الجزء التاسع عشر

4.5K 440 12
                                    

كان علي أن أتخذ قراري بسرعة رغم أن شيئا كان يجذبني لأبتعد عن المصعد لكني كنت أفكر في فاطمة ، كاد أن يغلق الباب لكني أمسكته بيدي و ألقيت بجسدي الثقيل داخل المصعد ، أقفل الباب و ضغطت زر الطابق السادس بيدي المرتجفة ، ما إن بدأ المصعد بالتحرك حتى أحسست بالاختناق و بضغطي ينزل ، كانت ضربات قلبي تستمر في التصاعد و العرق البارد يتسلل من تحت حجابي ليغطي وجهي الشاحب ، حاولت إقناع نفسي أني سأكون بخير و أنها ما هي إلا لحظات و سيختفي اضطرابي ، لكن أزمتي اشتدت أكثر ، فقد خيم ظلام حالك على نظري و كنت أسمع همسا مختلطا بما يشبه النحيب ، شعرت بهالة غريبة تحيط بي فالتفت بصعوبة لأجد الأجساد الميتة و الشنيعة تحيط بي و تقف ساكنة تحدق بي، أطلقت صرخة قوية و التصقت بالباب أضربه بقبضاتي الضعيفة أطلب النجدة ، خارت قواي و قارب نفسي من الإنقطاع جلست منكمشة أمام الباب أحاول استرجاع نفسي لكن دون جدوى ، كانت الجثث تقترب مني و تمد يدها لي لتقوم بخنقي ، أغلقت عيناي بشدة و أنا متشبتة بالباب ، فتراءت لي صورة أمي .. شعرت بالأسف اتجاهها .. لا زلت أذكر كيف كانت تقوم بالاعتناء بي حين كنت في المستشفى ، كانت لا تنام أبدا ، حتى حين يرف لها جفن كنت أخيفها حين أستيقظ فزعة من كوابيسي ، كنت أستطيع سماع بكائها علي في جوف الليل و هي تصلي تستغيث خالقها كي يشفيني ، ربما كان أهون لم مت ذلك اليوم على رؤيتها لي في تلك الحالة ، و ربما كان أهون بالنسبة لي أيضا على أن أصبح ضعيفة هكذا لم يعد بيني و بين الجنون سوى خط رهيف ..
رأيت صورة أبي و إخوتي ، و رأيت أعضاء بانغتان و هم يبتسمون لي و ينادونني بنشاطهم المعهود ، رأيت صورة فاطمة و هي ملقية على الأرض .. فاطمة .. إنها تحتاج إلى مساعدتي .. أنا التي لا أستطيع الان حتى مساعدة نفسي .. كيف يمكن أن أمد الاخرين بالقوة إذا كنت أنا مثالا للضعف ! كيف يمكنني مواجهة المنافسين إذا كنت لا أستطيع مواجهة مخاوفي ! كيف يمكنني تحقيق حلمي و أنا على هذه الحال ! كما أن هناك الكثير من الأشخاص الذين أحبهم و الذين أود العيش لأجلهم .. لقد رأيت ذلك اليوم المشؤوم الكثير من الناس الأبرياء يموتون أمام عيناي و كنت عاجزة عن فعل شيء ، لكن لا يمكن أن أترك فاطمة أيضا تموت أمامي .. لا يمكن..
أخذت نفسا عميقا لمرات عديدة أحاول استعادة نفسي ثم حاولت الوقوف على قدماي الخاليتان من الحياة ، فتحت عيناي المليئتان بالدموع بروية لم تكن هناك أي جثث مما جعلني أثق في نفسي أكثر و أتشجع لمواجهة خوفي ، تمسكت بجدار المصعد فقد كنت لا أزال تحت تأثير الدوار و الرؤية الضبابية ..
توقف أخيرا المصعد و خرجت منه بسرعة أترنح في الممرات كالسكيرة أبحث عن قاعة الانتظار ، كان المكان خاليا و لم أجد أحدا لأطلب منه المساعدة ، كل ما كنت أفكر فيه هو الوصول إلى فاطمة في الوقت المناسب ، لمحت لائحة معلقة على إحدى الغرف اقتربت منها بسرعة لأقرئها عن قرب ، لقد كانت الغرفة المنشودة غرفة الانتظار ، حاولت الامساك بمقبض الباب بسرعة لكن يدي كانت ترتجف و رؤيتي لا تزال غير واضحة ، أمسكته أخيرا و فتحت الباب ، كان بالفعل مفتوحا ظننت أنه ربما يفتح من الخارج فقط ، دخلت بسرعة أنادي فاطمة ، كانت جالسة على أريكة في الزاوية ، حين رأيتها شعرت و كأن جبلا أزيح عن صدري و ببرودة في جسمي ، ركضت إليها و عانقتها بشدة و أنا أتفقدها بعيناي :
- حمدا لله .. حمدا لله .. هل أنت بخير؟ هل تشعرين بأي ألم ؟
كانت صامتة تنظر إلي بدهشة و لم تجب على أي من أسئلتي الكثيرة ، أمسكت بيدها و وقفت و قلت :
- هيا .. علينا أن نذهب للمستشفى .. ماذا لو استنشقت الكثير من الغاز..
سحبت يدي إليها و ضمتها فنزلت دمعة وحيدة من عينها و قالت :
- أنا بخير أوني .. أوني.. أنا اسفة حقا.. لكن فعلت هذا لأجلك ..
لم أستطيع استيعاب ما كانت فاطمة تحاول قوله ، فجأة فتح الباب و دخل الأعضاء و هم يصفقون بحرارة ، كانت ملابسهم عادية و لا يضعون أي مكياج ، لا يمكن أن يكونو قد أنهوا التصوير بهذه السرعة .. ثم لما بصفقون هكذا.. لم أفهم ما كان يجري حولي كانت تعبيري فارغة كذهني تماما ..
- م.. ما الذي يحدث هنا ؟ هل أنهيتم التصوير أم .. ؟ ماذا هناك ؟
نظرت إلى فاطمة ألتمس منها جوابا ، فمسحت دموعها و قالت :
- في الحقيقة أوني .. البارحة تم إعلامنا أن التصوير تأجل للغد لأن اليوم عطلة ، اجتمعنا البارحة في غرفة رابمون أوبا و اتفقنا ألا نخبرك .. حسنا أردنا مساعدتك على تخطي ألمك فقط .. أرجوك لا تغضبي سمر..
كنت مصدومة مما سمعته و كنت لا أزال لا أستطيع استيعاب ما حدث للتو ..
- مهلا انتظري .. هل .. هل تقولين أنكم خدعتموني !
- اااه أرجوكي لا تفكري في الأمر من هذا المنظر .. ألم تلاحظي شيئا؟ لقد وصلت إلى هنا عبر المصعد ! أنت تغلبت على مخاوفك أوني !
بقيت صامتة للحظات أتذكر كيف تمكنت من الصمود في المصعد و تخطي أزمتي أو بالأحرى تخطي الخوف من مواجهتها ، شعرت بالفخر بنفسي و نسيت ارتجافي و غضبي من المقلب الذي تعرضت له ، التفت للأعضاء و ابتسمت بسعادة و أنا أكرر :
- لقد فعلتها حقا .. لقد فعلتها ..
ابتسموا لي و عادوا يصفقون لأجلي ، نظر إلي جيمين بابتسامة العينين الخاصة به و قال :
- نونا كنت أعلم أنك ستنجحين !
التف الأعضاء و فاطمة حولي و هم يمرحون و يقفزون دون داع ، ثم قال شوقا أوبا الذي ظل واقفا :
- ياا هيا علينا الذهاب هل نسيتم أن لدينا ساعة واحدة فقط ؟
- أي ساعة ؟
- نعم .. لقد تحدث رابمون البارحة بنفسه لرئيس المركز و طلب منه منحنا غرفة الانتظار لساعة واحدة ..
شعرت بالامتنان لرابمون خصوصا أنه كان العقل لمدبر لكل شيء ، شيء متوقع من شخص ذكي مثله ، لكني شعرت بالامتنان أكثر لأنه فكر في تخليصي من ألمي ، توجهنا إلى خارج الغرفة و ملأ الممر الخالي بضجيج الأعضاء ، دخل الجميع للمصعد للنزول كنت لا أزال مترددة للصعود إليه مرة أخرى قبل أن يقف رابمون و يضع يده على كتفي و يقول للأعضاء :
- اسبقونا سننزل نحن الدرج .
أرادت فاطمة اللحاق بنا فقد كانت فرصتها للتقرب من رابمون لكن شوقا أوبا كان واقفا أمامها و رفض التزحزح من مكانه ، كنت أراها تحاول دفعه و تتذمر و ترفع يديها تلوح لنا و تطلب منا الانتظار بينما كان الباب يقفل ..
بقينا فجأة أنا و رابمون وحدنا في الممر ، نظر إلي و قال و هو يبتسم :
- لقد خضت للتو معركة شاقة لا يجب أن تعودي إلى أرض المعركة بهذه السرعة ..
كنت مندهشة من إحساسه بما يجول في بالي ، سبقني ينزل الدرج ببطئ فتبعته دون قول كلمة واحدة ..
كان يدندن بأغنية كعادته بينما كنت أنظر إليه من الخلف و أنا أبتسم ، لديه صوت رهيب حتى حين يدندن ، كنت متعبة من "معركتي" كما قام رابمون بتسميتها ، أحس بضعف و هزلان في جميع أنحاء جسمي ، أحسست أن قدماي ثقيلتان ، كان رابمون قد سبقني بالفعل ثم التفت إلي ليجدني لا أزال بعيدة ثم قال :
- يااا لما أنت بطيئة هكذا؟؟
وقفت أصرخ عليه و أتذمر :
- توقف عن مناداتي ب "يااا" أنسيت أني ولدت قبلك بسنة ؟؟ أنا نونا نونا
عاد رابمون أدراجه و قال لي بهدوء :
- و لكني أريد أن أكون أوبا
كلمات رابمون القليلة جعلت قلبي يدق بسرعة ، كنت قبل لحظات أعاني من الارتجاف بسبب جسمي البارد من الرعب الذي عشته ، لكني في تلك اللحظة أحسست بالدفء و الحياة ، ثم أمسك بيدي و قال :
- هيا لنسرع..
ركض رابمون في الأدراج و هو يسحبني معه ، كنت أطلب منه التوقف و توخي الحذر لكنه تجاهلني ، فجأة أحسست بالمتعة من الركض بسرعة في الأدراج الكثيرة و كأني أفرغ الطاقة السلبية التي كنت أكتنزها داخلي ، فتابعت طريقي معه و أنا أضحك من السعادة ، وصلنا إلى الطابق الأرضي و نحن نضحك على تصرفنا الطفولي ، رغم أن قدماي كانت تؤلمانني لكني أحببت الأمر ، أحسست في تلك اللحظة بشعور غريب لم أحس به من قبل اتجاه رابمون ، لطالما كنا نلهو معا و نضحك و نتشارك الأفكار لكني لم أحس يوما بمثل تلك المتعة المختلفة عن سابقاتها .. أحسست بدفء في يدي فانتبهت إلى أني لا أزال أمسك بيده ، تغيرت تعابيري فجأة فقد عدت إلى أرض الواقع ، كنت أتساءل ما الذي يحدث لي ، و ما هذا الجو المربك الذي أصبحنا فيه فجأة ..

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن