" العودة إلى المنزل "

835 39 0
                                    

بسم الله يلا نبدا:

كان الطفل حينها يرتدي ثوبًا يصل إلى منتصف ساقه يحمل بيده سراجًا قديمًا متآكلًا فيه قبس من نار، يطوف به ساحة البيت الواسعة كعادته كل ليلة قبل النوم ليتحقق مما إذا كانت أبواب ونوافذ البيت مغلقة، ومما إذا كانت القناديل المعلقة على الحيطان مطفأة، وبينما لا يزال في جولته التفقدية تلك إذ سمع صوتًا عند الباب....

كان الوقت متأخرًا جدًّا من تلك الليلة الباردة، ولم يتعود الطفل طوال سنواته العشر الماضية، على الزيارات المفاجئة....

لذلك فإنه وضع السراج جانبًا، انحنى ليلتقط فردة حذائه بيده ووقف في مكانه متخذًا وضعية مقاتل، ثم زمجر قلقًا وهو ينظر نحو الباب كشبل أسد صغير التقطت أذناه حفيف خطوات غريبة تقترب من عرين الأسود:

لص!!

رغم الظلام الحالك إلا أن ضوء القمر الناعم ساعده على رؤية ملامح ذلك اللص وهو يفتح الباب ويدخل:

كان رجلًا طويل القامة نحيل يرتدي ثيابًا سوداء ويلف حول عنقه شالًا صوفيًّا، يمتلك ملامح وجه حادة كما لو أنه استعارها من نسر:

أنف معقوف عينان قاسیتان حاجبان مرسومان بدقة وشارب ثقيل متصل بلحية خفيفة....

حدق الطفل فيه بحذر لأكثر من خمس دقائق مثل ملاكم في حلبة قتال يتحين قرع الجرس للهجوم على خصمه....

ابتسم اللص:

كيف حالك أيها الصغير؟!

ثم ومن دون مقدمات هجم عليه مستعينًا بفردة حذائه، فلم يملك ذلك اللص حينها إلا أن هرب من أمامه....

كادت تلك المطاردة أن تمتد طويلًا في ساحة البيت الداخلية لولا أن اعترض أحدهم طريقه:

ماذا تفعل!!

صاحت " جومانا " في وجهه:

توقف إنه أبوك!!

جلست على الأرض لفت ذراعيها حول ابنها بحنو، وجعلت تحاول إقناعه بأن ذلك الرجل هو والده وبأنه ليس لصًّا كما يظن وحين اقتنع بعد فترة طويلة من الجدال، لم يشعر بالخجل ولم يعتذر عن سوء تصرفه كل ما قالو هو:

لم أكن أعرف....

كانت " جومانا " سلفا قد حضّرت كلمات العتاب التي ستقولها أمام زوجها عندما يعود من غيابه ولكن عندما جاء، مات الكلام في صدرها ذلك أن كل معارك المرأة دائمًا ما تنتهي بانتصارات الحب.

أبَابيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن