الجزء الأربعون

3.9K 354 8
                                    

  تجمدت في مكاني لا أعلم ما علي فعله أو قوله لجيمين الذي ظل محدقا في تعابيري اليابسة ينتظر إجابة ...
- لقد.. لقد أخذها والدها معه..
التفت جيمين واضعا يديه على رأسه و أطلق تنهيدة طويلة و هو يكرر
- هذا غير معقول.. لا يمكن.. لا يمكن..
التزمت الصمت لقلة حيلتي حينها اتجه جيمين إلى الأريكة و جلس يلتقط أنفاسه التي انقطعت بعد تلقيه خبر رحيل ندى ، اكتشفت حينها أن مشاعره أصدق مما تصورت و أنه يتألم بشدة و كيف لا يمكن للمرء أن يتألم بعد أن يختفي من مرآه الشخص الذي كان سببا في ابتسامته و يمده بالقوة و الأمل .. و الحب.
جلست أيضا أفكر في ندى كنت أتخيلها تمشي أمام طاولة الاستقبال و تحيي الموظفة حاملة مكنستها في يدها ثم تلتفت إلي و تلوح لي و هي تبتسم ابتسامتها البريئة .. كانت تلوح لي و تناديني لكني لم أكن أستطيع سماع صوتها .. لأنها بكل بساطة اختفت كالسراب ، فسقطت دمعتان وحيدتان من عيناي ..
نظر إلي جيمين و قال :
- آه نونا أرجوك لا تبكي ..
- كان واضحا أنه سيأتي لأخذها.. لا أعلم لما لم أفكر في ذلك.. ما كنت لأترك النزل
- حتى لو كنا هنا في ذلك الحين.. إنه والدها لا نملك الحق لإيقافه .. حتى لو حاولنا
صمتنا للحظات ثم مسحت دمعتاي و التفت لجيمين بابتسامة خافتة و قلت :
- على أي حال لا بد أنها لا تزال بأمان لهذا سأحاول إيجاد حل في أسرع وقت .. فلا تقلق..
ابتسم جيمين و قال :
- بالطبع سنجد حلا لأني أثق بك نونا..
هزتني ثقة جيمين الكبيرة بي و أشعرتني بالثقل أكثر مما كنت أشعر بالفعل ..
اتجهت إلى غرفتي لأخفي حزني جلست شاردة الذهن فوصلتني رسالة من رابمون ، قرأتها بعينين زائغتين :
"أووه أنا متعب لكني لا أستطيع أخذ قيلولة .. بالمناسبة كيف حال ندى ؟"
شعرت بقواي تنهار و بأن قلبي يكاد ينفجر كتبت له دون أن أقرأ جيدا رسالته حتى
"نامجون .. أنا بحاجة إليك"
"هل أنت بخير؟ هل أنت في غرفتك؟"
تركت هاتفي و استسلمت لدموعي لرثائي على حياة ندى ، لم تمر لحظات حتى سمعت طرقا على باب غرفتي مسحت دموعي بسرعة و فتحت الباب ، لا أعلم لما جعلتني رؤية وجه رابمون أنهار أكثر و انسالت دموعي أحاول منع نحيبي أغلق الباب بقدمه و وضع يديه على كتفاي يحاول معرفة سبب بكائي ، أخبرته بأمر ندى و أن والدها قد أخذها بعد أن ودعتها البارحة أنني لن أتركها و سأجد لها حلا ، لفني رابمون بين ذراعيه الطويلتين و ربت على ظهري ، أحسست بالدفء و كأني كنت ضائعة بين الهموم و الأفكار المشوشة التي كانت تتخبطني .. أحسست أني عدت إلى الديار.. حيث الأمان و كل شيء سيكون بخير ..
بعد تهدئتي جلس رابمون بجانبي فقلت بصوت أنهكه البكاء :
- آسفة .. لأني أقحمت في همومي و جعلتك تقلق..
رمقني بنصف نظرة و قال:
- نعم عليك أن تكوني آسفة حتى أني أفكر في مقاضاتك لذلك .. ياااا .. الغرض من الحب هو أن يصير كل من الطرفين جزءا من حياة الآخر .. أم أنك لا تريدين أن أصير جزءا من حياتك؟
- لا لم أقصد ذلك .. أنا فقط..
- لابأس .. أنا أتفهمك.. أنا أيضا أخفي ألمي عن باقي الأعضاء كي لا يشعروا بالضعف .. بما أنهم يستمدون قوتهم من قائدهم .. على أي علينا إيجاد حل.. لما لا نجرب الحصول على عنوانها؟
- لا أعلم .. والدها رجل صعب الطباع .. ما الذي يمكنني قوله له؟ أرجوك أعد ابنتك للمعاناة كخادمة و لا تقم بتزويجها لذاك الرجل حتى و إن كان غنيا ؟ بالطبع سيرفض ..
خيم الصمت على الغرفة قبل أن يرن هاتف رابمون ، كانت مكالمة من أحد موظفي فريق عملهم ، نظر إلي بتأسف فقلت له :
- لا تقلق .. اذهب لا بد أن الأمر مهم .. فأنا بخير الآن بفضلك ..
- حسنا .. لكن لا تجهدي نفسك كثيرا .. سنجد حلا لاحقا
غادر رابمون فشردت في أفكاري قبل أن يطرق أحدهم الباب ، لقد كانت فاطمة مطئطئة الرأس للأرض و تعابيرها حزينة كما لم أراها من قبل ، استغربت لأنها طرقت الباب بدل الدخول كما اعتادت أن تفعل و قبل حتى أن أتفوه بكلمة قالت بصوت أجهش :
- لقد كنت حين أتى والدها و أخذها .. لم أستطع فعل شيء.. كانت تنظر إلي و كأنها تستغيث بي حين سحبها من يدها .. لكني .. كنت فقط أنظر إليها .. لم أستطع فعل شيء أوني .. أنا آسفة أوني آسفة ..
ضممت فاطمة إلي بينما كانت تبكي و مسحت على دموعها و قلت :
- إنه ليس خطأك .. على أي حال ما كنتي لتستطيعي مجابهة والدها وحدك..
جلسنا في الغرفة إلى أن هدأ روع فاطمة بينما كنت أنا أفكر بعمق في حل لمشكلة ندى ، وقفت متجهة إلى خزانتي لأغير ملابسي بسرعة بعد أن خطرت لي فكرة ، نظرت إلي فاطمة بتعابير فارغة و قالت :
- هل أنت ذاهبة إلى مكان ما أوني ؟
- نعم .. سأذهب لأقابل مدير الشركة
- و لكن لماذا ؟ هل طلب رؤيتك؟
التفت إليها و قلت بحزم :
- سأطلب منه المساعدة .. سأشرح لك حين ينجح الأمر حسنا.. أرجوك اهتمي فقط بالأعضاء ريثما أعود ..
غيرت ملابسي في ثوان و خرجت مسرعة إلى خارج النزل و طلب من السائق أخذي إلى الشركة ، كان المدير في اجتماع لهذا جلست أنتظر إلى أن أصبح متفرغا ، استقبلني بحرارة و رحب بي و طلب لي القهوة حتى دون أن أطلبها ، نظر إلي بابتسامة عريضة و قال :
- خير آنسة سمر .. هل كل شيء في النزل على ما يرام؟
- نعم سيدي كل شيء يسير حسب المخطط له ..
- هذا جيد .
- في الحقيقة سيدي لقد أتيت اليوم إليك لأجل طلب خاص .. أتمنى ألا تردني خائبة .
- بالطبع آنسة سمر اطلبي ما تشائين فأي شيء سيكون هينا أمام المساعدات و النجاح الذي جلبته لشركتنا ..
- أشكرك سيدي .. في الواقع .. لقد سمعت أنكم تقدمون منحا دراسية ..
- آآه نعم .. نحن نقدمها لطلبة الثانوية المتفوقين .. هل هناك شخص في عائلتك تريدينه أن يستفيد منها ؟
- في الواقع لدي صديقة .. لكنها انقطعت عن الدراسة لأسباب عائلية ..لكنها كانت متفوقة و تريد حقا العودة لإكمال دراستها .. للأسف اضطرت لترك الدراسة بسبب ظروفهم الصعبة فهي تعمل كخادمة و أظن لو تمكنت من تسديد مصاريف دراستها فقد تستطيع إكمال دراستها و تحقيق حلمها في أن تصير طبيبة و تضمن مستقبلها و مستقبل أسرتها..
بدى المدير شاردا في أفكاره بينما كنت متأملة أن يوافق على طلبي ، تنحنح ثم قال :
- في الحقيقة آنسة سمر .. ليس لدي مشكلة في كونها انقطعت عن الدراسة بما أنها صديقتك و هو طلب خاص منك .. لكن شركتنا و منذ بدايتها لديها شروط تنص على منح المنح الدراسية شرط التخصص في مجال الأزياء فقط .. فالهدف من المنح كان تجنيد أطر جديدة و تفنيد مواهبهم لإعدادهم للمساهمة في تطوير الشركة في المستقبل ، و لا يمكنني الموافقة على هذا الاستثناء دون إذن مجلس الشركة..
- أرجوك سيدي أن تلبي لي هذا الطلب أعدك أنه سيكون آخر شيء أطلبه منك..
تنهد السيد المدير و أخفض رأسه و قال و هو يتجنب نظراتي المتأملة في قبول طلبي :
- آسف .. آنسة سمر..
في تلك اللحظة أحسست أني فقدت تلك الشعلة الصغيرة التي كنت أتأمل أن تخرجني مما أنا فيه و تخرج ندى مز مشكلتها لا و بل من العناء الذي تعيشه .. ابتسمت ابتسامة خيبة و قلت:
- لا بأس .. أستأذنك سيدي سأغادر الآن ..عمت مساءا .
قبل أن أدير مقبض الباب ناداني المدير:
- آنسة سمر..
نظرت إليه بنظرات ذابلة كنت أفكر .. لا بد أنه يريد توكيل مهمة أخرى لي إضافة إلى كل ما أفعله بالفعل.. لكني أفعل ذلك فقط لأجل بانغتان و ليس طمعا في الإيفاء بوعوده..
نظر إلي مطولا ثم قال :
- لا زلت أذكر اليوم الذي طلبت رؤيتك فيه حين كانت الفرقة قادمة .. أخبرتك بالمشكلة رغم أنه ليس لديك أي علاقة بها و بالرغم من أن إيجاد حل كان يبدو مستحيلا .. لم تعترضي.. بل وعدتني أنك ستحاولين تدبر الأمر .. أعلم جيدا أنك لم تفعلي ذلك لأجل المقابل الذي عرضته فلو كان الأمر كذلك لطالبت بالمزيد عن كل مهمة .. أعلم أنك تفعلين ذلك لأجل أولئك الشباب فمن الواضح أن علاقتك بهم قوية .. أنت فرد مميز عرفته شركتنا و أنا مدين لك بالكثير .. لهذا سأتحدث إلى أعضاء مجلس الإدارة و سأحاول إقناعهم..
في البداية لم أصدق ما سمعته أذناي لهذا كانت تعابيري متجمدة لبضع ثواني قبل أن أبتسم بسعادة و ركضت إلى مكتب المدير أصافحه بحرارة و أنا أشكره بكل التعابير التي أعرفها حتى أني كنت أخلط الكلمات مما جعل المدير يضحك .. غادرت مكتبه بعد أن وعدني أنه سيعقد اجتماعه الطارئ اليوم و سيجيبني بعد ذلك و علي تقبل نتيجة اجتماعه مهما كانت .. بينما كنت خارجة من الشركة التفت لألمح السيد يوسف كان يقف أمام مصعد ينتظره و يحمل بعض الأوراق منشغلا بقرائتها ، رفع رأسه ليراني فلوحت له بيدي و أنا أبتسم لكن تعابير وجهه تغيرت فجأة فدس رأسه في الأوراق بدى و كأنه متوتر ..
- ما هذا ؟ أيعقل أنه لم يتعرف علي ؟ اتجهت إليه لألقي عليه التحية ففتح ادباب المصعد و صعد مركزا على أوراقه ..
وقفت مستغربة من تصرفه ، السيد يوسف لطالما كان السباق لمحادثتي حين أكون شاردة الذهن و لا أنتبه لوجوده لكن.. أنا متأكدة أنه رآني .. أم ربما خيل إلي فقط .. عدت إلى النزل فالتقيت رابمون العائد من طابق فريق عملهم ، فقال:
- لقد اشتقت حقا لهذه الابتسامة .. هل كنت في مكان ما؟
ابتسمت و قلت:
- لقد ذهبت لرؤية مدير الشركة .. سمعت أنهم يقدمون منحا دراسية فطلبت منه استفادة ندى منها ..
عذا أمر جيد .. لكن ما الغاية من استفادتها من منحة بما أن والدها بالفعل جعلها تترك الدراسة قبلا؟
- السبب الذي جعله يجبرها على ترك الدراسة هو مصاريفها .. و أظن ما جعله يدبر لها زواجا برجل غني هو ضمان مستقبلها.. لكن ربما لو أخبرته أنه هناك من سيهتم بتكاليف دراستها سيتخلى عن فكرة زواجها هذه ..
صمت رابمون للحظات يفكر ثم نظر إلي و ابتسم و قال:
- حسنا أظنها فكرة جيدة ..
- لكن هناك أمر آخر .. سيعقد اليوم اجتماعا لمجلس الإدارة ليحاول إقناعهم بقبول المنحة لندى فهم لا يقبلون إلا التخصص في الأزياء .. سأتلقى رده اليوم .. أتمنى أن يكون إيجابيا.
أمسك بيدي و نظر إلي و هو يبتسم و قال :
- لا تقلقي .. سيكون كل شيء بخير  

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن