بحر الدماء Sea of Blood

الفصل 55 : البنية الزرقاء

منير أمسك صدره وبصق الدماء
قالت له ملكة الدماء منزعجة "أيها الأحمق، ألم
أخبرك أن لا تسيطر على الخصوم باستخدام سحر
الدماء، هذا المستوى متقدم للغاية، بالرغم من أني
علمتك إياه، لكن أذكر أني نبهتك أن لا تستخدمه
إلا في المستويات الروحية، طاقة دمك الآن
أضعف من أن تتحمله"
ابتسم منير وقال "أعلم يا معلمتي، ولكن تحتم
علي فعلها، لم أرد أن استعمل القوة الطاغية ضد
فتاة، فقررت جعلها تستسلم"
تنهدت ملكة الدماء قائلة "إذا بقيت رؤوفا هكذا
اتجاه الفتيات، يوما ما، ستقتلك إحداهن"
خرج منير من الحلبة متثاقلا، هرعت نحوه دنيا
بسرعة لتسانده
بمجرد ما أوصلته إلى حيث زعيمة قبيلة
السحاب، أجلسته في المقعد، وساندته بيدها
والأخرى أخرجت بها منديلا ومسحت الدم من
على فمه
لم يكن منير قد فقد الوعي بعد، بل كان منهكا
فقط من استعماله طورا متقدما من سحر الدماء،
لذا سألته زعيمة قبيلة السحاب "يا فتى، هل تتقن
البنية الزرقاء؟"
استغرب منير سؤالها، لكن بعد التفكير هنيهة أدرك
السبب، فهي قد رأته سابقا خلال المباراة يحول
جسده إلى ماء، لذا أجابها مبتسما "لا أبدا، أنا لا
أتقنها، ما فعلته آنفا، كان أني استخدمت سحر
الماء فقط"
صرخت فاتن قائلة "هراء، سحر الماء لا يغير
البنية الفيزيائية للجسد" طبعا إتقان منير للسحر
فاق توقعات الجميع، لذلك هي لم تصدق أنه يمكن
لسحر الماء فعل ذلك
كونها تستخدم سحر الجليد، ناتج عن سيطرتها
على روح "عنقاء الجليد" وكونها تستطيع
استخدام سحر الماء ناتج بنيتها "البنية الزرقاء"
ولكن يظل استخدامها لهما محدود وليس غير
محدود كمنير، لأنها لم تتعلم لا سحر الماء ولا
سحر الجليد، بل تدربت فقط على البنية الزرقاء
وسيطرت على روح عنقاء الجليد وكنتيجة
حتمية لذلك أمكنها استخدام سحر الماء والجليد
لفترة معينة
أكملت فاتن "أصدقني القول يا منير� هل تتقن
البنية الزرقاء؟"
قال منير "ماذا أقول لك؟ أنت لا تصدقيني
صحيح� إذا كيف أتقن البنية البيضاء وأتقن معها
البنية الزرقاء؟ هذا غير معقول، سيكون معقولا لو
كنت أسيطر على روح معينة، فسأتقن بنيتها
وأتقن سحرها ولكن يعني هذا أن أتقيد بقيود
زمنية في استخدامهما، ولكني لا أفعل بخصوص
سحر الماء، يمكنني استخدامه بحرية"
كان يمكن لمنير أن يكتفي بالإشارة إلى أنه
صاحب البنية الفانية لا يمكنه التدرب على
بنيتين، ولكن أراد ربط الأمور بالسحر أكثر حتى لا
تشك فاتن في بنيته وتعرف أنها خالدة
شعرت فاتن بمنطقية كلام منير، لكنها في نفس
الوقت شعرت بشيء غير واضح
قالت زعيمة قبيلة السحاب "تعال معي"
عاصفة بدت وأحاطت بمنير وفاتن فقط، ليختفيا
محلقين
ظهرا على رأس جبل مغطى بالثلوج ، منير تجمد
من البرد، رمت له فاتن حبة دواء قائلة "فلتبتلع
هذه وستعود لطبيعتك، هذه الحبة ستقوم
بتدفئتك أيضا"
ابتلع منير الحبة فشعر بشعور جيد، تدفق دمه
رجع لطبيعته وآلام انقباض صدره اختفت، كما أن
حرارته اعتدلت وهو في قمة جبل ثلجي
قال منير لفاتن "لماذا أتيت بي إلى هنا؟"
رد فاتن "هنا حيث تدربت على البنية الزرقاء"
وبسرعة الضوء قامت فاتن بضرب 28 نقطة
حيوية في جسد منير
طرح منير أرضا وسط الثلج وهو يتألم ويتصبب
عرقا في آن واحد
قالت زعيمة قبيلة السحاب "يبدو أنك حقا لا
تتقن البنية الزرقاء، لقد ضربت النقاط الحيوية
الخاصة باستقبال طاقة الجليد، ولقد كانت مغلقة،
لا تقلق في هذه الحالة ستنغلق مرة أخرى خلال 3
ساعات بما أنك تدربت أصلا على البنية البيضاء"
ما لا تعرفه فاتن، أنها حفزت نقاط تدريب البنية
الزرقاء، وبما أن بنية منير خالدة، فطاقة الماء
المكثفة تدفقت باستمرار إلى النقاط الـ 28 وبدأت
تتحول لسائل بفعل حرارة جسم منير، وكون
التدفق مستمر، فرض على جسد منير إنتاج
حرارة باستمرار وللحفاظ على تلك الحرارة أفرز
جسمه العرق، ما لم تدركه زعيمة قبيلة السحاب
أن بنية منير في الواقع خالدة وليست فانية
استمر ألم منير لـ5 ساعات دون توقف، هذا جعل
فاتن محتارة بالكامل وخائفة عليه، فهو بعد كل
شيء مفتاح هزيمة قبيلة الجلمود، طبعا هي لم
تفكر مطلقا أن بنيته خالدة
ارتجف قلبها جدا، وشعرت وكأنها قد أخطأت في
إحدى النقاط الـ28 ،لكن هذا مستحيل
لم يسعها إلا أن تحاول تخفيف حرارته باستخدام
الثلج في المكان
بعد ساعة أخرى، هدأ منير وانحسر العرق عنه
وبعد حوالي ربع ساعة استفاق
نظر لفاتن بغضب وقال "ماذا كنت تفعلين أيتها
الحمقاء؟ أكل هذا لأنك لم تصدقيني ؟� لو علمت
أن شراكتك ستكون صعبة هكذا لما شاركتك من
البدأ، أنت أكثر امرأة متقلبة رأيتها في حياتي"
شعرت فاتن بالخجل فاحمر وجهها، صابغا إياها
صبغة ترتجف لها القلوب، وتلين لها الأحكام
قالت فاتن باستحياء "آسفة، أدرك أني تهورت،
ولكن لم يخطر ببالي سوى هذه الطريقة لكشف
صدقك من كذبك"
حك منير شعره، وابتسم خفية، في الواقع هو للتو
قد اكتسب البنية الزرقاء، يا له من حظ ليس له
مثيل حقا، أن يكتسب بنية دون أن يطلبها حتى�
هذه أول مرة ترى فيها ملكة الدماء هذا
كادت ملكة الدماء داخل منير تجن، حظ هذا
الفتى كاد يجعلها تنفجر حسدا
قال منير لفاتن "عموما، ما هي البنية الزرقاء
هذه؟"
قالت فاتن مسترسلة "هي بنية تغير البنية
الفيزيائية للجسد لسحر ما، أساس التدرب عليها
سحر الماء، كلما كان أكثف كلما صارت بنيتك
الزرقاء أفضل، التكثيف هو تحول المادة عموما
من الحالة الغازية إلى السائلة، عبر استقطاب الماء
المكثف يمكنك تفعيل البنية الزرقاء، لكن يبقى
العمل بها مرهونا بمدى إتقانك للسحر"
سأل منير "ماذا تقصدين؟"
قالت "أقصد أن البنية الزرقاء لا تخول لك فقط
تغيير بنيتك الفيزيائية لماء، ولكن لأي سحر آخر،
مع ذلك يلزمك أن تركز على جذر السحر، ومنه
تتفرع إلى الفرع، دون ذلك لن تتمكن من التحكم
في بنيتك الفيزيائية وستبقى عالقا للأبد فيها ولن
تستطيع أن تسترجع بنيتك البشرية أبدا، لهذا
الأمر خطير وليس بتلك السهولة"
فهم منير ديناميكية عمل البنية الزرقاء، بقي عليه
تجريبها، لكن الوقت ضيق لن تسنح له الفرصة
خيم الليل بظلاله، فعادت زعيمة قبيلة السحاب
مع منير إلى مقر القبيلة أين سيرتاح منتظرا آخر
يوم من المسابقة غدا
في آخر يوم كل واحد منهم سيقاتل 3 مباريات
متفرقة، والفائزون سيقاتلون بعضهم جماعة حتى
يبقى شخص واحد وهو الفائز
بمجرد ما رجع للمقر، كان الجميع يجهزون طعام
العشاء للقبيلة بأكملها
بمجرد ما رآه نوري حتى أتى مرحبا "أهلا بمنقذي
منير، يبدو أنك نعسان، من الأفضل لك أن تنام بلا
أكل، واترك لي حصتك"
قال منير "في أحلامك، أنا جائع جدا، فمعركة
اليوم استنفذت طاقتي"
في الواقع أكثر ما استنفذها هو استيعاب الماء
المكثف ومقاساة الآلام لاحتواء البنية الزرقاء لـ 6
ساعات كاملة
تمشى منير قليلا منتظرا العشاء، تجول في
الأنحاء، حتى وصل لمخرج جبلي منعزل بعض
الشيء
وجد دنيا تتدرب على سحر الماء، وعلى القتال
الوهمي
كان تدربها على سحر الماء مختلفا، فهي كانت
تشكل خصوما وحيوانات من سحر الماء، ثم
تقاتلهم جميعا، كان تشكيلها المائي سيئا،
فالحيوانات والخصوم دون ملامح، هم مجرد
أشكال عامة
راقبها منير لفترة، كانت دنيا كلما تهزم خصما
تتبلل بالماء، وبعدها تتحرك فتتناثر منها قطرات
الماء، ومع ضوء القمر أصبح المشهد أشبه بلوحة
فنان أسطوري
للحظة انعزل منير عن الواقع، وكأنه يشاهد دنيا
ترقص لا تقاتل، ورن في دماغه لحن فريد، تماشى
مع حركات دنيا، ليصبح المشهد خياليا تماما
لم يكن منير مسحورا بجمالها، بل كانت حركاتها
في القتال متناسقة وكأنها ترقص فعلا
بعد فترة، نطق منير "هل أزيد التحدي عليك
قليلا؟"
تفاجأت دنيا ونظرت ليسارها أين كان منير جالسا
وقالت "أنت هنا؟ منذ متى وأنت هنا؟"
قال منير "منذ فترة" ثم لوح بيده مستخرجا
نسخة مائية منه، كانت النسخة طبق الأصل من
منير في الملامح والملابس، ثم قال "أتريدين
تحدي نسختي؟"
قالت دنيا "لما لا هلم إلي"
ركضت النسخة صوب دنيا، اتخذت دنيا وضعية
دفاعية
رفعت النسخة يدها، فظهرت أسفل دنيا بقعة
مائية، امتدت منها أذرع وأمسكت دنيا بالكامل،
وصلت النسخة سريعا لدنيا، وقامت بلكمها لبطنها
فسقطت دنيا أرضا غير بعيدة
قالت دنيا في نفسها "استخدامه لسحر الماء
مذهل جدا، حتى نسخته يمكنها استخدام سحر
الماء، هذه النسخة مختلفة بالكامل عن نسخي"
بعدها نهضت بسرعة وقالت لمنير "ليس عدلا
قاتلني بالنسخة وحدها وليس بالنسخة والسحر
معا"
قال منير "عما تتكلمين؟� النسخة هي أصلا سحر،
فلا تقيمي الحجج واستمري في التدرب"
أمسكت دنيا سكينين في يدها واندفعت نحو
النسخة، كانت النسخة تتفادى ضرباتها ببراعة
وكأنها شخص واع
بعد عدة حركات، انحنت النسخة وركلت رجلي
دنيا مسقطة إياها أرضا، بعدها جلست النسخة
فوقها، وهمت بضربها على وجهاها
في هذه اللحظة، استخدمت دنيا يديها وأمسكت
رأس النسخة وأسقطتها أرضا، ثم أدخلت
السكينين معا في رقبتها
هنا ألغى منير نسخته ومشى اتجاه دنيا "أحسنت،
لقد فزتي على نسختي"
نهضت دنيا بسرعة وقالت "حان دورك الآن"