أخيرا أحضرت القهوة و أخذ السادة أماكنهم و أصبحت السيدات أكثر مرحاً منذ دخولهم , تناقش الرجال الأكبر سناً بالسياسة , فيما إكتفت زوجاتهم بالإصغاء , الجميع كان منهمكاً إما بالحديث أو القراءة باستثناء بيلا التي فورما رأتهم يدخلون توارت في الظل خلف ستارة النافذة , رغماً عن إرادتها إنجذبت عينيها إلى زين , و قارنته مع الجميع , معظمهم كانت إبتسامتهم السَّعيدة مرسومة على شفتيهم , إلا هو كانت إبتسامته خالية من المشاعر , باردة لم تستطع الإعتياد عليها بعد , تذكرت كيف كانت إبتسامته مختلفة في السابق , ذكرى جعلت قلبها ينقبض بألم مريع .
طوال الوقت كان يبتسم بوجهها ببشاشة , لطيفاً , مُحباً يتعاملُ معها برقَّعة عشقتها , جذبت نفسها من دوامة ذكرياتها بصعوبة , فجزء منها يرغب بشدة باسترجاع تلك الذكريات الجميلة , و جزء آخر يذكرها بنتيجة تلك اللحظات السعيدة التي تعاني منها الآن , أبعدت عينيها عن وجه زين لتمنع القهر من التفشي أكثر في جسدها فلمحت سندي و أماندا يلاعبان أنيلا التي أتت بينما كانت تغوص في ذكرياتها , شعرت بقهرها يزداد و هي ترى إبتسامة أنيلا التي تظهرها لأماندا , و شعرت بالغضب و هي ترى يد أماندا التي امتدت في يوم ما عليها بقسوة تداعب بها خد ابنتها فاقتربت منهم سريعاً و جذبت صغيرتها من ذراعها ثم حملتها سريعاً بينما ترشق أماندا و سندي بنظرات حادة جعلت أماندا تطلق شهقة خفيفة لفتت الأنظار نحوهم " ماما أنت هنا متى عُدتِ ؟ "
سألت أنيلا بدهشة بينما تمرر أصابعها الصغيرة على خد أمها , مما جعل غضب بيلا يخمد قليلاً , ابتسمت بخفة لإبنتهاو طبعت قبلة هادئة على خدها بينما تقول لها " أجل عدت , فالنذهب أحضرت لك أمراً " كادت أن تمشي بخطواتها و تغادر إلا أن صوت بُكاء أوقفها و جعلها تلتفت لترى سندي ممسكة بكتف أماندا التي تقول بنبرة باكية " لما تفعلين هذا , لماذا تحرمينني من رؤيتها , فهمت أنك والدتها فهمنا كلنا هذا و لكن أنا ربيتها رعيتها منذ أول يوم لها بحياتها , أما أنتِ لم تكوني بجوارها حتى !"
نظرت إليها بحدة و سخرية فهي تعلم أن كل ما تفعله أماندا هو مجرد تمثيل لا أكثر , كالعادة تريد تشويه صورتها أمام الجميع , و بيلا لم يكن لديها وقت للدراما التي تفتعلها لهذا قررت الإنسحاب بهدوء و تجاهل أمرها , و بالفعل اقتربت من الباب و كادت أن تغادر إلا أن صوتاً أخر أوقفها , و قد كان صوتاً يطلب منها أن تلتفت و تتحدث إليه , تنهدت بخفوت و أبعدت يديها عن مقبض الباب , إلتفتت لتجد رجلاً لم تره في حياتها قبلاً , يبدو بمثل عمر والدها الملك كارلوس و يرتدي تاجاً و ثياباً فخمة تدل أنه من المُمكن أن يكون حاكماً لإحدى الولايات , تفاجأت عندما نزلت أنيلا سريعاً من بين يديها و جرت إلى ذلك الرجل الذي انحنى و حملها سريعاً بابتسامة لطيفة للغاية قائلاً لها " كيف حال حفيدتي الجميلة , اشتقت إليك كثيراً "
أجابته أنيلا بينما تقبل خده " و أنا أكثر جدي " تنهدت بيلا براحة و قد فهمت بعضاً مما يدور حولها , إذاً هذا هو جدها أي والد زين , لا عجب في أنها لم تعرفه فزين كان يحرص على أن يخفيها تماماً و على أن لا ترى لا هي والداه و لا يرياها هما , اقتربت منهما و انحنت بخفة ثم نظرت إليه بثقة و شموخ أثارا إعجابه " إذاً انتِ هي الآنسة إيزابيلا والدة أنيلا ؟ " سأل والد زين المدعو بآرثر فأكتفت بيلا بقول " أجل " كإجابة " جدي هذه الماما الخاصة بي "
أنت تقرأ
نورسين
Historical Fiction( منتهية ) كُل أحلامها تجلَّت في عائلة سعيدة , لكن كُلُّ ما عثرت عليه بين جدران ذلك القصر كان الشَّقاء و الضياع لسبب جهلته و لم تكن تملك الرَّغبة لمعرفته فقد إقتصَّ الحزنُ منها و سيطر على تحرُّكاتها حتى باتت جسداً بلا روح , مأوى بلا أمل , و هجاً بدو...