الهروب

28 5 1
                                    

قد تمنحك الدنيا عطايا بعد البلايا فلا تظن انها نهاية الأختبار ..
مضى بعض الوقت قبل ان تبدأ اصوات الهمهمة والخطوات تقترب منه، حافظ سهم قدر المستطاع على هدوئه، حتى انه وضع كفه على فمه وانفه كاتما اصوات تنفسه، بدأت الحركات تقترب منه و كأن المخلوقات قد التقطت رائحته و لكنها لم تحدد مكانه بعد، وبدات تبحث حول الشجرة، دفع الفضول بسهم ان يقترب من بوابته الخشبية ويحرك بهدوء بعض الاوراق ليسترق النظر ليحدد اي نوع من المخلوقات التي تبحث عنه، و بعد ان تمركز في مكانه تمكن اخيرا من صنع فتحه صغيرة بين الاوراق لكنه لم يرى شيء فبالاضافة لظلام الغابة لم تكن زاوية نافذته الصغيرة جيدة، فأختار موقعا اخر ليطل على الخارج، ولكنه احدث صوتا خافتا هذه المرة، انتظر بعض الوقت خشية ان تكون احدى المخلوقات التقطت الصوت ثم بدأ بأبعاد الاوراق، وايضا لم يرى شيء بسبب ظلمة الغابة فقرر ان يقترب من تلك الاغصان عسى ان تتضح لديه الرؤيا وما ان وضع عينه على الفرجه الصغيرة حتى ارتعد خوفا، فقد كان يحدق بعين فضية لاحدى تلك المخلوقات التي بدت انها التقطت رائحته القوية منبعثه من تلك البقعة، تراجع للخلف ببطئ واستقر في مكانه بأخر الحفرة، استمرت المخلوقات بالبحث ليبدأ الزعيق والصيحات المفزعة فقد التحمت بقتال مع مخلوقات الغابة الاخرى، استمر القتال الشرس لبعض الوقت مزقت الوحوش بعضها بعضا، لتنتهي مجزرة اخرى داخل تلك الغابة بعيدا عن عيون الناس، ثم ابتعدت تلك المخلوقات و توغلت في العمق المظلم، بعد ان عم السكون في الخارج و شعر بالأمان غط سهم بنوم عميق ،استيقظ في الصباح كان لا يزال مستلقيا فبدأ يتذكر ما رآه وسمعه ليلة البارحه،
« هذا غريب، كيف تمكنت من النوم بعد احداث الامس؟ والأغرب من ذلك منذ ان وطئت أرض الغابة وانا لم أرَ كابوسا واحدا» ابتسم بسخرية « ربما لأني اعيش الكوابيس فعلا» نظر من خلال الاغصان وأنصت للأصوات كان كل شيء هادئ في الخارج حرك الاغصان المنسوجة وأطل برأسه بهدوء وترقب واخذ وقته حتى خرج من ملاذه وهو يتلفت و يتأكد من عدم وجود اي شيء متحرك حوله. وكالعادة نهض بأتجاه الساحل، كان أمله كبيرا بجده انه لن يتخلى عنه.
في الجانب الاخر وصل هزيم للميناء يحمل صرة ملابسه وهو يتناول قطعة خبز و ينظر حوله متفحصا محيطه، كان الميناء مزدحما بسفن البضائع والتجار الذين يتابعون بضاعتهم وصياح البحارة وهم يحفزون بعضهم لتفريغ الحمولات او الاستعداد للإبحار، كان يراقب بلا مبالاة ولا يعرف مالذي حدث في مدينته الصغيرة بعد فراره منها، اقترب منه بحار ضخم الجثه زادته الشمس إسمرارا اصلع و بلحية كثيفة شعثاء مع ندبة كبيرة على طول ذراعه،
« تبدو غريبا ايها الشاب» نظر اليه واستمر بقضم خبزه بعد ان هز رأسه بالايجاب، قلص الرجل عينيه وهو ينظر لهزيم « تبدو شابا فخورا» لم يجبه واشاح بنظره ليستمر بالنظر حوله
« هل لديك عمل؟»
«كان»
« اي نوع من الاعمال؟»
« القاسية»
« هنا في الميناء؟»
« لا»
« اخبرني يا هذا، هل لديك مشكلة في النطق؟ أم انك قليل الكلام؟»
«ربما» واعاد النظر للبحار الذي بان عليه الغضب
« هل لديك عمل لي؟» تسائل بأبتسامة
« ربما» اجاب بحدة و ابتعد عائدا لسفينة راسيه تستعد للمغادرة، في تلك اللحظات لمح هزيم الجنود وهم يبحثون عن شخص ما، لم يكن بحاجة لمن يخبره بأنه يبحثون عنه، نهض من مكانه وحاول تجاوزهم و التخفي بين الناس وخلف البضائع، ولكن لم يدم الامر طويلا حتى عثروا عليه لتبدأ الصيحات
« هنااك، أمسكوا به» لتبدأ جولة جديدة من مطاردة الجنود لهزيم ، حاول التهرب مستعملا مهاراته في القفز البهلواني بين الناس وفوق البضائع تارة و متمسكا بالحبال والشباك التي رفعت البضائع تارة اخرى والجنود يتصادمون ببعضهم او يقعون فوق البضائع وسقط آخرون في ماء البحر الأمر الذي اثار موجة ضحك عالية بين كل من شاهد تلك المطاردة المجنونة، واخيرا تم محاصرة هزيم عند احد مداخل الميناء المؤدي لداخل المدينة، كان وضعا حرجا لهزيم واخذ بعض الجنود بالتبسم كتهديد لما سيفعلونه به، عندها سمع صوتا عاليا ينادي « هيه، ايها الشاب، انت يا قليل الكلام» التفت ناحية الصوت ليجده البحار الضخم يلوح له من سفينته التي بدأت بالابحار، تبسم هزيم ثم انطلق مستعينا ببعض الحركات لينفذ من بين الجنود وينطلق سريعا نحو الرصيف الذي تبحر منه السفينة انطلق بأسرع ما لديه ولكن تسبب المارة وبعض الصناديق على طريقه بعرقلته، ولولا ان البحار مد يده له لما تمكن هزيم من الوصول للسفينه حتى بعد قفزته الكبيرة، نظر للبحار الذي امسكه و كان مبتسما بوجهه وبدا سعيدا به وربما علق الامال عليه، ابحرت السفينه وعلى متنها هزيم الى حيث لا يدري.
انطلق القارب نحو ساحل الغابة المظلمة وهو يحمل الرجال الأربعة وكانو يستخدمون الأشارة فيما بينهم فبعدما استيقظوا وكانوا يستعدون للإبحار قال الصياد لهم « أسمعوني يا رجال، بعد ان نتجاوز الصخور المدببة نكون قد دخلنا حدود الغابة المظلمة كما تعلمون تلك المياه التابعه للغابة تعج بالوحوش، وكما اخبرتكم سابقا يبدو ان الأصوات تجتذبها، لذا من تلك النقطه سيلتزم الجميع بالصمت والتواصل يكون فقط بلغة الإشارة ثم نستبدل المجاذيف بالعصي الطويلة لدفع القارب للداخل، فالعصي لن تحدث صوتا كالمجاذيف» ثم تقدم نحو شاهين « انت تتفق جيدا مع صديقك جهاد لذا ستجذفان بالمجاذيف حتى ندخل المياه الساحلية للغابة بعدها يأتي دورنا انا وصفوان»
« حسنا،» ثم اكمل كلامه موجها للجميع « لدى كل منا سببا للذهاب هناك ولكن، هذه الرحلة ستكون بأمرتي أنا وستنفذون ما اقوله دون تردد ، وتذكروا أي احد يتصرف من تلقاء نفسه قد يكلف البقية حياتهم» وركز بنظره على شاهين،
« حسنا، اعدكم بأني لن اتصرف بتهور»
«هذا جيد، سنبدأ. بالبحث على اي دليل للفتى على طول الساحل وصولا للقناة البحرية، ثم سنتابع البحث فيما بعد بالتعمق داخلا، ادعو ان نجد الفتى على الساحل وقريبا جدا»
«آمين، آمين» اجاب الجميع
«والآن لننطلق»
« انتظر» اوقفه شاهين ووقف البقية يترقبون
« لم تخبرنا بأسمك بعد يا سيدي»
ابتسم ثم اجاب « فواز»،
كان فواز وصفوان يدفعان القارب بروية وسكينه في حين كان جهاد وشاهين يبحثون على اي دليل على وجود سهم، استمر البحث حتى انتصف النهار وفجأة اشار شاهين بفرح غامر وارتباك لشيء على الساحل، وقف الجميع يحاول معرفة الى ماذا يشير، عندها لمح فواز اخيرا جوربا على احد الاغصان، اشار لصفوان بأن يدفع بأتجاه الغابة استمر الدفع البطيء تحاشيا لأي صوت ممكن ان يصدر حتى وصل القارب للجرف اخيرا ترجل شاهين وجهاد و فواز عن القارب وبقي صفوان مستعدا للإبحار في حالة حدوث أي طارئ، اراد شاهين التقدم نحو الجورب لكن فواز امسك بذراعه ومنعه، التفت اليه ليستفهم منه لكنه وجد الرجال الثلاثة يراقبون ويتفحصون المكان بحذر عندها فهم الموقف وبقي ساكنا حتى افلت فواز ذراعه واشار اليه بالتحرك بهدوء، تقدم شاهين بخطوات صغيرة وهادئه بالرغم من انه مجبرا على المحافظة على الهدوء، الا ان مشاعره المضطربة بدأت تخالجه والافكار المرعبة تسيطر على عقله وقف في مكانه وهو يتخيل الاسوء، أدرك فواز الامر سريعا فتقدم بهدوء حتى وصل لشاهين واشار اليه ان يعود للقارب، هز شاهين رأسه بإيجاب التزاما بوعده وعاد للقارب في حين تقدم فواز والتقط الجورب ولم يكن الجورب الاخر بعيدا لذا قام من مكانه وسار بأتجاه الاخر وهو لا يزال يتلفت حوله خشية المفاجآت جلس ولاتزال عيناه يتفحصان المكان ثم نظر للجورب الاخر وما ان سحبه حتى اتسعت عيناه بصدمه،لاحظ جهاد ان فواز قد تأخر ليلتقط الجورب وكان عليهم التحرك بسرعه فاتجه نحوه، ليرى مجموعة اشلاء لمخلوقات ممزقه وبعض الجثث قد فقدت الكثير من لحومها وكان جورب سهم مصبوغا بالدم.
استمر سهم بالسير في الغابة وفجأة هاجمه مخلوق بعد ان قفز عليه من فوق احدى الاشجار كان المخلوق يشبه الافعى اسطواني الشكل بطول قدمين بدا رأسه كأنه قطع من جسمه ليحل محله فم دائري مليئ بتراكيب لحمية كأنها اسواط صغيرة، كان يهاجم سهم بقوة حتى اسقطه ارضا، حاول سهم التملص منه، ولكن تلك الاسواط الصغيرة لامست سهم في الجزء العلوي الايمن من بطنه سببت له حرقه شديدة اطلق سهم بسببها صرخه عالية، وما ان صرخ حتى انتبه لنفسه وحاول ان يتدارك الوضع،التفت حوله ثم التقط حجرا لم يكن بعيدا عن يده واخذ يضرب المخلوق على وجهه المليء باللوامس ليفزع المخلوق بعد تلقيه عدة ضربات ويفر هاربا، اما سهم فبدا عليه التعب و صارت الرؤيا لديه ضبابية نهض بصعوبة وهو يترنح ويشعر بالدوار وكأن الارض تلف وتدور به اخذ يتسند على الاشجار محاولا الهرب نحو الشاطئ وبدأ يتخيل تلك المخلوقات البيض الزاحفة تهاجمه كان يصارع في مخيلته تارة يصدق ما يتخيل وتارة ينهض ليكمل الطريق نحو الشاطئ،.
انطلق القارب حاملا الرجال وبدأ الهمس بينهم
« اخبرني يا فواز، ماذا رأيت، لا تخفي علي، تكلم»
« هشش» ورفع كفه بوجه شاهين يحثه على التزام الهدوء ثم رفع الجورب المدمى، صعق شاهين واختل توازنه وكاد يسقط لولا ان امسك به جهاد وفواز الذي همس له
« اهدا، لا اظن ان الفتى قتل» استعاد شاهين توازنه بعد سماع تلك الجملة « لقد وجدت الجورب الاخر على الغصن يبدوا ان حفيدك نشر ثيابه المبللة لتجف ولكنه نسي جواربه » ثم اطرق يفكر قبل ان يعيد النظر لشاهين ويكمل « لن اكذب عليك يبدو ان الفتى مطارد»
« ماذا تقول؟» نظر فواز ليدي شاهين وهي ترتجف واكمل همسا « علينا ان نسرع بالبحث فالوقت ليس لصالحنا » ثم اشار لصفوان بالتحرك سريعا بمحاذاة الساحل.
أدرك سهم انه تعرض للتسمم من تلك اللدغة وبدأ يهلوس من دون تفكير وضع يده على موضع اللدغة وبدأ يضغط عليها مسببا له آلاما مبرحة لكن تلك الآلام جعلته يستفيق من هلاوسه للحظه ظن انه سمع صوت يشبه صوت حافر الحصان، فعلم انها تلك المخلوقات البيض استجابت لصيحته فبدا يركض بشكل متمايل بسبب السم وهو يسعى للوصول نحو الشاطئ، واخيرا ظهرت الرمال البيضاء ابتسم وهو يشعر بمرارة في اخر حلقه لم يبتعد كثيرا عن حدود الغابة حتى سقط مغمى عليه على الرمال البيضاء،
رسى القارب على الشاطئ ونزل فواز وصفوان من القارب واخذا يركضان كالمجانين كان فواز يحمل سكينة كبيرة نقش عليها أسم (المخلب) ووقف عند رأس الفتى الملقى على الرمال في حين رفع صفوان الفتى على كتفه وعادا بسرعتهما المجنونه نحو القارب ليبدأ كل من جهاد وشاهين بدفع القارب بعيدا عن الشاطئ بعد ان صعد الصيادان على متنه، كانت صرخات شياطين الغابة البيضاء وزعيقها مرعبا وعاليا كأنها تلعنهم لسرقة صيدها وهي تتحرك ذهابا وايابا خلف الأشجار، في حين انهارت قوى شاهين وهو يحتضن حفيده ودموعه تتقاطر على خدي سهم.

اسرار الظلام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن