الثالث و الثلاثـون. ( 🔞 )

3.1K 119 46
                                    

---

- الماضي -

جلس زاك الصغير على الطاولة الخشبية القديمة في المطبخ، وقد أسند وجهه على كفيه الصغيرتين. كان هناك شيء ثقيل في قلبه، مزيج من الحيرة والقلق. نظراته الغائمة كانت تتبع حركات والدته التي كانت تتنقل بين الخزائن، تحضّر الطعام برشاقة غير معهودة.

لم يكن يفهم هذا التغيير المفاجئ. طوال اليوم كانت والدته هادئة بشكل مريب، والآن فجأة أصبحت ودودة، بل مبتسمة. تلك الابتسامة الغريبة التي تعلو وجهها لم تكن مألوفة له؛ ابتسامة واسعة بطريقة غير طبيعية، وكأنها تخفي شيئًا تحت السطح. كان هذا اللطف الزائد يجعل قشعريرة باردة تزحف في جسد زاك.

"هيا، تعال!" قالت بصوت بدا لطيفًا ظاهريًا، لكن نبرته حملت شيئًا يشبه الأوامر الخفية. مدّت يدها إليه.

نهض زاك ببطء، مترددًا، وكل خطوة منه بدت وكأنها تجسّد شكوكه العميقة. وعندما اقترب منها، أمسكته والدته فجأة، وكأنها خافت أن يهرب.

"سأبدأ بإضافة المقادير، وعندما أطلب منك شيئًا، عليك أن تضعه، اتفقنا؟" همست وهي تربّت على ظهره بخفة، يدها كانت ثقيلة، وكأنها تحذير غير معلن.

نظر إليها زاك بعينين متسائلتين، شعره الأشقر المبعثر يغطي جبهته، لكنه أومأ على مضض، خائفًا من رفض طلبها.

بدأت والدته بخلط المقادير، وكلما حركت يديها في الطبق، بدت أكثر انغماسًا، كأنها تقوم بطقس غامض.

وفجأة، دون مقدمات، طلبت منه علبة موضوعة بجانبه. نظر إليها زاك ببطء، قبل أن يلتقطها بأطراف أصابعه الصغيرة. كانت العلبة غريبة، عليها صورة فأر مرسوم بدقة أثارت داخله شعورًا غريبًا بالاشمئزاز.

"هيا، ضعها في الطبق. ساعد أمك!" قالت بلهجة مشوبة بشيء من الإلحاح، وعيناها تلتمعان ببريق مخيف. ابتسامتها الغريبة ازدادت اتساعًا حتى بدت كأنها ستمزق وجهها، تلك الابتسامة التي جعلت قلب زاك ينكمش في صدره.

بيدين مرتجفتين، فتح العلبة وبدأ بسكب محتواها في الطبق. كان يراقب المادة اللزجة تنسكب ببطء، متسائلًا عن ماهيتها، لكنه لم يجرؤ على السؤال.

بمجرد انتهائه، ألقى نظرة أخرى على العلبة. صورة الفأر كانت هناك، مشؤومة كما كانت قبل قليل. لم يكن قد رأى مثل هذه العلبة من قبل، ومع ذلك حاول إبعاد فضوله جانبًا.

"أحسنت. يمكنك الذهاب الآن." قالت وهي تلوّح بيدها، وكأنها تطرده.

لم يكن بحاجة إلى سماعها مرتين. استدار زاك بسرعة، وأخذ يخطو بخطوات متسرعة نحو الباب. لم يرغب في البقاء هناك أكثر. كانت الأجواء في المطبخ خانقة، محملة بشيء لا يمكن تفسيره، شيء جعله يشعر أن هناك خطبًا ما... لكن عقله الصغير لم يستطع فهمه بالكامل.

لُعبته.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن