حراس العهد

23 6 0
                                    

« يمكنكم الانصراف»
« الى اين يا سيدي؟» سأل كنان
« الى منازلكم،  أم ليس لديكم منازل ايضا؟»  رد بتهكم
«كما اخبرتك المنارة قد احترقت لذا شاهين وحفيديه يسكنان هنا،  اما انا فقد اخذتم منزلي، لهذا انا ايضا هنا اما جهاد فهذا بيته» 
انزعج القائد داغر من رد الضابط كنان،  تحرك نحوه حتى وقف امامه و رمقه بنظرة غضب
« تقصد انك تشرفت بمنحنا منزلك لنقيم فيه لتأدية الواجب الملكي»  هز كنان رأسه بالايجاب مكرها ، ثم اردف القائد « ظننتك ذكيا ايها العجوز، لكن يبدو اني قد تسرعت بالحكم»
لم يرد كنان وبقي صامتا ومحدقا بعيني القائد للحظات،و سرعان ما غير القائد ملامحه لتعود ابتسامته المتصنعة « حسنا،  يبدو ان علينا نحن الانصراف»  ليبادله مساعده ابتسامة ساخرة ثم غادروا المنزل
«هل تظن انهم سمعونا؟»
« ربما،  سيتبين كل شيء في الايام القادمة،  لنحاول ان نبدو طبيعيين، سأبعث ببرقية للبلدية ابلغهم عن المنارة ليجددوا بنائها»  ثم صمت ورمق أجوان بنظرة فاحصة.  قبل ان يتجه لغرفة جهاد وهو يتمنى لهم ليلة سعيدة.
في الصباح وضع الفطور على الطاولة و هم بالمغادرة
«انتظر»
« نعم سيدي القبطان»
« أخبرني القرش انك لم تعرف والديك هل هذا صحيح؟»
«اجل سيدي»
« والشخص الذي اعتنى بك ليس من اقاربك؟»
« كلا سيدي»
«كيف تعرف؟  هل اخبرك هو بهذا؟»
« لقد.....»
« همم لقد ماذا؟»
« حسنا،  لا اتذكر اننا تحدثنا بهذا الامر قط»
همس القبطان لنفسه « كما توقعت»
« هل سمعت يوما عن الغابة المظلمة يا هزيم؟»
« الغابة المظلمة؟ لا اظن سيدي، لم اسمع بها من قبل» تناول القبطان خبز و أخذ يدهن بها بعض الزبد وهو يراقب هزيم عن كثب
« هل تريد شيء اخر سيدي؟» 
هز رأسه نفيا، اتجه هزيم نحو باب المقصورة لكن ناداه القبطان مجددا « هزيم» عاد هزيم لينظر للقبطان الذي وضع سكين الزبدة جانبا
« عد لمدينتك يا هزيم، وابحث عن حقيقتك، الرجل الذي رباك يخفي عنك سرا،  اجعله يفصح لك عن ذلك السر»
بقي هزيم مصدوما من كلام القبطان،  هل يعقل ان يكون أدهم اخفى عنه شيء بالفعل؟
« في غضون اربعة ايام سنعود لمدينتك،  احصل على الاجوبة وسننتظرك في المرسى ليلتين لا اكثر بعدها سنبحر معك او بدونك».
هز هزيم رأسه موافقا،
«امر اخر يا هزيم»
«ماذا سيدي»
«لا تقل سيدي قل قبطان ، قبطان فقط» واشار له بالذهاب.
اقترب شاهين من سهم ليناوله جرة ماء،  تناولها سهم وهو لا يضع عينيه في عيني جده وشرب قليلا وقبل ان يعود لتقطيع الحطب، سأله شاهين
«  هل لا زلت غاضبا مني؟»
وضع سهم الفأس جانبا ولا زال ينظر للارض
« لست غاضبا يا جدي»
«ان لم تكن غاضبا، فلم لا تنظر الي؟»
سكت سهم ولم يرد
« اسمعني يا سهم،  أجوان ليست فتاة عادية»
«اعلم،  فأقل ما يقال عنها شيطانة» قاطعه سريعا
«انت تسيء لأختك ثانية يا سهم»
« اخبرني يا جدي»  والقى الفأس بقوة من يده وهو يواجه جده بنظرات غضب « ماذا كانت تفعل عند المنارة؟ لماذا هربت حين اتت المساعدة؟ تلك الحقيرة هي من احرقت المنارة »
اشار له شاهين بسرعة
« هشش،  هل نسيت الجنود؟  ماذا لو سمعوك؟  هل سيسرك ان يأخذوها»
صمت سهم  قليلا والغضب مشتعلا فيه
«طبعا لا» والتقط الفأس وعاد للعمل، ادرك شاهين ان سهم لا زال غاضبا ولن يغفر لأجوان قريبا لذا اكتفى بقوله
«اذا ستبقى غاضبا على جدك المسن»
ما ان انهى جملته حتى لمعت دمعة في عين سهم ليرمي فأسه مجددا ويسارع لمعانقة شاهين بقوة
« طبعا لا، لايمكنني فأنت جدي وأبي»
كانت تلك الكلمات القليله كافي لتلمس قلب شاهين ليرد عليه بعناق قوي وابتسامة ممزوجه بدمعة.
كان اهالي القرية يعانون الأمرين من تواجد الجنود، فكان عليهم تجهيز ما يريدون من طلبات كثيرة و توفير الموؤن و تحمل استفزاز الجنود لهم بسرقة طعامهم او حيواناتهم الداجنه،  وكان الضابط كنان
يتجول بينهم ليواسيهم ويدعوهم ليصبروا،  في ذلك الوقت وصل احد الجنود ليخبر الضابط كنان ان عليه الحضور لمقر فرقة الحرس الملكي والذي كان، بيته، ذهب كنان ليتفاجا ان من ارسل في طلبه هو نائب القائد ، كان النائب يجلس على احد الكراسي واضعا حذائه على الطاولة باتجاه من يدخل،  تقدم كنان بهدوء ووقف لجانبه بينما ارتسمت ابتسامة خبيثة على وجه النائب
«هل تعلم ان هذه الطاولة مخصصة للطعام فقط ؟»
« عندما كان البيت لك اما الان فهو خاضع لأوامر الحرس الملكي»
« وحتى ان تغير المالك لا تتغير مهمة الطاولة، فقط نوع الطعام يتغير »
اقطب النائب حاجبيه و انزل ساقيه ليقف امام كنان ويوجه له لكمة بكل قوته لكن كنان تمكن من تفاديها و وجه ركلة لبطن النائب ثم رفعه عن الارض وأسقطه فوق الكرسي فتكسر به،  في تلك اللحظة دخل بعض القرويين مع شاهين للبيت ليتوقف النائب عن محاولة الهجوم ثم سمعوا صوت الجنود «انتباااه» ليدخل القائد مع بعض حرسه رمق الحاضرين والكرسي المكسور ، ليترك الجميع ويتجه نحو احدى الغرف التي حولوها لمكتبه الخاص.
وقف النائب امام كنان بتحد وغضب
«لقد اشعلت نارا لست اهلا لها ايها العجوز الخرف»
« لقد اعتدت على اشعال النيران منذ كنت اصغر منك ايها الأرعن» وارتسمت على وجه كنان ابتسامة رضا،  يبدو انه كان يستمتع بضرب ذلك النائب
«هل استدعيتني ايها النائب؟» قال شاهين وهو ينظر بتوتر لكنان
«اجل،دعنا نعرف كيف احترقت منارتك ايها القروي»
ابتسم كنان شامتة بالنائب وهو يرد على شاهين
« هيا يا صديقي، ربما نجد بعض المقتنيات التي نجت من الحادثه»  ليتحركوا سريعا نحو المنارة،
«ظننتك قلت تحملوا وتصرفوا بشكل طبيعي» همس شاهين لكنان وهما يسيران برفقة الجنود نحو المنارة
«وانا اتصرف بطبيعية،»  وارفق تعليقه ابتسامة
، ابتسم شاهين وهو يقول« لقد حطمت كرسيك ايها الاحمق»
«خير له ان يكسر على ان يجلس هذا المعتوه عليه»
كان منظر المنارة مؤلما لشاهين وسرعان ما اقترب كنان منه وهو يربت على كتفه،  سيطر شاهين على نفسه ثم اتجهوا لداخل اطلال المنارة وهم يتخطون الاثاث المحترق و والاجزاء التي سقطت بقي شاهين يتجول في كل ركن ومكان تمكن من الوصول اليه ليبحث عن شيء نجا من الحريق وفي كل مرة يفشل وجد بعض العاب أجوان وقد احترقت جزئيا، نهض متكئا على يديه المتسختين بالرماد،
وجد كرسيه الخشبي قد بقي الشيء القليل منه اما لوحات سهم فلم يتبقى منها سوى الرماد بعد بعض الوقت لم يتمكن من السيطرة على مشاعره لتتساقط دموعه، حاول كنان مواساته وسحبه للخارج حتى لاح شيء لنظر شاهين توقف ليستخرجه من بين الحطام والرماد،  كان الفارس الخشبي، هدية رائف لسهم، حملها شاهين ومشاعره متضربة حول ما وجده هل يفرح بايجاده ام يحزن على الذكريات التي يحملها ذلك الفارس.
خرج من المنارة مع كنان ليخرج النائب والجنود وتجولوا في المكان بحثا عن اي دليل لكن لا شيء على الاطلاق، سار الجنود خلف النائب ليصلو للجرف المطل على البحر المفتوح وامضوا بعض الوقت قبل ان يعودوا.
«اذا لم تجدوا شيئا؟»
«لا شيء على الاطلاق يا سيدي» اجاب النائب، نظر القائد لشاهين  «لكن هذا لا يعفيك من المسؤولية»
لم يرد شاهين كان غارقا في حزنه فجولة الصباح اثارت المشاعر في قلب ذلك العجوز، 
« اخبرني النائب مضر انك وجدت شيئا هناك؟»
« اجل سيدي» رد والحزن مسيطرا على تعابيره
«ما هو؟»
استخرج شاهين الفارس الخشبي وناوله للقائد الذي بقي يتمعن في تفاصيله
«انه رائع، من صنعه؟»
«شاب كان يسكن هنا التحق بالجيش منذ سنوات قليله، اسمه رائف»
«رائف، نحات، من قرية ساحلية؟» ردد داغر هذه الكلمات بصوت واطئ وبدا انه تذكر شيئا مهما، ثم تدارك نفسه ليعيد الفارس لشاهين وهو يسأله
«هل هو لك؟»
«لحفيدي، كان هدية عيد ميلاده الثاني عشر»
«همم،  يبدو انه يحب الفروسية،  سيكون جنديا مميزا بلا شك»
« لن يتم تجنيده» وظهر القلق على وجه شاهين «لقد تم اعفائه من التجنيد لانه وحيد»
«وحيد!، لم يولد غيره لوالديه تعني»
«له اخت» زاد توتر شاهين خشية ان يجند سهم « لقد التحق والده بالجيش منذ كان عمره سبعة اعوام وقد قتل بالحرب»
كان يرجو ان تكون لتلك الكلمات تأثيرا على القائد لكي يبعد فكرة تجنيد سهم عن عقله، لكن القائد كان يفكر في شيء اخر، شيء لم يفصح عنه، ثم اشار لهم بالانصراف.
«هل عرفت الصبي؟»
«تقصد حفيد عامل المنارة؟»
« اجل؟»
«كلا يا سيدي»
« انه ابن مروان، مروان الذي أعُدم »
قلص النائب عيناه ليتذكر مروان، ثم تذكر
«اتعني مروان صاحب الحجر الأبيض؟»
«نعم، هو»  وابتسم القائد كانه وجد مفتاح كنزه
« لابد ان ولده يعرف الطريق»
«ولكن يا سيدي، العجوز قال ان ابنه قد ذهب للجيش عندما كان حفيده في السابعه، فكيف يعرف الطريق؟»
« لابد انه ترك شيئا او دليلا لابنه بين اشيائه»
« لكن المنارة قد احترقت وكما علمت انهم لم يتمكنوا من انقاذ اي شيء»  لتعود الحيرة لتسيطر على القائد  .
«هل تظنه سيجند سهما؟»
«لن يتمكن من فعل ذلك» 
«ماذا لو فعل؟»
«اهدأ يا شاهين،  فهذا القائد غير مهتما بالتجنيد او الجيش او الحرب حتى»
توقف شاهين ليسأل وهو ينظر في عيني كنان كانه يبحث عن اجابة ما
«ما بك يا كنان؟  تكلم، لم انت عصبي؟»
زفر كنان بعمق قبل ان يجيب
«انا اسف، ولكن، ألم تلاحظ ملامح الضابط كيف تغيرت عندما سمع بأسم رائف؟»
«حسنا لم انتبه لكني سمعته يردد رائف نحات قرية ساحلية»
«بالضبط يا شاهين بالضبط»  ثم انتبه كنان لنفسه وتلفت يمينا وشمالا «لنعد للمنزل ونتحدث هناك، هيا»
« انا حقا لم افهم قصدك يا كنان، ماذا تعني بأن القائد يعرف قريتنا؟  انا لم اراه من قبل كيف يعرف قريتنا و هو يدخلها اول مرة؟» تسائل جهاد وهو  يرتشف الشاي
«جهاد،  هل تذكر ليلة وصولهم؟»
اشار جهاد براسه بالايجاب«نعم اتذكر»
« انه مهتما بأمر الغابة المظلمة، ولا اعرف السبب، ولكنه يعرف رائف لابد انه قد قابل رائف لانه قد تعرف على عمله من خلال الفارس الخشبي» ثم اردف
وهو ينظر لشاهين « لا استبعد انه يعرف مروان ايضا»
«ولكن ماذا يريد؟» تسائل جهاد «ما المهم في قريتنا؟ فنحن نكدح وبالكاد نجد ما يكفي قوتنا»
« الامر لا يتعلق بالقرية، يا جهاد،  افهم»
«انا صياد ولست ضابطا ومحققا اشرح لي»
«حسنا، اسمع في الليلة التـ» ليقاطعهم دخول فواز وصفوان الذين دخلا متسللين للمنزل، فقد اتفقوا ان يتجمعوا سرا للبحث في امر هذه الفرقة المريبة،
«اسمعوا لقد عرفت شيئا مهما»  قال فواز وهو يجر انفاسه بسرعه « لقد عرفت اسمهم الحقيقي»
«اسمهم الحقيقي!  اسم من تعني؟»
«الفرقة الملكيه، لقد عرفت من احد البحارة انه سمع قبطانا يقول ان اسمهم حراس العهد الابدي»
«حراس العهد الابدي؟؟»  تسائل الحضور
«اجل هذا اسمهم» رد فواز بعد ان جلس ثم اخذ قدح ماء ليروي ضمآه،
«لقد اتضح الان كل شيء» قال كنان وهو يسند ظهره على كرسيه وهو يحدق بالطاولة وعيناه تحمل اخبارا،،،،*

اسرار الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن