كانت شفتاي ترتعدان من الصدمة التي تلقيتها ، لم أكن أستطيع التصديق بعد أن رئيس الخدم كان سيد الرجلين الضخمين اللذان خطفا الفتاة، بالطبع كان علي أن أتوقع أسوء من ذلك حين رأيت الصور في درجه و حين رأيت الكثير من الاكسسوارات الغالية الثمن على رفوف مكتبه .. اقترب مني و قال :
- لا بد أنك متفاجئة .. حسنا لديك كل الحق .. في الواقع كنت استغنيت عن فكرة اختطافك بما أنك مسؤولة عن مجموعة الحمقى تلك و اختفاءك سيسبب مشاكل كثيرة .. لكن أنت من تطفل على عملي و أرغمتني على إعادتك للائحة.. فلا تكرهيني..
نظر إلى الخادم بحزم و قال له:
- ابق هنا لمراقبتها.. و لا تقم بأي فعل طائش !
- أمرك سيدي
غادر رئيس الخدم و أقفل باب القبو ، سحب الخادم كرسيا و جلس عليه معلقا أقدامه على إحدى الطاولات التي كانت تتأرجح ، ربما هي موجودة هنا منذ وقت طويل .. عقد يداه و نظر إلي مبتسما باستهزاء بينما كنت منزوية في مكاني و قال :
- كيف يعقل أنك أصبحت مثيرة للشفقة هكذا .. من السخرية كيف كنت تسارعين للمساعدات بينما أنت هنا لن يساعدك أحد..
ثارت أعصابي لما قاله فصرخت في وجهه :
- سوف يساعدني أصدقائي ! عاجلا أم آجلا سيجدونني و سيكون عليك الهرب لإنقاذ حياتك من الموت !
ضحك الخادم بهستيرية حتى كاد يسقط من كرسيه ثم جلس باعتدال ثم قال:
- ربما نسي سيدي إخبارك شيئا مهما بما أنه مشغول للغاية .. لقد أرسل بالفعل من يقوم بجمع أغراضك من الغرفة و سيخبرهم الخدم أنهم رأوك تغادرين باكرا..
حدق في ساعته على يده ثم قال :
- بما أنه منتصف النهار أعتقد أنهم اقتنعوا بالفعل أنك غادرت و تركتهم ..
جعلني ما قاله الخادم أشعر بأني أغرق في مكان لا مجال لإنقاذي منه ، لكني كنت أحاول المحافظة على ثقتي العمياء في الأعضاء ، لا يمكن أن يظنوا أني غادرت بتلك السهولة تاركة إياهم فهم أصدقائي .. حتى لو ظنوا ذلك على الأقل لا يجب أن يقتنع رابمون بذلك .. ربما لم أجرأ على التعبير له عن مشاعري بصفة مباشرة لكنه يعرف أني أحبه و لا يمكنني الإبتعاد عنه بدون عذر .. أنا متأكدة أنه سيبحث عني !
اتكئ الخادم على كرسي ثم خلد إلى النوم ، أحسست بالوحدة و الخوف من مصيري الذي سيكون أرحم شيء فيه هو الموت ، كانت هناك خزانة قديمة مركونة بجانبي أبوابها مكسورة ، اقتربت منها لأنزوي بجانبها و أنا أبكي على حالي ، فلامست يدي زاوية الخزانة الخشبية الخشنة ، توقفت عن البكاء فجأة و تحسستها جيدا ثم خطرت في بالي فكرة، بدأت أحك الحبل بها لعل الاحتكاك يؤدي إلى قطعه ،لكن الحبل كان سميكا اضطرني إلى أخذ الكثير من الوقت و الجهد و كنت أتوقف للحظات حين يتحرك الخادم في كرسيه أو يفتح عيناه ليتفقدني فأتظاهر أني نائمة متكئة رأسي على الخزانة..
قبل أن أكمل قطع الحبل استيقظ الخادم و تثائب ، فرن هاتفه و وقف متجها إلى الأعلى رأيته يفتح الباب لكني لم أستطع رؤية ما يوجد خارجا بما أن الأغراض المتراكمة كانت تحجب الرؤية عني ، ثم عاد و هو يحمل طبقا شرع يأكل منه و هو يقول بفم مملوء :
- وصل طعامك !
وضع الطبق على الطاولة ، ثم قال متجها إلي :
- أنت محظوظة .. سيدي أمرني أن أفك لك الرباط حين تودين الأكل ..
أحسست بالارتباك و الخوف ، كنت أخشى أن يأتي ليفك الحبل فيجده ممزقا و حينها ستزيد شدة حراسته لي و لن أتمكن من الهرب ..
انكمشت في مكاني و قلت له بغضب :
- لا أريد شيئا منكم ! اتركني و شأني فقط !
وقف مكانه و قال :
- أنت متأكدة ؟ .. اسمعيني جيدا كبريائك هذا لن ينفعك أبدا هنا .. لأنك ستموتين من الجوع ..
أشحت بوجهي بعيدا و بقيت صامتة متجاهلة إياه ، فالتفت و عاد ليجلس في كرسيه و هو يأكل من الصحن و قال :
- ربما تفكرين في قتل نفسك بالجوع .. أنا أتفهمك ..
ثم التفت إلي بنظرة حقد و هو يبتسم بخبث و تابع قائلا :
- .. بما أن ما ينتظرك أسوء من الموت ..
كانت رائحة الطعام تستهويني فقد كنت أشعر بالجوع لكني استغليت فرصة انشغاله بالأكل لأستمر في محاولة قطع الحبل إلى أن أحسست بتمزق جزء كبير منه ثم توقفت حين أنهى الخادم طعامه ، و أخرج هاتفه يتفحصه و أشعل سيجارة و بدأ يضحك و هو يشاهد هاتفه تارة و يطلق شتائم تارة أخرى، كان دخان السجائر يخنقني رغم أني أحس بالاختناق بالفعل بسبب القبو المغلق و المظلم ، كان صوته العالي و حركاته الهمجية تثير اشمئزازي و تهيج أعصابي ، لكن كان علي أن أبقى هادئة إلى أن أجد الفرصة للهرب.
ظل الخادم على تلك الحال لساعات كنت أكاد أغط في النوم بسبب النعاس الشديد لكني كنت أحاول البقاء مستيقظة كي لا أضيع فرصتي ، بعد انتظار طويل نام الخادم و هو يحمل هاتفه في يده و ما إن تأكدت أنه استغرق في النوم حتى باعدت بين يداي بأقصى قوتي فانقطع الحبل ، شعرت بأني حرة .. توسعت عيناي و ابتسمت بسعادة لكني كنت أراقب حركات الخادم ، وقفت و أنا لا أزال أضع يداي وراء ظهري تحسبا لاستيقاظ الخادم ، ثم توجهت بخطوات هادئة و صامتة إلى السلالم ما إن وطئت قدمي على الدرج الأول حتى أصدر الخادم صوتا ، التفت إليه فكان يتحرك في كرسيه و يمسح على رأسه و هو يطلق كلمات غير واضحة ، تجمدت مكاني و أنا أخشى أن يوقظه صوت ضربات قلبي القوية .. كانت قطرات العرق تتسلل من تحت حجابي كالسيل ، لا أعلم إن كان علي العودة لمكاني أم الهرب بسرعة قبل أن يستيقظ .. و بعد ثوان استرخى و عاد مستغرقا في النوم ، تنفست الصعداء و أكملت طريقي صاعدة السلالم بحذر شديد إلى أن وصلت إلى الباب الذي بدى مختلفا .. لم يكن يبدو كباب بقدر ما بدى كلوح خشبي يغطي الفتحة .. كنت أتساءل كيف علي فتحه بما أنه لا وجود لمقبض به ، فكرت في دفعه .. دفعته بخفة فأحسست به يتحرك لكنه أصدر صوتا احتكاكه بالأرض ، بقيت ساكنة في مكاني أتأكد أن الخادم لا زال نائما، ثم تابعت أدفعه بهدوء كي لا أوقظ الخادم .. نظرت إلى المكان في الخارج فبدى لي مألوفا .. لقد كان عبارة عن مكتب سبق أن أتيت إليه .. إنه نفسه مكتب رئيس الخدم !
كنت أدور حول نفسي أتأكد أنه حقا مكتب رئيس الخدم لأجد أن باب مدخل القبو موجود وراء الخزانة الفارغة التي اختبأنا فيها أنا و رابمون سابقا..
لا أصدق أني محجوزة في قبو سري تحت مكتب رئيس الخدم و في النزل نفسه !
كنت متجهة إلى الباب لأغادر سجني قبل أن أتفاجئ بذراع تلتف حول عنقي و يد تغلق فمي بقوة و سحبني إلى القبو من جديد ، كنت أحاول الإفلات و الصراخ لعل أحدهم يسمعني بما أني في النزل لكن الخادم كان أقوى مني..
سحبني إلى الأسفل و ألقى بي على الأرض ، و قفت و ركضت محاولة الهرب بأي طريقة و أنا أصرخ طالبة المساعدة .. لكنه أمسك بي و صفعني بقوة صفعة أطلقت على إثرها صرخة مدوية و بقيت طريحة الأرض أتألم بشدة و الدموع تنزل من عيناي كالسيل .. ثم بدأ يشتم و يوبخني و عيناه تشتعلان من الغضب .
حدق في لثوان بعينيه الجاحظتان ثم اتجه إلى الأغراض في إحدى الأركان ثم بدأ يقلب في إحدى الصناديق و هو يقول :
- لا يجب أبدا التساهل معك
سحب منه سلسلة حديدية بقفل به مفتاح، فتح القفل و اتجه إلي يفك السلسلة و هو يقول:
- هذا سيفي نفعا معك
سحب دراعي بقوة لأقف و قيد يداي بالسلسلة و القفل ، ثم رمى بي في مكاني المعتاد و أنا أعاني من ثقل السلسلة المؤلمة على يداي ، انحنى إلي بعد أن سحب سكينا من جيبه الخلفي و وضعه على وجهي و قال بصوت هادئ :
- أرى أنك تحسين بالأمان بما أن سيدي يريدك سليمة .. لكن إذا فكرت مجددا في العبث .. فسأتخلص منك دون إثارة غضب سيدي ! .. لا تجربيني فأنا شخص مجنون إلى حد لا يمكن تصوره !
كنت أرتجف من الخوف و أحسست أن برودة السكين انتشرت في جسدي كله ليجعل جسمي يقشعر من الجمود ..
عاد ليجلس على كرسيه بخطى متثاقلة و وضع السكين على الطاولة قبل أن يجلس في كرسيه و قال:
- و اصرخي بقدر ما تستطيعين فهذا القبو عازل للصوت و لن يسمعك أحد !
انكمشت في مكاني أبكي في صمت .. لقد فقدت آخر فرصة لي للهرب بما أنه تم تقييدي بسلسلة حديدية .. كنت أتمنى فقط أن ينتبه الأعضاء لقضية اختطافي و ألا يقتنعوا بقصة مغادرتي النزل دون إخبارهم.. أنا الآن أعتمد على إيجادهم لي بما أنه لم يعد لدي فرصة للهرب .. لكن كيف يمكنني إخبارهم أني في مأزق و أني لا أزال في النزل ؟!
أنت تقرأ
الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالث
Fanficتضطر سمر إلى استقبال أعضاء فرقة بانقتان في بلدها قصد تصوير إعلانات شرط أن يبقى خبر وجودهم سرا ، بينما تعاني من ألم و جراح لم تلتئم بعد .. كيف سيقضي بانقتان أيامهم في بلد عربي ؟ و ما المشكل التي تعاني منها سمر و التي جعلتها تتغير ؟