيف يخبرهما لكنهما استعجلاه البوح « لقد القوا القبض على جدك شاهين وابيك جهاد والسيد فواز والسيد صفوان وابينا عجرم واتهموهم بقتل السيد كنان»
«هذا كذب!» صاح نائل
«محال ان يقتلوه، اصلا لن اصدق ان يقتلوا احد ناهيكم عن السيد كنان»اجاب سهم بأنفعال،
«ولكن لماذا؟ لماذا قتل؟» تسائل نائل
«لقد سمعت ان السيد كنان والسيد شاهين قد خاضا عراكا مع الجنود لابد ان ذلك اغضبهم»
«اتعني انهم سيقتلون جدي ايضا» وفجأة انطلق سهم بسرعه عائدا للقرية ولحق به البقية يحاولون ايقافه لكنه لم يتوقف حتى اصطدم باحدهم ليقعا على الارض وما ان انتبهوا له حتى قال نائل
« رامي! ماذا تفعل هنا؟»
كان رامي يضع يده على راسه بسبب الاصطدام ولازال واقعا على الارض « لقد رأيتكما تغادران القرية فعلمت انكما ذاهبان لمقابلة سهم» مد يامن يده لرامي ليساعده على النهوض بينما انهض نائل سهم،« لنعد الان، علينا التحدث بعقلانية يا سهم» قال ريكان ليوافق سهم على مضض وعادوا جميعا للكهف،،،*

اسرار الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن