ابتعد القارب حاملا الرجال الاربعة معهم سهم وهم يحدقون برعب شديد لشكل تلك المخلوقات وزعيقها، ثم استدارت بسرعة واتجهت لعمق الغابة وعم الهدوء هناك، كان شاهين جالسا في القارب وقد وضع سهم بحجره وهو يحدق بتلك الكائنات وعندما اختفت بالغابة نظر لوجه سهم وعانقه بقوة وانسابت دموعه وهو يقول « كيف فعلتها يا بني؟ كيف تمكنت من الصمود هناك؟»
نظر اليه جهاد وهو يمسح دمعة لم يسيطر عليها « كنت يا محقا يا شاهين، سهم فعلا فتى قوي» و أعاد النظر لتلك الغابة « وهي فعلا مظلمة»،
كان صفوان و فواز ينظرون بتعجب لتلك المخلوقات فانتبه لهما جهاد و بادرهما « هل تلك المخلوقات التي قتلت رفاقكم »
« كلا،» رد فواز وهو يحدق بالغابة« انها تختلف عن تلك التي رأيناها في تلك الليلة»
« لا اعرف. يا فواز لكن اظنها هي» اجاب صفوان،
«هل رأيتم تلك المخلوقات أم لا ، يا فواز؟» تسائل جهاد،
« حسنا، كان الجو مظلما لكني، لا اعرف، انا مشتت، ربما هي» ليقع الرجال بحيرة من امرهم ، قبل ان يعيدهم شاهين من حيرتهم،
« لقد انجزنا ما جئنا من اجله، دعونا نسرع بالعودة»
وافق الرجال وخذوا يجذفون بعد ان اجتازوا الصخور المدببة.
كانت امواج البحر الكبيرة تتراطم مسببة اهتزازات اعتاد عليها البحارة بعكس هزيم الذي شعر بدوار و غثيان فأتجه نحو حافة السفينة، ارتطمت السفينة بقوة كاد يسقط في الماء لكن البحار شده بقوة « ووه كنت اظنك قويا» ووقف لجانبه ليسنده وهو مبتسم
« لا اعرف ما بي ربما مرضت» اجاب هزيم الذي لا يزال يشعر بالدوار، لكن البحار اطلق ضحكة قوية واجاب « لا،، لست مريض، هذا دوار البحر فقط»
«دوار البحر؟»
« اجل، يبدو انك لم تركب البحر سابقا»
هز هزيم رأسه بالنفي، ضحك البحار مجددا
« انه يصيب من يركب البحر لأول مرة، لا تقلق ستعتاد عليه، اسمي بسام» ومد يده ليصافح هزيم « يمكنك منادتي بالقرش»
سارع هزيم ليصافحه وادرك انه لم يشكره
« اسمي هزيم ، شكرا لمساعدتي واعتذر لقد انتبهت الآن اني لم اشكرك سابقا لمساعدتي » ضحك القرش « تبدو لبقا يا قليل الكلام، هل ربتك امراءة؟»
ظهرت ملامح الحزن على وجهه لثواني قبل ان يواجه البحر مجددا لاغيا تلك المشاعر
« بل رجل، كان رجلا محسنا» اسند القرش ذراعيه على طرف السفينه وهو يحدق بوجه هزيم
« يبدو ان خلفك قصة مثيرة للأهتمام، هيا اخبرني»
«ليس الوقت مناسبا»
« بدأت تعتاد البحر ولن نجعلك تعمل اول يوم لك على السفينة»
« حقا؟ لماذا؟» ثم استدرك « كيف سمح لي القبطان بركوب سفينته اصلا؟ هل يسمحون للغرباء بالصعود؟»
ضحك القرش قبل ان يجيب
« لا لا، لايسمحون للغرباء بالصعود ولكنهم يسمحون لرفاقي فقط»
«رفاقك؟ وهل انا رفيقك؟ ومنذ متى؟»
اطلق القرش ضحكه قبل ان يجيب «لا تتعجل الأمور فالرحلة طويلة»
«حسنا يا قرش سأخبرك بقصتي بعد ان تخبرني بقصتك» ضحك القرش مجددا « انته شاب مراوغ يا هذا، هل ستبتزني بقصتك الآن ايها المحتال؟» ضحك هزيم قبل ان يشرع القرش بقصته
« حسنا انها ليست قصة مثيرة، انا ايضا رباني رجل محسن لكن احسانه كان بطريقته الخاصة» واطلق ضحكة، استغرب هزيم
« هل كان يضربك؟!»
« الضرب اقل ما احصل عليه منه» قالها القرش وهو يضحك بقوة، كان هزيم مستغربا كيف لشخص ان يكون ماضيه قاس وهو يواجهه بالضحك « يا رجل، انت غريب»
«لمَ غريب؟»
« كيف تضحك على ما حدث لك؟ لقد عشت طفولة قاسية!»
« حسنا، وهل علي ان ابكي؟ او اكون حزينا؟ او ربما علي ان اجرب الانتحار؟» ليطلق ضحكته العالية
بقي هزيم ينظر اليه باستغراب، هدأت ضحكات القرش اخيرا وهو يحدق بعيني هزيم الحائرة
« اسمعني يا هزيم ، مهما بلغت بك قسوة الحياة ومهما حاول الجميع تدميرك،، يجب عليك ان تهزمهم، يجب عليك ان لا تخسر»
«كيف؟»
« استمر بالعيش ان ارادوا قتلك، استمر بالضحك ان ارادوا تحطيمك، استمر بالعطاء ان ارادوا سلبك كل شيء، هذه هي طريقة مواجهتهم، هذه هي طريقة كسرهم ، هكذا يهزمون»
كانت تلك الكلمات ترن في عقل هزيم فهو لم يسمع بشيء كهذا قبلا ، لقد تعلم ان يكون قويا وسريعا و ذكيا ليهرب فقط،،،،
قاطع صمته وسرحانه بطريقة تفكير صاحبه الجديد صوت القرش وهو يقول له « ها، هل وصلنا؟ هل سنرسو ام لازلنا نبحر؟» ضحك هزيم ورد « لازلنا نبحر ايها الضحوك» اطلق القرش ضحكه اخرى قبل ان يطلب اليه هزيم ان يكمل قصته،
« ااه حسنا في عمر الثالثة عشر باعني الرجل المحسن للقبطان» و أومأ برأسه نحو القبطان الذي امسك الدفة وهو يحدق بالافق بنظرة حادة،
« انه رجل قليل الكلام مثلك» واتبع تعليقه الساخر بابتسامه كبيرة،
«اذا فأنت مملوك للقبطان؟» وبانت عليه الصدمة.،
« ليس منذ هذا» واشار لندبة ذراعه
« لقد رايتها واردت ان اسألك عنها ان لم يزعجك الامر»
« كلا، فالمفارقه الغريبة اني احب هذه البشعة»
ثم انحنى نحو هزيم ليقول له سره المهم « انا احبها كزوجتي» واطلق ضحكته العالية، لم يتمكن هزيم من كتم ضحكته هو الاخر وسأله
« زوجتك؟!»
هز القرش رأسه وبدا يضرب على سور السفينه بيده وهو يقول « هذه زوجتي» واتبعها بنوبة ضحك ثانية
ضحك هزيم ، من يرى شكل هذا البحار و ندبته البشعة يظن انه قاتل بدم بارد، خلال بعض الوقت فقط ضحك اكثر مما يضحك البعض في عام كامل.
« كيف حصلت على ندبتك؟ لم تخبرني بعد؟»
« حسنا، في احدى رحلاتنا سكنت الرياح ونحن في عرض البحر وكان الجو مشمسا و بدت المياه دافئه لذا قفزنا بالبحر لنستحم ونقضي بعض الوقت بدلا من التململ على سطح السفينة»
«تقصد زوجتك، على سطح زوجتك»
ضحك القرش هذه المرة اعلى من سابقاتها ثم نادى على بقية البحارة « اسمعوا، انه يقول عن المرجانه زوجتي، حضروا لنا العشاء» ليضحك بقهقهة عالية لم يشاركه بقية الطاقم بالضحك عدا القبطان الذي تبسم لبعض الوقت ثم عاد التجهم و النظرة الحادة لوجهه، بدا ان البحارة قد استاؤوا، ورمق بعضهم هزيم بنظرات سريعه واكملوا اعمالهم، كان هزيم يشعر بالتوتر « ماذا، ماذا هناك؟ هل قلت شيىا خاطئا؟» تسائل بتوتر، هدات ضحكات القرش واستند على السفينة وهو ينظر لبقية الطاقم نظرة المنتصر
« لا يا صديقي، لقد راهنتهم اني سأجعلك تقول عن المرجانة الحمراء زوجتي مقابل ان ينهوا اعمال اليوم بدلا عنا»
«المرجانة الحمراء؟»
« اجل انه اسم هذه الجميلة» وهو يربت بكفه على سور السفينة الخشبي. ابتسم هزيم
« وتقول عني محتال؟!» ضحك القرش وهو يقول« لا تقلق سأعلمك كل الحيل» ضحك الاثنان قبل ان يستأنف القرش قصته بعد ان استدار ليواجه البحر
« كنا سعيدين بدفئ الماء ولم ننتبه لسرب القروش وهو يسبح اتجاهنا الا بعد فوات الاوان تمكن بعض البحارة من تسلق الحبال والنجاة بأنفسهم، لكن القبطان كان بعيدا عن الحبال، كنت قد تسلقت الحبال وكنت على مقربة من سطح السفينة، حين رأيت القبطان يصارع ثلاثة قروش لوحده لم افكر كثيرا قفزت للبحر وسحبت سكيني التي لا تفارق خصري وبدأت بطعنها بكل ما لدي من قوة و في اي جزء من اجسادها، هاجمني احدهما بضراوة وكاد يقتلع يدي لكن القبطان كان له رأي آخر، وهكذا حصلت على هذه البشعه، وحصلت على حريتي»
« الا تظن انك قامرت وحياتك الثمن؟»
«بلى، الجميع يقول لي ذلك في البداية،حتى يتعرفوا على القبطان عندها يعرفون ان هذا اقل ما يمكن فعله» استدار هزيم ليراقب القبطان المتجهم لبعض الوقت قبل ان يكمل القرش حديثه
« هو من علمني ان اكون ضحوكا، هو من علمني كيف اواجه ماضيّ السيء»
« اذا لما هو متجهم؟ لم ليس مثلك كثير الضحك؟»
« هل تظن انهم يحاولون سلبنا ضحكاتنا فقط؟» قالها وهو يضحك ثم قرب وجهه من هزيم « لقد ارادوا سلبه حياته فرد عليهم بأن أصبح قبطان المرجانة الحمراء»،
اطال هزيم النظر للقبطان الذي يخفي اكثر مما يظهر، قبل ان يشده القرش
« هيي، لست نوعه المفضل لكن جرب قد يقبل بالزواج منك» ضحك الاثنان،
« وهكذا حصلت انت على لقب القرش»
« ااه، نعم» ثم وقف بشموخ يناسب شكله وملأ صدره بالهواء « بسام القرش»
« حسنا يا بسام القرش، لهذا تستطيع دعوة رفاقك للسفينة»
«اجل، فالقبطان يثق بخياراتي»
«خياراتك؟»
استدار القرش ليواجه هزيم وفي عينيه نظرة جادة
« اشعر بأن لك دور مهم في قابل الزمان، لا اعرف ما هو، لكنه مهم، كاوتاد الارض، كمياه البحار»
بقي هزيم يراقب الجدية في عيني صديقه القرش ربما توقع ان القرش سيطلق ضحكة ويقول بانه كان يمزح لكن ذلك لم يحدث.
وصل القارب للساحل الذي تجمع فيه الصيادون وهم يصرخون مبتهجين لنجاة سهم وعودة الرجال من رحلة محتومة بالموت، هرول من سمع صيحات الفرح نحو الساحل وانتشر خبر عودة الجميع سالمين معهم سهم كالنار في الهشيم ليتجهون نحو الساحل كانهم يريدون رؤية العائدين بأعينهم ليصدقوا تلك المعجزة، فلسنوات طوال، اطول من عمر قريتهم العتيقة، لم يسمعوا عن نجاة شخص واحد من براثن تلك الغابة، والان خمسة اشخاص احدهم بقي قرابة الثلاثة ايام عادوا سالمين،
تدافع الناس وهم يرحبون بالعائدين كفرسان وابطال عادوا من ساحة القتال، تساعد صفوان وفواز لحمل سهم متجين به لمنزل الطبيب الذي استقبلهم وفتح غرفة صغيرة بجوار منزله جعل منها عيادته ليحفظ بها ادواته وادويته وسرير نظيف ملائم لبعض الحالات، وضعوا الفتى على السرير وسرعان ما فحصه الطبيب، فتح جفني عينه ثم فمه واستنشق رائحة فمه ثم عاد ليفحص موضع اللسع، وقد تجمع حوله كل من شاهين وجهاد وفواز وصفوان والضابط كنان. ثم يدخل نائل بسرعه ليعانق والده وهو يشكر الله لعودته سالما.
كان الجرح لم يتقيح بعد لكنه بدا غريبا للطبيب سنان، فمن ناحية طبية لم يرَ رغم سنواته الخمسين في مهنة الطب جرحا كهذا، لكن الامر لم يثني عزيمته على معالجة سهم، ترك الجميع خلفه ولم يرد حتى على شاهين الذي بقي يعيد السؤال عن صحة سهم ويكرره، اتجه نحو خزانته التي في اخر الغرفة وبدا يستخرج قوارير احتوت موادا سائلة بالوان متباينة ومختلفه ليشم بعضها ويتذوق الاخر كانه يحاول ايجاد افضل وصفه علاجية لذلك السم الغريب، استخرج بعض الزهور البنفسجية واخرى بيضاء صغيرة الحجم و مجففه واضاف اليها بعض الاعشاب والاوراق الخضراء الجافة وبدأ بطحنها ومزجها مع بعض السوائل التي استخرجها من تلك القوارير ثم قربها منه ليشمها كأنه يحاول التأكد من جودة المصل، بعدها أسرع ليضع شيئا من ذلك المزيج على الجرح بعد ان عقمه ببعض الكحول والقطن النظيف، وزع المزيج مستخدما غصن آراك حتى غطى الجرح كاملا ثم وضع قطعة قماش نظيفة ليتراجع خطوة للوراء بعد ذلك، وهو يتنهد بعد سباقه مع الوقت لصنع المصل،
« اخبرني يا سنان، كيف حال حفيدي؟» كان القلق مسيطرا على شاهين الذي لم يكن بحال يحسد عليه
« بذلت ما في وسعي، لم ارى شيئا كهذا طيلة حياتي»
« ماذا تعني؟ هل سينجو؟» سأله بنبرة مختنقة وهو يحاول منع بكائه
« لا اعرف، لم استطع تحديد نوع السم» وكان يحدق بوجه سهم ، ثم رفع نظره بأتجاه شاهين
«سننتظر حتى الفجر، وليس لدينا غير الدعاء»
في تلك اللحظة انتبهوا لوجود أجوان وهي تحدق لسهم بعيون جامدة و بانت الهالات السوداء تحت عينيها واضحة، بعد ان سمعت ما قاله الطبيب اتجهت لاحدى الزوايا لتستقر هناك كانت صامتة كأنها تحت تأثير لعنة ما.
وقفت السيدة مها بجانب شاهين وهي تلتقط انفاسها و تمسح دموعها،
«كيف حاله يا سيد شاهين؟»
« لا نعلم بعد يا سيدة مها» واخذ يداري دموعه ويتصنع القوة « كيف حال أجوان لا تبدو بخير؟»
«لا ليست بخير» و أنهمرت دموعها وهي توزع انظارها بين سهم وأجوان « بالكاد تأكل ولا تغادر غرفتها الا نادرا ولم تقل كلمة واحدة على الاطلاق» ثم نظرت اليه « لست بحال افضل سيد شاهين»
« لينهض الفتى وسأكون بخير » تنفس الصعداء وطبع قبلة على جبين سهم ، ثم توجه نحو أجوان ليجلس بجانبها متكئا على الجدار و أغمض عينه بتعب شديد.
أنت تقرأ
اسرار الظلام
Fantasíaقد ترمي بك الاقدار في مغامرة لم تعد لها العدة، فماذا ستفعل هل ستواجه ام تخضع،؟ دائما ما كان يطل من نافذة غرفته على الغابة المظلمة وهو يتخيل عالما سعيدا هناك، ولكن، تحول حلمه الجميل الى كابوس مرعب حين اخبره شاهين ان الجيش الملكي عثر على جثث الصيادين...