الجزء الرابع و الثلاثون

3.9K 394 4
                                    

  التفت فلمحت جيمين بعيدا عنا يمشي وسط الحقل لكنه لم يكن وحده ، بل كانت معه فتاة بعد أن حدقت فيها جيدا اتضح لي أنها ندى ، وقفنا أنا و رابمون مختبئين وراء جذوع الشجرة نشاهد جيمين و ندى يمشيان معا بعيدين عن بعضهما بينما كان جيمين يلتفت إليها بين الفينة و الأخرى و يبتسم ..
- إنها حقا ندى ، ما الذي يفعلانه هنا يا ترى؟ ..
- ما نفعله نحن أيضا .. أيقووو متى كبر جيميني و أصبح يأخذ فتاة في موعد ..
- لقد سبق أن خرجت معه في موعد أم نسيت
- شكرا لتذكيري بذلك .. كنت أعاني حقا ذلك اليوم .
التفت إليه بنظرات متأثرة و لطيفة فقال :
- لا تنظري إلي هكذا كأني مثير للشفقة .. بالمناسبة أليس من غير اللائق الاختباء و التجسس عليهم ؟
- نحن لا نتجسس عليهم .. نحن نتابع فقط تحركاتهم بصفتنا الأكبر سنا بما أنهما لا يزالان صغيران ..
- امممم .. فهمت الآن لما تستمرين بالتجسس على الآخرين ..
نظرت إليه بعينين حادتين :
- ياااا .. أنا لم أكن أتجسس !
التفت أتابع جيمين و ندى ، كان جيمين يقترب منها شيئا فشيئا بينما يمشيان إلى أن أصبح يمشي بقربها ، كانا يتحدثان و يستمران باستخدام الإشارات و يبدوان سعيدين ، ثم فجأة ركض جيمين نحو مجموعة من الأزهار و قطف واحدة ثم عاد أدراجه نحو ندى بخطوات متثاقلة و هو يبتسم ثم انحنى و مدها لها ، فقامت بإمساكها و هي تضحك من تصرفه ، تأثرت من جمال المشهد فقلت :
- أومووو إنهما حقا لطيفان .
- جيميني يجيد الكثير من الحيل التي تحبها الفتيات .. علي أن أتعلم منه .
- إنها ليست حيل .. إنه فقط يعبر بطريقته .
خفض رابمون رأسه و همس مع نفسه :
- لا بد أن طريقتي في التعبير مريعة ..
فنظرت إليه و ابتسمت و تابعنا مراقبة جيمين و ندى ، جلسا على جذع شجرة ضخمة و كانا يتحدثان بينما كانت ندى تبدو خجولة و تبتسم أما جيمين فكان يبدو و كأنه طفل في سنه الأولى يحاول التحدث، فقلت لرابمون :
- جيمين المسكين يبدو أنه يعاني ليتحدث
- لكنهما في النهاية يفهمان بعضهما ..
لا أعلم ما الذي كانا يقولانه جعل جيمين يضحك بقوة و كاد يسقط لوراء الجدع لو لم تقم ندى بإمساكه من يده ، فشرع يمسح على رأسه من الإحراج بينما كانت ندى تحاول إيقاف ضحكتها، فجأة هجمت نحلة على الثنائي الخجول و أفسدت موعدهما فقد استمرت في التحليق حولهما بينما وقفت ندى تدور هنا و هناك هاربة من النحلة أما جيمين فقد كان يحاول إبعادها و ما إن تتجه نحوه حتى يهرب هو الآخر ، كنا نبكي من الضحك أنا و رابمون على مشهدهما ، قبل أن تتعثر ندى و تسقط على جيمين و يختفيا وسط نباتات القمح الطويلة، تبادلنا النظرات أنا و رابمون بعينين متسعتين ثم ابتسم بخبث و بدأ يردد :
- وااااه .. جيمينيييي ..
- أين اختفيا ؟
- لقد أخبرتك أنه لا يجب التجسس عليهما ..
لم تمر ثوان حتى وقف الإثنان بسرعة يشعران بالحرج و يتفاديان النظر إلى بعضهما ، انحنى جيمين يلتقط الوردة التي التقطها سابقا و سقطت من ندى و أعطاها لها بخجل ، ثم أشار لها إلى الطريق و غادرا معا يمشيان وسط الحقل و ينظران إلى بعضهما خفية ..
وقفنا باعتدال بعض أن أمضينا وقتا طويلا منحنيين نشاهد جيمين و ندى ثم قال رابمون :
- فهمت الآن لما تحبين التجسس على الآخرين الأمر حقا ممتع
- ياااا ! أخبرتك أني لا أتجسس على أحد .. أنت حقا مزعج !
سرت بسرعة بتعابير غاضبة تاركة رابمون ورائي يناديني كي أنتظره قبل أن يركض لكنه تعثر و سقط وسط نباتات القمح الشامخة فجعلني صراخه قبل أن يسقط التفت لأجده مختفيا بين الأعشاب ، فقلت له بصوت عال :
- أنت تستحق ذلك !
كنت بالفعل قد تابعت طريقي لكني شعرت بالقلق عليه حين سمعت تأوهاته التي تدل على أنه يتألم ، التفت فكان يحاول الوقوف و يمسك بقدمه ، شعرت بالندم لأني صرخت عليه و غضبت منه فقلت له :
- نامجون ! هل أنت بخير ؟
فقال بصوت جدي يخلو من أي تعبير :
- نعم .. أنا بخير
أسرعت و ركضت إليه أتفقد قدمه كان يبتسم و يحاول إخفاء ألمه ..
- يااا لما لا تهتم بنفسك أكثر ! استمر فقط في تدمير الأشياء و توقف عن إيذاء نفسك !
ابتسم و قال :
- هذا لأني مونستر
- بل أنا السبب .. ما كان علي أن أتركك ورائي .. هل تستطيع المشي عليها؟
- نعم نعم .. لا تقلقي .. إنه مجرد تشنج بسيط
من حسن الحظ أن إصابته لم تكن بليغة فقد تمكن من المشي على قدمه رغم أنها كانت تألمه قليلا ، لكنه استمر في التمثيل بأنه يتألم بشدة طوال طريق عودتنا كي يثير شفقتي ، خرجنا من الحقل و كنا قريبين من النزل فوقفت و قلت لرابمون :
- حسنا اذهب أنت أولا .. سأدخل بعد قليل
- لا بل ادخلي أنت أولا .. كيف يمكنني الدخول و تركك وحدك هنا و المكان خالي؟
ابتسمت و دخلت إلى النزل أترنح من السعادة ، صعدت إلى الطابق الأول لأرتاح في غرفتي فاخترق أذني ضجيج موسيقى صاخبة كان قادما من غرفة كوكي ، طرقت بابه لمرات عديدة لكن لم يفتح أحد و أثار فضولي سماعي لصوت فاطمة و ضحكات جيهوب ، و بدون أن أدرك أدرت المقبض و فتحت الباب ، وجدت أن الغرفة تحولت إلى قاعة كاريوكي فوضوية بموسيقى صاخبة ، الكثير من الأغراض و أكياس البطاطا و المأكولات الخفيفة تملأ الأرض بينما كان كوكي و تاي و جيهوب يرقصون بطريقة جنونية أما جين فكان يجلس بجانب فاطمة يأكلان البطاطا و يضحكان بشدة ، وقفت فارغة التعابير مصدومة من الفوضى العارمة في المكان ، التفت كوكي و تاي بينما كانا يرقصان رقصا غريبا ليجداني أمام الباب ، فتوقفا عن الرقص بينما ظل جيهوب يرقص بل و زاد حماسه إلى أن استدار هو الآخر و أسرع إلى الحاسوب و أخفض صوت الموسيقى ، ابتسم لي تاي كعادته و توجه إلي قائلا :
- نونا .. أتيت .؟ تعالي لترقصي معنا
سحبه كوكي من ذراعه و قال له هامسا :
- لنجمع هذه الفوضى .. هيا ..
انحنى كل من الثلاثة يقومون بجمع أكياس البطاطا الفارغة بينما وقف جين أوبا و ألقى بالكيس الذي أنهى محتواه و مسح يداه و مر من جانبي مغادرا الغرفة و هو يقول :
- أيقووو .. لقد قضيت وقتا ممتعا .. سأذهب لأنام قليلا
وقفت فاطمة تتجنب النظر إلي قبل أن أشير لها بالاقتراب فأتت بخطوات خجولة ، و قلت لها :
- شوقا أوبا مريض و من المفترض أن تكوني أكثر شخصا حرصا على راحته لكني أتفاجئ بك تستمتعين بالموسيقى الصاخبة
- أووه أوني أنت لا تعرفين شوقا أوبا .. نومه ثقيل بالفعل ..
- حقا ؟؟ هل أصبحت تعرفينه أكثر مني ؟
ابتسمت باستفزاز و قالت بصوت طفولي :
- بالطبع .. لأنه حبيبي
ثم غادرت و تركتني فارغة التعبير من الدهشة :
- وااااه .. حقا .. هذه الفتاة .. بهذه السرعة ؟؟ إنها حقا لا تضيع الوقت !  

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن