رست المرجانة الحمراء اخيرا في احد الموانئ الذي اكتظ بالبحارة والبضائع، وكان حجم الميناء و عدد السفن يشير الى حيوية المدينة. شرع البحارة بإفراغ الحمولة بعد ان تقاضى القبطان ثمن عمولته، وما ان انهوا مهمتهم حتى تجمعوا حول القبطان ليوزع عليهم اجورهم، ثم التفت نحو هزيم
« أخبرني القرش بحاجتك لأدوات جديدة للمطبخ»
كانت المرة الأولى التي يتكلم فيها القبطان لهزيم مما سبب له بعض التوتر، ليبادر القرش بالرد بدلا عن هزيم وهو يلف ذراعه اليمنى حول عنق هزيم «بلى ايها القبطان، فأدوات عطوة لا تناسب معايير صاحبي» نظر القبطان اليهما ثم اطرق ليستخرج بعض العملات النحاسية ويسلمها لهزيم «حسنا، لا بأس، أشتري ما تحتاج طالما لن نضطر لتناول طعام عطوة» لتنفجر ضحكات البحارة رغم عبوس عطوة الذي لم يستسيغ النكته.
ثم أنطلق البحارة لينجزوا مهامهم بأسرع وقت ممكن، حيث ذهب بعضهم لشراء الاشرعه والبكرات والخطاطيف واخرين لشراء بعض الأطعمة لمؤونة رحلتهم التالية بينما اتجه القبطان مع مساعده نحو حانة عله يجد من يستأجر مرجانته الحمراء.
توجه هزيم مع القرش لسوق الحدادين، واستمر البحث عن دكان ملائم وقتا ليس بقصير استمر فيه القرش بإلقاء النكات على المارة والبحارة وحتى هزيم لم يسلم منه ، قبل ان يعثروا اخيرا على مبتغاهم. كان دكان لرجل كبير في السن لكنه صاحب همة عالية و خلق ضيق وسريع الغضب
وبعد بعض المساومة اتفقوا اخيرا على سعر مناسب مقابل ان يقوم هزيم بالعمل، كان صاحب الورشه مقطب الحاجبين وينظر لهزيم على انه بحار لن يجيد مهنة تحتاج يدا ثابتة كالحدادة، لكن سرعان ما اثبت هزيم للرجل خطأ اعتقاده الامر الذي دفع الرجل لإظهار تعجبه من براعة هزيم و حرفيته، ولكن القرش لم يسمح للأمر ان يمر دون سخريته من الرجل واطلاق النكات والضحكات المتتالية الامر الذي اثار حنق الرجل ليطردهما بعيدا عن ورشته ما ان انهيا عملهما، كان هزيم يحمل سكاكينه وبدا الانزعاج عليه من تصرف القرش
« عليك التفكير جديا لتتصرف كراشد يا قرش انت لست مراهقا» ضحك القرش قبل ان يجيب
«وما الضير بالتصرف بعفوية؟ لا ارغب ان اثير دهشة احدهم او أهتمامه، كما اني اريد ان ابقى على سجيتي»
«سجيتك؟! انت بعمر السابعة والعشرين يا قرش، ما تسميه بالسجية مجرد حماقة»
«حسنا حسنا يا صديقي الراشد» قال وهو يشير بكفه لهزيم ضاحكا « سأحاول ان لا احرجك مجددا» ثم استدرك « هل رأيت العجوز كيف حنق عليك شعرت انه اما سيقتلك او يتزوجك» ليغرق في موجة ضحك، ضحك هزيم على تعليق صديقه ليفكر بمدى طيبة قلبه و عفويته، قبل ان يشده القرش بقوة نحو زقاق ضيق ثم يجري بسرعه، تعثر هزيم عدة مرات وكاد ان يسقط و هو ينادي على القرش «ما بك؟ توقف، قرش! توقف» لكن القرش لم يجب واستمر بالجري حتى دخلوا حانة، لوهلة ظن هزيم ان القرش اراد لقاء بعض النساء في الحانة فبدا عليه الغضب لكن سرعان ما اشار اليه القرش ان يهدأ ثم اشار بسبابته نحو الطريق، كان الجنود يحملون صورة مرسومة لهزيم وهم يسألون الناس عنه و يسألون عن المرجانة الحمراء، اشار هزيم للقرش بأيمائة انه قد فهم الوضع بعدها أشار القرش لهزيم ان عليهم العودة للسفينة، توجهوا بسرعه للسفينة وهم يتجنبون الطرقات المكتظة، اختطف القرش وشاحا معلق في واجهة احدى الاكشاك ورمى قطعة نحاسية لصاحب الكشك وغطى بالوشاح وجه هزيم ، استغرقت رحلة عودتهم بعض الوقت لانهم اضطروا للتوقف والأختباء عدة مرات قبل ان يصعدوا سفينتهم اخيرا ، لم يمض الكثير من الوقت حتى تجمع الطاقم وكانوا بإنتظار قبطانهم لتلقي التوجيهات، وصل القبطان و مساعده دخل القبطان لمقصورته في حين استدعى المساعد باقي الطاقم لدخول المقصورة ثم ادار بوجهه نحو هزيم والقرش « انتما بالذات يجب ان تحضرا» كان هزيم متوترا جدا، لكن القرش لف ذراعه حوله وهو يشدها بقوة « لا تقلق يا صديقي، انا معك ولن اتركك»، في المقصورة تجمع البحارة وكان القبطان جالسا خلف طاولته ينظر بتركيز على هزيم المتوتر، ثم بدا النقاش « ماذا يجري؟ لم الجنود يسألون عن المرجانة الحمراء» قال المراقب وكان شابا نحيفا جدا، ليرد عليه اخر كبير العمر والجسم اسمر البشرة أجش الصوت يسمى العرندس « لماذا لا تسأله؟ كانوا يحملون رسمه ويبحثون عنه» ثم تقدم خطوة ليقابل هزيم وهو يحدق فيه بغضب
« اخبرنا ايها الصعلوك ماذا فعلت؟»
«اقسم لكم لم افعل شيء، الأمر كما اخبرتكم سابقا لأني لم التحق بالجيش، اقسم لكم، صدقوني»
ليدفعه القرش ورائه وهو يقول « انا اصدق هزيم ، اخبروني» واخذ يوزع نظراته على افراد الطاقم «منذ مدة وهو يبحر معنا هل رأى احدكم منه سوءا؟» لم يجب احد، حتى تقدم عطوة وكان رجلا قد بلغ الثالثة والاربعون من عمره كان قصيرا و بدينا و اصلع و وقد خلا وجهه من الشارب والذقن « اذا لم يطارده الجنود؟» ثم وضع كفه امام وجهه «ولا تقل لي من اجل التجنيد، هل تريد ان تخبرني ان الجيش المملكة قد ترك الرجال وبدأ بمطاردة هذا الشاب من مدينة لإخرى من اجل تجنيده؟» ثم استدار نحو بقية البحارة قائلا « هل لديه قوى غامضه سترجح كفة الحرب ونحن لا نعلم؟» سكت الجميع وهم ينظرون لهزيم بتسائل وغضب، كان القلق يساور هزيم ان البحارة قد يسلمونه للجند «ارجوكم، انا فعلا لم افعل شيء» سكت الجميع لبعض الوقت قبل ان ينطق القبطان « الامر المؤكد انه ليس من اجل التجنيد» قاطعه هزيم بقوة
«لكن سيدي القبطان..» رفع القبطان يده في اشارة ليسكت، امسك القرش بذراع هزيم وسحبه قليلا استدار هزيم نحو القرش وبدأ الخوف يتملكه انه هالك لا محال، أكمل القبطان « قد يكون لدى هزيم شيء ما هو نفسه لا يعرفه، او انه شهد أمر ما دون ان يعرف خطره ، ولكن اي يكن الأمر، هم يطاردونه لإمر عظيم ليس شيء هين مثل التجنيد»
صمت الجميع وهم يحدقون بالقبطان الذي لم يرفع نظره عن هزيم « مالعمل سيدي؟» قال النائب وهو يدير بنظره نحو القبطان
« سنبحر الآن»
«الآن؟!!» صاح الجميع سويا بأستغراب
«أجل»
«ولكن سيدي نحتاج لبعض الوقت من أجل إصلاحات المرجانة وكذلك لم ننتهي من شراء ما نحتاجه!» تسائل النائب
« لن نبحر بعيدا» ثم نهض من مكانه وهو ينظر لطاقمه بنظرة واثقه وحاده « سنراوغهم»
و بدأت استعدادات السفينه بسرعه للإبحار، في أثناء ذلك وصل الجنود للسفينه برفقة الحداد العجوز الذي استخدم هزيم ورشته وهو يشير للقرش، عندها بدأ الجنود بالجري بأتجاه القرش وألقوا القبض عليه لكن سرعان ما تدخل البحارة من باقي السفن وبحركات مكر ودهاء تمكنوا من تخليص القرش من ايدي الجنود ليهرب للسفينة التي ابحرت لعرض البحر، والقبطان يراقب الجنود ممسكا بدفة السفينة وهو يوجه كلامه لمساعده « هل اتممتم الامر؟»
اقترب المساعد وهو يشارك القبطان النظر باتجاه الجنود « اجل يا قبطان، لقد طلبنا من البحارة الاخرون ان يبلغوا الجنود اننا متجهين نحو الجنوب الغربي برحلة لمدة ثمانية عشر يوما قبل ان نعود»
« هذا جيد، سنعود للميناء بالغد، عندها سيكون الجنود رحلوا بسفرة طويلة تمنحنا الوقت الكافي الذي نحتاج للإصلاحات والتزود بالمؤونة وقد نحصل على صفقة جيدة» تبادل الاثنان ابتسامة قبل ان يسأل المساعد « هل انت متأكد؟ اعني الشاب»
نظر الاثنان نحو هزيم الذي كان يلف الحبال بفكر شارد وقد علا وجهه الحزن الشديد
«لا اعرف، لكني اثق بحدس القرش فهو نادرا ما يخطئ، ثم اني أشعر انه صادق معنا تماما»
« ارجو ذلك»
«من يطارده، ليس ضابطا عاديا»
«ماذا تقصد؟»
«الم تلاحظ الوسم الذي على ظاهر كفه الأيمن؟»
«وسم يا قبطان؟»
« اجل علامة الشمس وداخلها تاج ملكي ، انهم حراس العهد الأبدي»
«حراس العهد الأبدي؟!! لم اسمع بشيء كهذا من قبل»
« انهم مرتزقه سفاحون،يحظون بدعم الملك الكامل»
« اتقصد اننا علقنا معهم؟»
ابتسم القبطان وهو ينظر لمساعده وقال وهو يرفع طرف حاجبه
«و هل يخاف من يركب البحار؟»
ابتسم المساعد وهز رأسه نافيا «كلا،لا يخاف»، في ذلك الوقت توجه القرش نحو هزيم واخذ الحبال منه «هل انت بخير؟»
«اجل» وترك الحبال وجلس مستندا لعمود الصاري «لا لست بخير يا قرش انا حقا لا اعرف ماذا يريدون مني؟»
«لا تقلق لن نتخلى عنك»
«هذه هي المشكلة يا قرش هذه هي المشكلة» وارتفع صوته بنبرة حزن وغضب « اشعر بأني لعنة تحل على كل من حولي» هدأ قليلا وعادت نبرته المنخفضة « ربما اخطأت حين ركبت السفينة، لقد جلبت لكم المتاعب»
«انت محق» قال عطوة وهو يتقدم نحوه، كان بقية البحارة يراقبون الوضع ويستمعون للكلام «نعم لقد جلبت لنا المتاعب، المتاعب والمتعة ؟» ابتسم البحارة، ثم اردف عطوة «لذا توقف عن النحيب يا هذا فمنذ زمن والملل يسيطر علينا لقد جلبت لنا متعة المطاردة أخيراً، لم نحظى بمغامرة منذ زمن » علت اصواتهم وهم يرددون «اجل،اجل» ، عندها تقدم منه العرندس « ليس عليك القلق من الجنود، الامر الوحيد الذي عليه ان يثير قلقك هو طعام عطوة» ليضحك الجميع عدا عطوة الذي غضب منه
«تبا لك يا عرندس، اخرسوا يا جرذان البحر» زاد غضبه من ضحك بقية البحارة لتصل عدوى الضحك للقبطان ومساعده،.
أنت تقرأ
اسرار الظلام
Fantasyقد ترمي بك الاقدار في مغامرة لم تعد لها العدة، فماذا ستفعل هل ستواجه ام تخضع،؟ دائما ما كان يطل من نافذة غرفته على الغابة المظلمة وهو يتخيل عالما سعيدا هناك، ولكن، تحول حلمه الجميل الى كابوس مرعب حين اخبره شاهين ان الجيش الملكي عثر على جثث الصيادين...