تجلس بهدوء في المكتبة الملكية تتصفح أحد الكتب, تقرؤ بتركيز و تستشعر حركة الأشخاص اللذين يدخلون و يخرجون من المكتبة و هي ما تزال جالسة بمكانها على الكرسي , في فترة إجتماع العائلة الملكية يصبح القصر الرَّئيسي مكتظَّاً بالأُمراء و الوزراء و الخدم الكثيرين , رفعت رأسها عن الكتاب و توقَّفت عن القراءة عندما سمعت شخصاً يُعلن عن دخول الملك كارلوس إلى المكتبة مع زوجته الملكة سندي , وقفت كما فعل الجميع و انحنت قليلاً و عندما نظرت إليهم كان الملك يقف شامخاً متأنِّقاً بزيِّه الملكي و كالمعتاد بملامحه الباردة و بجواره الأيمن زوجته سندي و الأيسر إبنته المدلَّلةُ أماندا
تقدم الملك بخطاه لداخل المكتبة الواسعة بينما تخبرهُ سندي عن نوع الكتاب الذي هي مهتمةٌ بقراءتهِ , كان عليها تجاهلهم و إكمال بحثها عن ما تستطيع فعله بما أنَّها قد وصلت بالفعل للمستوى الثَّامن , أصبحت في مستوى أعلى من الملك نفسه , أصبحت اقوى منه ، و لكن عليها أن تفكر جيداً في الوقت المناسب الذي تستطيع به إخبار الجميع بقوَّتها , تنهَّدت بخفوت بينما تتمسَّك بفكرة أن بإمكانها إيجاد حلِّ لمعضلتها بما أن قوَّتها في إزدياد .
لم تهتم لأمر العائلة الملكية التي دخلت قبل قليل بل تجاهلتهم و استمرت في قراءة ذلك الكتاب بتركيز بينما تفكر بعمق فيما حصل معها , هي ليست أوَّل إمرأة تسقط أبناءَها فَلماذا هي من عاشت في ذلك العالم ، لماذا إستطاعت رؤية أرواح أبنائها ,و على الرُّغم من كلِّ هذا كانت تلك أسعد ذكرى لها في حياتها , قُطع حبل أفكارها عندما شعرت بيد توضع على كتفها و صوت تألف مصدره جيدا ...
" ما الذي تفعلينه هنا إيزابيلا ؟ "
قال الملك كارلوس مستغربا فحوَّلت بيلا نظرها إليه و لثواني حملقت بتقاسيم وجهه ، ملامحه ذكَّرتها بذلك الحلم الغريب ، حَملها و مناداتهُ لها بليليان و الأهم ملامح القلق و السعادة التي لا تستطيع أن تلمحها الآن , نهضت من على الكرسي الخشبي و ملامح وجهها تحكي قصَّة من البرود و عدم الإكتراث ثم انحنت باحترام مرغم تقول له باقتضاب
" كيف حالك مولاي ؟ "
تكرهه بشدَّة , منذ أن كانت طفلة و هي تحقد عليه و على عائلته التي أخرجها منها ببرودة دم , كيف كان الفرق بين معاملته لها و معاملته لأماندا , كيف كان كل شيء سيء يحدث خطأها هي ، كيف كان لا يعترف أبداً أنها ابنته من لحمه و دمه و كان يرفض حتى رؤيتها , حرمها من أبسط الأشياء، من عناقه الدافئ ، من أمانه الذي كان من المفترض أن يغدقها به !
تذكر كيف كانت طفولتها مظلمة بسببه , كل التعذيب و الإهانة و الألام التي مرت بها , تذكر كيف كان يمنعها من الإختلاط مع البشر , كيف كان يبقيها حبيسة غرفتها اذا أقام حفلاً ملكياً , كان يخجل منها , حتى أنه قال لها هذا ذات مرة وجها لوجه , و لم تكن قد بلغت السادسة حينها , كادت أن تجيبه إلا أنها لمحت زوجته الملكة سندي تقترب منهم بخطواتها المقرفة و ابتسامتها المستفزة , و لا يختلف مقدار حقدها على الملك عن هذه المرأة فقد كانت تعاملها بقساوة , معاقبتها لها على أي خطئ تافه قد يخطئ به أي طفل عادي , و يا ليته كان عقاباً كما يعاقب أي طفل ع , بل هو عقاب حتى المجرمون لم يعاقبوا مثله !
أنت تقرأ
نورسين
Historical Fiction( منتهية ) كُل أحلامها تجلَّت في عائلة سعيدة , لكن كُلُّ ما عثرت عليه بين جدران ذلك القصر كان الشَّقاء و الضياع لسبب جهلته و لم تكن تملك الرَّغبة لمعرفته فقد إقتصَّ الحزنُ منها و سيطر على تحرُّكاتها حتى باتت جسداً بلا روح , مأوى بلا أمل , و هجاً بدو...