هزيم

37 5 2
                                    

بعد ان اختفت تلك المخلوقات في الغابة، استجمع سهم شجاعته للدخول اخيرا، وبدأ بالتحرك بحذر شديد محاولا عدم اصدار اي صوت، بعد فترة من البحث كان سعيدا اذ لم يصادفه اي مخلوق لكنه لم يعثر على شيء بعد، وأخيرا وصل سهم لمنطقه في الغابة انتشرت شتى انواع اشجار الفاكهة فيها والتي كانت ناضجة، ومن دون تفكير بدأ يقطف من تلك الفاكهة ويتناولها ليسد جوعه حتى انتبه لوجود نبع ماء صغير بالقرب منه اقترب وملئ كفيه واخذ يرتشف الماء مرة بعد مرة كان الماء عذبا و باردا، وما ان ارتوى حتى عاد ناحية الاشجار وهو يأكل اخر حبة كمثرى بيده، ثم جلس ليستمتع بنعمة الشبع وهو يلتفت حوله« لم يظهر مخلوق بعد، هذا رائع» قال في نفسه « الان يجب ان اجد ملجأ» وما ان انهى جملته وحاول النهوض حتى لاحظ شيء ما على الارض مدفون تحت اوراق الاشجار على مقربة منه ، زحف على ركبتيه قليلا ومد يده ليلتقط ذلك الشيء وما ان رفعه بيده حتى اطلق صيحة فزع بصوت مسموع، كانت يدا بشريا بقي عليها بعض اللحم وقد تحولت الاصابع المتبقية التي لازالت متصلة بها الى اللون الاسود، هنا عادت كلمات جده ترن في أذنه وهي تتردد « لقد وجدوا الكثير من الجثث الممزقة قيل انها للصيادين المفقودين» لم يتمالك سهم نفسه وشعر بان الموت كامن على مقربة منه لينقض عليه، فلم يطل البقاء وهم سريعا للابتعاد عن المكان وهو يرتعش من شدة الرعب، حاول الرجوع نحو الشاطئ لكن بدا انه تاه في الغابة المرعبة، تلفت حوله عله يجد دليلا ام علامة ما لكن دون جدوى، وبسرعة تسلق شجرة كبيرة كان قد وقف بجوارها وبعد دقائق استطاع الوصول للأعلى وحدد اتجاه الشاطئ، ثم بدأ بالنزول ولكن ما ان وصل منتصف الشجرة حتى وجد مخلوقات بهيئة الكلاب و الا انها اكبر حجما و بدون اذناب و برزت عظامها من خلف جلودها بنية اللون، كانت اطرافها الخلفية اطول من الامامية، و انيابها كبيرة و بارزة و رغم كبر فكيها الا انها لم تتمكن من اطباقها، كانت تهمهم و تبحث كأنها التقطت رائحة ما، بقي سهم في مكانه دون حركه وهو يراقبها بخوف ويخشى ان تمسك رائحته، وما هي الا دقائق حتى اقترب احدها نحو الشجرة التي تسلقها سهم، وبدأ يهمهم كأنه اقترب من هدفه، اغمض سهم عينيه، فقد تيقن ان نهايته قد حانت، واخذ يستحضر صور اهله واصدقائه كأنه يودعهم
« امي، ابي، جدي شاهين، صديقي رامي، سيدة مها، سيدة شادن، الضابط كنان، أجوان» وما ان تذكر اجوان حتى ابتسم بسخرية « أجوان اظنك اكثر شخص سيفتقدني فأنا الوحيد الذي تتشاجرين معه بعد موتي مع من ستتشاجرين، تبا، تلك الفتاة لم اعرف ابدا كيف كانت تفتعل الشجار، يبدوا انها كانت تضع الخطط لشجاراتها» توقف للحظه عن التفكير وهو يردد بنفسه « خطط» ثم اردف كأنه استدرك امرا ما « ماذا لو كانت هنا؟ ماذا لو كانت بموقفي هذا؟ اي خطة ستضع؟» نظر اسفله نحو تلك المخلوقات « وايُ خطة ستنفع مع تلك المخلوقات؟» عندها لمعت بعقله فكرة وبهدوء وسرعة خلع قميصه وفردة حذائه ولف الحذاء بقميصه كأنها صرة ثم بدأ يدور ويدور تلك الصرة ويوجهها بعكس اتجاه الشاطئ ثم القى بها بقوة انطلقت تلك الصرة وهي ترتطم ببعض الاغصان مسببة اصوات التقطتها تلك المخلوقات والتي لم تلبث حتى انطلقت سريعا باتجاه الصوت، وما ان اختفت حتى نزل سهم من الشجرة واطلق العنان لساقيه ليأخذانه بعيدا نحو الشاطئ.
وصل للشاطئ اخيرا وانحنى ليلتقط انفاسه، وبعد بعض الوقت تفحص المكان حوله لم يكن هناك اي اثر لمخلوقات اخرى جلس على الشاطئ قليلا نظر لفردة حذائه ربما كان سعيدا لتلك الفكرة التي اخسرته فردة حذائه الثانية، نزع حذائه ورماه عنه مسافة قريبة، تلفت بنظرات فاحصة قبل ان ينهض مجددا وهو عازم على دخول الغابة وايجاد مأوى قبل انسدال غطاء الليل.
في مكان اخر كان هناك شاب هارب من الجنود وهم يطاردونه من مكان لاخر، كانت بنيته العضلية تدل على انه لم يكن فتى عاديا وقد اكتسب بعض المهارات البهلوانية التي استعملها في الهروب ليجعل من الجنود سخرية للمواطنين الذين لم يتمكنوا من حبس قهقهتم على الجنود وهم يحاولون جاهدين امساك الشاب الذي لم يبخل بأبتسامته في كل مرة يرى الجنود يرتطمون ببعض او يسقطون فوق بعضهم بسبب هروبه الماكر.
في الزقاق وقف رجل كبير البطن ادعج العين كبير الانف متوسط الطول، تلفت يمينا وشمالا قبل ان يشير للشاب ليقترب، اغتنم الشاب فرصته للاقتراب من ذلك الرجل متسللا عن اعين الجنود حتى وقف امامه اخرج الرجل الذي بقي متلفتا صرة متوسطة وناولها للشاب وهو يقول
« خذها يا هزيم... وضعت لك بعض الثياب والطعام وما تمكنت من ادخره من المال» ثم ركز نظره عليه ولمعت دمعة في عينيه « اردت ابعادك عن الحرب قدر الامكان لكني فشلت» قاطعه هزيم بسرعه قائلا
« لا تقل ذلك يا خالي أدهم،، لقد بذلت الكثير من اجلي وانا لن انسى فضلك ابدا» وعانقه مطولا قبل ان يدفعه ادهم بعيدا عنه وهو يقول « هيا ارحل لن يتوقفوا عن مطاردتك» هز هزيم راسه وهو ينظر لخاله نظرة حسرة قبل ان يسمع احدهم يصيح « هاهو ذا، أمسكوا به» سريعا ما عادت ابتسامته الساخرة لتملأ وجهه وهو يركض متشقلبا تاركا خاله يغرق في موجة ضحك عالية، طاردته مجموعة من جنود.
اقترب احد الضباط نحو أدهم ووقف قبالته ماسكا بيده عصا ممشوقه من اغصان اشجار الكاليبتوس وهو يضرب بكفه بطرف العصا، استقام أدهم امامه كأنه يعيد ترتيب وقفته ليبدوا اكثر اتزانا وفخامة وهو يركز في عيني الضابط الزرقاوين في تحد واضح، لم تعجب تلك النظرات الضابط الذي ارتسمت على شفتيه ابتسامة مكر وهو يوجه كلامه لمساعده الذي وقف خلفه منتظرا اوامر سيده « نائب القائد مضر»
« نعم سيدي»
« ما اسم ذلك القرد القافز؟»
« هزيم يا سيدي»
« هل له عائلة؟»
«كلا سيدي انه فتى منبوذ يبدو ان ابويه تخلوا عنه»
لتبدا قهقهات من الضابط ومساعده سخرية من الشاب، كانت عينا أدهم تتطاير شررا، واصلا الضابط ومساعده السخرية من هزيم « واي ابوين قد يرغبان بمسخ اسود،، لابد ان الشيطان قد تدخل في صناعته» وعلت ضحكاتهما بمبالغة واضحة، تقدم أدهم نصف خطوة بأتجاه ذلك الضابط ولا يزال يتحداه بنظراته « قد يكون هزيم اسمر البشرة لكنه ابيض القلب، واي ابوين سيحظيان بشاب مثله سيكونان محظوظين » ورف بحاجبه بهدوء قبل ان يكمل « ذلك الذي وصفته بالقرد جعل من جنودكم الحمقى أضحوكة ، هذا بعض مما يجيده صنيعة الشيطان ذاك »و افرج عن ضحكة خفيفة ثم ابتعد عائدا لدكانه الذي علق في واجهته مناجل وسكاكين وكل ما اعتاد على صنعه في دكان حدادته الصغير، وقبل ان يصل اسرع الضابط بخطوات خلفه وسحب احدى تلك السكاكين المعلقة وغرسها عميقا في ظهر أدهم وهو يقترب منه ليهمس « سنرى لكم من الوقت سيبقون ضاحكين» كان أدهم يلفظ انفاسه ثم سقط غارقا بدمه وسط صرخات وذهول الواقفين، التفت الضابط مبتسما ليوجه كلامه للناس « كل من يؤوي هاربا من التجنيد سيلقى هذا المصير، لذا» وبدا يتقدم بخطوات هادئة وهو يمسح عن كفه قطرات الدم بمنديل معه « من يؤوي ذلك القرد سيلقى المصير ذاته» واشار بأيمائة نحو جثة أدهم وهو يلقي نظرة غير مبالية ثم كلم مساعده « لنذهب»
« هيا» صرخ النائب مضر ليتجمع الجنود في صفين و يغادروا المكان تاركين المدنيين يتجمعون حول أدهم و يعلو وجوههم الحزن العميق.

اسرار الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن