الجريمة

21 6 0
                                    

وصلت المرجانة الحمراء للميناء الذي غادره هزيم منذ اكثر من عامين، وما ان وطأت قدمه الارض حتى سرح بذاكرته،  استفاق من سرحانه حين سأله القرش « هل نذهب!» كانت مشاعره متأججة وهو يتخيل وجه أدهم، سارع بخطواته في الشوارع والازقه، وكان يقلب بصره ليتأكد من عدم تغير شيء منذ رحيله، وصل لزقاق ضيق اعتاد على السير فيه، لكنه توقف عن التحرك حين رأى الدكان مهجورا، تقدم منه والرعب قد تملك قلبه «ماذا حدث؟» ليركض فجاءة ويقتحم الدكان الذي غطته اكوام التراب. كان يجول ببصره بين الادوات التي صنعها برفقة ادهم وقد غطتها الاتربة، وسقط بعضها على الارض،،
« هزيم؟!!» كان صوت رجل يناديه من خلفه، التفت ليجده السيد منير جارهم وصديق أدهم المقرب، تعانق الاثنان بقوة وكل منهما يحمل مشاعر باح عنها بدموعه الحارة،
« ماذا حدث؟» تسائل هزيم وهو يمسح دموعه بعد ان ابتعد قليلا عن السيد منير «اين خالي أدهم؟»
اطرق الرجل قليلا، قبل ان يجيب
« أدهم،،،  لقد،،،  قتـ،، قتل»  كان وقع الخبر صادما لهزيم الذي ترنح قبل ان يمسك به القرش ليسنده،
«تعالا اتبعاني بسرعة»  قال السيد منير .
وضع الشاي الساخن على الطاولة امام هزيم الذي لازال ضائعا بحزنه،
«كيف حدث هذا؟و لمَ حدث اصلا؟هل كان بسببي؟»
« انا حقا لا اعرف كيف اخبرك بهذا » اجاب منير متحيرا
«اخبرني بما حدث بالتفصيل» رد بغضب و دموعه تملأ عينيه، نظر السيد منير للقرش الذي اشار له بان يتكلم 
«حدث ذلك في يوم مغادرتك للمدينة»
«تعني بسببي!»  اجاب بصدمة، لكن منير هز راسه بالنفي واجاب «لا لا اظن بسببك،  لا اعرف ماذا همس أدهم لذلك الضابط، فأثار غضبه ليطعنه بظهره» تجمدت ملامح هزيم وهو يسمع تلك الاخبار
«الضابط؟»  تسائل بهمس مسموع
« اجل» تنهد منير « ذاك الذي كان يطاردك من اجل التجنيد»  سكت قليلا ليراقب وجه هزيم المتجهم
« لقد واريناه الثرى في المقبرة لكننا اضطررنا لوضع اسم اخر على قبره،»
«لماذا؟»  تسائل القرش
«لا اعرف لكن احد الحاضرين اقترح ذلك قال انه في حال عودة هزيم وذهب لزيارة قبر خاله قد يكمن له الجنود لكن لو وضعنا اسما اخر فلن يستدلوا على قبره وهكذا لن يصلوا لهزيم » هز القرش رأسه مؤيدا للفكرة وهو يقول
«لهذا كنت متوترا حين رايت هزيم»
«اجل، لازال بعض الجنود ياتون بحثا عنه، لكن لا نعرف متى يأتون»
«ما الاسم الذي وضعتموه له، يا سيدي»
« الراعي»
«الـ ماذا؟» استغرب القرش الاسم
« لقد اقترح الرجل الاسم لانه اعتقد ان لا احد سيهتم بصاحب القبر ان كان راعيا و مجهولا» 
« حسنا،  يبدو الامر منطقيا» ثم نظر لهزيم الذي بقي شاردا وامارات الغضب ترتسم على وجهه
«هيا انهض» قال بعزم وهو يشد هزيم من ذراعه بعد ان وقف هو بدوره
«الى اين؟»  سال هزيم وهو يكبت غضبه وحزنه
«لتكريم خالك،  لزيارة قبر أدهم»،.
وضع قدح الشاي على الطاولة امامه ليسال والخبث باديا على وجهه،
«لقد سمعت انك قد فقدت ولدك الوحيد في الحرب، هل هذا صحيح يا شاهين؟»
«اجل، سيدي»
«هذا محزن، اليس كذلك؟» شعر شاهين بان هذا التعليق فخ فاكتفى بالصمت
«حسنا، يا شاهين، سمعت ان لك حفيد وحيد من ولدك الوحيد اسمه،، سهم؟ صحيح؟»
«صحيح يا سيدي»  عرف شاهين على الفور ان القائد يتقصد سهم لكن لا زالت الاسباب مجهولة،
« حسنا، ارغب بالتحدث اليه، ان لم تكن تمانع طبعا»
«لا،  لا امانع ولكن هل لي ان اعرف سبب اهتمامك بسهم؟»
«هل تظن انني ربما، واقول ربما قد أؤذيه؟»  وكشر عن ابتسامته الخبيثة،  لم يكن شاهين يعرف بماذا عليه الرد فاكتفى بقوله « ساناديه لك»
«لا لاحاجه ارغب برؤيته في مكان عمله»  ونهض سريعا ليتجه للخارج يتبعه مساعده و باقي حرسه.
كان كنان جالسا على جذع شجرة قريبا من بيته ـ سابقا،  وتقف امامه اجوان،  بدا انهما كانا يخوضان حوارا مبهما ومهما، وما ان رأى شاهين يغادر برفقة القائد و جنوده حتى اعاد النظر لأجوان وهو يقول
« هل فهمتي ما قلته لك يا اجوان»  هزت أجوان رأسها بأيجاب وبدا انها لاول مرة تتلقى الاوامر برضا كبير،  لينهض ويلحق بشاهين و القائد.
وقع على ركبتيه وهو يبكي بحرقة
«انا آسف، انه بسببي، أنه خطأي»  وأستمر بالبكاء وقتا قبل ان يضع القرش كفه على كتف صاحبه وهو يقول له «انهض، هذا يكفي»
«لقد قتل بسببي يا قرش»  ورفع عينيه المحمرتين اتجاه صاحبه الذي ادار رأسه سريعا للجهة الأخرى، ثم صرخ به مجددا وهو ينحني بأتجاهه
«قلت يكفي!» كان القرش يشاطر صديقه الحزن لكنه اختار ان يكون عقل هزيم في تلك اللحظات الصعبة
« ان اردت الانتقام سأكون خنجرك الذي تطعن به وان اردت البكاء»  ليقف مستقيما ويكمل «فابقى  هنا وانتحب كالجبناء» ثم تركه وغادر، ليستجمع هزيم نفسه في لحظات ونظر لشاهد القبر الذي نحت عليه اسم (الراعي) وعينه تقدح شررا «اعدك، اعدك بأني سأنتقم لك يا خالي» ثم نهض بقوة وتبع صديقه القرش.
كان صدى اصوات تقطيع الاخشاب يملأ الغابة الواقعة على الطرف الاخر من الجزيرة الساحلية حين وصل القائد و رفقته للموقع،  اشار شاهين نحو سهم يحدد مكانه بعد ان طلب منه القائد ذلك،  ذهب القائد لمقابلة سهم وما ان تحرك شاهين حتى منعه النائب مضر من ذلك، كان القلق يسيطر على شاهين وهو يرى نظرة المكر بادية على وجه النائب ومع كل خطوة يقترب فيها القائد من سهم يزداد قلق شاهين.
«انت سهم؟»
رفع سهم راسه ليرى ان السائل القائد داغر، فتوقف عن العمل و رد عليه
« اجل سيدي» بعد نظرة فاحصة من القائد لسهم اشار اليه ان يسير برفقته قليلا مبتعدين عن الحطابين الذين اوقفوا العمل بعد ان اشار لهم القائد بالتوقف لكي لا تزعج الاصوات مسامعه،
« كنت تعيش مع جدك في المنارة، صحيح»
«صحيح،  يا سيدي»
« قل لي، كيف احترقت المنارة؟»
«انا حقا لا اعلم يا سيدي، كنت هنا في العمل وغادر جدي لاحضار بعض المعدات من اجل الصيانة،  حين اشتعلت النيران في المنارة»
«وهل تظن حقا ان النيران قد اشتعلت من تلقاء نفسها يا سهم؟»  ونظر اليه كأنه يبحث عن اجابة،  اما سهم فتبادرت أجوان لذهنه سريعا، فأجاب
« لا يمكن لنيران ان تشتعل بدون سبب، يا سيدي»
«وانا افكر بذلك ايضا يا عزيزي سهم، انا متأكد ان احدهم اشعل النار في المنارة» 
صمت سهم قليلا ولازال عقله يردد أجوان أجوان ، لكنه لم يفصح
«اخبرني يا سهم، هل تشك بأحدهم؟»
«لا يا سيدي فجميع اهل القرية اناس طيبون و مسالمون، لقد هرعوا لإخماد النار قبل ان اصل انا، لا اشك بأحدهم ابدا»
«هذه معضلة» همس القائد داغر بصوت مسموع لسهم واردف « من غادر اولا انت ام جدك؟»
«انا يا سيدي فكما ترى الغابة بعيدة ويجب ان اصل على الموعد»
«همم،اذا فجدك بقي في المنارة وحده، هذا يجعل من جدك في دائرة الشك»  ورمق سهم بنظرة فاحصة،
لكن سهم شعر برعب شديد، لذا بادر بالسؤال
«ماذا تعني يا سيدي؟» نظر اليه القائد واخفى ابتسامته الماكرة ليتظاهر بالحزن والشفقة لما آل اليه التحقيق
« اسمع يا عزيزي سهم،  اعرف ان الامر صعب، لكن عليك ان تعرف اننا و منذ البداية كنا نشك بأن جدك هو من احرق المنارة، ولكننا حاولنا عدم التسرع وايجاد دليل او متهم اخر، لكن للأسف كل الشكوك والادلة تشير لجدك شاهين» كان سهم مصدوما من كلام القائد داغر الذي اشار للجنود وسريعا القوا القبض على شاهين امام سهم الذي صرخ و حاول ادراك جده لكن الجنود ابعدوه وسحبوا شاهين امام عينيه مقيدا،،.
كان الجميع مصدوما لما سمعوه، فمهما كان الامر مهما فانه لا يستلزم جريمة بشعة كتلك، كان هزيم جالسا وهو يضغط قبضته معبرا عن غضبه والمه،
كان شعور الحزن والتعاطف مع هزيم ومصيبته بقتل خاله مسيطرا على الطاقم اجمع،
« لا اصدق اي وحشية لديه هذا الضابط ليقتل انسان بهذه السهولة»  قال المراقب
«انه مرتزقه، ماذا كنت تعتقد؟»  اجاب العرندس
« و كيف يسمح الملك بهذه الجرائم؟  لابد ان ذلك القذر قد قتل آخرين حول المملكة،الا يخاف ان تكون هناك تداعيات لتلك الجرائم؟ »  علق عطوة
«يخاف؟  ومماذا يخاف ذلك الخنزير الملكي؟  لقد احكم قبضته بالقوة على المملكة وشعبها،  هل نسيتم المجازر التي أمر بها مرتزقته،  في القرى والبلدات الحدودية بسبب تهم وجرائم لم يرتكبوها، ان كنتم نسيتم فانا لم انسى»  كان الغضب واضحا على العرندس الذي اتجه لنهاية المقصورة كانه يحاول اخفاء سرا حافظ عليه طويلا،
«وماذا ستفعل يا هزيم؟»  سال نائب القبطان
«سأنتقم» رد هزيم بحنق وغضب وهو يركز نظره على نقطة امامه
بدا وكأن الجميع كانوا بانتظار هذه الجملة، فهذا الطاقم الغريب لكل منهم قصة مختلفه قصة مؤلمة لكنها جميعا تنتهي (بالملك قيصر)،.
«حسنا، وكيف ستفعل ذلك» تسائل عطوة
«سأقتل ذلك الضابط»  رد بحزم واضح
«طبعا ستقتله ايها الاحمق، ولكنني اتسائل هل لديك خطة؟  هل فكرت بخطواتك؟»
ادرك هزيم انه لم يفكر بالامر قط، كان يفكر بالانتقام وقتل القائد، ولكن لم يفكر كيف، كان سكوته جوابا كافيا للطاقم المحدقين فيه،
«كما توقعت انت أحمق ولم تفكر بشيء» رد عطوة وهو يدير وجهه نحو القبطان
« قبطان شهاب، لقد. كان لي الشرف بالابحار معك ولكن ارجو ان تسمح لي بمرافقة هذا الغبي، سيتوجب علي انقاذه قبل ان يقتل نفسه»
«تنقذه انت؟ انت لست سوى اخرق يا عطوة، انا من سيذهب معه يا قبطان»  رد المراقب،  ليسمعوا هدير العرندس وهو يضحك ساخرا منهما
« بماذا ستنفعانه ايها الضعيفان، ان كان يريد قتل قائدا في الحرس الملكي فسيحتاج لشخص قوي مثلي لمثل تلك المهمة الصعبة»
« اهدؤوا يا اصدقاء»  قال القرش وهو يتقدم خطوتين ويتمركز وسط المقصورة« اعلم انكم جميعا ترغبون بمساعدة هزيم لاخذ ثأره،  لكن لا تنسوا انه صديقي وانا من ضممته للطاقم، انا من سيذهب معه واعدكم باني سأضع الخطط وانقذه و اساعده»
«هل لانك ضممته للطاقم يجعله تابعك؟  ام تعتبر نفسك صديقه الوحيد يا قرش؟» اجابه عطوة
«ليس هذا ما اقصده!»  استغرب كلام عطوة
«اشكركم جميعا يا اصدقاء»  قال هزيم وهو ينهض من مكانه « لقد قتل خالي لانه حاول حمايتي، لن اتسبب بقتل احدكم، لن اسامح نفسي ان تعرض احدكم للاذى»
«لازلت تعتقد ان الامر له علاقة بالتجنيد؟»  قال القبطان شهاب وهو يراقب الطاقم من خلف طاولته
نظر لهزيم واكمل « الامر ليس له علاقة بك وحدك ايها الشاب،فكل واحد هنا له ثأر مع تلك المجموعة، اعني كلاب الملك،و هذا احد الاسباب التي تجمع هؤلاء الرجال»
لم يفهم هزيم مغزى كلام القبطان وبقى صامتا ليجيب المساعد رشيد « القبطان يعني ان المرجانة الحمراء وطاقمها سيشارك في طلب الثأر» ليبتهج الرجال ويطلقوا صيحاتهم في حين وقف القبطان شهاب في مكانه يراقب هزيم بنظرته الثاقبة،اندفع القرش ليعانق صديقه بقوة وهو يهمس في اذنه «ألم اخبرك بأن من يعرف القبطان سيغامر بحياته من اجله» ابتسم هزيم وبقايا الدمع في عينه وهز راسه موافقا وعيناه على القبطان، ليقاطع ذلك الاحتفال الصغير عطوة وهو يتسائل « ولكن اين سنجد ذلك الكلب؟»
« حسب ما سمعنا من الاخبار فأن  الملك قيصر يريد دخول الغابة المظلمة» اجاب القبطان شهاب وهو يتجه نحو دولاب خشبي ليستخرج من احد ادراجه جلد غزال ملفوف ثم يعود لطاولته ويفترش ذلك الجلد لتظهر خريطة،ثم بعد لحظات اشار لبقعه وقال « هنا، هذه هي الغابة المظلمة»
«حسنا يا قبطان وما دخل الغابة بكلبنا؟»
«لقد كُلف كلبنا يا سيد رشيد بقيادة الجيش لدخول الغابة،او دعني اكون اكثر دقة لقد تطوع لدخول الغابة»  استغرب الحاضرين كيف لمجنون يتطوع لدخول تلك الغابة التي سمعوا عن اساطيرها وقصصها، أكمل القبطان كلامه ليزيد من حيرة طاقمه  «لقد سمعت ان الجيش الملكي يبحث احدهم يقال انه مفتاح لغز تلك الغابة»
« ماذا؟،  هذا جنون،كيف يكون شخص ما مفتاح تلك الغابة الملعونة؟ »  قال احد البحارة
نظر اليه القبطان،  ليفهموا من تلك النظرة ان قبطانهم متأكدٌ من تلك المعلومة،
« اذا فهذا الكلب يبحث عن ذلك المفتاح»،رد وهو يركز على الخريطة
«اجل يا سيد رشيد»
«ولكن اين سيجده يا قبطان ؟»
«ربما وجده يا سيد رشيد»  زادتهم اجوبة قبطانهم حيرة
«كيف ذلك يا قبطان؟» 
« حسبما سمعت انه اتجه مباشرة لهذه القرية الساحلية»  واشار بأصبعه لقرية نيموبا « هنا ويبدو انه هناك منذ بعض الوقت، لانه وجد دليلا عن ذلك الشخص، المفتاح، لابد من انه قد وصل اليه الان» 
«لقد حسم الامر»  قال عطوة وهو ينظر للطاقم « سنذهب لقرية نيموبا، ساتولى مجددا مهمة اطعامكم ليتسنى لاحمقنا تعلم استخدام السكين لقتل ذلك الكلب»
«قبطان،»  نظر العرندس بنظرة متحيرة لباقي الطاقم قبل ان يكمل « لا اقصد التشكيك ولكن هل انت متأكد من هذا الكلام؟»  ابتسم القبطان شهاب
« اجل يا عرندس، اجل»
« ولكن كيف؟  اعني كيف حصلت على تلك المعلومات؟»  كان الطاقم ينتظرون الاجابة وهم يحدقون لقبطانهم،  ليشارك المساعد رشيد القبطان ابتسامته ثم اطرق رأسه ليعيد القبطان نظراته نحو بحارته وهو يقول
« ان كنتم تعتقدون يا سادة بأن عقول وألسنة الجيش حصينة كدروعهم فأنتم مخطئون، فهم رجال في النهاية و سوف يبوحون بأي سر لسيدة جميلة بعد بضعة كؤوس خمر ، عندها سيكون خبر يعرض للبيع لمن يدفع ثمناً مناسباً لمن يشتريه»
« ومن يشتريه؟»  تسائل الجميع وهم في حيرة،  ليضحك القبطان ومساعده والقرش،،،،*

اسرار الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن