الجـزء التـاسع.

9.9K 208 182
                                    


---

كان هيبر جالسًا على الأرض، جسده منحنيًا ورأسه مدفونًا بين ركبتيه. كان الجو هادئًا بشكل مرعب، وكأن الصمت ذاته يصرخ في أذنيه. مر يومان منذ آخر مرة رأى فيها زاك، تلك الليلة المظلمة التي لم يستطع نسيانها. منذ ذلك الحين، لم يرَ لا زاك ولا أي أحد من الخدم. بدا وكأن العالم الخارجي قد نسيه تمامًا، تاركًا إياه وحيدًا في هذا القفص المظلم.


شعر هيبر بألمٍ يجتاح جسده من الجوع الذي لم يهدأ منذ اختطافه. كان بطنه يئن من شدة الفراغ، وكلما تذكر الطعام الذي ألقاه بغضب، كانت المرارة تتسلل إلى قلبه. ندمٌ عميق اجتاحه، فهو يدفع ثمن تصرفه الأحمق الآن.

حتى غياب زاك كان يؤلم هيبر بطرق لم يكن يتوقعها. كيف يمكن لرجلٍ أذاقه العذاب أن يصبح غيابه مزعجًا بهذا الشكل؟ هل يعقل أنه يشتاق إليه؟ هذه الفكرة وحدها كانت كافية لتهزّ كيانه. حرك رأسه بقوة ليطرد تلك الأفكار السخيفة، لكنه لم يستطع إنكار إحساس الفراغ الذي خلّفه زاك في داخله.

في هذه اللحظة من التفكير العميق، سمع هيبر صوتًا قطع الصمت. رفع رأسه بسرعة نحو الباب، حيث كان القفل يتحرك ببطء. قلبه بدأ ينبض بعنف في صدره، عيناه اتسعتا وهو يشاهد زاك يدخل الغرفة. كان جسد زاك طويلًا وقويًا كما تذكره، لكن تلك النظرة في عينيه كانت أكثر برودة من أي وقت مضى.

نهض هيبر بسرعة، وكأنه يحاول الهروب من سجن مشاعره. خطا خطوات متسارعة نحو زاك، لكن السلسلة التي كانت تقيد قدمه بالسرير أوقفت تقدمه فجأة، تاركة إياه يتخبط في مكانه. كان قريبًا جدًا من زاك، ولكن ليس قريبًا بما يكفي ليلمسه. أراد هيبر بشدة أن يمد يده ويحتضن زاك، أن يصرخ له أنه اشتاق إليه، أن يطلب منه ألا يغيب مرة أخرى.

مد هيبر يده نحو وجه زاك، لكنه توقف في منتصف الطريق عندما أدار زاك وجهه بعيدًا. كان زاك يعلم تمامًا ما الذي يفعله، وكيف يجعل هيبر يشعر وكأن الأرض تبتلع قدميه. كانت تلك النظرة في عيني زاك تقول الكثير؛ أنه يعلم أن هيبر يكرهه ويحتاجه في نفس الوقت. يريد حضوره ويخشاه في ذات اللحظة.

عندما أدرك هيبر أن زاك لا يزال غاضبًا، لم يكن أمامه سوى خيار واحد. جثا على ركبتيه أمامه، مستسلمًا تمامًا، صوته خرج هامسًا من أعماق قلبه، "أنا آ-آسف جدًا على ما فعلته. أعدك أنني لن أخطئ هكذا مرة أخرى."

لكن زاك لم يظهر أي علامة على التسامح. عيناه بقيت باردة، تعبيره جامد كالجليد، ولم يكن يبدو مستعدًا لتصديق هيبر أو مسامحته.

"أرجوك..." تمتم هيبر وهو يرفع نظره نحو زاك، أملًا في أن يجد في تلك العيون القاسية بعض الرحمة.

لُعبته.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن