فتحت عينيها مجدَّداً لترى نفسها جالسة على السَّرير ، تنهدت بهدوء عندما رأت أنها قد عادت لغرفة الملك تلك التي لا يسمح لأحد بدخولها ، إستشعرت حركة غريبة بداخِلها فأنزلت رأسها لترى نفسها بالبطن المنتفخة , استوعب عقلها سريعا أنها في ذلك الحلم الغريب , نهضت من على السرير ببطء تسند ظهرها بيدها و ملامح وجهها إنكمشت من ألم داهم بطنها و ظهرها !
إلا أن فضولها كان أقوى من هذا الألم , رغبتها باكتشاف غرفة الملك التي لم يدخلها أحد قبلاً إلا بإذنه , لا تعلم أن كانت مثل الحقيقية و لكن لا يهمها ، فهي فقط ستمضي الوقت إلى أن تستيقظ من النوم , تمشت قليلا تنظر إلى الأرض التي فرشت بسجاد أحمر راقي ، و الجداران ذات ورق الحيطان الأنيق , أعجبَتها كل تفاصيل الغرفة من الأثاث إلى الديكور و أذهلتها قطع الأحجار الكريمة التي أخذت مكانها على الجدار لتُزيِّنه, لكن على الرُّغم من كلِّ البذخ الظاهر في الغرفة كان الجو كئيباً للغاية , لمحت مرآه في زاوية الغرفة ، إتجهت إليها و وقفت أمامها تتأمل ملامح وجهها التي تغيَّرت كُلِّياً , هي ليست هي !
لون عينيها سوداوان تماما و بشرتها السمراء أصبحت بيضاء قاربت للشُّحوب و شعرها القصير أصبح طويلاً يصل إلى أسفل ظهرها ، كادت أن تتحرك إلا أنها سمعت صوت الباب الذي فتح فالتفتت لتجد الملك كارلوس يدخل إلى الغرفة و ملامح وجهه تدل على التعب الشديد , إقتربت منه بهدوء ليقابل وجهها بابتسامة باهته قول لها بسخرية محبَّبة " أتمنى أن يكون يومك أفضل من يومي "
لا تدري السبب إلا أنها ضحكت على كلامه ، تذكر عندما رأته في المكتبة قبل أن تغط في النوم ، ملامح وجهه الباردة و كلامه ، و شعورها بالكره الشَّديد إتجاهه , لم تعد تفعل ، لا تدري السبب لكن مشاعر الحقد و الكره التي تكنها له اختفت بلحظة , لم تستطع قول شيء لأن السَّواد إحتلَّ ما حولها لثواني و ما لبث أن شعرت بالضوء يسلط على عينيها لترى بطريقة غير واضحة في البداية لكن عندما رمشت عدَّة مرات إبعدت طبقة الضباب عن عدستيها لتَتَّضح لها الرؤيا , فهي الآن بحديقة جميلة لا توصف بالكلمات , واسعة ذات جمال يسحر النفوس , العشب الأخضر الذي فُرشَ على الأرض المُمتدَّة و التي يمتلئ سطحها بزهور ملوَّنة من كل الأنواع و الأشكال ، أودية و بحيرات شقَّت طريقها على الأرض ذات مياه مُتلألئة بسبب إنعكاس إشِّعة الشَّمس عليها , تمشت في المكان قليلا غير آبهة لوجهتها أو للمكان الذي هي فيه بينما تراقب الجدران اللإسمنتيَّة المرتفعة التي تتدلى منها بعض كرمات العنب , و بينما هي تسير و تتأمل الحديقة بأعين مندهشة و ابتسامة هادئة لمحت إمرأة تجلس على كرسي خشبي ملتصق بالجدار الإسمنتي , إمرأة تلبس ثوبا أبيض طويلاً أحاط جسدها النَّحيل و شعرها الأسود الطويل منسدل على ظهرها بأريحية و على رأسها إكليل من زهور الياسمين البيضاء , اقتربت بيلا أكثر من تلك المرأة فوعت أن عيني ليليان السوداوتين تراقبان شيء صغير دفن بين العديد من الملاءات بين يديها ثمَّ لمحت الملك يدلف إلى الحديقة من باب غُطِّي بكرمات العنب التي تتسلق الجدار فجعلته أشبه بالخفي , رفعت ليليان رأسها ببتسامة عذبة جعلت كل تعب الملك من العمل بختفي بثواني , إقترب منها و جلس بجانبها بينما يسألها بلطف " كيف حالك عزيزتي؟" قبلت ليليان خده بلطف ثمَّ أجابته بهدوء " يومي كله كان مع أميرتك المدللة في الحديقة لأبتعد عن سندي قدر الإمكان فأنا أعلم أن مشاكلك تكفيك و لا أريد أن اثقل كاهلك أكثر "
أنت تقرأ
نورسين
Historical Fiction( منتهية ) كُل أحلامها تجلَّت في عائلة سعيدة , لكن كُلُّ ما عثرت عليه بين جدران ذلك القصر كان الشَّقاء و الضياع لسبب جهلته و لم تكن تملك الرَّغبة لمعرفته فقد إقتصَّ الحزنُ منها و سيطر على تحرُّكاتها حتى باتت جسداً بلا روح , مأوى بلا أمل , و هجاً بدو...