الغابة المظلمة

42 7 1
                                    

ارتطم بسطح الماء بقوة، تقاذفته تيارات البحر المتكسرة في داخل حدود الخليج، حاول جاهدا انقاذ نفسه، لكن قوة الامواج كانت تمنعه من التنفس وتحاول اغراقه، وخلال دقائق كانت قواه بدأت بمغادرة جسده الذي تهاوى لقاع الخليج ليفقد وعيه.
على الجانب الاخر انطلق رامي مسرعا بأتجاه المنارة وهو يلهث حتى وصل ليجد شاهين الذي تغيرت ملامحه وكان واضحا عليه الشرود.
«جد....شاهين.. يا جدي..» انحنى قليلا و هو يضع يده على الباب، انتفض شاهين بسرعه وكأنه شعر بالخطر
«ما الامر؟ ماذا هناك؟» ثم نظر للطريق خلف رامي« اين سهم؟ اجبني؟!»
لمعت دمعة في طرف عين رامي وهو يقول
« لقد سقط.. سقط بالخليج»
كانت الامواج الصغيرة المتكونة من المد والجزر تضرب جسده وتغطي وجهه حين استفاق مرهقا، شعر كأنه خرج من نزال مع ثورٌ هائج تسبب بإنهاك جسده وتنمل اطرافه، نهض مستجمعا قواه بعد ان لفظ كمية من ماء الخليج وجدت طريقها لداخل فمه، جلس قليلا ليجمع شتات عقله ويتذكر ما حصل له وبعد مضي عدة دقائق وقف على قدميه اخيرا وقد استعاد قدرا من قوته واول ما تبادر لذهنه هو العودة للمنارة، تلفت يمينا وشمالا ليحدد مكانه، وهنا كانت تتوالى الصدمات، كانت المنارة قبالته على الطرف الاخر من الخليج، هذا يعني،،، استدار بسرعة لينظر خلفه برعب شديد
« انا على حدود الغابة المظلمة» كان الخوف قد جمد الدم في عروقه وهو يتذكر احاديث جده عن الغابة المظلمة، وعن الجثث الممزقة،« هل سأكون التالي؟ هل سيتمزق جسدي هنا؟»
مضى بعض الوقت، قبل ان يعود من شروده وهو يحدق بالغابة امامه وقد وطئت اقدامه ارضها، حاول تقييم وضعه نظر مجددا للخليج
« قد كنت محظوظا حقا حينما نجوت من الغرق، من الغباء اعتماد الحظ مرة ثانية»
اعاد نظره للغابة« ومن الحماقة ان اخطو داخلها» ، فكر قليلا ليدرك خطورة بقائه على ارض الغابة والاخطر من ذلك،،، الليل الذي بدأ يسدل ستاره شيئا فشيئا. نظر على طول الساحل الفاصل بين الخليج والغابة «ليس لدي حل آخر، سوى السير على الساحل سأصل في نهاية الطريق الى.....» ثم تذكر انه لا يعرف اين سيؤدي ذلك الحد الفاصل، نظر مجددا للغابة ونظرة اخرى بأتجاه المنارة « لا اظن انهم سيشكون بوجودي هنا فيأتون لانقاذي، فأمر نجاتي من الغرق هناك محض صدفة بحد ذاته»
خلع حذائه ليفرغه من الماء وخلع جواربه وبعض قطع الثياب الخارجيه واخذ يعصرها ليخلصها قدر الامكان من الماء ثم شرع بأرتدائها وقبل ان يلبس جواربه، سمع اصوات من داخل الغابة بدت كانها دق بالارض، شعر بخوف جعلته يمسك حذائه ثم ازداد الرعب حين اقتربت منه تلك الاصوات بدت كانها حوافر خيل يصاحبها تكسر للاغصان ثم اختفى الصوت فجأة ليعلو صوت صياح مرعب انتهى سريعا بصوت أنين، لم يتمالك سهم نفسه وانطلق مسرعا وهو يحمل حذائه بيده بعيدا عن المكان.
كان شاهين ينطلق بسرعة لا تناسب من في عمره نحو الجانب المنخفض من الخليج وحيث يجتمع الصيادون بقواربهم الصغيرة وبصحبته رامي الذي انطلق خلفه مسرعا
« جهااد... جهااد.. أين انت يا جهااد؟»
كان شاهين يصرخ بصوته الاجش وهو يتصفح وجوه الصيادين الذين اهملوا شباكهم وانتبهوا لهذا المسن وصياحه،« شاهين ما الامر انا هنا» وجاء جهاد من بين تجمع الصيادين ليمسكه شاهين من كتفيه وتعلو وجهه نظرة رجاء« سهم.. لقد وقع سهم في الخليج منذ بعض الوقت.. ساعدني»
« لا بأس.. سنبحث عنه سنجده، هيا يا رجاال»
رمى الصيادين شباكهم و تدافعت القوارب داخل الخليج لتبدأ حملة البحث، فقد اعتاد الصيادون على حملات الانقاذ لمن يقع ضحية الخليج سواءا كان بشرا ام حيوانات.
ركض لوقت طويل قبل ان يتوقف ليلتقط انفاسه، جلس ليستعيد عافيته ثم انتعل حذائه بعد ان استعاد قوته قرر المضي قدما، استمر بالسير رغم الرعب الذي اجتاحه، ثم ادرك امراً، ان الغابة،،، هادئة جدا وقد خلت من اي صوت حتى صوت الطيور، عادت لذاكرته الاصوات التي سمعها قبل سويعات.. لم يكن لديه الوقت الكافي لتحليل ما سمعه فقد حل الظلام، عليه ان يجد مخبأ قبل ان تعود تلك الاصوات او مصدرها، تلفت يمنيا وشمالا محاولا طرد الفكرة من راسه لكنه اقتنع اخيرا انها الحل الاوحد،، عليه التوغل بالغابة بحثا عن ذلك المخبأ. تقدم بهدوء وبخطى متقاربه واضعا نصب عينيه ان يحافظ على الهدوء قدر المستطاع، توغل عدة امتار داخل الغابة لكنه لم يجد كهفا او شيء يختبئ فيه و بدأ الظلام يخيم، واخيرا وجد شجرة عملاقة يبدو انها سقطت منذ سنوات فالطحالب والسرخسيات نمت عليها وانتشرت بشكل كبير وجد تحتها مكانا امنا ليقضي تلك الليلة هناك، بعد بعض الوقت كان الظلام قد لف الغابة بعبائته السوداء حاول سهم اسكات معدته التي بدأت تطلق اصواتا من الجوع لكنه كان مهتما بقضاء الليله على خير بدلا من المغامرة والبحث عن الطعام فمن يعرف ماذا قد يصادف..
توقفت صيحات الصيادين الباحثين عن سهم لتنتهي جولة البحث بخيبة امل ، عادوا للشاطئ وسحبوا قواربهم ولكن قارب جهاد لا يزال في عرض الخليج وصوت شاهين مستمر ينادي على سهم، نظر الصيادون لبعضهم البعض، وقال احدهم
« لا اعتقد اننا سنجد الفتى، ففرص نجاته اصلا منخفضه»
«انت محق، ولكن سنبحث على اية حال قد نجد جثمانه»
«نعم.. نعم» اجاب بقية الصيادون.
« حسنا، مما سمعت ان الفتى لا يجيد السباحه ومن واقع خبرتي لا اظنه سينجو»
كان احد الصيادين يركز نظره على الجانب الاخر من الخليج،، حيث الغابة المظلمه،
« هل تظنون انه قد نجا؟»
نظر اليه احد الصيادين المخضرمين « اذا يجب علينا ان لا نقول انه نجا ان كان قصدك الغابة»كانت ليلة قاسية على سهم،فالارض الرطبة اسفله و شدة الجوع جعلت من النوم امرا مستبعداً، وما زادها سوءا تيارات الهواء التي زادت برودتها ثيابه المبللة، اخذ يرتعش بشدة حتى شعر ان البرد كأنما يضرب مساميره في عظامه، اخذ يراقب ما حوله بعد ان يأس من تدفئة نفسه فأنسحب من مكانه من تحت الشجرة العملاقة واخذ يتوغل بعمق الغابة اكثر متخليا عن حذره عله يجد مأوى اكثر دفئ، كانت خيوط ضوء القمر المكتمل تلك الليلة تتسلل من بين فروع الأشجار و أغصانها لتنير بعض الشيء ظلمة الغابة الموحشه، كثافة الاشجار وأوراقها الكبيرة كانت تشير الى قدم تلك الغابة التي احتضنت بعض الاشجار التي مر بها الموت اخيرا لتستلقي على ارضية الغابة سامحة لبعض الحشائش والطحالب بالنمو عليها لتكسوها باللون الأخضر، كما اطلت بعض انواع الفطر من شقوق لحائها الميت، لم يكن ملما بأنواع الفطر لذا آثر عدم تناولها خشية ان تكون سامه، احتضن نفسه بذراعيه ليحصل على بعض الدفئ وهو يسير في الغابة القديمة باحثا عن مكان ينام او طعام يسد جوعه، وفجأة سمع اصوات كأنها لحيوانات تتحرك بين الحشائش قادمة من عمق الغابة متجهة نحوه، تلتها اصوات تكسر اغصان، تجمد مرتعبا متناسيا جوعه وبرده وهو يرى كائنات بعيون لامعة صغيرة تزحف على اطرافها الاربعه بسرعه واخرى تتسلق الاشجار وتتنقل برشاقة بينها مستخدمة اطرافها، تلفت يمينا وشمالا قبل ان يتحرك بهدوء إتجاه احدى الاشجار وأسند ظهره لها و جلس القرفصاء وهو يحدق بتلك المخلوقات المرعبة،،
كانت بطول 6 اقدام، ورغم هيئتها التي تبدو بشرية الا انها كانت تتحرك على أطرافها الاربعه و تحمل نتوءات على ظهرها كورم متقيح ، كانت أطرافها الامامية تنتهي بأربعة مخالب ثلاثة اتجهت للامام ليتجه الرابع للخلف كما الابهام بخلاف اطرافها الخلفية التي احتوت على ثلاث مخالب فقط وقد خلت رؤوسها من خصلات الشعر،و لم يبدو ان عيونها الفضية اللامعة كقطع الزجاج تحت اشعة ضوء ساطع تساعدها على الرؤية، لذا اعتمدت على آذانها التي تشبه الى حد ما اذن الوطاويط الا انها أكبر حجما وقد اضهر لونها الامهق الشعيرات الدموية السوداء التي تجمعت قرب افواهها، اما انيابها متوسطة الحجم والحادة، فكانت من صفين تمركز الاول في فكيها اما الاخر فنبت من شفاهها السوداء، كانت تلك المخلوقات الصامته تسير على ارض الغابة بمجموعات كانها عصابة ، بينما تنقل بعضها متسلقا الاشجار وكلما تكسر غصن ما، كانت تلك المخلوقات تكشر عن انيابها وتتحرك بسرعه كبيرة باتجاه الصوت وما ان تتحقق من ان احدها من كسر ذلك الغصن تستأنف المسير.. كان الدم قد تجمد في عروق سهم وهو يراقب تلك الكائنات تتقدم منه تدريجيا، حاول جاهد ان يسيطر على جسده الذي يرتعد، وضع يده على فمه ليكتم انفاسه المتسارعه عندها شعر بشيء يسقط على كتفه حرك راسه قليلا وهو ينظر بطرف عينه ليجد انها ورقة شجرة، نزلت دمعة من عينه بلا شعور ثم رفع رأسه ليجد احدى تلك المخلوقات وهي تنزل للارض من على الشجرة التي يستند عليها، حاول ان يتحرك مبتعدا لكنه لم يجرأ فقد يصدر صوتا يجتذب تلك المخلوقات اليه نظر للاعلى كان ذلك المخلوق مستمرا بالنزول، اغمض عينيه بقوة وهو يتخيل كيف ستمزقه تلك المخلوقات، شعر بأقتراب ذلك المخلوق منه من خلال صوت احتكاك مخالب المخلوق بلحاء الشجرة انحنى نحو الارض ليتخذ وضعية الجنين منكمشا على نفسه كمحاولة اخيرة لتفادي المخلوق، ولكن ذلك لم يكن كافيا فقد بدا ان المخلوق ينوي النزول للارض من دون ان يبتعد عن الشجرة،« اناآسف يا جدي» كأنه يودع حياته بتلك الجملة. ومن دون سابق انذار اندفعت مخلوقات بأشكال اخرى من بين الاشجار لتهاجم بوحشية تلك المخلوقات البيض و يبدأ قتالا دمويا وحشيا بين الصنفين، فتح سهم عيناه و تسارعت انفاسه، كأن السماء فتحت ابوابها تلك الليله لتستجيب لدعاء شاهين الرابض في قارب صاحبه في عرض الخليج ــ بأن يحمي رب السماء حفيده سهم وينجيه ويعيده اليه سالما،و بعد ان انتبه من صدمته، أستغل سهم فرصة انشغال المخلوقات بقتال بعضها البعض واخذ يحبو على يديه وركبتيه ليبتعد قدر الامكان عن مكان القتال، لم يتمكن من كبح نفسه من القاء نظرة على المخلوقات والقتال الدائر، كانت المخلوقات الاخرى بعكس البيضاء فقد كانت تميل بلونها للأسود، و غطى بعض مناطق اجسامها شعر كثيف كشعر الماعز، وقد انتصبت على اطرافها الخلفية الشبيه بأرجل البشر لكنها اضخم حجما وانتهت اقدامها الكبيرة باربعة اصابع برزت منها مخالبها السوداء، بعكس يديها الضخمة فكانت تنتهي بمخلبين طويلين وبدا راسها شبيها بالبشر الى حد ما رغم عدم تملكها لعيون ، وبرزت انوفها الكبيرة والعريضة ربما ساعدتها في التقاط الروائح، وفم متسع لتبرز من اطرافه اربعة انياب بحجم 3 سنتمترات، نابين من الفك العلوي ومثلها من السفلي، واما جبينها فكان يحتوي تركيبا عضميا بني اللون يغطي الجبهة كاملا ويتخذ شكل المثلث صعودا عند نهاية الجبهة كانت تستخدمه لتسدد النطحات لخصومها البيض، وبين فينة واخرى كان احداها يطلق صراخا كانه يطالب رفاقه بالهجوم، اما المخلوقات البيض فلم تتوانى بأستخدام مخالبها وانيابها وهي تقف على قوائمها الخلفية لتبدو بطول تلك السوداء، وترد الهجوم بهجوم.
كانت انفاس سهم تتسارع وهو يحاول الخروج من هذا المكان المرعب، وخشية ان ينتبه له احدى تلك الكائنات فيفتك به، كان يتحرك بحذر شديد فكان يكمن لدقيقة ويتحرك عل قدميه وهو منحني دقيقة اخرى، حتى ابتعد مسافة ليست بالقليلة القى نظرة اخيرة على المعركة ليجد جثث الكائنات من الصنفين ممزقة على ارض الغابة، وفي الوقت الذي كان بعضها مستمرا بالقتال اخذ بعضها الاخر بإلتهام المخلوقات الميتة من الصنف الثاني وهو يزعق من حين لحين . أدار سهم رأسه ولا تزال عيناه متجمدة من الرعب وانطلق بسرعة بإتجاه الساحل وما ان وصل الساحل حتى انطلق بمحاذاته مواصل طريقه دون ان ينظر خلفه،
لم يعرف كم استمر بالركض لكنه توقف حين وصل لمنطقه خلت من الاشجار و تغطي ارضها الرمال الشاطئية وتستمر لعدة امتار قبل ان تنتهي بالمياه، لشدة تعبه وخوفه مما رأى لم يفكر كثيرا بما حوله، تلفت قليلا ليجد بعض الاغصان والفروع التي القت بها المياه على الشاطئ سار باتجاهها بإرهاق حتى وصل شجرة صغيرة قد اقتلعت من جذورها وتجردت من اوراقها وسقطت على الساحل ليتقرفص تحتها قبل ان يستسلم للنوم.

اسرار الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن