رد الدين

25 5 0
                                    

كنت قد سألتك سابقا،،  ان كنت مستعدا لسداد ديونك،،،  ان كنت مستعدا لتشعر بألم ضحاياك،،
الآن،،، آن وقت السداد،،،
« اخبريني الحقيقة»  قال كنان وهو ينظر اليها بتركيز « هل كنت تتنصتين علينا انا والسيدة جهينة في تلك الليلة التي بِتِ فيها عندنا»  اطرقت برأسها ولم تجب،« لا تقلقي لكن اريد ان اتأكد فقط»  هزت رأسها بأيجاب، في تلك اللحظة خرج شاهين والقائد داغر من المقر متجهين لموقع عمل سهم حسب طلب القائد، نظر كنان اليهم ليعود ويكمل حديثه « اسمعيني يا أجوان، اعتقد انه لم يتبقى امامنا وقت طويل، لقد دونت بعض الملاحظات وتركتها عند الطبيب سنان، قد تنفعكم،انت فتاة ذكية ولكن عليك الاستعداد لاي شيء،  اذا ما حدث مكروه ستنقذين سهم، هل هذا مفهوم؟»هزت رأسها بأيجاب وهي تتلقى تلك الاوامر  وفي عينيها قلق كبير،« الان اذهبي بسرعة»،،
استيقظت وهي تشعر بالام ودوران، وبعد لحظة تذكرت كيف اعدم جدها امام عينها، لتعود للصراخ والبكاء،  احتضنتها السيدة مها محاولة تهدأتها ولكنها سرعان ما فقدت رباطة جأشها لتشارك أجوان البكاء والعويل، مضى الوقت قاسيا في بيت السيد جهاد وقد تجمعت النساء ليتشاركن الحزن والبكاء على من فقدنَّ عصر هذا اليوم المشؤوم.،
بعد بعض الوقت نهضت اجوان وسارت بهدوء لخارج المنزل ورغم محاولات النسوة امساكها الا انها افلتت يدها واكملت طريقها كجسد غادرته روحه،،.
في الكهف كان الاصدقاء قلقين على ذويهم والقرية ولم تصلهم الاخبار بعد لينهض ريكان اخيرا
«لن اطيق صبرا، سأذهب لمعرفة ما يحدث هناك»
« لا يمكنك يا ريكان»  رد نائل وهو يحرك النار بعصا بيده« لا تنسى ان والدك احد السجناء»
جلس والهم يعلو وجهه، ليقف رامي ويقول « انا سأذهب»  نظر. الجميع له، وبدا عليه التوتر «ما الامر يا اصدقاء؟ انتم لا تظنون اني سأخونكم، اليس كذلك؟»
«لسنا نتهمك يا رامي» رد يامن ثم نظر لنائل واكمل «نحن فقط لا نريدك ان تتورط معنا فقط»
« ان كان الامر كذلك، فليكن » نظر الجميع اليه مستغربين، تفحص الوجوه بنظراته المتوترة قبل ان يكمل « لن اتخلى عنكم في هذا الوقت العصيب،  ارجوكم دعوني اساعدكم» و نظراته المتوسلة تراقبهم،  ليرد نائل اخير « حسنا،  اذهب ولكن كن حذرا،  لا نريد احد ان يعرف مكاننا هذا»
ابتسم رامي شاكرا ثقتهم وهو يقول بحزم « حاضر»
انطلق رامي لخارج الكهف عن طريق النفق الضيق،
ولكن لم يمضي بعض الوقت حتى عاد مجددا وقد تغير لون وجهه والقلق واضح عليه، وقف الصبية بسرعة قلقين
«ما الامر يا رامي؟» تسائل يامن «تحدث يا رجل هل عثر علينا الجنود؟»و لكنه لم يرد،، فقط ابتعد عن فتحة النفق لتخرج أجوان من خلفه وتقف امامهم بحالتها المزرية،،
ارتعد الصبية فقد تكون أجوان احضرت الجنود معها،ولكن ما ان رآها سهم حتى قال بعصبية «انت، كيف تجرأين على القدوم هنا؟» ليهاجمها بسرعة ويسدد لكمه لوجهها، وقعت على اثرها على الارض سارع نائل ويامن وامسكوا بسهم الذي بقي يحاول معاودة الهجوم و هو يصرخ «ايتها اللعينة، جدي مسجون بسببك لأنك احرقت المنارة، اللعنة عليك ايتها الشيطانة»  لكن نائل صاح به ان يسكت، ليسكت سهم قليلا و لازال الغضب يعتمر صدره،  و انتبهوا جميعا ان أجوان لا تزال على الارض ولم تحاول النهوض كعادتها،  اقترب نائل منها ورفعها عن الارض و وضع خرقة على انفها الدامي و ما ان وقعت عينها على سهم حتى انفجرت بالبكاء وهي تقول « لقد قتلوا جدي، لقد اعدموا جدي»
كان الخبر كالصاعقة على سهم وبقية الصبية، تجمدت عينا سهم عليها وهو يسمع الخبر، ليهمس
« جدي اعدم!؟» مرت لحظات صامته لم يُسمع فيها غير بكاء أجوان، لتعود ملامح الغضب لوجه سهم وهو يحاول ركل أجوان لكن يامن ونائل احكموا قبضاتهم عليه وابعدوه وهو يصرخ كالمجنون  «اعدم بسببكِ، اعدم بسببك انت قاتلة انته قتلتي جدي شاهين» كان الصبية يبذلون جهدهم لامساك سهم حتى صرخت أجوان « لقد اعدم بسببك انت ايها الغبي الأحمق» توقف الجميع وهم ينظرون لها باستغراب وقد ارتسمت علامات الغضب على وجهها « الا تفهم؟  لقد ارادوك انت ايها الغبي،  ارادوك انت ايها المنشود»
«ماذا،،، تقولين؟» رد بهدوء وقد خارت قواه من الصدمة،ليصرخ بوجهها مجددا  « ألست انت من اشاع خبر اني كنت في الغابة المظلمة؟! تكلمي!  لو انك لم تقولين شيئا لما حدث ما حدث»
لتتحول ملامح الغضب على وجهها لنظرات توسل وهي تقول «ليس انا، اقسم لست انا» واستمر بكائها 
«سهم»  قال رامي بتوتر «انه انا من قال انك كنت في الغابة المظلمة»  لتتحول النظرات نحو رامي والصدمة تتملكهم
« انت يا رامي!!؟» تسائل سهم «ولكن،،،  لماذا؟ رامي اجبني» تسائل بهدوء لهول صدمته بالحقيقة،  « في اليوم الذي تم انقاذك عدت للبيت فجرا وكانت رولا لاتزال مستيقظة كانت ستضربني لانني تأخرت ولكني قلت لها بانهم عثروا عليك فسالتني اين فاجبتها بالحقيقة» ونظر لعيني سهم واردف« لقد كان فريد موجودا ظننته نائما لكن يبدوا انه قد سمعني، انا آسف يا سهم»  ترنح سهم وهو يسمع الكلام امسك به يامن ليسنده قبل ان يعيد نظره لأجوان ويسالها بهدوء « لماذا احرقتي المنارة؟»
« في الليله التي بت فيها في بيت السيد. كنان، سمعته يتحدث مع زوجته ويقول ان والدي قد تم اعدامه منذ شهر واحد فقط»
ليصرخ الصبية سويا «ماذا؟»  هزت راسها وهي تشهق « لقد سمعته يقول ان ابي قد جرح في احدى المعارك وحين نقل للعلاج وجدوا على جانب صدره الايمن وسما ما، اعتقل بسببه وخلال تلك الفترة تعرض لكافة التعذيب ليشي بجماعته لكنهم لم يحصلوا على شيء منه، وقتل في النهاية»  ثم تحولت نظراتها لغضب وهي تنظر لسهم « لكنهم عرفوا ان لديه ابنا قد يكون لديه معلومات ما»
«حسنا يا اجوان» قال نائل بهدوء وهو يسندها من كتفها بيده لتجلس « ما دخل احراق المنارة بما سمعته»
«لان الامر ببساطه ان طوال الوقت عاش سهم كأنه هو الابن الوحيد لأبي وانا لست ابنته»صرخت بغضب وحزن « سهم هو الوحيد من له الحق في معرفة كل شيء عن ابي وانا لا،  سهم له الحرية بالحصول على كل ما تركه ابي بعكسي انا،  لذلك لم اعرف ابدا ان كان ابي قد ترك شيئا خلفه في المنارة ابقاه سرا، لا اعرف شيء عدا الصندوق الذي كان يملكه سهم» ومسحت دموعها بغضب وقوة « لم يكن لدي حل اخر غير احراق المنارة لادمر اي شيء كان قد خلفه ابي قد يهدد حياتنا»  ثم اعادت نظرات الغضب نحو سهم وهي تقول « نعم احرقت المنارة لكي احميك ايها المعتوه، احرقت المنارة لتستمر حياتنا كما هي، انا شيطانة أليس كذلك يا سهم؟  وقاتلة ايضا!، قتلت والدتي حين ولدت، هذا ما كنت تقوله لجميع اولاد القرية، اني لعنة واني قد اقتل كل من يقترب مني، كان جميع الاولاد ينعتوني بالشيطانة والقاتلة بسببك يا سهم،  كنت تقول انك كنت تنام بأحضان امي وابي،وانا كنت اعتقد اني لو نمت في فراشك، في احضانك باني سأشم رائحتهما، ولكنك ماذا كنت تفعل؟  كنت تركلني وتوقعني عن سريرك وتخبر الاطفال بأني ابلل فراشي،  هل تعلم ماذا كان يحدث لي؟  هل تعلم كيف عاملني الاولاد يا اخي؟ كانوا يسخرون مني طوال الوقت ويضحكون علي لقد ضربوني عدة مرات،  هل كنت تعلم؟  لا لم تكن تعلم، او ربما هذا ما اردته يا سهم، لم تكن تلعب معي مهما حاولت التقرب منك، و كان الاولاد يضربوني ويشدون شعري، لم يكن لدي اي اصدقاء عدا رياحين تلك التي تسميها البدينه وحتى رياحين لولا ان ابويها اجبراها على اللعب معي ما كانت لتصادقني، وبعد كل هذا اكون انا الشيطانة يا سهم،!»  لتنهض وتتجه نحو نفق الكهف الضيق واستخرجت صرة قماش وفتحتها بقوة وغضب لتستخرج دميته القديمة وقد تم خياطتها مجددا ثم عادت لتقف امامه و تقول بغضب « كنت اقوم بواجبات المدرسة لصالح رياحين وبعض الاولاد مقابل المال،  حتى تتمكن من الهرب من التجنيد»  ثم رمت الدمية على وجهه وهي تقول « خذه يا اخي لقد ادخرته لك فيها»، لم يجد سهم ما يقوله  وهو يستمع لكلام اخته غير دموعه التي جرت رغما عنه، لتكمل أجوان بغضب وحشرجة البكاء « لقد حاولت انقاذ جدي لقد فكرت  ان اخبرت الجنود عن مكانك قد يطلقوا سراحه، لهذا وقفت امام كهفكم بالامس، وقفت طويلا حتى يخرج احدكم ويراني وتهربون، ولكني فشلت، فشلت، لم استطع انقاذ جدي» لتقع على ركبتيها وتجهش بالبكاء في حين ادار الصبية وجوههم وهم يمسحون دموعا سقطت من عيونهم، اما سهم فتقدم بخطوات غير متوازنة نحوها و جلس على ركبتيه امامها ليحتضنها بقوة وهو يقول « انت لم تكوني شيطانة قط، انه انا، انا من كان احمقا، كنت انا الشيطان يا اختي»،،،
كان الليل قد انتصف وقد توزع الصبية حول النار اما  اجوان فقد وجدت مكانها في احضان اخيها الذي اجلسها لجانبه ولف يده حولها،،
« ماذا الان؟ ماذا علينا ان نفعل؟»
« علينا الانتظار»
«انتظار اي شيء يا نائل»
« لابد ان يفرج عن احد من ذوينا يا ريكان، عندها سنعرف ماذا علينا فعله»
تحركت اجوان قليلا وهي تبادل اخيها نظرات الحيرة قبل ان تقول « انا اسفه،،  لم اخبركم»
نظر الجميع لها بتساؤل «تخبرينا بماذا يا اختي؟»
« لقد،،»  واعادت النظر لهم « لقد اعدموا العم فواز  والعم صفوان» و زاد ارتباكها « والعم جهاد والعم عجرم ايضا» 
لم ينطق احدهم بحرف لشدة الصدمة وبعد لحظات بدأت موجة البكاء والصراخ،،
كانت ليلة دامسة السواد فقد كان القمر في المحاق و ظهرت النجوم لامعة،  كانت سفينة الرعاش الاسود تشق طريقها في مياه البحر، ليصرخ المراقب
« اليابسة،،  اني ارى اليابسة يا قبطان على الجانب الايسر للسفينة»
نظر القبطان بمرقابه ليحدد الاتجاه ثم اشار لمساعده الذي اخذ يحث الرجال ويلقي التعليمات 
« ارفعوا الاشرعة،، شدوا الحبال،، انزلوا المجاذيف،، هيا يا رجال،»  ونزل من منصة الدفة ليشرف على عمل الرجال ثم امر بأنزال المرساة بعد ان جذفوا واصبحوا على مقربة من الشاطئ اخيرا ،،  كان هزيم يشد الحبل بقوة حتى قاطع القرش تركيزه
« أهدأ يا هزيم أهدأ »  انتبه هزيم وارخى قبضته عن الحبل ثم بدأ بعقده وهو يتنفس سريعا محاولا تهدئة اعصابه،،
كان الصبية قد انهاروا لشدة حزنهم وبكائهم،
« لقد امر القائد داغر بابقاء الجثث معلقة حتى تتعفن»  قالت أجوان وهي تنظر لوجههم  ،  ليصرخ نائل بها « اسمه المرتزقة، المرتزقة داغر لا تبجليه امامي»
«نائل» ليصرخ سهم بوجهه بقوة « لا تصرخ بوجهها»
انتبه نائل لنفسه «انا آسف» و دار وجهه للجانب الاخر وهو يمسح دموعه التي لا تكف عن الانهمار  ،
«لا بأس» ردت اجوان ونظرت لسهم واردفت « علينا التحرك» نظر الجميع لها وهم يتساءلون « ماذا نفعل؟»  نظرت لهم وكان الاحباط واضحا عليهم، لتقف وهي تقول
«علينا دفن ذوينا»
كان الفجر في اوله ولا تزال ظلمة الليل تلف القرية المنكوبة حين تقدم الصبية من جهات مختلفة وأطلقوا لبعضهم البعض صفارات واصوات طيور وما هي الا ثوان لتشتعل النيران في اسطبلات خيل الحرس الملكي و البيوت التي استولوا عليها، أطلق الجنود الصيحات وهم يحاولون السيطرة على النار وإخراج الخيول من الاسطبلات وخلال تلك الفوضى تقدم سهم وأجوان نحو منصة الاعدام حيث لا تزال جثث رجال القرية معلقة، تعمدا عدم النظر لجدهما وهما يحاولان قطع الحبال وبعد لحظات سمعوا اصواتا حولهم وعندما استداروا ليتحققوا من مصدر الصوت وجدوا السيدة جهينة والسيدة يارا زوجة فواز و معهن بعض النسوة هجمن بقوة وصمت دفعن عمود المنصة عدة مرات، نهض الاخوين ودفعا معهن العمود لتنهدم المنصة اخيرا وتقع الجثث ارضا، خرج الرجال والنساء من كل مكان ليحملون الجثث و تذهب كل مجموعة في اتجاه، و رغم ان احدا من اهل القرية لم يكن على دراية بعملية سرقة الجثامين، الا انهم تصرفوا بسرعة وخفة كانما كانوا تدربوا على ذلك،  استمر سهم وأجوان اللذين ساعدهما في حمل جثة جدهما السيدة مها والسيد رافت ورامي بالركض بعيدا داخل الغابة، حتى انبلج الصباح اخيرا، توقفوا و بدأ السيد رأفت ومعه رامي والسيدة مها بحفر القبر بسرعة،نظر الاخوان لجدهما واخذ سهم بفتح عقد حبل الشنق ويحرر رقبة جده منها في حين اخذت أجوان تمسح على لحيته طغى الحزن عليهما و وقعا على جثة جدهما وهما يبكيان بحرقة، بعد بعض الوقت كان القبر جاهزا و تم انزال الجثمان فيه ودفنه ووضع علامة مبهمة عليه، كان الإرهاق والحزن قد انهك الاخوين، لكن السيدة مها اجبرتهما على النهوض والتحرك « عليكما التحرك سيبدا اولائك الاوغاد بالبحث عمن اخذ الجثامين وخاصة انت يا سهم»  هز سهم رأسه بتعب، قال السيد رأفت « اذهب لكوخ الحطابين واختبئ هناك، لقد تم تفتيشه بالامس لا اظنهم سيقصدونه مجددا» 
«شكرا يا سيدي، لكن اتفقنا مع نائل و يامن و ريكان على موقع اخر»
«كما تريد يا بني ولكن يوجد هناك طعام خذه في طريقك»
«شكرا يا سيدي»ثم نظر لأجوان ورامي « فلنذهب»
وأنطلق الثلاثة عائدين لكهفهم،،،*

اسرار الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن