اجتمع الرجال في الغرفة الداخلية من السفينة لتناول العشاء، اصطفوا في طابور وكان العشاء بعض الخبز و حساء خضار اضيف اليه قطع السمك، كان طعمه سيئا لذا اكتفى هزيم بالخبز و الماء، رمى القرش له بتفاحة،«كُل هذه ستساعدك على تخطي دوار البحر» وجلس لجانبه،
« لمَ الطعام سيء؟» اخذ يقلب الحساء بملعقة « الا يوجد لديكم طباخ؟»
«هل ستبدأ بالتذمر؟»
«لا ولكن الطعام سيء فعلا، ولم وضع السمك مع الخضار، هل يعاقبه» رد القرش وهو يضحك « ربما يعاقبنا نحن» وضع هزيم الصحن جانبا واستمر بأكل الخبز والماء
« حسنا يا هزيم لم تخبرني قصتك بعد»
« كما أخبرتك سابقا رباني رجل محسن طيب القلب اسمه أدهم، لذا فلم اعرف ابويَّ، كنت اناديه بخالي، علمني مهنته وكل ما يعرف تقريبا، لا اعرف مالذي حدث بعد ان تركت المدينة»
«لماذا تناديه خال؟»
« هو طلب ذلك»
«هذا غريب» و زم شفتيه متعجبا، ثم اردف
« و لمَ كان الجنود يطاردونك؟»
«لاني هارب من التجنيد» صمت القرش قليلا وهو يفكر،«لا، لا اظن ان الجنود يطاردونك من اجل التجنيد فقط» نظر اليه بنظرة متفحصة « هل اغضبت احدهم لدرجة ان يطاردك في كل مكان وتكون شغله الشاغل؟» هز رأسه بالنفي و هو يركز عينيه على القرش
«لا، لا اظنني كذلك» ثم صمت قليلا يفكر، قبل ان يقاطع تفكيره القرش
« ما مهنتك؟»
« حداد، استطيع صناعة اي شيء تقريبا»
« رائع سنستفيد منك هنا حقا»،،.
كان الظلام قد بدأ ينقشع شيئا فشيئا، ورغم التعب الشديد لم يتمكن شاهين من أغماض عينيه الا لدقائق معدودة وفي كل مرة يفتح عينيه كان يتجه نحو سهم ليطمئن عليه ولكن لا جديد يذكر ثم يعود ليجلس في مكانه بجانب اجوان والتي يبدو انها لم تنم و لتسأله في كل مرة عن اي تحسن ليحتضنها وهو يعيد نفس الجملة «لا تقلقي، سهم فتى قوي، سينجو» اما البقية فقد غطوا بالنوم بعد ارهاق وتعب النهار، كانت الساعات طويلة ومرهقة لشاهين، واخيرا فتح سهم عينيه، فاسرع الطبيب بالتحدث اليه « سهم بني، هل تسمعني؟ هل تستطيع التكلم؟» لكن سهم لم يرد، اخذ الطبيب بفتح عيني سهم للفحص وما ان سمع شاهين كلام الطبيب حتى انتفض من مكانه باتجاه سهم الذي لازال يعاني من الدوار، وقف شاهين عند سهم بعد ان ازاح سنان عن طريقه وقعت انظار سهم على جده ليحدق اليه لثواني بعيون تعبة ظهرت ابتسامة خفيفة « جدي» ثم اغمض عينيه، صرخ شاهين مرعوبا « سهم!»
« اهدأ، لا تقلق» قال الطبيب « انه بخير هو فقط نائم دعه يأخذ حاجته من الراحه» اخيرا تنفس شاهين الصعداء وهو يحمد الله على سلامة الفتى، في تلك اللحظة فقط شعر بالحركة حوله كان الجميع قد فاق و تحملقوا حوله دون ان يشعر بادرهم بأبتسامة «شكرا لكم يارفاق، لولاكم لما تمكنت من استعادة حفيدي، شكرا لكم» عانقهم وهم يهنئونه بسلامة سهم ثم استأذنوا وغادروا.
على ظهر السفينة لم يتباطئ هزيم بأتمام المهام الموكلة اليه وكان يعمل بجد ونشاط وكان القرش لجانبه يعلمه بعض الامور كربط العقد و وصنع الفخاخ بأستعمال الحبل واستعمال الرمح للصيد والتسلق ولم تخلو الاوقات من النكات والضحك وصياح نائب القبطان بالرجل لينهوا مهام، حتى اقترح القرش عليهم ان هزيم من سيعد طعام العشاء هذه الليلة رحب الرجال بالفكرة وهم يصيحون « هيي، اجل » تبسم هزيم ووافق شريطة ان يساعده القرش ضحك الجميع شامتين بالقرش الذي انزل رأسه كأنه مصاب بصدمه وهو يضحك ثم اتجها للمطبخ ليعدا الوجبة، بدأ هزيم بتوجيه القرش ليقطع بعض الخضار و وانهى هو باقي المهمة
« ادواتكم سيئة» قال هزيم ممتعضا وهو يقلب السكاكين غير راض عن كفائتها
« يمكنك صنع ادواتك ان رغبت» اجاب القرش قبل ان يكمل ضاحكا«لكنك ستصبح الطباخ الرسمي للطاقم» ضحك هزيم
«ان كان هذا سيعفيني من تناول الحساء الذي يعده
عطوة، فلا بأس»
اطلق القرش ضحكة وهو يقول « سيقتلع عينيك ويصنع يخنه بهما ان سمع ما تقول» ضحك الاثنان واستمرا بالعمل
«قل لي يا قرش»
«همم»
«اين يمكنني صنع ادواتي؟»
«حين نرسو»
«ماذا؟»
«هل ظننت انك ستفتح ورشتك هنا على ظهر السفينة؟» واطلق ضحكة، رد عليه هزيم بضحكة خفيفة
« ومتى سنرسو؟»
«حين نصل المدينة»
«هلا توقفت عن المماطلة واخبرتني متى؟»
ضحك القرش قبل ان يجيب «يومين، سنصل في يومين، تلك المدينة كبيرة، وفيها كل شيء تقريبا، ومن أجوده » ليتوقف عن تحريك الطعام وينظر لهزيم بنظرة مريبة ويكمل « حتى النساء»
«لست مهتما» ادار هزيم نظره بعيدا عن القرش
« حتى انت لن تستطيع الرفض» وعاد للضحك وتحريك الحساء، كان هزيم يفكر في نفسه ان كانت تلك المدينة كما يصفها صديقه ربما سيقنع أدهم بالقدوم اليها والأستقرار فيها ولكن، توقف عن تقطيع اللحم وهو يفكر، لقد بدأ يحب الأبحار هل سيوافق أدهم على قرار هزيم ؟، فلقد كان يظن أدهم ان هزيم سيصبح افضل حداد بالمملكة، هل سيخيب امله؟
«هييه، ما بك؟ ان كنت تواجه مشكلة مع الفتيات فسأساعدك سأعلمك حيلة تجعل اي فتاة ترغب بها تقع في حبك» قالها وهو يضحك، ابتسم هزيم
«ليس هذا ما افكر به» و اخبر صديقه ما كان يفكر به ، صمت القرش لثوان قبل ان يقول له
« اسمع يا هزيم ، لا أظن ان أدهم لن يوافق على عملك الجديد، الم تقل انه رجل طيب؟»
« بلى ولكن الأمر مختلف ماذا لو شعر بخيبة أمل؟» تنهد القرش قليلا
« لا أظن، انه يريد السعادة لك ألم تقل انه اعطاك ما يملك من النقود؟»
« بلى»
«اذا توقف عن التفكير بهذه الطريقة، فلو كنت مكانه سيسعدني ان أراك اعظم بحار، لأنك لن تكون قبطان» ابتسم هزيم
« ألا يمكنك ان تبقى جديا لوقت اطول؟»
«كلا فهذا يشعرني بألم في معدتي»واستمر بالضحك
« لا تفكر كثيرا يا هزيم ، سيكون كل شيء بخير»
هز هزيم رأسه بالايجاب
«هيا» قال القرش وهو يحمل القدر نحو الطاولة قبل ان يذهب ويدق جرس العشاء « لنطعم هؤلاء قبل ان يجن جنونهم»
«اخشى ان يجن عطوة فقط» و بدأا بالضحك.
اجتمع اهل القرية في بيت الضابط كنان كمبادرة طيبة منه لإقامة وليمة احتفالا بعودة سهم وسلامته استعاد سهم معظم طاقته لاسيما وهو بين اصدقائه واهل القرية الطيبين، و رغم انه استعاد عافيته الا ان رامي كان يجبره على عدم التحرك ويقوم هو بإحضار الماء والطعام له، واذا رأى ان أحدهم اخذ وقتا في الكلام مع سهم يسارع هو لانهاء تلك المحادثة، و إن رأه متململا يسارع ليسأله ان كان هناك شيء ليفعله، كان الجميع يراقب رامي وهم يطلقون الضحكات العالية بينهم شاهين الذي بدا انه استعاد سنوات من عمره ليعود شابا.
اقتربت أجوان من سهم دون ان تنطق كلمة وما ان رآها سهم حتى قام من كرسيه الذي اجبره رامي على عدم مغادرته وتوجه نحوها كانت تطرق رأسها وهي تكتم عبراتها ودموعها، وقف سهم قبالتها ووضع كفيه على كتفيها
«هل انتَ بخير؟»
« أجل، انا بأفضل حال، وانتِ؟»
هزت رأسها بالايجاب وهي لا تزال تنظر للأرض
«لم اكن اقصد ان يحدث لك كل هذا»
«أعلم،»
«آسفه»
«لا، فانا المخطئ، ما كان يجب ان انفعل هكذا، والأهم» ونزل لمستوى وجهها وهو يرفعه بكفه بلطف وعلى وجهه ابتسامه مشرقة« كان يجب ان أنظر اين أضع قدمي»
كانت تحدق بعينيه حين سقطت دموعها اخيرا، مسحها بكفه وهو يمازحها
« هل تعلمين؟ لقد انقذتني هناك؟»
« انقذتك! كيف؟»
«ليس مهما، ولكن شقاوتك انقذتني» و اتبع كلامه بضحكة خفيفة
« حسنا، اذا لن اتوقف عن افتعال المشاكل»
ضحك الاخوان، ثم عانقها بقوة
« لا، لا تتوقفي، فهذا يشعرني بعودتي للبيت»
بادلته بعناق قوي استمر للحظات قبل ان ينهي الضابط كنان السهرة
« شكرا لكم جميعا لحضوركم،» نهض شاهين
«أريد ان أشكر الجميع لوقفته معنا في محنتنا، الجميع بلا أستثناء، الصيادين، واصدقائي الذين خاطروا معي في الذهاب الى الغابة المظلمة، وايضا رامي الشجاع الذي لولاه لما عرفنا مالذي حدث و النسوة الطيبات لصنع هذا الطعام اللذيذ» هتف الجميع وهم يبتسمون وتمنوا ليلة سعيدة لبعضهم البعض ثم انصرفوا.
بقي شاهين و حفيداه و الصيادين فواز وصفوان وكذلك جهاد وابنه نائل إضافة للضابط كنان و رامي والطبيب سنان، جالسين جميعا وهم ينظرون لسهم
وبدأ كنان بالكلام « حسنا سهم، هل يمكنك ان تخبرنا ماذا حدث معك وماذا رأيت هناك» نظر سهم لجده الذي هز رأسه ليحثه على الكلام «حسنا،»
وبدأ سهم يروي ما حدث له منذ سقوطه بالخليج حتى فقد وعيه على الساحل.
« هكذا أذا» قال فواز وهو يمسك طرف ذقنه بسبابته وابهامه « اذا كنت محقا ما رأيناه حين انقذنا سهم ليس ما هاجمنا تلك الليلة» هز صفوان رأسه بالايجاب و الوجوم يغطي ملامحه،
«هاجمكم؟» تسائل سهم، وضع شاهين كفه على كتف سهم،« سوف احكي لك القصة حين نعود للمنارة، ارتح الآن» هز سهم رأسه موافقا
«حسنا يا سادة» قال الضابط كنان « لنبقي ما حصل طي الكتمان، لا أريد احد ان يذكر الغابة المظلمة او ما حدث مع سهم مجددا» ثم ادار رأسه نحو شاهين
« رغم اني لم أكن موافقا على ما قلت قبل قليل»
«ماذا تعني؟» تسائل شاهين
وقف الضابط كنان بأنتصاب امام نافذة بيته المطله على الغابة وشابك يديه خلف ظهره كانه جنديا في وضع الاستعداد
« سمعت بعض الشائعات تقول ان الجيش الملكي يبحث عن طريقة لدخول الغابة» ثم ادار وجهه ليواجه الجميع الذين اصابهم الذهول على هذا القرار الغبي «اخشى ان يأخذوا سهم كدليل لدخول الغابة مجددا» صعق الجميع لتحليل كنان الذي قلما يخطئ، انتفض شاهين بقوة
«ماذا تقول؟»
«أهدأ يا شاهين، أهدأ» وهو يشير بكفه « لهذا أطلب من الجميع ان ينسى ما حصل»
«لكن اهالي القرية يعرفون ان سهم كان بالغابة المظلمة» رد فواز.
« لا!، يعرفون انه تم ايجاد سهم على الجانب الاخر من الخليج فقط»اجاب الضابط كنان واكمل«سنقول انكم وجدتموه عند القناة البحرية»
«كيف ذلك؟ الكذبة مفضوحة سيعرفونها حتما؟» قال صفوان مستغربا
« هنا يأتي دور سهم» واقترب من سهم وهو ينظر اليه « ستقول انك تعلقت بجذع شجرة وفقدت وعيك» كان الوضع مرعبا، لكن ما رآه سهم بالجانب الآخر جعل الأمر طبيعيا ليجيب بثقة
« لقد طفت على جذع شجرة كان متيبسا و فقدت الوعي ثم وجدت نفسي عند القناة البحرية»
ابتسم الضابط كنان وهو يقول «عيناك لا تكذب يا فتى انت تقول الحقيقة» ابتسم سهم، ليدرك شاهين ان حفيده قد بدأ مرحلة جديدة من حياته ...*
أنت تقرأ
اسرار الظلام
Fantasyقد ترمي بك الاقدار في مغامرة لم تعد لها العدة، فماذا ستفعل هل ستواجه ام تخضع،؟ دائما ما كان يطل من نافذة غرفته على الغابة المظلمة وهو يتخيل عالما سعيدا هناك، ولكن، تحول حلمه الجميل الى كابوس مرعب حين اخبره شاهين ان الجيش الملكي عثر على جثث الصيادين...