الجزء التاسع و الأربعون

3.4K 331 7
                                    

شعرت بالفضول فهممت للاتصال برابمون أو ربما أوقظ فاطمة .. لكني قررت النزول للتأكد من الأمر أولا ثم أطلب المساعدة في حال كان حقا سارقا ، لففت حجابي بسرعة ثم خرجت من الغرفة و أغلقت الباب بهدوء نزلت الدرج إلى الردهة و أنا أمشي على أطراف أصابعي ، فجأة سمعت صوتا قادما من جناح الخدم فأسرعت بخطى صامتة و صعدت الدرج حيث اختبأت ، أخرجت رأسي قليلا لأرى من الذي يمشي في تلك الساعة من الوقت ، فصدمت حين رأيت رجلان بجسدين ضخمين يلبسان ملابس و قبعات سوداء تكاد تخفي وجوههم ، كان أحدهما يحمل فتاة على كتفه العريض ، كانت الفتاة ترتدي بيجامة نوم مقيدة اليدان و القدمان معصوبة العينان و قد تم إغلاق فمها بشريط ، كان واضحا أنها إحدى الخادمات ، أما الرجل الآخر فكان يلحق به من الوراء بينما تصدر الفتاة أنينا يكاد لا يسمع بسبب الشريط اللاصق على فمها و تتأرجح فوق كتف الرجل الضخم تحاول الإفلات لكنها كانت أضعف من القيام بذلك .. أحسست بقلبي يكاد يخرج من مكانه و صرت أرتعش من الخوف في مكاني .. خرج الرجلان إلى مدخل النزل حيث كانت السيارة مركونة و بعد لحظات عادا للدخول ، فجأة وقف أحدهما و حدق في الدرج ، اختبأت و أغلقت فمي بيداي بقوة لأمنع صوت تنفسي ، سمعت شريكه يسأله :
- ماذا هناك؟
- لا شيء .. ظننت أني سمعت شيئا..
ثم توجها معا إلى جناح الخدم ..
شعرت بالخوف و تشوشت أفكاري ، كنت ضائعة لا أعلم ما علي فعله ، التفت لأصعد و أوقظ الأعضاء لكني قد أعرضهم للخطر .. يبدو من أجساد الرجلين أنهم عصابة خطيرة ، ربما من الأفضل أن أعود لأخذ هاتفي و أتصل بالشرطة ثم بعدها أستنجد بالأعضاء ، كنت أهم بالصعود لكني توقفت مكاني و تذكرت الفتاة التي قد يخرج الرجلان في أي لحظة و يأخذانها لمكان مجهول و الله وحده يعلم ما الذي سيفعلونه بها ، حتى إن اتصلت بالشرطة فيما بعد قد يعجزون عن إنقاذ الفتاة في الوقت المناسب ، كنت مترددة بين الصعود إلى الغرفة و بين النزول لإنقاذ الفتاة .. كنت مترددة بين الصعود أو النزول فأخذت قراري و التفت و ركضت إلى الأسفل بخطى هادئة ، تفقدت مدخل جناح الخدم فأسرعت و اتجهت إلى السيارة خارج النزل ، وجدت أن بابها الخلفي كان شبه مفتوح ، فتحته بهدوء كي لا أصدر أي صوت لأجد الفتاة المسكينة مركونة في زاوية تبكي بحرقة و تحاول طلب المساعدة اقتربت منها لفك قيدها فثار جنونها و التصقت بالزاوية مبتعدة عني ، ثم قلت لها بهمس مطمئنة إياها :
- اهدئي عزيزتي .. هذه أنا .. سمر ..
نزعت العصابة عن عينيها و ما إن لمحتني حتى بدت و كأنها تطلب مني المساعدة بعينيها ، كنت أحاول فك قيدها لكن الحبال كانت مربوطة بطريقة محكمة و لم تقوى يداي الضعيفتان المرتعشتان على فكه بسرعة ، كنت على وشك فك العقدة قبل أن تطلق الفتاة أنينا قويا رفعت رأسي أنظر إليها ، كانت تنظر إلى شيء ورائي و عيناها تهتزان من الرعب ، كان الظل الذي غطى علي الرؤية يوضح أن أحدهم كشف أمري ، قبل حتى أن ألتفت لف أحدهم ذراعه القوية حولي حاولت الصراخ لكنه وضع منديلا على وجهي بيده الأخرى بقوة ، كنت أحس بالاختناق بينما كنت أصرخ داخلي ، كانت رائحة المنديل غريبة تشبه الرائحة الموجودة بالمستشفيات و من شدة اختناقي استمريت في استنشاقها ، أحسست بالاسترخاء رغما عني و كانت رؤيتي تصبح شيئا فشيئا ضبابية ، حاولت الركل أو تحريك يداي لكن شعرت بثقل في جسدي ، بائت محاولاتي في البقاء مستيقظة و المقاومة بالفشل ثم فقدت الوعي ..
فتحت عيناي بصعوبة فقد أحسست بجفوني أثقل من أي وقت سبق، كل ما كنت أستطيع رؤيته هو الظلام الحالك ، لوهلة نسيت كل ما حدث لي و أين أنا ..
أحسست بدوار شديد و صداع قوي في رأسي كان بسبب رائحة المخدر التي لا تزال عالقة بمسالكي الهوائية .. فتذكرت أن أحدهم قام بتخديري بينما كنت أحاول إنقاذ الفتاة .. لكن انتهى بي المطاف سجينة لديهم و لا أعلم ماذا حصل للفتاة .. أنا لا أعلم حتى أين أنا ..
كنت فاقدة للقدرة على الحركة و كأنني مصابة بشلل في جسدي بأكمله ، كنت أدرك أن يداي مقيدتان وراء ظهري لكني لم أكن أستطيع تحريك و لو إصبع منهما ..
استغرقت بعض الوقت لأتمكن من الرؤية بوضوح .. قمت بتحريك يداي محاولة نزع القيود لكنها كانت محكمة .. حاولت الوقوف لكن كنت أستمر في السقوط أرضا فقد كانت قواي خائرة و كأني ثملة ..
كان المكان يبدو كقبو فقد كان مظلما تملأه الكثير من الأغراض و التماثيل الكبيرة المليئة بالغبار و بعض الحيوانات المحنطة المعلقة على الجدار المقابل لي ، كانت عيناها اللامعة في الظلام تشعرني بأنها تراقبني و يقشعر لها جسمي .. شعرت بالخوف الشديد ثم بالاختناق حين أدركت أنه لا وجود لنافذة في هذا المكان .. التصقت بالجدار أحاول تهدئة أزمتي لكن لا جدوى فقد كان يخيل إلي أن رؤوس الحيوانات المعلقة في الجدار تفتح فمها و تكشر عن أنيابها و تتحول عيونها لتصبح حمراء كلون الجمر ، أغلقت عيناي بشدة و استسلمت لوضعي أشهق بقوة و أبكي بحرقة و أنا أطلب المساعدة .. لكن لا حياة لمن تنادي ..
ربما أخذني رجلا العصابة إلى مقرهم و ابتعدت عن النزل ، لا أعلم لكم من الوقت كنت فاقدة للوعي و لا أعلم في أي وقت من النهار نحن بما أن المكان مظلم، إن كان لا يزال ليلا فلابد أن الأعضاء لا يزالون يغطون في النوم و لن يلاحظوا غيابي إلا بعد أن يقوم هؤلاء الأشرار بقتلي و دفني ، أنا حتى لا أعلم ما الذي سيفعلون بي .. أنا هنا وحدي ضعيفة و مسجونة أفكر في مصيري المجهول أكثر من تفكيري في طريقة للهرب .. فالهروب من هذا المكان يبدو مستحيلا ..
بقيت على تلك الحال لوقت طويل أو ربما كان طويلا فقط بالنسبة لي لقساوته ، قبل أن أسمع صوت فتح باب ، كان هناك ضوء قادم من باب أعلى الدرج ، في تلك اللحظة فقط لاحظت وجود سلالم بما أن المكان شديد العتم ، رأيت ظل رجل ينزل من السلالم ببطئ شديد ثم اتجه نحوي ، لم أكن أستطيع رؤية وجهه بسبب الظلام مما زاد من هلعي ، فكان صوت خطوات قدمه المتثاقلة متزامنة مع نبضات قلبي التي كانت تشتد قوتها كلما اقترب الظل مني .. وقف غير بعيد ثم سحب حبلا فأشعل مصباح صغير معلق في السقف ذي إضاءة جد خافتة يكاد لا ينير سوى منطقة صغيرة ، لكني استطعت رؤية ظهر الرجل الذي يبدو مألوفا ، التفت لأكتشف أه الرجل الذي ضايق ندى و الذي أوسعناه ضربا أنا و فاطمة بسبب ذلك ، ابتسم بخبث و قال لي :
- يبدو أنك معتادة على التدخل فيما لا يعنيك .. يا آنسة ..
تجمد لساني من صدمتي و زادت ضربات قلبي حدة لخوفي منه ، لقد سبق و قال أنه سينتقم مني لكن لم أظن أن ذلك سيتحقق بهذه السرعة ، إنه شخص يكن الضغينة لي و يمكن أن أتوقع منه فعل أي شيء بما أني في موقع ضعيف الآن ، لكني حاولت ألا أظهر خوفي و ضعفي له كي لا يتجرأ علي ، قلت له بصوت يخنقه الخوف و الصدمة :
- م .. ماذا تريد مني ؟
ضحك بشكل هستيري و بقوة ثم أصبحت ملامحه جادة في طرف عين و قال لي و هو يقترب مني بصوت هادئ :
- أنا من عليه أن يسأل هذا السؤال .. أنت من تطفل على عملي و كاد يخربه لي !
صرخت في وجهه :
- أين الفتاة ! إلى أين أرسلتها !
- لا تقلقي عليها .. فسيدي لا يتعامل مع أي كان .. لا بد أنه أرسلها إلى أيد أمينة ستهتم بها جيدا ..
- كان علي زجك في السجن بدل تركك تغادر النزل بسهولة ..
ضحك بشدة و قال :
- حتى لو قمتي بزجي في السجن لدي سيدي الذي سيخرجني بإشارة صغيرة منه .. أما أنت .. ستبقين هنا و لن يأتي احد لإخراجك أبدا !
ابتسم بخبث ثم بدأ يقترب مني شيئا فشيئا ، كنت أكاد أختنق من ضربات قلبي التي تعودت على سماعها بتلك القوة ، زحفت ملتصقة بالجدار أحاول لمس أي شيء على الأرض بيداي المقيدتان قد يفيدني في الدفاع عن نفسي لكن دون جدوى ، جلس القرفصاء أمامي ثم مد يده إلي بينما أشحت بوجهي بعيدا و أحكمت إغلاق عيناي و قد نزلت دمعة وحيدة من عيني .. كنت أفكر في عائلتي و والداي .. أفكر في فاطمة .. و الأعضاء جميعهم بالخصوص رابمون .. أتمنى أن يكون كل هذا مجرد كابوس سيوقظني رنين هاتفي منه لأجدها مكالمة من رابمون .. و أركض خارجة من غرفتي إليه و أدفن وجهي في صدره و أحضنه بقوة لأنسى ما رأيته و أخبره أني رأيت كابوسا مريعا .. فيلف ذراعيه حولي و يخبرني أن كل شيء بخير .. أتمنى أن تحدث معجزة ..
فجأة قاطع صوت يد الخادم المتجهة إلي قائلا :
- توقف !
كان الصوت قادما من الأعلى عند عتبة باب القبو ، حيث كان رجل يقف يرتدي بدلة أنيقة لكن وجهه غير واضح بسبب الظلمة ، تراجع الخادم و عدل وقفته فتنفست الصعداء و أحسست أني نجوت و ظننت أن أحدا أتى لمساعدتي ، لكن الرجل كان هادئا فقد ظل واقفا لثوان ثم نزل السلالم بينما كنت أتابع خطواته ، كانت خطواته أنيقة و واثقة .. ثم وقف يضع يديه في جيبه كانت نظرات الخادم له توضح أنه يعرفه و أنهما في نفس الجانب مما يعني أني لا زلت في عرين الأسد ..
تنحنح الخادم ثم قال بارتباك :
- سيدي ..
اقترب من الخادم و ظهر وجهه بضوء المصباح الخافت :
- كم مرة أخبرتك أني أحب القيام بعملي بهدوء و إتقان ..
ثم اقترب مني بهدوء و بتعابيره الجادة الجامدة و قال و هو يحدق بي :
- .. و أني أحب أن تكون بضائعي متقنة ..
أحسست بالقبو يدور حولي و أن شيئا حادا اخترق صدري ، لم أصدق أن السيد الذي كان يتحدث عنه الخادم و المسؤول عن اختفاء الخادمات من النزل هو رئيس الخدم .. رئيس الخدم نفسه الذي وجدت صورهن بحوزته .. صحيح أنه أثار ريبتي و شكي لكن لم أتخيل أن يكون جزءا من عصابة خطيرة ..

الضائعة و الفرسان السبعة - الموسم الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن