الفصل الثاني والثلاثون

20.4K 440 3
                                    

بعد أسبوع

كانت تقف في الأرض الخلفيه لمنزل جدها تنتظره ....
تقف متأهبه لخروجه من مجلس جدها لتتحدث معه ... يجب أن تتحدث معه
فجدها ينتظر قرارها وهي لا تستطيع رفض طلب له ... لا تستطيع أن تخذله
رفعت إصبعها تعضه بتوتر لتراه يخرج من الباب فازداد توترها
لتزدرد ريقها وتنادي بخفوت
" فارس ..."
لقد أتى اليوم ليسأل جده عن ردها ... قلبه مشغول بقرارها
يهفو لموافقتها .... يحلم بذلك اليوم الذي ستزف له فيه
سيخبرها وقتها كم يحبها وكم يحلم بها زوجته وسيدة بيته
ألماااس ..
يا الله ... كم حلو الحلم كحلاوة اسمها المميز
تنحنح وهو يقترب منها .... يشعر بقلبه يقفز رغما عنه لمرآها
أسبل أهدابه ليسلم عليها بهدوء
" مرحبا يا ألماس ..."
أومأت له ليتضرج وجهها حمرة قلق وحرج مما ستقوله
يا الله ... كيف ستخبره بما تريد ... ؟؟
ولكن لا يوجد حل آخر ... لا يمكن أن تزف له وقلبها معلق بآخر
همست بصوت مثقل بحرجها
" فارس ... اممم .. كنت أحتاج للتحدث معك ..."
انشرح صدره لسماع صوتها ببحته المميزة ليرد عليها بنبرة ملهوفه بعض الشئ
" أخبريني بما تريدين يا ألماس ... تعلمين أنا أنتظر حديثك وردك "
فركت أناملها لتهرب بعينيها منه ... يا الله ... تريد الاختفاء الآن من أمامه
نظرت للشجر المجاور لتهمس بخفوت
" فارس .... أنا ...."
بدت متوترة .... قلقه ... مُحرجه ...
وجهها يتلون رغما عنها ليعقد حاجبيه بقلق من شكلها
سألها بحذر
" ماذا هناك يا ألماس ..؟؟... لماذا تبدين متوترة بهذا الشكل ..؟؟..."
أطرقت بوجهها بحرج لتهمس بصعوبة
" فارس ... أنا .. علمت من جدي .. أنك ... امممم ... طلبت يدي ... "
أومأ لها لتتابع لتزدرد ريقها بتوتر وتكمل
" ولكن ... أنا ... "
توقفت لتأخذ نفس قوي وتتابع
" أنا أشعر أنك أخي ... ذلك الأخ الذي تمنيته طوال عمري ..."
رفعت عينيها له لتجد نظرته جامده ... مُنصت تماما لها لتهمس
" دوما تمنيت أخ مثلك ... يكون سند لي ولليله ... فكما تعلم أنا وهي
كنا دوما وحدنا .... لم ... لم أشعر أبدا ناحيتك ...."
توقفت لتتوقف أنفاسها لحظه ... لا تستطيع إكمال ما تريده
لينقذها هو بجمود
" لا تكملي يا ألماس ... لقد فهمت ... ولا تقلقي سأسحب طلبي ولن
أعرضك لشئ ..."
ثم تابع بمرارة
" وسأكون دوما الشقيق الذي تتمنين ..."
ابتعد عنها خطوتين لتهمس من خلفه بحزن
" أنا آسفه ..."
لم يرد عليها وهو يخطو بثبات مغادرا إياها لتختنق بالدموع وتهمس بحنق
" تبا لك يا هارون ... تبا لك ..."



" اشتقت لك يا نياط ..."
همست بها وتين بنبرة خافته حزينه ويدها تمر على الفرسه بنعومه
قلبها يؤلمها ولكنها تقاوم ... تقاوم بضراوة حتى لا تبدو فتاه بلا عقل
إنه يتجاهلها .... وكم يؤلمها هذا التجاهل ..
أحضر لها خادمه ... يأتي ليطمئن عليها ثم يغادر ولا تعلم أين يذهب
تشعر بالوحده والخوف ...
همست مجددا للفرسه المستمتعه بالدلال
" إنه يبتعد عني يا نياط .... أردته يقترب ولكنه يبتعد .... يتعامل معي
بهدوء مغيظ ... واهتمام يثير حنقي أكثر ...."
تنفست بتعب لتسأل الفرسه وكأنها ستجيبها فورا
" هل كرهني يا نياط ....؟؟... سأموت لو فعلها ....."
أراحت رأسها على ظهر الفرسه رغم حركة الفرسه الخفيفه ولكنها شعرت
بالراحه هكذا ... فلا يوجد أحد يخفف عنها ... حتى هاتفها لا تجده
التمعت عيناها بالدموع لتشعر أنها مُحاصرة ... مُعاقبه ... كطفله صغيرة أخطأت
التصرف ...
هي تعترف أنها تسرعت في حديثها ولكنها ثارت رغما عنها ... لم تستطع السيطرة
على مشاعرها كالمعتاد ... بل اهتاجت ... فارت .. وكأن حملها أعطى إشارة بفقدان السيطرة .... وكيف تسيطر وحماتها تخبرها ببساطه أنه سيتزوج أخرى
يتزوج أخرى ..... آآآآآه ... موجع حتى التفكير في الأمر
موجع التخيل فقط .... فماذا سيحدث لو فعلها ...؟؟
لقد تزوجت به كأي امرأه في بلدتها ... زواج عائلي .. لا يوجد فيه غرام ولا حب
لتنزلق شسئا فشيئا معه .... تغرق في حبه .. حب تفاصيله
حب رزانته وهدوئه ..... حب حنانه الذي يظهر لمن يحبهم بقوة
حب اهتمامه لأدق تفاصيلها ..... حب صوته حينما يتكلم ... نظرته الصقريه
الثابته التي لا تظهر بما يفكر ... ولكنها لا تحب غضبه
غضبه صعب في هدوئه ... تشعر بأنها تختنق في كل لحظه وهو يتعامل معها
وكأنها غير مرئيه ....
جمود يغلف كل تصرفاته .... صلابة تجلب الدموع لعينيها
وذلك السؤال الذي يردده كلما رآها بهدوء
( كيف حالك اليوم ؟؟....)
ونظرته تهبط لبطنها وكأنه يخبرها أنه يسأل لأجل الطفل فقط لتومئ برأسها
وعيناها ترجوانه بصمت ليتجاهل ما يظهر فيهما ويبتعد عنها
لم تستطع الاعتذار ... لم تستطع ......!
أغمضت عينيها بقوة للحظه ... تشعر بدقاتها تثب بتعب لتنتفض على صوته
" وقوفك هذا خطأ .... تحركي للدار كي ترتاحي ...."
همست بخفوت وصل أذنه الحساسه لصوتها
" صفواان..."
قبض على عصاه بقوة ... يتجاهل صوتها ... وجهها الذي ارتفع له
عيناها الآسرتان .... أرضه الخصبه .... مملكته التي يغرق فيها
تلك التي جذبت قوته لتحتضنها بين جفنيها ... تحتويها برقتها
يا الله ... هل يتغزل بها الآن ....؟؟
رفع رأسه ليقول بجمود شامخ
" هيا يا وتين كي تدخلي الدار ..."
زمت شفتيها بحنق لتجيبه برفض خافت
" أنا أقف مع نياط ..."
كتم ابتسامة صغيرة من طفولية تعبيراتها ليقول بخشونه
" ليس لدي اليوم بطوله لك يا وتين ... هيا كي أوصلك للدار..."
نظرت له بعينين واسعتين لتسلب دقاته بنظرتها ... لتسبلهما بعدها تهمس بخفوت
وهي تتحرك
" لا تتعب نفسك ... فقط بضع خطوات وأكون في غرفتي الجديدة ..."
صوتها عاتب ... مُتعَب ... متألم
وكأنها علمت أن كلمة الاعتذار لن تجدي معه لتتحرك مبتعده تمر به
تريد الابتعاد ولكنها أوقفها .. يمسك ذراعها بخشونه ليهمس من بين أسنانه
وهو يقربها منه
" لا تتركيني وأنا أحدثك يا وتين ...."
رفت بعينيها بمفاجأه .... دقاتها تقفز بجنون في صدرها
سواد عينيه جذبها كالفراشه حينما تنجذب للنار لتفغر شفتيها تريد الرد عليه
ولكنها أغلقتها مجددا وهي ترى غضبه الكامن في بؤبؤ عينيه
نظرته قوية ... غاضبه .... مُتحكمه بطريقة تقلقها
لتجد صوتها بعد لحظه هامسه
" أنا آسفه يا صفوان ... آسفه ... لم .. لم أقصد ..."
وفهم هو ما ترمي له لتشتعل عيناه ... يجيبها بسخريه
" آسفه لأنك قلت أنني لست رجل ... أم آسفه لأي شئ ..؟؟؟."
اختنقت بقوة لتدمع عيناها بألم ... صوتها يخرج متحشرج رغما عنها
" لم أقصد وأنت تعلم ... ولكنها ... ولكنها قالت أنك ستتزوج ... ستستجيب
لطلبها وتفعلها ....وأنا .. أنا لم أحتمل ...."
انسابت دموعها لتشتعل عيناه أكثر وهو يواجهها بسخريه لاذعه
" ربما أفعلها يوما ما ... هل سأكون وقتها أفتقر للرجولة ...؟؟..."
قالها بسخريه قصد بها طفولية تفكيرها ... بأنه لن يفعلها وأنها لا تثق
ولكنها لم تفهمها هكذا لتتسع عيناها بفزع وهي تنظر له
وجهها يشحب فجأه ليعقد حاجبيه بقلق ويهمس بتساؤل
" وتييين..."
لم تجبه وهي تشعر بلسانها ينعقد لتزداد دموعها أكثر بشكل ملحوظ
ألم ... ألم قوي
لتشعر بنفسها في لحظه ترتفع لتغرق في حضنه وسبابه يصلها
" تبا ...."
شهقت بقوة لتترك لصوتها المكتوم العنان ويديها تتشبث بكتفيه بقوة
روحها تتعلق بروحه تريد الاندماج والسكون بين أضلعه
بينما هو أغمض عينيه بقوة من غبائها ...
لقد كادت تسقط أمام عينيه مجددا ....
لم يستطع الصمود أكثر وهو يرى دموعها
يتساءل ... لماذا تبكِ بقوة هذه الأيام ...؟؟... أهي مشاعر متفجرة بسبب الحمل ..؟؟
ازدرد ريقه وهو يشعر في تلك اللحظه بنعومة جسدها بالقرب منه
رائحتها تتغلغل لأنفه ... تخبره بوضوح ... كم اشتاق ... كم توله
كم رجولته تئن لقربها ... للشعور بها ... ولكنه يجلدها بقوة
يجلد قلبه المشتاق للمس قلبها
زفر بارتعاش وهو يسمع تشممها
يا الله ... إنها تتشممه .....!
ازدرد ريقه بقوة ليسأل بخفوت خشن
" ماذا تفعلين ...؟؟..."
فترد عليه ببراءة ولهه
" رائحتك .... اشتقتها ...."
تبا .... كيف يستطيع الصمود .... كيف ....؟؟
أبعدها رغما عنه رغم ممانعتها الضعيفه ليهمس بخشونه ناريه
" تعالي لأوصلك للدار ..."
تحركت معه لترفع يدها تمسح عينيها ... تشعر ببعض الهدوء بسبب احتضانه
لها .... وكأنه طمأنها بعض الشئ
ولكن قلبها لم يستسلم لذلك الاطمئنان الصغير لتهمس بتساؤل خافت متعثر
وهي تلج معه للمنزل الصغير
" صفواان..."
أغمض عينيه للحظه ويده تشتد على كتفها ليرد بخفوت جامد
" لن أفعلها يا وتين ... لو كنت تعرفينني جيدا لتأكدتِ أنني لن أفعلها .."
توقفت خطواتها أمام الغرفه ليتجمد جسدها تماما ... فقط قلبها من يرتعش
يرتعش بقوة .... يحتاج من يضمه ويطمئنه
احتاجت لاحتضانه في تلك اللحظه بقوة أكثر من أي وقت مضى
لتجد نفسها تميل عليه ... تسبل أهدابها باستسلام لقربه لتسمعه يشتم بعنف
ويميل ليحملها سريعا وهو يهمس بخشونه
" أنت لست بخير ..."
اقتربت تتعلق به أكثر ... تتشممه من جديد لتهمس بخفوت ولِه
" أنا بخير ..."
وضعها على الفراش بهدوء لتتعلق به أكثر رافضه تركه ليتنفس بقوة
بعنف .. يحاول السيطرة على تأثره كرجل بقربها ..
ولكنها لا تساعد .... أبدا لا تساعد ....!
همس مرة أخرى بتحذير
" وتييين ...."
لترفع رأسها تلك المره من اختباءها في حضنه ...
تنظر له بعينيها الجميلتين تهمس برجاء
" هل كرهتني يا صفوان ....؟؟..."
الصبر يا الله .... الصبر يا الله
لم يتركها ... ذراعاه تحاوطانها رغم استلقاءها على الفراش
يميل عليها .. قريبا منها ... لتكون خطوط عينيها بوضوح شديد أمام عينيه
نظرتها ناعمه ... بها رجاء صامت
نظرته غامضه لا تفصح عن شئ وهذا ما يقلقها
همس بنبرات مشتده
" تحتاجين للراحه يا وتين .... وأنا لدي عمل ينتظرني ..."
شعر بارتخاء يديها بعض الشئ لينقبض قلبه لأجلها
لم يقاوم ليقترب من جبينها يقبلها بقوة ... يتلكأ بعض الشئ لقربها
ليبتعد بعدها فجأه يهمس بخشونه
" اعتني بنفسك ونامي لبعض الوقت ..."
وضع يده في جيبه ليخرج هاتفها يقول بنبرة متصلبه
" هذا هاتفك يمكنك الاتصال بوالدك ... فأنا اتصلت به وطمأنته وأخبرته
أننا انتقلنا هنا لترتاحي قليلا من صخب المنزل الكبير ..."
لم يخبرها ألا تقول شيئا .. ولكنه نظر لها بصمت للحظات لينهض
بعدها يلتقط عصاه ويغادر المكان بينما هي مالت على جانبها
تحتضن وسادتها تتنفس بقوة واشتياق لوجوده ... لحنانه السابق الذي كان يغدقه
عليها دون حساب ولكنه الآن ...
يا الله ... بدا جامد ... صلب ... يضع مسافه بينهما
أغمضت عينيها ويدها تشتد على وسادتها لتهمس باختناق
" يا رب لا تجعله يكرهني ..."


سلسلة  قلوب  شائكة/ الجزء الثاني ( نيران الجوى )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن