البعثة

15 6 0
                                    

اقترب الوقت من الثلث الاخير من الليل، حينما وضع القبطان اخر فراشة محنطة على الخريطة السرية،
«لقد انتهينا اخيرا»
«لقد كنت مستمتعة حقا»  واعقبت تعليقها ضحكة خفيفة« احب الالغاز» ضحك الاثنان،و وضع القبطان كفه على رأسها « انت فتاة ذكية يا أجوان» ثم اعاد نظره للخارطة « الان لدينا لغزا آخر، لماذا حددت والدتك انواع الفراشات على الطريق؟»
« اجل هذا ما كنت افكر فيه وانا ارتبها في اماكنها»  صمتا قليلا وهما يفكران بها
« بما ان الطريق هو داخل الغابة فهناك احتمالان الاول نوع الفراشات تشير لنوع الخطر و الثاني تشير لمكان امن وبيئته»
«ماذا تعني سيدي؟»  نظرت اليه مستغربة
« هذه الفراشة البنية»  واشار لفراشه اقرب ما تكون لعثة،« تستمد قوتها من اعدادها بامكانها نخر الصبار او اشجار قوية»
ثم اشار لنوع اخر « هذه اخطر فهذه البيضاء الجميلة من اخطر الافات»
نظر متفحصا الخارطة « لا اعرف ماذا كانت تقصد امك هل كانت تنبهنا لسلوك مخلوقات الغابة ام تحدد اماكن تجمعها؟»
« لن نعرف هذا الامر يا سيدي حتى ندخل الغابة، ولكن»  اشارت لفراشة لم يكن لها مثيل بين باقي الفراشات التي تعددت على الخارطة كانت الفراشة الملكية « بلا شك هذا هو مكان السلاح» 
هز القبطان رأسه موافقا « اجل بلا شك»
رفع رأسه للسماء ثم قال« اذهبي الان لتنامي»  هزت راسها وانصرفت حيث يرقد اخيها في المقصورة، نظر القبطان للخارطة وتمتم « بينما انا سأرسم خارطة جديدة»
عند الفجر كان القبطان يضع اخر علامات على خارطته الجديدة، عندما اقترب منه هزيم
«صباح الخير قبطان»
«صباح الخير هزيم»
«يبدو انك لم تنم،  ساحظر لك الشاي» 
«هذا جيد، شكرا لك» ابتعد هزيم خطوتين ثم توقف
« سيدي،»  التفت و نظر للقبطان الذي لازال يضع العلامات على الخارطة« سأرحل مع الاولاد للغابة»
«أعلم»  تفاجأ هزيم من رد القبطان، اطرق راسه واكمل
« لكني وعدت خالي ادهم بالانتقام،  ألا تظن اني اخلف وعدي؟»
«على الاطلاق»  رفع رأسه وهو ينظر الى الامام قليلا « هزيم،  الانتقام لا يكون بالقتل فقط،  الانتقام يكون بهزيمة خصمك، وخصمك الان يسعى خلف هؤلاء الاولاد ان تمكنت من حمايتهم ستنتصر عليه وتحقق انتقامك» كان لكلمات القبطان وقع في قلب هزيم، واخذ يفكر بكل الطرق لحماية الاولاد وهو متجه لاعداد الشاي،،
استيقظ سهم وكان يشعر بنشاط نظر لأجوان التي نامت لجانبه حدق بوجهها قليلا وطبع قبلة على جبينها ونهض،،،
***
« ارجو ان تعتني بها يا سيدي»
« لاتقلق، ابذل جهدك للعودة سالما»
هز راسه وغادر
***
كان السيد رشيد يطالع الخريطة الجديدة، فتح القبطان عينيه بتعب
«سيد رشيد»
«اعتذر يا قبطان لم اقصد ان اوقظك»
«لا بأس، ماذا هناك؟»
« اعتقد اننا سنصل للغابة عند الفجر»
بقي القبطان ممددا في فراشه وهو ينظر للسقف فوقه « ثلاثة ايام كانت كافية لنعود من العاصمة للغابة لكنها ليست كافية لاتخاذ قرار»
« القرش لن يترك هزيم يذهب لوحده و ايضا العرندس و عطوة اضف لهم اولائك الفتية»
« سيخلفون اثنين منهم»
«ماذا تعني؟»
« لقد طلبوا الي ان امنع اجوان و ريكان من مرافقتهم ولو تطلب الامر القوة»
« هل ستفعل؟»
« اجوان ذكية لكنها ليست مناسبة للغابة لذا فامرها حتمي اما ريكان فهو صياد بالفطرة رايت سهمه يصيب الهدف بطريقة افضل من اخيه،، لاول مرة احتار  هل ادع الفتى يرافقهم ام احبسه؟»
« ان ذهب العرندس سيحل محل ريكان، لكن هل ستمنع عطوة»
نهض من سريره وهو يرتدي قميصه « لا لن امنعهم انهم رجال بالغون ليختاروا طريقهم بانفسهم، اما الفتية فانا ارى نقاط قوتهم واعلم انهم سيكونون عونا للبعثة ولكن»  توقف عن ترتيب ثيابه وهو يحدق للبحر من خلال نافذته الصغيرة « هل سيكون قراري صحيحا بعدم ارسالهم ام صحيحا بمنعهم»
« قبطان»  ونظر اليه بعين ضيقة كانه فهم ما يخالج القبطان « انت قلق على القرش» نظر القبطان لمساعده لعدة دقائق « ربما انت محق» استمر بترتيب ثيابه بهدوء و وضع خنجره وهو يقول « القرش متهور،  لن يفكر مرتين قبل ان يضع نفسه امام الخطر لاجل الاخرين،نعم انا قلق عليه »....
عند الفجر كان الجميع مستيقظا وقد وضبوا بعض الامتعة الخفيفة طعام جاف ومياه نضيفة وبعض الضمادات والاعشاب الطبية وحبال وخناجر وسيوف كبيرة، تجمعت البعثة التي تكونت من سهم ورامي ويامن وهزيم والقرش والعرندس وعطوة وطبعا وقفت اجوان و ريكان،،  اقترب القبطان من سهم و ناوله خنجره « خذ هذا، لن يخذلك»  اخذه سهم وهو ينظر للقبطان بعين الامتنان «شكرا لك»
«ما ان نصل لساحل الغابة سننزل القوارب الصغيرة لتحملكم الى هناك وسنثير بعض الضجيج لنوفر لكم مرورا امنا لداخل الغابة،كما اتفقنا»  ثم نظر للجميع وهو يقول
«اتمنى ان تعودوا جميعا سالمين، احموا بعضكم بعضا»
اقترب الجميع من القبطان ليتعانقوا عناقا جماعيا قاطعهم المراقب « هيا نحن مستعدون لكم يا رجال»  وكان الحزن باديا عليه عانقه عطوة مبتسما
« لا تقلق سنعود» هز المراقب راسه، تبادل الرجال العناق الاخير ثم انزلوا قاربين استقر العرندس وعطوة ويامن في واحد اما الاخر فحمل سهم ورامي وهزيم والقرش، اقترب ريكان لينزل هو الاخر لكن القبطان اشار لرجاله ليلقوا القبض على ريكان الذي بقي يصرخ « ما الامر؟ ماذا يحدث يا قبطان؟»
اقترب القبطان منه بهدوء « انا انفذ وصية اخيك»
وما ان سمعته اجوان حتى ركضت اتجاه السور لتلقي بنفسها خارج السفينة. لكن المراقب قيدها بذراعيه بقيت تصرخ وتنادي على سهم الذي ابتعد بقاربه وهو يمنع نفسه من النظر للخلف، كان صراخ ريكان واجوان عاليا وبكائهما خلف اخويهما اثار مشاعر الطاقم،  لكن السيد رشيد نادى على الرجال ان يأخذوهما للداخل خشية ان تثير الاصوات وحوش البحر، حمل الرجال ريكان في حين اخذ القبطان أجوان بنفسه داخل المقصورة كادت تفلت منه لكنه قبض عليها بقوة ذراعيه وادخلوهما للمقصورة، جلس القبطان على ركبتيه وهو يحتضن أجوان، كانت تبكي بمرارة وهي تتوسل للقبطان ان يدعها تلحق بأخيها بينما ريكان كاد يحطم مقصورة القبطان ليتمكن من الفرار لكن عبثا،، واخيرا دخل المساعد رشيد، واعلن وصول البعثة للغابة، امسك القبطان بوجه اجوان التي كانت شبه منهارة
« لقد طلب الي اخيك ان احميك وقد وعدته بذلك، الان وقد دخل للغابة عليك ان تساعديني في حمايته» ادارت وجهها عنه غاضبة وهي تمسح دموعها  « لقد رصد المراقب سفينتين قادمتين من العاصمة لابد انهما جاءا بحثا عن اخيك»  هدأت أجوان ونظرت لعيني القبطان كانها تتأكد من صدقه سكت ريكان للحظه ثم صرخ «علينا فعل شيء»، نهض القبطان وهو يقول « اجل سنفعل، ماذا تقترحان؟»
مسح النائب دموع اجوان وهو يحتضنها من كتفيها «تكلمي اجوان لقد اثبت ذكائك»
كانت تحاول ان تهدأ واخيرا قالت « لندع مخلوقات البحر تهتم بهم»  ابتسم القبطان وقال «كنت اعلم انك ستجدين الحل»
خرج الجميع من المقصورة واسرع ريكان واجوان ينظران من سور السفينة نحو الغابة لكنهما لم يروا احدا من البعثة،
« كنت اظن اننا لن نتمكن من السيطرة عليها، كان تصرفا ذكيا يا قبطان»
ابتسم القبطان وهو يحدق باجوان التي كانت تشرح الخطة للطاقم وما ان انتهت حتى هرع ريكان لتنفيذ الخطة و لحق به باقي الطاقم « بماذا كنت تفكر قبل ان تقترح الفتاة خطتها؟»
«ذات الخطة يا سيد رشيد»  ابتسم المساعد واردف
« اذا لنعد الفطور لوحوش الغابة»
« كان افراد البعثة يسيرون بخفة وحذر محاولين تجنب احداث اية اصوات، التزاما بكلام سهم،
« اخبرنا يا سهم»  قال عطوة وهو يرتشف الشاي «هل حقا امضيت ثلاثة ايام في الغابة؟»
«اجل سيدي» دهش الجميع مما سمعوا، بينما كان القبطان يحدق به،
«اذا هل كانت هناك فعلا وحوش في الغابة؟»  تساءل القرش
« اجل، لقد رايت عدة انواع،،،،،»  وروى ما رآه منذ عامين بالتفصيل وكيف تمكن من النجاة
« هذا مرعب حقا»  علق عطوة،  انحنى العرندس ليكون قريبا له « لا تقلق يا عطوة، سأحميك هناك»
« لا داعي لحمايتك يا عرندس»  علق القرش ضاحكا « فرائحة الطعام الذي يعده ستجعل مخلوقات الغابة تفر من امامه من يدري ربما نجدها تطلب منا العون لننقذها من عطوة»  تعالت الضحكات بقوة ليسدد عطوة لكمة قوية لوجه القرش الذي لم يتوقف عن الضحك،
« انها فكرة جيدة»  نظر الجميع لاجوان  ليضحكوا اقوى بعكس عطوة الذي رمقها بغضب ارتعبت منه، لكن سهم وقف امامها كتحذير له ان لا يمس اخته، لكنها وقفت وهي تقول « كلا، كلا انا اتكلم بجدية»
«اجلسوا يا رجال» تكلم القبطان بهدوء وهو يراقب اجوان ساد الهدوء وكانت النظرات منصبة على اجوان « اعني ان كانت بعض المخلوقات تعتمد على حاسة الشم فيمكن خداعها فالوحل يغطي على الرائحة عندها لن تتمكن من تحديد اماكننا»
نظر الطاقم لبعضهم وردد بعضهم «فكرة جيدة»
«اجوان محقة»  رد يامن « اتذكر حين كنا نخرج للصيد كانت الوعول تغطي اجسادها بالطين والوحل لتحمي نفسها من لسعات الحشرات،»
« انت محق يا اخي» نهض ريكان وسحب قوسه و أطلق سهمه ليسقط احد الخفافيش « ان تعاملنا مع الغابة المظلمة كغابة عادية و وحوشها كحيونات عادية فسنتمكن من تخطيها» كان يامن ينظر لاخيه، وتبادل بعض النظرات مع سهم،، عندها اقترح المساعد ان ينهض الجميع و ياخذوا قسطا من الراحة،
فتح سهم عينيه ووجد ان أجوان قد خلدت للنوم، خرج من الغرفة واتجه نحو السطح حيث ينتظره يامن
«اظن ان القبطان لازال يقظا»  هز سهم راسه موافقا وتوجها لمقصورة القبطان،، دخلا بعد ان استأذنا، كان القبطان يعيد النظر للخريطة ليتأكد انه لم يغفل شيء « قبطان، نرغب ان نطلب منك امرا»
«تريدان ابقاء اخويكما على السفينة»  نظر سهم ويامن لبعضهما. مندهشين
«كيف عرفت،؟»
« من نظراتكما لهما»  ونظر لهما بتركيز، توجه لهما وهو يلف الخريطه « لقد وضعت كل علامة وجدتها وكتبت بعض الملاحظات التي قد تنفعكم»  وسلم الخريطة لسهم « سيغادر معكم بعض من رجالي سيحمونكم  عودوا ما ان تحصلون على ذلك السلاح»
«سنفعل، ارجو ان تعتني بها يا سيدي»
« لاتقلق، ابذل جهدك للعودة سالما»، هز رأسه وغادر
كانت المرجانة الحمراء قد رست الى الطرف الاخر من الخليج وكان طاقمها يراقب السفينتين اللتين اقتربتا كثيرا من السواحل وعليها ما يقارب المئة جندي، تسائل المراقب «هل سيقعون في الفخ؟؟»  هزت اجوان رأسها «لقد سمعت من سهم ان مخلوقات البحر تستجيب للصوت ما ان تقترب قواربهم من الصخور المدببة وتحرك الحبال ستصدر الاواني التي ربطتموها هناك الضجيج وستهاجمهم»
رد المساعد « لا اخفيكم سرا انا متشوق لرؤية شياطين البحر تلك»
رست السفن التابعه للحرس الملكي قرب السواحل وانزلوا القوارب الصغيرة وامتلأت بالجنود حتى كادت السفن تخلو منهم، قال القبطان بصوت مسموع لطاقمه « استعدوا سنهاجم السفن ما ان يقعوا في الفخ»
«حاضر قبطان»  ردوا وهم يجهزون رماحهم وسيوفهم  ثم تسلقوا الصاري لانزال الشراع مستعدين للهجوم،  كانت قوارب الجنود تقترب من الصخور المدببه وهم يجذفون بقوة وسرعة وفي كل قارب جلس ضابط يصيح بالجنود ليجذفوا بطريقة متناغمة، ابتسم القبطان « لقد اهدرنا اواني المطبخ»  ضحك البحارة بصوت هادئ وما ان عبرت بعض القوارب الصخور المدببة حتى خرجت الوحوش ذات الحراشف من البحر وهي تتقافز من الماء وتهاجم الجنود بمخالبها وانيابها، كان المنظر دمويا ومرعبا حتى لبحارة المرجانة الذين سمعوا عن تلك الشياطين ارتفع صراخ الجنود وهم يحاولون النجاة وقد طفت الجثث الممزقة والاعضاء المقطعة على سطح الماء في برك دم كان البحارة يراقبون برعب وصمت حتى صاح بهم القبطان « الان يا رجااال،  هجووم»  انتبه البحارة لنفسهم لتتعالى صيحاتهم وهم ينزلون الاشرعة واتجهوا نحو تلك السفينتين التي لم يبقى في كل واحده منها اكثر من عشر رجال وقد تملكهم الرعب هم بدورهم وهو ينظرون ماذا حل برفاقهم، ما ان اقتربت المرجانة من السفينتين حتى بدأ البحارة بالهجوم بالسهام والرماح وانقسم الرجال لمجموعتين هاجمت كل مجموعة سفينة مستخدمين الخطاطيف، والتحموا بالقتال مع من تبقى لينتهي القتال سريعا بصيحات الرجال المنتصرين،صاح القبطان باعلى صوته«هيااا، ابحرووا»،  اسرع الرجال للابحار بالسفينتين لعرض البحر تبعتهم المرجانة الحمراء، وقفت اجوان لجانب القبطان وهي تسأل « هل سنغادر!؟»
« كلا يا عزيزتي، ولكن سنحرق هاتين السفينتين في عرض البحر لتغرقا»  نظر لها وهو يدير الدفة مبتسما « لنخفي اثرهما ثم نعود لسواحل الغابة »  هزت اجوان رأسها وقد استوعبت الخطة،،
بعد هجوم وحوش البحر على القوارب تمكن اقل من نصف الجنود من النجاة والوصول للساحل كان بعضهم اصيب بأصابات بليغة واخرون قد فقدوا اطرافهم اذرع او ارجل وهم يصرخون من الالم،  تلفت القائد داغر حوله وانتبه ان تلك المخلوقات تهاجم حيثما ترصد صوت فامر نائبه مضر ونخبة حرسه ان يلتزموا الصمت وابتعدوا بسرعة عن المكان الذي تجمع فيه الجنود وما هي الا لحظات لتظهر شياطين الغابة البيض و تنقض على من تبقى وهي تهاجم بوحشية ممزقة وجوههم وبطونهم كان الجنود يستغيثون، لكن القائد داغر بقي يراقب دون ان يحاول مساعدتهم، تمكن جندي من الخروج من الماء وما ان خرج حتى ركض اتجاه القائد داغر وفجاءة قفز عليه احد المخلوقات البيض وبدأ ينهش بظهره ويمزق لحمه وهو لازال حي امسك الجندي برجل القائد داغر وهو يصرخ، سحب القائد سيفه وغرسه في ظهر الرجل مخترقا قلبه، انتبه ذلك المخلوق الذي كان يأكل بالجندي لصوت السيف وبدأ يقترب ناحية القائد وما أن  اقترب كفاية حتى طعنه داغر وقتله، كان الرعب مسيطرا على داغر ورجاله الناجين من المجزرة، لكنه اشار لهم بأن يكملوا الطريق لعمق الغابة بعد ان امر جنوده فخلعوا اغماد سيوفهم والقوا بها بعيدا عنهم،،،،،*

اسرار الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن