الثـامن عشـر.

5.8K 183 79
                                    

---

رمش زاك بعينيه الباهتتين ببطء، وكأنه يحاول التمسك بآخر خيط من الوعي المتبقي لديه، ولكن هيبر أدرك تمامًا أن التعب والألم قد استنزفا كل ذرة من قوته. كانت نظرات زاك، المليئة بالاستسلام والعجز، تجرح قلب هيبر أكثر مما يمكن أن يعترف به حتى لنفسه.

شعر هيبر بثقل كبير يضغط على صدره، مزيج من الذنب والخوف والندم اجتاح كيانه. تساؤلات لا متناهية بدأت تتراكم في عقله: هل كان زاك يستحق هذه النهاية؟ وهل كان هو، هيبر، جاهزًا لتحمل عبء ما قد يحدث بعد ذلك؟

نهض هيبر ببطء، محاولًا تجنب النظر في عيني زاك التي بدت وكأنها تترجى بقية الرحمة التي قد يجدها داخله. أفلت رأس زاك برفق، رفع عينيه بصعوبة ليشاهد هيبر يتراجع للخروج من الحمام. هيبر وهو يبتعد كان يزيد من وطأة الذنب التي تنهش قلبه، لكنه قرر، بتصميم متردد، أن يترك زاك لمصيره، وأن يغادر قبل أن تتفاقم الأمور بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

زاك، الذي كان وعيه يتلاشى ببطء مع كل ثانية تمر، تابع بنظره هيبر وهو يسير مبتعدًا. رغم حالته المتدهورة، ورغم أن عقله كان يحاول إقناعه بأنه لا ينبغي أن يهتم بأمور كهذه في تلك اللحظات، إلا أنه لم يستطع تجاهل الألم الذي اعتصر قلبه. كيف يمكن لهيبر أن يتركه في هذه الحالة ويذهب، تاركًا إياه للموت وحده؟

كان هيبر يمشي ببطء نحو باب القصر، وصداع الضمير يعصف بعقله. عندما فتح الباب، لامسته نسمات الهواء الباردة، وكأنها تحاول أن تخفف من نار الصراع الداخلي الذي يشعر به. كانت السماء قد بدأت تظلم، والظلال بدأت تتسلل عبر الحديقة الضخمة التي بدت وكأنها تمتد إلى ما لا نهاية.

تنفس هيبر الهواء النقي بعمق، وهو يخطو خارج القصر، متجهًا نحو الحرية التي بدت قريبة جدًا ولكنها في الوقت نفسه بعيدة عن متناوله. نظر من حوله لكنه لم يجد ذلك الرجل الذي وعده بأن يساعده في الهروب، لكن ذلك لا يهم الان، لأن لا يوجد احد يمنعه أو يمسكه من الاتجاه للخارج، سيذهب بمفرده، و لن يحتاج لمساعدة اي احد اخر
كان الطريق عبر الحديقة طويلًا، وكل خطوة تقربه من الأبواب الخارجية كانت تبعده عن زاك، وعن كل ما يمثله. لكنه، مع كل تلك المسافة التي قطعتها قدماه، لم يستطع أن يتخلص من تأنيب الضمير الذي ينهش قلبه. شعر أن كل ما فعله خاطئ، تصرفه غير مسؤول و لم يفكر في العواقب، هل يعتقد أنه سيقتل شخصا ثم يهرب و يعود لحياته كأن شيئاً لم يحدث؟ شيء ما كان خاطئاً، و ذلك ما يشعر هيبر بالقلق العميق.

توقف هيبر فجأة، وأغمض عينيه بقوة، محاولًا مقاومة الشعور بالذنب الذي بدأ يخنقه. حاول أن يبعد عن ذهنه صورة زاك الذي كان يتألم، لكن دون جدوى فكلما حاول الهروب من تلك الصورة، عادت لتطارده بقوة أكبر لتذكره بما فعله.

لُعبته.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن