بحر الدماء Sea of Blood

الفصل: 59 قبيلة الجلمود

في صباح الغد دقت دنيا باب غرفة منير النائم
أيقظته وقالت له "سأشد الرحال إلى قريتي لأرى
جدي، هل تذهب معي لأطلب من جدي تعليمك
فن الفوضى أو أن يدعني أعلمك؟"
نهض منير من الفراش ومدد جسمه متثائبا ثم
قال "إذا استطعتي أجلي عودتك لأسبوعين، هناك
بعض الأشياء التي عليها أن أفعلها أولا، أو يمكنك
الذهاب بدوني وسألحقك بعدما أنهي ما علي"
قالت دنيا "يجب أن أذهب لرؤية جدي على الفور،
فإني أخشى أني لو أطلت البقاء وعلم هو بنهاية
المسابقة سيقلق علي كثيرا"
قال منير "فهمت، إذا اذهبي قبلي وسألحق بعد أن
أنتهي"
ودعته دنيا، وودعت كل أفراد القبيلة بما فيهم
فاتن وابنها نوري
كانت الدموع ترسم شلالين على خدي نوري،
ودعها متباكيا قائلا "أأنت مصرة أن لا أذهب
معك؟ أريد فقط أن أطمئن على وصولك سالمة،
وأن تعودين إلى هنا كزوجتي بعض الشيء"
ضربته والدته فاتن "اصمت، هذا ليس الوقت
المناسب لمزاحك الثقيل، دنيا تتمتع بحماية
قبيلتنا، أرسلت معها بعض المقاتلين في الخفاء
لحمايتها، لا حاجة لتواجدك معها"
نظر نوري لأمه وقال "أمي��� يجب أن تدعمي
حب ابنك، كان من المفترض أن ترسليني بذريعة
حمايتها حتى أكون بقربها"
ضربته أمه مرة أخرى وقالت "أنت الآن تملي علي
ماذا أفعل؟ اصمت واكتفي بالمشاهدة"
طأطأ نوري رأسه، وبقي يودع في دنيا
بعد رحيل دنيا، تحول نوري لمنير تمتم له قائلا
"أخي، في الليل سأخرج سرا وأرتحل لمقر قبيل
الحلم، يجب عليك أن تساعدني وتغطي علي"
منير لم يقل شيئا، لكن ضغط مخيف بدا من
ورائه، قالت له أمه "ماذا تقول؟ أنسيت أني ما
زلت هنا؟� سأقوم بحبسك إذا رأيتك تتسلل
خارجا"
فورا امتلأ نوري رعبا، واختبأ خلف منير قائلا
"أرجو المغفرة، اعفي عني يا والدتي"
ضحك منير ثم قال "أختي الكبيرة، لا تبالي لأفكار
هذا الأحمق، هو ليس شجاعا بما فيه الكفاية لأن
يخاطر بالذهاب للطريق المؤدي لقبيلة الحلم،
والذي يحوي فخاخا وقطاع طرق أقوياء، وثعابين
سامة مرعبة، كما أنه في الليل تتجول فيه ذئاب
الموت وعناكب الأم العظيمة"
بمجرد ما سمع نوري هذه الأسماء والمخاطر،
ركض بسرعة إلى غرفته قائلا "يا ويلي، أنا لن
أذهب، بالتأكيد لن أذهب"
في الواقع، لم تكن أي من هذه المخاطر موجودة،
كان منير يرعب نوري حتى يدع فكرة تسلله ليلا
لإتباع دنيا
ابتسمت فاتن بسحر براق، وخبأت ابتسامتها
بيدها، رغم ذلك كانت ملامح ابتساماتها واضحة
وزادت من روعتها
بعد رحيل نوري مذعورا، قال منير لزعيمة قبيلة
السحاب "اليوم سأدخل مكتبة القبيلة، حاولي أن
تجلبي لي المعلومات التي طلبتها عن قبيلة
الجلمود بعد 3 أيام، أيضا لا أريد مقاطعة من أحد
داخل المكتبة"
أومأت فاتن برأسها، ثم خرجت من المكان
بعدها تمشى منير ذاهبا إلى المكتبة، في طريقه
عبر بمكان السرداب السحري، كان المكان عبارة
عن لوحة لمؤسسة القبيلة الأولى، ويحرس اللوحة
حارسان
أكمل طريقه، ودخل إلى
مكتبة القبيلة
كان للمكتبة 3 مداخل، وكانت تمتد على مساحة
20 هكتارا وطول رفوفها 100 كم وتحوي أزيد
من 3 ملايين كتاب ومخطوطة وبعض الخامات
الأخرى
كانت مقسومة لـ3 أجزاء كبيرة متصلة ببعض في
الوسط، كل جزء حمل عن يمينه ويساره مئات
الكتب
بقي منير في المكتبة لأسبوعين كاملين، قرأ
خلالها 150 كتابا فقط، لكنه اختار هذه الكتب
بعناية، اغلبها كان يتحدث عن التاريخ القديم،
أساليب الختم، الوحوش النادرة، العوالم المتنوعة،
الأساليب القتالية، السحر، أسرار القبيلة، بعض
النبوءات، الأسلحة السرية، الطرق الممنوعة، رفع
التدريب... وغيرها من المواضيع
يمكن القول أن 150 كتاب هذه كانت أفضل
الكتب في المكتبة
تعلم منير بعض التقنيات وبعض المبادئ من هذه
الكتب...
كما عرف معلومات سرية هامة عن الوحوش
القوية في هذا العالم: الدب الأبيض العظيم،
ساحرة الأرواح، منجل الموت الغامض، صياد
الظلال
بالنسبة لمنير أصعب وحش في هؤلاء لم يكن
الدب الأبيض العظيم بل ساحرة الأرواح
كما عرف منير من التاريخ القديم للعالم أن هناك
قارة تدعى بـ "القارة المنسية" حدثت فيها معركة
لم تذكرها كتب التاريخ إلا السرية منها، كما أن
مكان هذه القارة متغير، فهي قارة تتحرك
باستمرار
فاتن لم تجلب له معلومات قبيلة الجلمود في 3
أيام، لأنها اضطرت أن تبحث في ملفات قديمة
وتجمع المعلومات من استخباراتها وهذا أخذ منها
وقتا
مع ذلك بعد 15 يوما بالضبط، كانت جميع
الملفات المتعلقة بقبيلة الجلمود حاضرة أمام منير
تفحصها منير بتدقيق كبير
"قبيلة الجلمود تأسست في عصر الدمار العظيم،
لم يكن مؤسسها شخصا واحدا إنما كانت نتاج
اتفاق بين 3 من قادة الحرب وقتها، حيث تأسست
كمنظمة عسكرية اسمها "الجبهة السرية" وكان
هدفها تجنيد الأطفال ليصبحوا أقوى ويخوضوا
غمار الحروب مستقبلا، لاحقا في عصر النهضة
تفككت "الجبهة السرية" لـ3 فروع هم عشيرة
الجليد، عشيرة الموت، عشيرة الود، كانت عشيرة
الموت عشيرة وحشية وبربرية، بينما عشيرة الود
مسالمة تماما، وكانت عشيرة الجليد بمثابة
الحكيم لهم، كان شيوخها ذوو رأيي سديد وحكمة
فائقة، بعد عشرات السنين من الصراعات فيما
بينهم ومع أطراف خارجية، ظهرت قوى أخرى
تمثلت في تحالف عشيرة السنبلة الذهبية مع
عشيرة غريبة لا تنتمي للمنطقة، معا سيطروا على
كل البقاع، وللحاجة إلى مواجهة مثل هذا الخطر،
تحالفت قبائل الجليد والموت والود منشئين قبيلة
"الجلمود"، لاحقا لم تستطع قبيلة الجلمود أن
تواجه خطر تحالف قبيلتي السنبلة الذهبية
والقبيلة الغريبة، فهادنت وارتأت للسلام وأصبت
حليفة لذلك التحالف، لاحقا أسست المملكة
الذهبية بحكم القبيلة الغريبة"
"بعد السنين قامت القبائل المحلية الأخرى
بتحريض قبيلة السنبلة الذهبية على أنها المالكة
الشرعية للملكة الذهبية، فقامت قبيلة السنبلة
الذهبية بالانقلاب على القبيلة الغريبة وتم
مبايعتها من قبل جميع القبائل المحلية"
"حاليا، استمرت قبيلة الجلمود في تطوير
أعضائها وإجراء التجارب كما كانت تفعل بالضبط
عندما كانت "جبهة سرية"، لا يعرف أحد متى
أكملت القبيلة التجارب بعد أن توقفت لقرون"
"زعيم القبيلة الحالي هو الزعيم عارم، سليل
مباشر لمؤسس قبيلة الموت سابقا، يقال أن في
عصره استأنفت التجارب وتطورت، يعرف عن
الزعيم عارم الأنانية الشديدة والمكر الكبير"
"لقبيلة الجلمود قوة لا يستهان بها، مقرهم "كهف
الأسى" في "جبل الأمة السوداء" الذي كان تقطنه
الأمة السوداء التي تعرضت للإبادة من طرف
تحالف قبيلتي السنبلة الذهبية والقبيلة الغريبة
لأنها رفضت أن تبايعهم على إنشاء وحكم مملكة،
لكن قبل أن يقضى على كامل القبيلة، قام زعيمها
بإلقاء لعنة، فأصبح موتى القبيلة ينهضون من
موتهم كجثث هامدة وبهذا ظهر جنس آخر يدعى
"الزومبي"، اضطر زعيم القبيلة الغريبة أن
يختمهم في بعد آخر، لاحقا استوطنت قبيلة
الجلمود "جبل الأمة السوداء" واتخذته مقرا لها"
"قوة قبيلة الجلمود ليست بسيطة، فزعيمها في
قوة زعيم روحي، بينما 3 من نوابه دخلوا من مدة
قصيرة ذات المستوى فأصبحت القبيلة تملك 4
مقاتلين من رتبة زعيم روحي، كما أن نفوذها
واسع جدا، فهي على اتصال بمملكة الجبال
المتحركة حتى، كما أن هناك شائعات على أن
القبيلة تحضى بدعم الجنرال جاسر..."
كانت المعلومات غزيرة عن قبيلة الجلمود عكس
ما توقع منير، كان يستطيع بوضوح رسم بعض
الخطط للتعامل معهم
النقطة المشتركة هي الكتيبة الحمراء وجنرالها
جاسر، حان الوقت لمنير أن يقوم بخطوة
طلب منير لقاء زعيمة قبيلة السحاب، انتظر لمدة
بعدها سمحت له بالدخول بعدما أنهت بعض
شؤون القبيلة
قال منير "أريد أن تجدي لي طريقة لأدخل
للكتيبة الحمراء، ليس كجندي ولكن كضيف شرف،
أريد لقاء الجنرال جاسر شخصيا"
تغير لون فاتن للون باهت وقالت "أتمازحني�
وكيف أفعل ذلك بالضبط؟�"
قال منير "الأمر متعلق بقبيلة الجلمود، لديها
علاقات أكثر من اللازم وهذا أمر غريب، بالنسبة
لقبيلة أن تكون لها علاقة مع مملكة بأكملها كمملكة
الجبال المتحركة، وفي الوقت نفسه تحضى بدعم
الجنرال جاسر، أليس هذا يدعو للغرابة؟، لهذا أريد
التغلغل لبعض الوقت وأقابل الجنرال جاسر، هذا
أمر ضروري لمواجهة خطر قبيلة الجلمود"
تنهدت زعيمة قبيلة السحاب وقالت "حسنا، إذا
كان الأمر كذلك، سأفعل ما في وسعي"
قال منير "أمر آخر، سأدخل اليوم للسرداب
السحري للقبيلة، فأرجو أن ترافقيني لتفتحيه لي"
قالت فاتن "فلتؤجل الأمر للغد، لدي شيء أخبرك
به"
قال منير "ما الأمر؟"
قالت "سبب تحالف إمبراطورية الوحوش مع
مملكة الرمال كان من أجل دخول الأرض
السفلية"
تفاجأ منير، لم يتوقع ولو في أبعد أفكاره أن
السبب سيكون الأرض السفلية، أو بالأحرى عالم
الأموات
قال منير في نفسه "الأمر يستدعي التفكير قليلا"
بعدما فكر لبرهة قال لفاتن "إذا كان ظني
صحيحا، فستكون حرب شرسة على الأبواب
بمجرد ما ينتهي حدث الأرض السفلية، سواء تكلل
بالنجاح أو الفشل، فالحرب قادمة
قالت فاتن مدهوشة "ما الذي يجعلك تظن هذا؟"
قال منير "إن أمر الانقلاب أصبح محتوما، وكذلك
أمر الحرب، لقد توضحت لي كل خيوط هذه
المؤامرة العبقرية، لكنها فرصة ذهبية لي أيضا"